اعادة هيكلة البنية الثقافية للمجتمعات هي المدخل الصحيح الى التنمية

شبكة النبأ: يعتبِر العديد من المختصين ان تغيير البنية الثقافية للمجتمعات هو المدخل الصحيح الى التنمية، كما ان مفهوم التنمية ليس مرتبطا بالعوامل السياسية والاقتصادية والصناعية وحدها بل بثقافة المجتمع كله.

وقال الناقد العربي الدكتور جابر عصفور، استاذ النقد في جامعة القاهرة في محاضرة بعنوان (الثقافة..التنمية..التغير الاجتماعي) في ندوة (الثقافة والتنمية) اليوم ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الـ14 ان هناك عدة مفاهيم خاطئة عن التنمية والتقدم حيث يرتبط أول هذه المفاهيم بجعل الاقتصاد العامل الأول للتنمية.

وأوضح ان المفهوم الثاني ارتبط بالتوسع الصناعي وتحويل المجتمع من زراعي الى صناعي اضافة الى مفهوم آخر خاطىء ارتبط بالاصلاح السياسي وتغيير العلاقة بين الحاكم والمحكوم. بحسب (كونا).

وقال عصفور ان عددا من دول العالم الثالث أدركت أن الثقافة، هي المفتاح السحري والدواء الناجع والحل الأمثل لكل أمراض التخلف وعوائق التنمية. موضحا ان هناك ثقافتين تؤثران في التنمية، الأولى ثقافة التقدم التي تدفع بعجلة التنمية والاخرى ثقافة التخلف التي تحيل أحلام التنمية الى كوابيس.

وأضاف ان الثقافة الأولى هي ثقافة الاستنارة التي تعطي الأولية للعقل وتنحاز الى الابتداع على حساب التقليد وتشيع مفهوما موجبا عن الانسان القادر على صنع العالم الذي يحلم به بارادته الخلاقة مختارا فاعلا مريدا دون قيد مفروض عليه.

وذكر ان ثقافة التقدم اذا كانت ثقافة التنوع الخلاق من منظورها الانساني الأوسع فهي ثقافة الحرية والعدل وحق الاختيار والاختلاف وحرية التعبير والتفكير من منظورهما الوطني الأقل شمولا.

وفي شأن الثقافة الأخرى وهي ثقافة التخلف قال عصفور انها العائق الأساسي الفعلي لدفع عجلة التنمية، فهي ثقافة اتكالية اذعانية تقليدية تمييزية معادية للمرأة في الأغلب الأعم ومعادية لحرية الفرد في التفكير والتعبير وحق الاختلاف في كل الأحوال.

واضاف ان الدليل العملي ومن خلال تجارب الأمم أثبت ان تسارع معدلات التنمية ومجالات التقدم مشروطة بثقافة التقدم، في حين أسهمت ثقافة التخلف ولا تزال في عرقلة كل محاولات التنمية في دول العالم الثالث.

وقال عصفور، ان ثقافة التخلف، أفشلت محاولات التنمية التي اعتمدت على الاقتصاد وحده أو الاصلاح السياسي الفوقي.. فضلا عن الصناعة والأبنية التحتية الأساسية اللازمة لتقدم العلم في كل مجالاته.

وأوضح ان التنمية الاقتصادية كالتنمية الصناعة كالاصلاح السياسي أو الاجتماعي، محكوم عليها بالفشل اذا صاحبتها ثقافة مضمحلة تقوم على القهر والقسوة ونهايتها الاخفاق.

وذكر ان التحدي الذي يواجه أقطار العالم الثالث خصوصا في هذه السنوات الصعبة هو، ايجاد أنماط جديدة للحياة من ناحية وايجاد طرق متعددة للتنمية من ناحية موازية وذلك في موازاة العمل على اشاعة ثقافة التقدم.

وقال ان بعض دول العالم الثالث تعلمت من تجاربها الفاشلة ان التنمية اذا انفصلت عن سياقها الثقافي والانساني وغلبت على ثقافتها صفات التخلف "تصبح كائنا بلا روح".

وشدد عصفور على ضرورة فهم ثقافة التنمية وتنمية الثقافة بوصفها عملية جدلية يتبادل طرفاها التأثر والتأثير فلابد من النظر الى ثقافة التنمية وتنميتها على السواء بوصفها عنصرا تأسيسيا في عملية التنمية التي لابد أن تكون متجاوبة الأطراف متزامنة العناصر.

وأوضح ان هذه العملية تعني وحدة المجال الذي تتبادل فيه الثقافة ومجالاتها الموازية للتنمية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعلميا.. فلا تقدم اقتصاديا دون ثقافة موازية فالحركة الشاملة للتقدم هي حركة شاملة لا انفصال بين مكوناتها وعناصرها.

وطالب بضرورة المراجعة الثقافية ودعم ثقافة التنوع الثقافي الخلاق، وهو تنوع لا معنى له دون ثقافة التنمية وتنمية الثقافة في الوقت نفسه.

يذكر ان ندوة (الثقافة والتنمية) تقام ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي حيث تعقد على مدى ثلاثة أيام بواقع جلستين في اليوم.

علاقة الثقافة والتنمية شديدة التعقيد والتشعب 

وفي سياق متصل أكد استاذ الانثروبولوجي الدكتور أحمد أبو زيد ضرورة ان يكون المدخل لدراسة وفهم طبيعة العلاقة بين الثقافة والتنمية تعدديا وليس أحاديا لأنها شديدة التعقيد والتشعب لاسيما في ظل الظروف السائدة في العالم.

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها أبوزيد بعنوان (الثقافة ومسيرة الانسان) ضمن ندوة (الثقافة والتنمية) في فعاليات مهرجان القرين الثقافي.

وقال ان من أسباب تعقد العلاقة وتشعبها، التفكك الذي يتعرض له التراث الثقافي وأنساق الحياة التقليدية في معظم مجتمعات العالم الثالث بوجه خاص.

وأضاف، ان هذا التفكك هو نتيجة اتساع شبكة العلاقات بين دول العالم وتدفق المعلومات وسهولة الحصول عليها من العالم المتقدم وتداولها في المجتمعات الأقل تقدما وتطورا وتأثير الاستعارات الثقافية، بحيث بات الكثيرون يعتقدون ان التنمية تعني التحديث حسب نموذج معين بالذات هو النموذج الغربي.

وذكر ان الواقع يحتاج الى الرجوع الى تصور أو مدخل كلي متعدد الأبعاد يأخذ في الاعتبار مختلف النظم والأنساق والعلاقات الاجتماعية وأساليب الحياة وأنماط المعرفة والمعتقدات والقيم مع الاهتمام في الوقت نفسه بمتطلبات الأهالي أنفسهم "أي ثقافة المجتمع ذاته حتى تحقق التنمية أهدافها".

وأضاف ان مفهوم التنمية أكثر تعقيدا من مفهوم النمو الذي يشير في الأغلب الى الأبعاد الكمية ولا يعطي للاعتبارات الكيفية ما تستحقه من اهتمام .

وأوضح ان التنمية، عملية تهدف الى تحسين نوعية الحياة من خلال العمل على تحقيق النمو الاقتصادي والارتفاع بمستوى المعيشة للأفراد والشعوب وتوفير الظروف التي تساعد على المحافظة على كرامة الفرد بتوفير الخدمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتنويع مجال الاختيارات المتاحة للفرد في الحياة وفي مختلف العلاقات والانشطة الاقتصادية والاجتماعية.

- وقال أبوزيد، ان التنمية تتضمن عنصرا أخلاقيا "لأنها تمس حياة البشر في المحل الأول فالانسان هو مصدر التنمية وغايتها" مشددا على ان قرار التنمية هو "قرار اجتماعي اخلاقي وليس قرار اقتصاديا خالصا".

وأكد ان عملية التنمية يجب أن تتم "في اطار الثقافة الخاصة بالمجتمع مع عدم اغفال العوامل والظروف والمتغيرات العالمية لان أحد أهداف التنمية في الوقت الحالي هو ربط المجتمع المحلي بثقافات العالم تمشيا مع تراجع فكرة المجتمع المنعزل التي كانت تتردد في كتابات الانثروبولوجيين في النصف الأول من القرن الماضي".

وشدد على ضرورة النظر الى الثقافة على انها، كيان مركب وقابل للتغير والتشكل وليست كيانا جامدا أو ساكنا أو متجانسا داخليا. موضحا ان الثقافات المعاصرة تعاني كثيرا من الصراعات الفكرية المتضاربة التي تعرقل التنمية اذا أخفق المجتمع في التوفيق بينها.

وأكد أبوزيد أهمية أن تكون هذه الصراعات الفكرية الناجمة عن التنوع مصدر قوة دافعة الى تحقيق المزيد من التقدم.

وأضاف ان دور الثقافة في التنمية يجب ألا يفهم على أنه يؤلف جزءا من التنمية وأهدافها الرئيسية أو أنه دور ثانوي أو مساعد على انجاز التنمية بنجاح فحسب وانما يجب أن ينظر اليه على انه جوهر العملية التنموية التي هي عملية انسانية تتعلق بكيان ووجود وكرامة الكائن البشري مصدر التنمية ومقصدها.

الثقافة تلعب دورا مهما في التنمية الشاملة

وقد قال الامين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في الكويت، بدر الرفاعي، ان للثقافة دورا تلعبه في التنمية الشاملة للأمم وهي ايضا طريقة للحياة ونمط حياة تشكله وفقا لمفاهيم ومعاني منظومات عقائدية وقانونية واعراف وقيم تشكل بدورها شكل الحياة التي يختارها شعب من الشعوب .

واضاف في كلمة لدى افتتاحه الندوة الرئيسية لمهرجان القرين والتي استمرت ثلاثة ايام، ان الاجداد عاشوا في اوطاننا ولم تكن هناك حكومات كاليوم او اجهزة حكومية تقدم الرعاية بقدر ما كانت تلك السلطات بمثابة جابية للضرائب مقابل حفط الامن العام .

واشار الى ان، الاجداد قطعوا رحلة طويلة شاقة من قبلنا حتى وصلنا الى ما نحن فيه من مجتمعات اساسها القانون والسلطات فيها موضع مساءلة.

واوضح ان السلطات ليس مطلوبا منها حفظ الامن فقط بل المطلوب هو مجموعة كبيرة من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية اضافة الى وضع الخطط التنموية ومراقبة اقتصاديات البلاد واثراء مواردها وتوفير الوظائف .

وقال انه يجب على السلطات ان تتوقع الأسوأ فتعد له عدته في عصر سمته التغير السريع الوتيرة وتساءل اين هو دور الثقافة وكيف يكون شأنها امام تحديات التنمية وتسارع وتائرها في زمن لا يتثاءب او يأخذ قسطا من الراحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3 كلنون الاول/2007 - 22/ذوالقعدة/1428