ظاهرة الشهادات الجامعية.. التزوير والتصدير

  المحامي: جميل عودة/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 (وزارة الداخلية اعترفت بـ9 آلاف وثيقة وهيئة النزاهة أحالت 40 شخصاً على المحاكمة... وموظفون كبار وضباط... شهاداتهم مزوّرة وبعضهم حاول تهريب المتهم") صحيفة الحياة   23/11/2007

يُقال إن مسؤولين عراقيين كبار على مستوى مجلس الحكم، وأعضاء في الجمعية الوطنية ومجلس نواب، ووزراء ووكلاء ومستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة ومدراء عامين ومدراء، وضباط عسكريين مرموقين، وأعضاء مجالس المحافظات والبلديات، والهيئات المستقلة: كالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء السياسيين متهمون بتزوير شهادات مدرسية وجامعية. ولم تخل دائرة حكومية من وجود مزور أو متلاعب بشهادة مدرسية أو جامعية!!.

   ومفوضية النزاهة في بغداد والمحافظات أعدت مئات من ملفات التلاعب وتزوير شهادات الإعدادية والجامعية... لغرض تقديمها للمحاكم الجنائية المختصة. فقد جاء على لسان الناطق باسم هيئة النزاهة سمير الشويلي أن «إجراءات قانونية اتخذت بحق عشرات الموظفين الكبار بتهم التزوير فأحيل 40 مسؤولاً حكومياً إلى المحاكم المختصة، بعضهم يعمل في الحكومة المركزية في بغداد وآخرون في المحافظات» "الحياة المصدر السابق" ليس هذا فحسب؛ فهناك من يؤكد أن بعض أعضاء مفوضية النزاهة هم متورطون بتزوير الشهادات الجامعية أيضا!.

والآن.. إذا كان هناك تزوير للشهادات العراقية؟ من يقوم بعمليات التزوير؟ لماذا انتشرت ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية؟ ما هي الفائدة من تزوير الشهادات؟ من هي الجهات الرسمية المسؤولة عن عمليات مراقبة وكشف التزوير؟ ما هي مسؤولية وزارة التربية والتعليم العالي؟ وما هي الإجراءات التي  يجب اتخذها للحد من هذه الظاهرة العلمية والسياسية المنحرفة المتصاعدة؟

    تزوير الشهادات المدرسية والجامعية أتخذ ثلاث صور: صورة تزوير الشهادات من الدوائر الرسمية العراقية المخولة بإصدار الشهادات لغرض التعيين في دوائر الدولة، وصورة إصدار الشهادات من الدوائر الرسمية العراقية لغرض استخدامها في دول اللجوء والمهجر، وصورة تزوير الشهادات الأجنبية الصادرة من الدوائر الرسمية الأجنبية لغرض استخدامها في العراق.

   وهناك التزوير الفعلي للشهادات العراقية المدنية، حيث قام بعض الأفراد الذين لم يحصلوا على شهادة الإعدادية أو المعهد أو الجامعة بتزوير شهادات لهم... وذلك لغرض التعيين أو لغرض الهجرة واللجوء... وهذا النوع من التزوير يتم عادة بطرقتين:

 1- تزوير دون علم الجهات الرسمية: وهو قيام الأفراد المزورين بإعداد شهادات مزورة من تلقاء أنفسهم، بالاعتماد على شبكات تزوير الشهادات المنتشرة في العراق، وعمل نسخة مطابقة للنسخ التي تصدرها المدارس والمعاهد والجامعات العراقية.

2- تزوير شهادات بعلم الجهات الرسمية: حيث قام عدد من الأفراد المتمكنين ماديا أو لهم معارف في الدوائر الرسمية المعنية بإصدار الشهادات بتزوير شهادات لهم، بالاتفاق مع الموظفين المسؤولين لتسهيل إصدار الشهادات مقابل أموال "رشوة" ويتم تسجيلها بشكل رسمي بحيث يصعب التعرف عليها أو كشف المزور؛ لأنه يمتلك مستمسكا رسميا، وتم ذلك لبعض الذين تم قبولهم في دوائر الدولة كموظفين...

فقد كشف الدكتور عبد الله الموسوي المستشار الثقافي في السفارة العراقية في لندن لـ"الزمان" انه يتعرض لضغوط من مسؤولين عراقيين كبار لاعتماد شهاداتهم المزورة وإعادتها إلي بغداد كشهادات حقيقية حصلوا عليها من جامعات غير موجودة أساسا في بريطانيا أو مهروا عليها بأختام مزورة باسم مواقع أجنبية علي الإنترنت لا علاقة لها بمنح شهادات الدكتوراه والماجستير "المقدمة من المزورين لاعتمادها كشهادات حصلوا عليها من خارج العراق". وأكد الموسوي لـ"الزمان" أن "وزارة التعليم العالي التي يتبع لها أعلمته بكتاب رسمي صدر عن هيئة النزاهة أوضحت فيه للوزارة أنها تلاحق 905 من العراقيين الذين زوروا شهاداتهم حيث طلبت من الوزارة مساعدتها في هذه الملاحقة" خاصة وان اغلب هؤلاء المزورين لازالوا في الخدمة العامة ويعاملون على أساس شهاداتهم في سلم التدرج الوظيفي والرواتب والامتيازات المالية. "المصدر الدكتور عبد الله الموسوي المستشار الثقافي في لندن يفضح تزوير الشهادات لبعض النواب، شبكة  العراق الثقافية"

فيما أكد وزير التربية في المؤتمر الصحفي الذي عقده في المركز الإعلامي لمجلس الوزراء؛ وبث مباشرة من على قناة العراقية الفضائية أن الوزارة اكتشفت آلاف من الوثائق والشهادات المزورة وتم تقديمها إلى المحاكم المختصة.. 

   ولكن عند النظر بدقة إلى الشخصيات السياسية التي وصلت إلى مناصب مرموقة في الدولة، نجد بعضهم يمتلك شهادات عالية من أرقى الجامعات العالمية أو من الجامعات العراقية، بينما نجد بعضهم قام –بالفعل- بتزوير شهادته وبعض الشهادات المزورة محفوظة لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والهيئة العليا للنزاهة وسيتم تقديمها للمحاكم المختصة كلما تقدمت العملية السياسية.

   وبعض الأعضاء لم يقدم شهادة جامعية وإنما اكتفى بالسيرة الذاتية التي قدمها للمفوضية ولكنه ادعى في سيرته الذاتية أنه حاصل على شهادة بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه في الجامعة الفلانية.. من الدولة الفلانية. وبعضهم لم يقدم شهادة أو يدون في سيرته الذاتية أنه حاصل على شهادة جامعية ومع ذلك تم قبوله في المناصب الرفيعة!

وهناك التزوير الفعلي للشهادات العراقية العسكرية: وذلك من خلال تزوير للشهادات العسكرية بغية الحصول على وظيفة ورتبة عسكرية. والشهادات العسكرية والأمنية: إما أن تكون شهادات رسمية عسكرية صحيحة لكونها صادرة عن الجهات الرسمية المخولة بمنح شهادات كوزارة الدفاع والداخلية والأمن وغيرها من الدوائر الرسمية المخولة... وهذه الشهادات هي التي تمنح الحائزين عليها حق الالتحاق بالصف العسكري والأمني ضمن وزارتي الداخلية والدفاع والأمن. وإما أن تكون شهادات عسكرية مزورة... تثبت أنهم من خريجي الكليات العسكرية والأمنية العراقية.  

   وقد ساهمت القوانين والأوامر واستغلال الثغرات القانونية والسياسية والفراغ الأمني وسوء تطبيقها في شيوع ظاهرة التلاعب وتزوير الشهادات العسكرية، فالأمر (91) لسنة 2004 الخاص بدمج الميليشيات في الحياة المدنية والعسكرية بعد إعادة تأهيلهم، وغيره من القوانين منحت وزارة الداخلية والدفاع حق منح المئات من الرتب العسكرية إلى أشخاص لم يكونوا عسكريين، فعلى سبيل المثال هناك أفراد تخرجوا من كليات مدنية منحوا رتب عالية بحسب العمر، وأرسلوا بدون دورات أو مع دورات قصيرة إلى الثكنات ومراكز الشرطة. ونتيجة لاستغلال الظرف العراقي الراهن تم قبول أفراد من غير الخريجين المدنيين يقال أن بينهم ضباطا لا يجيدون القراءة والكتابة؛ ويحملون رتب عسكرية كبيرة ويقودون مراكز الشرطة وسيطرات التفتيش!. أو رتب عسكرية لضباط قدامى؛ فهناك بعض الضباط العراقيين الصغار تركوا الخدمة العسكرية لأي سبب كان، تم منحهم ضمن وزارة الدفاع والداخلية رتب عسكرية تطابق رتب أقرانهم المستمرين في الخدمة العسكرية...

    فمن جهتها اعترفت وزارة الداخلية في بيان أمس بأن 9 آلاف من عناصر الشرطة والضباط وموظفين كبار في الوزارة زوروا شهاداتهم. وقالت مصادر مقربة من مجلس الوزراء لـ «الحياة» إن «حوالي 1000 موظف في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي زوروا شهاداتهم ويعاملون على أساس الشهادات، ووفقا لسلم التدرج الوظيفي ويتقاضون الرواتب والامتيازات المالية بناء على ذلك لكننا بدأنا بملاحقتهم». " المصدر بغداد – عبد الواحد طعمه، الحياة، 23/11/2007.

الحقيقة هناك مشكلة تتعلق بالشهادة المدرسية والجامعية لا يجب التقليل من شأنها، وهي أن الكثير من الأسر العراقية التي غادرت العراق بسبب الاضطهاد والتميز الطائفي والعنصري الذي كان يمارسه النظام البائد لم تتمكن من إرسال أبنائها للمدارس أو إذا تمكنوا من المدارس الابتدائية فانهم لم يتمكنوا من تسجيلهم في المدارس المتوسطة والإعدادية والكليات...إما لاختلاف اللغة كما في إيران وتركيا أو لعدم قبول تلك الدول للطلبة العراقيين كما في الأردن وسوريا والسعودية... الأمر الذي دفع بعضهم تحت ضغط الرغبة في إكمال الدراسة أو الوظيفة لتزوير شهادة أو الادعاء بوجودها.... 

   السيد حسين الشمامي، مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، ولدى سؤاله عن شهادات من جامعات غير معترف بها، أو غير معادلة لمثيلاتها في العراق، قال إن «بعض المسؤولين درس في جامعات مفتوحة وحرة تنتشر في أوروبا وحوزات علمية دينية في إيران وسورية والنجف. والمشكلة أن القانون العراقي ووزارة التعليم العالي لا تعترفان بهذه الجامعات، والخلل أن الوزارة العراقية غير منفتحة على هذه النظم من التعليم المتطور في الدول المتقدمة». وأوضح أن «الامتناع عن معادلة الشهادات اضطر بعض المسؤولين إلى جلب شهادات معادلة بطريقة غير قانونية أو البحث عن جامعات في الخارج لمعادلة شهادته وهي طريقة غير شرعية أيضا».

    نحن نعتقد أن ظاهرة التلاعب وتزوير الشهادات العراقية ظاهرة علمية واجتماعية خطيرة بحاجة إلى وضع حلول مناسبة لها، تمنع ضعاف النفوس من استغلال حالة الضعف السياسي والقانوني للبلاد، والوقوف بوجه كبار المزورين والمتلاعبين، وأهم التوصيات هي:

- أن يقوم كل من مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والوزارات والهيئات المستقلة بمراجعة سريعة ومنضبطة لكافة الوثائق والشهادات المقدمة لهم من قبل أصحابها للتأكد من صحتها أو عدمها.

- أن تقوم وزارة الدفاع والداخلية والأمن والمخابرات بالتحقيق من صحة الوثائق والشهادات التي قدمها الضباط والمنتسبون لها، ووضع الأسس العلمية والقانونية السليمة لشمول الخريجين من الكليات المدنية اللذين يمكن قبولهم في الوزارات والهيئات العسكرية.

- تسهيل إجراءات معادلة وتصديق الشهادات العراقية والأجنبية لتمكين أصحابها من ممارسة اختصاصاتهم بشكل طبيعي دون عراقيل.

- استثناء الطلبة العراقيين اللذين درسوا في الخارج ولم يكملوا الصفوف المنتهية وعادوا إلى العراق من شروط القبول، أو إيجاد أنظمة وتعليمات تسهل عملية قبولهم في المدارس والجامعات بدل لجوئهم إلى عمليات الاحتيال والتزوير.

- إخراج المسؤولين المزورين أو المتلاعبين بشهاداتهم من دوائرهم وتعيين آخرين.   

- محاسبة المزورين والمتلاعبين بالشهادات العراقية الرسمية وتسهيل الإجراءات لمحاسبتهم أمام القضاء العراقي.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2 كلنون الاول/2007 - 21/ذوالقعدة/1428