
شبكة النبأ: اليوم لم يعد القول
بالاستعمار او التبعية يلقى حظوة او مصداقية ما في نظر الكثيرين وذلك
لغياب الفترة الزمنية التي يتعين ان تتخذ فيها من الاستعمار تفسيرا
للتخلف، علاوة على هذا فثمة اربع مستعمرات سابقة اثنتان بريطانيتان
هونك كونك وسنغافورة واليابانيتان كوريا الجنوبية وتايوان قفزت الى
ساحة العالم الاول ونادرا ما يتذكر احد التبعية اليوم حتى داخل
الجامعات الامريكية حيث كانت وحتى سنوات غير بعيدة تفسيرا مقبولا لا
يختلف عليه اثنان.
ثمة اسباب عديدة من بين اسباب اخرى نذكر منها انهيار الشيوعية في
اوربا الشرقية وتحول الشيوعية في الصين الى نظام تسلطي ينتقل باطراد
الى نظام السوق الحرة وهناك تداعي للاقتصاد الكوبي بعد توقف المعونات
الشيوعية ونجاح النمور الآسيوية في السوق العالمية وهزيمة ساندينستا
الساحقة 1990 في نيكاراغوا وانضمام المكسيك الى اتفاق نافتا بين
الولايات المتحدة وكندا، وهكذا ظهر في العقد الاخير من القرن العشرين
فراغ تفسيري لجدوى الديمقراطيات.
وها نحن على اعتاب قرن جديد ولا زالت البلدان نفسها في شتى اصقاع
العالم تعاني نفس ما تعانيه رغم مرور اكثر من خمسة عشر عاما من
التفاعلات الديمقراطية.
نصف او اكثر في 23 بلدا اغلبها في افريقيا أمّيون وتشتمل على
البلدان افغانستان بنغلاديش النيبال باكستان وهايتي.
* اكثر من النصف نساء امّيات في 35 بلدا من البلدان التي ذكرناها
مضافا اليها الجزائر ومصر وجواتيمالا ومراكش ونيجيريا والعربية
السعودية.
* متوسط العمر دون الستين عاما في 45 بلدا في 45 بلدا اغلبها
افريقية مضافا اليها افغانستان وكمبوديا وهايتي وبابوا غينيا، ويصل
متوسط العمر في سيراليون الى 37 عاما.
* يموت الاطفال في سن الخامسة بمعدل يزيد عن 100 من بين 1000 في 35
بلدا مضافا اليها اليمن وبوليفيا ولاوس.
معدل النمو السكاني في البلدان الافقر يصل الى 2،1 بالمائة أي بمعنى
ثلاثة اضعاف المعدل في الدول الغنية ومعدل النمو السكاني في البلدان
الاسلامية يرتفع بصورة مذهلة وصل في عمان 0،5 ــ الامارات 4،9
الاردن 3،4 ومثله في السعودية.
والبلدان التي يتفاوت توزيع الدخل فيها تلك التي تزود بصورة غير
منتظمة البنك الدولي بالمعلومات رغم ان اكثرها لا يفعل ذلك، ونجد ذلك
خاصة في امريكا اللاتينية وافريقيا والملاحظ ان الدول العشر بالمائة
التي تمتلك اكثر وفرة وثراء هي البرازيل فسكان البرازيل يحصلون على 48
بالمائة من الدخل وتاتي بعدها كينيا وجنوب افريقيا وزمبابوي وشيلي
وكولومبيا وجواتيمالا وباراجواي يحصلون على 46 بالمائة.
والشئ الذي لا يمكن اغفاله ان المؤسسات الديمقراطية اما ان تكون
ضعيفة بدرجة كبيرة واما ان لا وجود لها في افريقيا وفي البلدان
الاسلامية في الشرق الاوسط وبقية آسيا.
بات واضحا ان مشكلات التخلف اكثر تعقيدا واستحالة على الحل عكس ما
تنبأ به خبراء التنمية وبروز تفسيرين اخذا طريقهما داخل الجامعات في
البلدان الغنية ويتلخص هذان التفسيران في كلمتين ـ الاستعمارـ والتبعية.
وهذا يعني ان الامبريالية في مرحلتها الاخيرة متحولة باطراد في وضع
احتكاري وعن ايجاد اسواق محلية تستوعب منتجاتها وراسمالها.
ان تلك البلدان كانت في السابق مستعمرات او تحت الانتداب او انها
تدخل ضمن ممتلكات دولة اخرى ثم حصلت على الاستقلال من بريطانيا او
فرنسا باعتبارهما ابرز القوى الاستعمارية ، كذلك من هولندا او البرتغال
او الولايات المتحدة او اليابان.
والحقيقة الواقعة ان الامبريالية تركت آثارا عميقة في التكوين
النفسي والقومي ويصدق هذا في افريقيا وبعض بلدان آسيا.
ترى البلدان المسماة بالعالم الثالث والتي استقلت تعاني من كفة
الميزان كنقيض للغنى والثراء
فبلدان الاطراف الفقيرة ضحية الخدعة من جانب بلدان المركز
الراسمالية الغنية فقد خفضت اسعار السلع الاساسية الى ادنى حد في السوق
العالمية وضخمت اسعار السلع المصنعة ، وبهذا حققت الشركات متعدية
القومية التابعة للمركز ارباحا مهولة على حساب البلدان الفقيرة.
ولاي امرئ الحق في التساءل عن ماهية الديمقراطيات التي تتصدر
الموضوعات في عالم اليوم والتي يجري تسويقها واملاء ناموسها على
الآخرين وتشهد الوقائع انها بلا ناموس عملي في الساحة الميدانية
والعملية.
ويمكن تصديق الامر لو ان تلك الديمقراطيات تشتغل كبديل للنظام
الراسمالي لا ان تكون ضمن ادواته والوانه في استغلال الشعوب واحكام
تبعيتها على الآخرين.
كذلك يمكن تبني المبدأ ديمقراطي من قبل الاطراف لو ان المبدأ ذاته
يمتلك الحرية الخصوصية في داخل كل بلد أي بمعنى الديمقراطية الملونة
بالوان البيئة الفاعلة فيها، لا تلك الديمقراطية ذات اللون الاحادي
التي تبث من المرسل الامريكي او غيره.
وعلى هذا ممكن ان تكون الديمقراطيات اكثر فاعلية ومصداقية واكثر
ذاتية تعبر عن المجتمعات الداخلة فيها كالمجتمع الاسلامي الذي يرتكز
فيه الاقتصاد اساسا على عائدية الملكية الاصل، بكونها ليس لاحد من
البشر وانما هي ملك الله وان صفة الامتلاك المحدود انما هو قيمومة لا
اكثر من ذلك.
*وبهذا الصدد يقول الامام الشيرازي (قده) وهو يعبر عن هذا المبدأ:
ان الارض وما عليها وما تحتها لمالكها الاصل هو الله سبحانه وتعالى
واما المالكون فانهم بحكم القيمومة بالحدود، لمن سبق ولمن احيا ولمن
ادار بالوجه الصحيح.
وبهذا فان الشكل الديمقراطي سيخضع وفق آلية اخرى ولون معبر عن العمل
وفق الجذر البيئي والعقائدي والمجتمعي ويسري ذلك للشعوب الاخرى التي
تحيا وفق بيئتها ولونها الخاص.
فمثلما عانت الانسانية من الاستعمار المباشر والهيمنة بواسطة القوة
العسكرية في السابق يبدو جليا اليوم ان الانسانية تتعرض الى انتكاس آخر
ربما اكثر قسوة ومهانة من الاستعمار القديم حيث ستربط مصائر الشعوب من
خاصرتها بالتبعية الاقتصادية وهيمنة القطب الواحد في سلسلة طولها مئات
الكيلو مترات من الديمقراطية التي تبثها اقمار السياسة بلا هوادة.
..............................................................
المصادر:
الإمام الشيرازي/كتاب الاقتصاد
لورانس هاريزون-هنتنجتون/الثقافات وقيم التقدم |