تأرجح العملية السياسية بين التعددية السياسية وتعددية القيادات

خالد عليوي العرداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاسترايجية

 يعد وضع المقدمات الصحيحة لبناء اي نظام سياسي سليم من الشروط الاساس لنجاحه واستمراره، فمن معرفة وتحليل هذه المقدمات يمكن الحكم على ان النظام يسير في الاتجاه الصحيح اوالاتجاه الخاطئ، وعندما يعلو الحديث عن العملية السياسية الجارية في العراق –حاليا- وانها تهدف الى اقامة نظام سياسي ديمقراطي، يرد التساؤل الاتي:

 هل وضع صناع القرار والمسؤولون والمهتمون المقدمات الصحيحة لهكذا نظام ام لا؟

لاشك ان البعض سوف يرد بالايجاب على هذا التساؤل انطلاقا مما يسمع او يقرأ او يتصوره عن  العملية السياسية،ولكن لندع العجلة في اطلاق الاحكام جانبا قليلا ولنبدأ بتحليل واحدة من المقدمات الضرورية لاقامة اي نظام سياسي ديمقراطي، لنكتشف مدى ملائمة الشعار للواقع الا وهي التعددية السياسية او التعددية الحزبية، حيث يشكل الاعتراف بالتعددية الحزبية والسماح بها وبث ثقافتها ضمانة حقيقية للبناء الديمقراطي فمن ادعى الديمقراطية بلا تعددية حزبية فانه يخدع نفسه ويخدع الاخرين، فهل توجد تعددية حزبية حقيقية في العراق اليوم؟

ان التعددية الحزبية تعني وجود احزاب متعددة لها برامج سياسية محددة، وافراد يؤمنون بهذه البرامج ويتولون التبشير بها ونشرها بين افراد المجتمع ويتعهدون بتطبيقها في حال الوصول الى السلطة، ويبقى النجاح في هذا الهدف (الوصول للسلطة) رهن بجاذبية البرنامج السياسي للحزب ومدى الاقبال عليه من الجماهير وكفاءة العناصر الذين يمثلون الحزب، اما الاطار السياسي والثقافي لعمل الاحزاب، فيجب ان يرتكز الى روح التنافس البناء والسماح للجميع بامتلاك فرص متساوية للعمل السياسي ونبذ العنف والقوة في لغة الخطاب، وتقبل الاخرين والتسامح معهم وعدم اقصاءهم، والاعتراف بالهزيمة في حال حصولها وعدم التشبث الاعمى بالسلطة، لان هدف اي حزب سياسي يكون خدمة الشعب من خلال برنامجه المطروح لا خدمة اعضاءه بامتلاك السلطة، فالسلطة وسيلة لاهدف بالنسبة للحزب السياسي الحقيقي.

 والدستور والقانون مقدس ومحترم في ظل التعددية السياسية، كما لاتعني التعددية الفوضى والارباك، بل هي تمثل اعتراف واقرار بالتنوع باشكاله الفكرية والمادية المختلفة، وتوجيه لهذا التنوع باتجاه ايجابي فاعل -وفقا للقانون- يبرز كفاءة  الافراد ولايسلبهم حقوقهم وحرياتهم، وان التعددية السياسية بالصورة اعلاه تعد ضرورة قصوى وحقا حيويا لايمكن التنازل عنه اوالاستهانة به في اي مجتمع ديمقراطي، ويشكل ضمانة حقيقية تحمي الدستور والقانون، في الوقت الذي يعطيها الاخير مشروعيتها.

 كما تمنع السلطة من الاستبداد والانزلاق نحو الدكتاتورية، لذا قيل ان الحكام في الغرب الديمقراطي قد يرغبون بالاستبداد بالسلطة، لكنهم لايستطيعون بسبب التعددية السياسية التي اقرها القانون وسار عليها العمل السياسي، فهل توجد مثل هذه التعددية السياسية في العراق اليوم؟

 الواقع يقول ان الاحزاب في عراق مابعد 9 / 4 / 2003 كثيرة واحيانا بشكل يفوق التصور، لكنها لم تخلق الاطار الصحيح للتعددية السياسية، بل العكس احيانا هو الصحيح، اذ قد يشكل كثير من هذه الاحزاب عامل قبر وتشويه للعملية السياسية عموما وللتعددية الحزبية بشكل خاص وللاسباب الاتية:

1- ان كثير من هذه الاحزاب بلا  برنامج سياسي واضح تلتف حوله الجماهير وتشعر انه يحقق مصالحها.

2- ان هدف هذه الاحزاب هو امتلاك السلطة لاخدمة الشعب فهي تجري خلف الكراسي بدلا من ان تأتيها الكراسي كأستحقاق وبصرف النظر عن من يمنح الكرسي او كيف يتم الحصول عليه.

3- انها احزاب طوائف وقوميات ومناطق وفئات اكثر منها احزاب وطنية واسعة الامتداد تجمع العراقيين.من الجبل الى البحر.

4- سيادة ثقافة الاقصاء والنبذ والتهميش في الخطاب المتبادل بين هذه الاحزاب بدلا من ثقافة الحوار وتقبل الرأي والاجتماع على قواسم وطنية مشتركة، مع ان الدستور يقر وجود التعددية.

5- سيادة نزعة الزعامة والقيادة الفردية في هذه الاحزاب بحيث نجد ان الاحزاب السياسية العراقية تستمد وجودها من الانتماء لشخصيات محددة اكثر مما تستمده من برنامجها السياسي فهي قائمة على الولاء لهذه الشخصيات بدلا من الولاء للوطن.

6- ان بعضها هي احزاب نخبة وليست احزاب جماهير فتحاول تلافي هذا العيب بوسائل مختلفة لاتمت للعمل الحزبي بصلة.

     ان هذه المؤشرات على الاحزاب العراقية الحالية تجعل المراقب يحكم ان مايوجد في العراق هو تعددية قيادات سياسية وليست تعددية سياسية، وان الصراع بين هذه القيادات اباح استخدام كل الاسلحة من الخطاب الطائفي التهييجي المشحون بالعاطفة الى السب والقذف امام وسائل الاعلام، ومن حياكة المؤامرات وعقد المؤتمرات الداخلية والخارجية الى تعطيل الدستور والقانون وتأخير برامج الحكومة، ومن التحالف مع امريكا الى التحالف مع اي كان حتى لو  كان الشيطان، وفي خضم هذا الصراع كان الضحية المواطن العراقي قتلا وتعذيبا ونهبا وتشريدا، كما كانت الضحية العملية السياسية التي اضحت مشلولة الخطى مع انعدام البرامج السياسية والاقتصادية والادارية والثقافية... الواضحة والكفيلة بخلق نهضة حقيقية في العراق.

  ولايمكن لهذه البرامج ان ترى النور كما لايمكن للعملية السياسية ان تنجح او تتكلل ببناء نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوق الانسان العراقي وحرياته مالم  تتجسد في العراق تعددية سياسية حقيقية.

 ان ترك تعددية القيادات السياسية يعد شرطا ضروريا  لبناء العراق الديمقراطي، فاذا لم يحصل ذلك فأن نظامنا السياسي يفتقر لاهم ضمانات نجاحه وديمومته، بل ان وأد الديمقراطية الوليدة سيكون متوقعا بصرف النظر عن الحجج والاقاويل والشعارات المرفوعة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاسترايجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27 تشرين الثاني/2007 - 16/ذوالقعدة/1428