قل ولاتقل.. فرحة لم تكتمل

لطيف القصاب

 وجدت نفسي من حيث ادري ولا ادري مدعوا الى ندوة تسّمر فيها الحاضرون امام استاذ في اللغة العربية كان يلقي في منتهى الحماسة والجدية...  محاضرة تتحدث عن الانحراف اللغوي..

لم يكن في الامر جديد يستحق عناء الحضور اصلا هكذا فكرت في بداية الامر,الا ان شيئا حدث قبل نهاية الندوة بدا مهما لي ولاكثر الحاضرين الممتعضين من طريقة البعض في التشدد اللغوي والعودة القسرية  بعرب هذا الزمان الى عصور ما قبل التدوين...., لقد كان ذلك الشيء المهم هوالسماح لمن يحب من الجالسين باعتلاء المنصة والتعبير عما يجول في خلجات نفسه حول المحاضرة سابقة الذكر.

 وكم كان الامر مدهشا حينما اجمع المتحدثون في غالبيتهم الساحقة على غرابة  هكذا محاضرات عن روح العصر بل عن روح اللغة نفسها خصوصا مع ملاحظة ان اللغة هي اداة تعبير وتواصل يفترض فيها توخي البساطة والوضوح وعدم التعقيد والاكراه على استعمال تراكيب عفا عليها الدهرسيما دهر الناس هذا...

وكم كان جميلا قول بعض الاخوة الاعزاء المشاكسين، بان اللغة هي من سنخ عادات الاسلاف الميامين، والتي قد لا تصلح كلها اوبعضها على اقل تقدير  لنا نحن الاحفاد المساكين...

وقد كنت من النفر الذين  كان لهم شرف النقد الذي ينأى عن حدود التفريط والافراط  بنفس الدرجة التي يقترب فيها من الوسطية والاعتدال او هكذا ادعي.. ، واذكر انني عندما دافعت عن بعض الاغلاط الشائعة بحجة شيوعها عند الناس...المتعلم منهم والامي وبذريعة القول الماثور: رب خطا شائع افضل من صحيح ضائع، وان المذيع مثلا...عندما يستبدل لفظة العناوين المعتادة في نشرات الاخبار بلفظة العنوانات.. التي يعدها النحاة ومنهم الاستاذ المحاضر هي اللفظة الصحيحة الفصيحة فقط لاغير.., سيبدو الامر مستهجنا بالنسبة لاذان السادة والسيدات المستمعين والمستمعات، ولن تنفع في تلميع صورته او التقليل من نشازه الصوتي عبارات  قل ولا تقل ثقيلة الدم القديمة الجديدة..

اقول انني  احسست بانتصار عارم تاكدت من مدى شدة عرامته من خلال قراءة عيون الجالسين التي لم اشكك في تعاطفها معي خصوصا وان بعضهم  قد تحدث بطريقة ناقدة ايضا عن صيغ تكسير اخرى لا تقل رقاعة عن لفظة عنوانات من قبيل لفظة اعطية الصحيحة.. بدلا من لفظة عطاءات الخاطئة... او لفظة اجوزة بدلا من جوازات..., وعليه فقد ارتعشت غبطة  بيني وبين نفسي واستبد بي السرور الى درجة انني تبادلت التهاني الحارة  مع بعض المشاركين في تلك الندوة على نجاح قوى المعارضة في التصدي لذلك الاستاذ المتسلط..، الا ان الفرحة لم تكتمل..  ففي اليوم التالي مباشرة نقل لي احد من تبادلت معهم التهاني.. الحكاية المزعجة التالية:

يقول الراوي  انه وبينما كان حاضرا في احد قاعات الدرس ينتظر مع سائر الطلبة الاخرين  قدوم استاذ مادة علم النفس فاجئهم الأخير  بسؤال لغوي مفاده: من يستطيع منكم جمع كلمة جواز...؟ وعندما اجتمع راي  الطلبة على ان الجمع هو "جوازات" لا اكثر من ذلك ولا اقل..انهال عليهم الاستاذ بكلمات لاذعة وصفتهم  باقسى النعوت التي يمكن ان يتصورها طالب يدرس علم نفس بشري...

لماذا كل ذلك التانيب والتعنيف.. طبعا لانهم لم يفلحوا في الاهتداء الى الحل الفصيح الصحيح..، بعد الانتهاء من عبارات اللوم والتقريع وبعدما شارف درس علم النفس على الانتهاء  تكرم  الاستاذ باعطاء الجواب من خلال طالب  لم يسمح له بالكلام طيلة تلك الفترة وادخره لاعلان الاجابة الصحيحة الفصيحة المليحة..  لعلمه المسبق بان ذلك الطالب  كان من جملة الحضور في ندوة الشؤم اللغوية  تلك..,  اما انا فلم اتمالك نفسي من الغيظ وانفجرت بوجه الطالب الراوي  قائلا:  لما قلت له  انها اجوزة ايها المنافق ولم تقل جوازات... 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24 تشرين الثاني/2007 - 13/ذوالقعدة/1428