فتاوى التكفير والبعد عن لغة العصر

خالد العرداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 من اي دين كنت او اي مذهب او ملة اذا لم تفهم لغة عصرك فأنت احمق واسوء انواع الحمقى هم الذين  يجرون الفتن المظلمة والكوارث المخزية على شعوبهم وبلدانهم، لماذا نقول هذا الكلام؟ قطعا لابد من سبب ومناسبة لهذا، اما المناسبة فصدور فتاوى الرجعية والجهل والحماقة من بعض وعاظ السلاطين او مضللي العوام في السعودية والتي تدعو الى نسف وتدمير المراقد المقدسة في العراق وسوريا ومصر، فماهي الملاحظات على هذه الفتاوى؟ وما تأثيرها على العراق والمنطقة والعالم الاسلامي؟

لقد سقط في 9 /4 /2003 اعتى انظمة المنطقة دكتاتورية وظلما وحماقة، ولا اخفي ان هذا السقوط حمل في نفوس ابناء الشعب العراقي فرحة وحسرة، اما الفرحة فخلاص الشعب من جلاده الذي اهانه طويلا وحط من كرامته وسمعته الاقليمية والدولية، واما الحسرة فكانت لان هذا الخلاص تم بايدي اجنبية رافقها احتلال لبلد الحضارات والمقدسات وكان المنى لو ان الامر لم يتم بهذا الشكل وبالصورة المأساوية التي اعقبت التغيير.

لكن  على الرغم من كل شئ كانت الامال العراقية كبيرة بالتوجه نحو حياة افضل واجمل وارقى،وان يترافق ذلك مع دعم عربي واقليمي لبلد يريد ان يكون شعبه مسالما ومستقرا وذا سيادة، فكل عراقي كان يعرف ان البلد تحت الاحتلال ولكنه كان يقول انه احتلال لن يدوم طويلا بمساعدة الاشقاء والاصدقاء والجيران، فهل صدق الظن بهولاء الاشقاء والاصقاء والجيران؟

 الجواب هو كلا فهم ساهموا وآزروا ورعوا قوات الاحتلال قبل وبعد دخولها للعراق، وعندما ظهر لهم ان احتمالات التحرك السياسي بل التحكم السياسي بشؤون العراق لن يكون تحت سيطرتهم عربدوا وزمجروا وملئوا الافاق بالشعارات التي تندد بالاحتلال وتطالب برحيله وانا وكل عراقي نندد بالاحتلال ونطالب برحيله ايضا، فقلنا قد يكون حلفاء الاحتلال قد استيقظت ضمائرهم بعد مندم، فاستبشر اغلب الشعب خيرا بذلك.

 والامد لم يطل كثيرا حتى اتضحت خفايا وبلايا مساهمة الاشقاء والاصدقاء والجيران لا في تحرير العراق وتطويره بل في  تخريبه وتدميره واسنزاف قدراته المعنوية والمادية، وتم الامر في جله تحت شعار الجهاد ولكنه جهاد من نوع خاص، فهو ليس جهادا اسلاميا ولاجهادا وطنيا عراقيا  بل جهاد معجون بدماء ابناء الرافدين، و مزود باحدث واقبح الاسلحة للفتك بالاجساد البريئة والجميلة للاطفال والنساء والشباب والشيوخ  ويستهدف كل ماينبض بالحياة في العراق، وكان التخريب منذ البداية مقرونا بفتاوى حمقاء تحت رعاية حكومات دكتاتورية تحكم بعقلية الحاكم ظل الله والشعب رعايا يتلقون اكرامياته وهباته من امواله التي ورثها عن ابائه واجداده.

ان حماقة هذه الفتاوى تتضح من خلال منطلقاتها ونتائجها، فهي تنطلق من ظلمات الرجعية والجهل والحقد والنقص واللاانسانية مستهدفة فك اواصر النسيج الاجتماعي الواحد، وابعاد الجار عن جاره، وقطع الاخ لرحم اخيه فاسحة المجال للسلب والنهب والسفح والقتل والاستباحة بلاوازع من دين او ضمير او عقل سليم،فكانت نتائج ذلك رفع لشعارات العداء الطائفي بين ابناء الطوائف العراقية التي عاشت لقرون طويلة متصاهرة ومتحابة ومتجانسة، واظهار الدين الاسلامي دين التسامح والمحبة والاخاء بمظهر دين الجلادين والقتلة وقطاع الطرق والمغتصبين امام الرأي العام العالمي،فهللت لهذا دوائر الاعلام الاسود الصهيونية والغربية فقالت لمواطنيها احذروا الاسلام واهله لانكم بذلك تحذرون الهمجية والبربرية واللاأنسانية، ومن النتائج الاخرى الجليلة التي قدمتها هذه الفتاوى ومن يدعمها هو تقديم الاعذار بطبق من ذهب وكأنه تحالف بليل للقوات المحتلة كي تبقى في العراق بحجة عدم الامن والاستقرار فيه والخوف والخشية من الحرب الاهلية الطائفية وهلم جرا من الحجج والاقاويل.

  فهل اخرجتم الاحتلال ياجيراننا بشعاراتكم الجوفاء وفتاوى انصاف متعلميكم التي رعيتموها؟ وهل رفعتم سقف المحبة والالفة بين ابناء الشعب العراقي، اعتقد اننا قد اجبنا على ذلك، واعتقد ايضا ان النية منذ البداية كانت مبيته ضد العراق واهله وتاريخه وتراثه ومقدساته.

وبعد كل ماجرته الفتاوى الضالة من ويلات على الشعب العراقي وعلى صورة الاسلام والعرب في العالم اجمع تظهر لنا فتاوى جديدة تبرر انتهاك مقدسات المسلمين في العراق ومصر وسوريا، وخاصة مقدسات المذهب الشيعي، والتساؤل هو مابال هولاء؟ ومن اي منهل ينهلون؟ وألايتعظون من التجارب القريبة التي اعقبت تفجير مرقد العسكريين في سامراء؟.

ان دول العالم اليوم جميعها تحرص على المحافظة على طقوسها وعاداتها واثارها ومقدساتها لتعكس عمقها الحضاري، وتميزها الثقافي عن غيرها من الامم والشعوب، وهي تحترم طقوس واثار ومقدسات الاخرين بقدر احترام الاخرين لما لديها، فيكون هذا التنوع مصدرا للغنى الثقافي والحضاري الانساني،في الوقت الذي يكون مصدرا للدعم الاقتصادي من خلال حركة السياحة العالمية المتنامية للبشر الباحثين عن الرقي الروحي والفكري والمتطلعين لكل جديد، فكيف اباح البعض لانفسهم الفتوى بتدمير وتحطيم مصادر الغنى الثقافي والتميز الحضاري للمسلمين على غيرهم من الامم والشعوب وهم يدركون ان ذلك سيجر كوارث على المنطقة بأسرها؟

ان ذلك ان دل على شئ فانما يدل على ان اصحاب هذا الرأي هم بحياة الغاب اجدر من حياة العصر الذي يحيون فيه،ومن لايفهم لغة عصره يكون كمن يحفر قبره بيديه، فهو لن ياتي بخير لمجتمعه وامته والانسانية، وفي نفس الوقت لن يحقق اي شئ من الاهداف التي يرفعها، لذا يجب على المسلمين جميعا، وخاصة العلماء الاعلام  ان يبرؤوا من مروجي هذه الفتاوى حفظا لكرامة الانسان والدين، وفي نفس الوقت على الدول الشقيقة والجارة والصديقة التي توفر الرعاية لمصدري هذه الفتاوى ان تدرك انها تلعب بالنار التي سوف تحرقهالان الفتنة اذا اطلت لن يسلم منها احد، وفي ذات الحين هي تحمي سمعتها لكي لاتوصم بانها دول ترعى العنف والارهاب الدولي.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21 تشرين الثاني/2007 - 10/ذوالقعدة/1428