الاعدام جريمة قتل لا ينبغي لدستورنا ان يجيزها

د علي الأسدي

 ان تاريخ عقوبة الاعدام قديم قدم الصراع على الثروة والنفوذ الذي رافق تطور المجتمعات البشرية عبر التاريخ. ولقد اتخذت عملية تنفيذ الاعدامات طرقا عديدة تدرجت تصاعديا في فظاعتها ووحشية منفذيها، تعبيرا عن رغبة الثأراوالانتقام.

استخدمت عقوبة الاعدام لازاحة المنافسين والمخالفين في الرأي والعقيدة الدينية والمذهبية والعنصرية واخيرا السياسية. وهذه الاخيرة كانت وراء الكثير من احكام الاعدام في بلاد الرافدين منذ تاسيس الدولة العراقية، مما وحد قوى المعارضة السياسية العلنية والسرية للوقوف ضد تلك الاحكام وادانتها بكل وسائل الكفاح السياسية.

لقد تصدر النظام السابق الانظمة الشمولية في العالم المعاصروربما في التاريخ البشري كله في مسوغات عقوبةالاعدام بحق ابناء وطنه.ان قائمة الذين نفذ حكم الاعدام بحقهم في تلك الفترة لم يتم حصرهم بعد، فبين حين واخريكشف النقاب عن مقابرجديدة جماعية لأناس من مختلف الاعماربينهم الاطفال الرضع والشباب والكهول. ولم يستثنى من تنفيذ حكم الاعدام في تلك الفترة الحالكة حتى الام الحامل،ولاسباب(استثنائية انسانية) جرى تاجيل تنفيذ حكم الاعدام في الام الحامل لحين اتمامها عملية الولادة.

 ان النظام السابق لم يكن الاول في التاريخ في استخدامه الواسع لعقوبة الاعدام ضد الخصوم السياسيين كما لم يكن الاخير. ففي دول العالم النامي الكثيرة، مايزال ينظرالى عقوبة الاعدام على انها ممارسة قانونية روتينية لا تحتمل النقاش.

 وها نحن الان نقف شهودا على محاكم تصدر احكاما بالموت، وعلى مسؤولين لا يترددون عن تنفيذ جريمة الاعدام بحق المدانين، بدعوى ان ذلك،هو ما تمليه عليهم المسؤولية الوظيفية والواجب الديني والمشاعرالوطنية التي لاتقبل المساومة وانصاف الحلول. وكأن عقوبة الموت هي الوحيدة التي تردع الجريمة والمجرمين.

 ان للمختصين بعلم الاجتماع والعلماء النفسيين رأيا اخر بالعقوبات واثارها على المدانين بارتكاب جرائم جنائية مختلفة، وكيف امكن نقلهم من عالم الجريمة الى الحياة الطبيعية والاندماج بالمجتمع. هذا بخصوص الجرائم العادية،فما بالك بما يدعى( بالجرائم السياسية) التي غالبا ما يتهم بها رموز ادبية وفكرية وسياسيةواجتماعية، وعلماء في شتى الحقول العلمية والطبية وقادة عسكريين تنتهي بهم الى ساحات ومنصات الموت الشنيعة.

ويحدث هذا حاليا في بلادنا، وكأن التغيرات التي يشهدها العراق باتجاه تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان غير معنية باحكام يصدرها القضاء، اووسائل تستخدمها سلطات الامن ضد متهمين او مدانين.

  ان رجالات الحكم الحاليين الذين يتحدثون عن العدالة وحكم القانون، لم يقدموا بديلهم المختلف عن ممارسات النظام السابق، سواء بشأن عقوبة الاعدام او بشأن معاملة المتهمين رهن التحقيق.

 في الوقت الذي كان من المؤمل ان تأخذ مبادئ حقوق الانسان طريقها الى كل مفاصل الحياة اليومية وممارسات الاجهزة الحكومية القضائية والتحقيقية والامنية، تتكشف يوما بعد يوم حقائق تثير القلق والاحباط.

   فقد اعدم رئيس النظام السابق وبعض معاونيه بقسوة ثـأرية وبدائية،اثارت موجة من الاستنكاروالادانة داخل وخارج العراق. فماذا كسبت الدولة من وراء ذلك الفعل اللاانساني؟ وقد كشفت وسائل الاعلام عن حالات تعذيب شنيعة لمتهمين شبه منسيين، لم يحقق معهم رغم مرور فترة طويلة على اعتقالهم.

 ان النظام السابق اقترف اعمالا فظيعة بحق ابناء وبنات الرافدين، فلماذا يتوجب علينا ان نستنسخ افعاله اللاانسانية، ونطبقها بحقه وبحق اخرين بما فيهم موظفين دبلوماسيين وقضاة واداريين وعسكريين؟

استخدام عقوبة الاعدام في العراق الجديد امرينبغي وقفه، لانها واحدة من ممارسات وحشية لانظمة وحشية، لا تتناسب ومبادئ حقوق الانسان التي نص عليها دستور البلاد. ان قائمة العقوبات طويلة ومتعددة، فيها العمل الاجباري لعدة ساعات يقضيها المدان في اعمال انتاجية لخدمة المجتمع،وفيها السجن مع وقف التنفيذ، وفيها السجن مدى الحياة تبعا لطبيعة الجريمة وظروف وقوعها.

ان الجهات الرسمية في بلادنا، تنتظر الاذن من الامريكان لتسلم المدانين في كارثة الانفال تمهيدا لتنفيذ احكام الاعدام بحق ثلاثة من رموز النظام السابق. ويحتدم الجدل حول صلاحية اوعدم صلاحية رئيس الوزراء في التوقيع على تنفيذ اعدامهم،بعد ان اعلن رئيس الجمهورية ونائبيه عن رفضهم تنفيذ حكم الاعدام كما ذكرت وسائل الاعلام.

 لقد  تبنى السيد رئيس الجمهورية مبدأ الغاء عقوبة الاعدام عالميا،وليته ينجح  في استخدام مكانته السياسية والوظيفية لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ في بلادنا.

 ان طريق التسامح والتآخي ونسيان الماضي، كفيل بان يعيد الامل الى جماهير شعبنا، ويجنبها المزيد من العنف والعنف المضاد، ويعزز الثقة في قدرتها على تعويض ما فات واعادة بناء الوطن من اجل مستقبل افضل لجميع العراقيين.

 هناك مقولة عميقة المعنى للكاتب والشاعر الانكليزي الشهير وليام شكسبير،عبرفيها عن واقع شبيه بما يمر به عراقنا الحبيب. يقول الشاعر:

" انت عظيم عندما تملك قوة الاسد، ولكنك مجرم عندما تستعملها كما يستعملها الاسد"

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 18 تشرين الثاني/2007 - 7/ذوالقعدة/1428