
شبكة النبأ: تمر في معظم العصور
حالة اضطراب ومنعطفات تاريخية بفعل الصراع الطبيعي بين بنو البشر من
اجل الحاجات المتنوعة التي يشتد التدافع والتزاحم عليها ونتيجة لاختلاف
المصالح وتعارض الرغبات فانه تحدث الضبابية الفكرية وتختلط الاوراق بين
الحق والباطل ويكون تلمس الحقائق حتى لدى السائرون الى الحق بصدق تلمسا
عشوائيا ان لم يكن مغايرا للسلوك الصحيح، ولا بد والحالة هذه من وجود
حقائق مرجعية او منهجية فكرية حقيقية تفسر الامور على ضوئها ومنهجيتها
لكي يتحصن الفكر من الرؤى المتماهية والخادعة والضبابية.
وقد كانت في التاريخ الاسلامي كثير من المنعطفات والصراعات التي
تتعارض في غالبها مع الروح الاسلامية الا انها متماهية بدرجة كبيرة مع
العنوان الاسلامي ومن اجل ذلك فقد ظهرت افكار وقراءات باطلة للدين
والحياة، الصقت بالجسد الاسلامي الفكري والعقائدي.
فكان وجود اهل البيت المتناوب تاريخيا كمنهج مرجعي لحفظ الدين من
التشوهات والرؤى الناتجة من الصراع الابدي بين الخير والشر.
والامام جعفر الصادق(ع) كان من ضمن ذلك الامتداد الفكري والمنهجي
الذي يحفظ الركائز من التداعي في الوسط المضطرب كذلك العقل المضيء
لانارة الطريق وايضاح ماهو غائم من الرؤى والافكار المنبثقة من الصراع
وفق المعيار الاسلامي الصحيح بما فيه من الارادة الربانية وصفحة الرحمة
التي نزلت على النبي وما اسست له السنة الشريفة من سلوك ومعالجات
للواقع الاسلامي في مستوى التشريع والعقائد.
فالاسلام كان في ذاته خيرا وهدا وبرنامج سلوك يليق بالبشر جميعا
باعتبارهم خلفاء على الارض منذ ان حباهم الله سبحانه وتعالى بالعقل
وميزهم على الخلائق في الدنيا فلا بد ان يبلغوا شأوا ملائما من الرحمة
فيما بينهم وان تطغوا رحمتهم بانفسهم ككيانات اجتماعية الى الحياة
نفسها اي بناء الحياة المثالية في كل اجزاء الارض وهذه الحقيقة قد
قلبتها المصالح وهذه المصالح تحاول دائما ان تحول الفكرة الشفافة الى
كيان دولة اسلامية عمياء اي الى علاقة حاكم ومحكوم بالوسيلة التي تخضع
الاخرون الى سلطاتها الجائرة وكان لا بد من ان تؤسس لخطابات معينة من
اجل تثبيت الركائز لنظامها الحاكم وتشد من قبضة جورها وظلمها للعباد من
ذات العنوان الاسلامي اي ان الدولة التي هضمت الاسلام اعادة انتاجه وفق
مصالحها وبكثير من التبريرات التي بامكانها ان تخدع الاخرون او على
الاقل تقوم بخلط الاوراق فلا يبدو الصحيح صحيحا فهناك تداخل كبير بين
الحق والباطل وبهذه الحالة لايمكن ان تتوضح الامور وتحل عقد التشابك
الا بوجود مرجعيةفكرية رصينة صادقة ومرنة تستهدي بالمبدا الاسلامي
السليم والحقيقي.
كان العصر الذي اختص به الإمام الصادق (ع) عصر فتن واضطراب وحروب
طاحنة ونزاع بين رجال الدولة فيما اصطدمت تلك الدولة بتحركات تهدد
كيانها إضافة للمؤامرات السرية، وقد عم الاستياء جميع طبقات المجتمع
لسوء التعامل الاقتصادي والسياسي، كزيادة الضرائب واستملاك املاك الناس
بالباطل، مما بث النقمة المضاعفة تمثلت بالمعارضة الشديدة في جميع
البلاد الاسلامية.
وبهذا وبغيره من العسف اجهدت الرعية وفقدت الاطمئنان فكان الكل
متاثرا من تادية تلك الضرائب الثقيلة وتمتع اقلية مستهترة من ولاة
الامر واصحاب النفوذ ومن يسير في ركاب السلطة.
هذا في نطاق تلك المرحلة التي مثل فيها وجود الامام شخصا متفاعلا
بالسلوك من خلال الجامعة العلمية التي كان يرعاها في تلك المرحلة من
التاريخ وهو الآن فكرا وهاجا بما خلفه لنا من الافكار والتحليلات
والانوار الكاشفة التي هي ستمتد مع الزمن كمرجعيات تعني بتحليل الواقع
وابانة الخير من الشر.
فهذه الشخصية الفذة من اهل البيت انما تعني نقطة موازنة الفكر
والسلوك الانساني من التردي وعدم الفهم او الارباك في مواجهة الامور
المتنوعة التي تصادف المسلم كفرد او كجماعة او كمجتمع ينزع الى بناء
الحياة وفق المعيار الاسلامي الاصيل ووفق الارادة الربانية المطلوبة من
الانسان،
نقطة التوازن نحن الآن في اشد الحاجة اليها ونحن نرى القتل والتهجير
والاغتيالات والتصفيات السياسية والفوضى وقطع الطريق واهدار الحقوق
باسم الاسلام وتحت العناوين المبدأية والحدود الشرعية الاسلامية اي في
الزمن المر الذي اختلطت فيه الاوراق وتولدت فيه القناعات المغايرة
للمفهوم الاسلامي إضافة الى التشويه الذي اعترى الاسلام والمسلمين.
في ظل هذا الارباك يكون من الضرورة ان تحضرنا كثير من المفاتيح
تمكننا ان نلج المغاليق المبهمة من الامور لنعرف ماذا نريد وماهية
الاعمال التي تعيد الشوارد والمغايرات الى وضعها الطبيعي في نطاق الفكر
والعمل الاسلامي الرشيد. |