التوافقات الشخصية وانعكاساتها السلوكية !!

الدكتور اسعد الامارة

 اذا كانت حقيقة التعامل بين الناس تقوم على عدة متغيرات منها التوافق في وجهة النظر او الرأي او الاتجاه او المصلحة الشخصية، فأن التوافقات الاخرى في السلوك لها نفس قوة التأثير او ربما يزيد على بعضها البعض.

فالسلوك كما يقول" دانييل لاجاش" هو جماع الافعال الفسيولوجية والنفسية واللفظية والحركية التي تقوم بها شخصية متصلة ببيئة لمحاولة حل التوترات التي تحفزها. ويضيف ان الخاصية الاساسية للسلوك هي ان له معنى هو ما للافعال التي يتضمنها السلوك من قدرة على خفض توترات الكائن الحي، وكذلك يتضمن التفكير الشعوري وهو ضرب رمزي من السلوك يحل محل الفعل المادي او يمهد له وهو يتضمن الاتصال ويعني ذلك المظهر الاساس لتفاهم الانسان مع بيئته. هذا التفاهم ينجم عنه التوافق.

اننا نستطيع ان نعرف التوافق على انه محاولة لمواجهة متطلبات الذات ومتطلبات البيئة، بينما الشخصية يمكن ان نعرفها بأنها مجموعة متكاملة من الصفات تميز الفرد عن غيره، هذه المجموعة تضم الصفات الاجتماعية والخلقية والفكرية والعقلية. ويقول علماء النفس ان الشخصية والتوافق وجهان لعملة واحدة.

ان السلوك هو في الحقيقة جملة الاستجابات التي يقوم بها الانسان ازاء المواقف التي تخلق فيه توتراً يتم خفضه عن طريق هذه الاستجابات، فالسلوك ينطلق في العمل من خلال حافز او اكثر يدفعه نحو الحاجات او خفض الانفعالات مع الاخذ بنظر الاعتبار قوة الانا الشخصية "الذات" مع درجة الحرية التي يتمتع بها بالنسبة الى المثيرات القوية السلبية "الرغبات غير الواقعية" او الايجابية " عوامل الضبط الداخلي على الرغبات". فالرغبات غير الواقعية تتمثل في احيان كثيرة بالتعصب او التطرف او التقتير او البخل على النفس او الدعوات المجنونة لاطلاق الرغبات غير المقبولة مثل القتل والعنف والتعامل بفوقية ملحوظة مع الاخرين او التكبر او المباهاة،او الادمان الكحولي او المخدرات  وهو تعبير عن دوافع مكبوتة في دواخل هذه الشخصيات لم تجد الحلول المناسبة لاحداث التوافق، فكان السلوك المناسب لها ان تتعامل بهذه الانماط، فالكبت في الطفولة ادى الى الاحباط وتجسد في البلوغ بسلوك عدواني وعنف ضد الافراد او الممتلكات وهو عدوان مزاح من الصورة الاصلية الى شخص او اشياء مادية فيكون كبش الفداء، وكذلك التعصب في الرأي او المعتقد هو عدوان مزاح من الاب او بديله او قد يكون رد فعل لميول عنيفه نحو التمرد على سلطان الدين، وبصفة عامة على السلطان اياً كان نوعه. اما السياسي الذي لا يجد التوافق في التعامل فأنه ينطلق من اساس سيكولوجي مفاده وجود ميل غريزي لكراهية ما هو مغاير، وهو رؤوية تعتمد النظرة الاحادية الضيفة  برفض الآخر وعدم الاعتراف به او قبوله حتى وان كان مسالما او ودوداً.

ان البحث عن التوافق في السلوك مع الآخر يقوم على عدة مسلمات رئيسة واهمها تكوين الشخصية ونظام العادات الذي يعد نتيجة ثانوية للسلوك لا سيما ان السلوك كما نعرفه هو تكوين فرضي، نستدل به عما يدور في حنايا النفس من تفاعلات او صراعات او توافقات تنعكس بشكل مباشر من اول كلمة ينطق بها الفرد في حديثه او اول فكرة يطرحها لنعرف ما يدور في حناياه من انفعالات او افكار. يقول علماء التحليل النفسي علينا ان نتجمل بكثير من الشجاعة والأناة بل علينا ان نفتح اعيننا على ما يدور في انفسنا عند الحديث او التعامل حتى لا تصدر في ما نقرر إلا عن الحقيقة وحدها، فكيف بالحال هذا حينما نقف امام سياسي يحاول ان يستخدم حيلة التكوين العكسي "ميكانزم دفاعي لا شعوري" لاستغواء الناس لسياسته او لترويج افكاره، او حينما نقف امام رجل دين استخدم الدين ستارا لرؤاه السياسية البعيدة عن الدين وجوانبه الانسانية او لمصالحه الشخصية الضيقة، وحينما يسأل عن هذه الاستخدمات يقول " انها حيلة شرعية" وهي في الحقيقة حيلة لا شعورية "ميكانزم لاشعوري" يريد فيه خفض التوتر الداخلي لديه الناجم عن فعلته الخطأ واستغلاله لروح الدين، ايا كان دينا سماويا او فلسفة تحولت الى دين له اتباع واشياع ومريدين. هذه اللاتوافقات في الشخصية نرصدها بوضوح في سلوك مثل هذه الشرائح من قادة المجتمع، والحال نفسه لدى عامة الناس في تعاملهم مع الاخرين.

ان التعامل مع الواقع بين الافراد في كل مواقعهم الحياتية او الوظيفية او المهنية او السياسية حتى الدينية يقوم على جانب كبير من الاستبصار Insight  في ما يقوم به الافراد في تعاملهم، فالتوافق النفسي يعكس الاتزان في الشخصية، والتوافق المهني يعكس الرضا عن العمل وهو مرتبط بالرضا الكلي عن الحياة، والتوافق الاسري يعكس الاستقرار والرضا في العلاقات الاسرية المتوازنة، ويعكس التوافق الاجتماعي مدى العلاقات بين الذات والآخرين، ويرتبط تقبل الآخرين بتقبل الذات، ويساعد على هذا قدرة الفرد على التطبيع الاجتماعي وضبط النفس وتحمل المسؤولية والقدرة على الاعتراف بحاجته للاخرين وهذا يتضمن القدرة على تكوين علاقات شخصية وثيقة بهم كما يقول (عباس محمود عوض). اما التوافق الديني فهو يشكل التركيب النفسي لدى معظم الناس وكثيرا ما يكون مسرحا للتعبير عن صراعات داخلية عنيفة وخصوصا لدى البعض ممن لم يحسم هذه الجدلية الازلية، فالتوافق الديني يؤدي الى تنظيم للمعاملات الذاتية للفرد نفسه ومعاملاته بين الناس وهو ذو اثر عميق في تكامل الشخصية واتزانها، فهو يرضي حاجة الانسان الى الامن النفسي وذلك باشعاره بانه يستند الى قوة خارقة تتعدى حدود القدرة البشرية المحدودة فيزيد هذا هذا من ثقته بنفسه ويمنحه القوة في مواجهة الحياة وضغوطها. وكذلك الامر في ما يتعلق بالتوافقات الاخرى مثل التوافق السياسي والتوافق الزوجي والتوافق الجنسي التوافق الاقتصادي والتوافق الدراسي والتوافق المهني.

* استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 4 تشرين الثاني/2007 - 23/شوال/1428