صباح الأمن ياعراق

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  وصباح الحب المملوء بحركة الناس الموسيقية.. العصافير بدأت تبني اعشاشا لها وان كانت تلتقط القش من بين الرماد وثنايا الألم لكنه صباح جديد وامل يطرق الابواب ويوقظ المحبة الكامنة في القلوب.. فيما كانت خيوط الشمس تطارد الملثمين من القرود المسلحة التي انتجها الزمن الردئ والتخلف المزمن والجهل الاسود والحقد الاعمى والكراهية والبغضاء.

الاطفال يحملون حقائبهم والبنات ازددن نضارة وهن يحملن رزم الدفاتر بتلك الطريقة القديمة التي درجن عليها فيما تكون السيارات تفرغ وتمتلئ بحيوية الشوارع مزدحمة بالأمان حتى ان مصدات القرود الكونكريتية قد تركت بعضها المكان استحياءا من المحبة والأمان الساري بهدوء اذ لم يعد اي قرد مسلح ان يحك جسمه فيها.

ويبدو جليا ان بغداد حنّت بجد هذه المرة للعودة الى سالف ايامها الهادئة وامسياتها الجميلة وجمعها المتجانس ضمن الأخوة العراقية الاصيلة فلا اسمر ولا اسود ولا ابيض او ازرق.

لقد توصل العراقيون الى حقيقة مفادها انهم الوحيدون المعيّرون بالسوء ان هم اساءوا لأنفسهم.

فيكونون كالغربان ليس من المعقول ان يعيّروا بعضهم البعض فيقول الغراب لزميله الغراب الآخر ان وجهك اسود!!! وان كانوا على طبيعتهم الرائعة وسلوك المحبة المزمنة فيما بينهم فهم كالطيور الملونة كل منهم يشع الجمال والتغريد في البيت العراقي الواسع.

لعل هذا الادراك او البزوغ حدث اول ما حدث في الانبار الذين من طبعهم ألا يتقبلوا الاوساخ في اخلاقهم كما هو شأن العراقيين جميعا، لقد ادركوا بحكمة كبيرة كيف يتعاملون مع الزمن العسير وكيف يباشرون البناء ويلملموا جراحات المحرومين ويدافعوا عن الحقوق ويفرضون سيادتهم الاصيلة في الحياة ويرفضون الوصاية ومن يريد ان يعلمهم الدين الجديد، دين الانترنيت والتفجيرات في بنو جلدتهم.

صباح الحب ياعراق وانت يوما بعد آخر تفجر الخيوط الوهاجة في الملاذات التي يسكنها الظلام والزوايا التي تختبئ فيها مجاميع القرود الملثمة والسراقين والغشاشين وقاطعي الطرق ونهابي ثروة البلاد.

فمن لاذ اليوم ظنا بانه قد وجد الاختباء المناسب فذلك موقوت الى الصباح التالي و (ما اكله العنز يخرجه الجزار) بحسب المثل العراقي وان غدا لناظره قريب.

العراقيون ومنذ اسابيع يستبشرون خيرا بالصباحات القادمة التي تؤسس لنفسها في اكساء الشوارع وتجميل الارصفة والساحات بالورد العراقي الجوري والياسمين فيما ينتثر عليها الضوء الملون في الامسيات الصاخبة.

الندى الليلي يساهم الى حد كبير بغسل الاثار الاليمة ويمسح وجه المدينة بحنانه القديم.

لو كان لكل شخص جنة من جنان الله الواسعة لما تهنأ بها هناءة طيبة لكن الجنة الحقيقية هي ان تكون مرآة وتتمرأ في المرايا المقابلة ولذا فان جنة الله هي على سرر متقابلين.

فليس العراق مكتمل ابدا ان لم يكون الرمادي او الانبار فيها ولن يكون مكتملا ان لم نجد الناصرية او الموصل فعندما يغني الناصري يطرب له ابن الرمادي فيما تعني آلام الفلوجي قلق في ابن كربلاء والحلة والعمارة وعندما يرحل الكردي في السليمانية فانه يحدث نقصا في كل العراق فكثيرا ما يختلف اهل البيت الواحد وقد يتعاركون ويتشاتمون لكنما يظل في قلوبهم الشئ الذي يقدسونه في انتمائهم بعضهم للبعض الآخر ويحافظون على الرابط المتين فوحدة المصير والتاريخ المشترك والمأساة المشتركة في مقارعة الظلم فيما يكون المشترك الاعظم وهو الدين الواحد الجامع والوطنية والقومية والعشائرية والسواني والعادات والدم العراقي والنكتة العراقية وشرب الشاي في اوقات الصيف وـ يول يشروكي، وـ يدليمي يباهت ـ

هذه الكلمات التي يقصد بها الملاطفة بين العراقيين والتي تدلل على المحبة والتواصل  كل هذه ارادت القرود المسلحة ان تحولها الى حقد اسود وزرع الصريم والعاقول والبزاز في قلوب العراقيين.

وانا اكتب هذه الكلمات يعصف بي الشوق الى زيارة اصدقائي في مدينة الرمادي التي عشت فيها عشر سنوات احن ان ارى ـ جمعة عبد الرزاق واستذكار ركوبنا على الدراجة البخارية والتنزه على كورنيش الورار او بساتين البو سودة وصيد السمك ثم شيه على الجرف مع الثلة الرائعة من الاصحاب المسرورين والذهاب الى مشاتل الكورنيش للتزود بالمشمش.

و.. صباح الأمان والتواصل ياعراق فان المسامير المزروعة في الطرق العامة والتي اريد لها طيلة الخمس سنوات الماضية ان تتناسل في قلوب العراقيين ضد بعضهم البعض قد وقعت تحت طائلة الصدأ ثم تناولها الذوبان في محلول المحبة ورغبة العودة الى الطبع الاصيل.

فلا يخلف الزيف الا الزبد ولا يبقى الا ما ينفع الناس اما ما عداه فيذهب هباء.

ارادت القرود ان توحدنا في زي واحد كما ارادت الحروب ان تلبسنا الخاكي وان يتسرب هذا الخاكي الى ارواحنا وقلوبنا فيما تكون عقولنا مربوطة الى الزناد والاخمص وفوهة البندقية التي تتكلم بدلا منا تتكلم الموت الزؤآم وارتكاب الحرام وانفاء الانسان لاخيه الانسان.اعذروني من هذا السجع فان القلب الذي يتالم لا يجد الكلمات المناسبة احيانا ليعبر عن مدى الفجيعة التي منينا بها، عندما يتعلق الامر برؤية مئات الارامل والايتام الذين انتجهم الخطاب الغاشم للقرود المسلحة التي عاثت بمصائر الناس وهي تقتل هذا وتغتال ذاك وتاسر وتخطف في خلائق الله.

ان الحرية تكمن في كوننا نرضى ان يرتدي افرادنا القمصان الملونة التي تعجبهم وعلى تدرج الوانها وزخرفتها وسعتها وضيقها فالخصوصية واحترام الخصوصية الفردية العقلانية المنسجمة هي الطريق الذي كان العراقيون يسلكونه طوال وجودهم في وادي الرافدين وكان دينهم كما هو الينبوع منهم من يصفيه ومنهم من يضع الشب ومنهم من يعقمه ومنهم من يشربه من القلل لكنهم في المحصلة يشربونه هنيئا مريئا ويحمدون الله الذي هداهم لهذا وما كانوا ليهتدوا لولا ان هداهم الله.

وصباح الخير ياعراق وصباح المودة والألفة والتواضع وصباح الاسلام والديمومة والرقي والتحضر والسلام والوئام فعلى الرماد في اغلب الاحيان تنمو الحياة وتباشر سنتها وعنفوانها من جديد واذ تنهض فانها تتعكز على تجاربها المريرة وحكمتها المتحصلة من هذه التجارب.

فسلام عليكم ايها العراقيون بما هضمتم من الرسالات والاديان والفكر الذي اينع في ربوعكم على مدى التاريخ وسلام على المسلة والارث الحضاري وتوهج النور الذي اتى في مبلغ ارادة الله من الانسان الخليفة في الارض.. نور محمد والقرآن ومن سار بهديه وتعليمه وفهم حدود الله سبحانه وتعالى ورحمة الله وبركاته.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 4 تشرين الثاني/2007 - 23/شوال/1428