في ظل الإزدواجية الأمريكية.. مؤتمر السلام القادم وهم أم حقيقة

شبكة النبأ: شهدت مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط تدنيا رئيسيا بسبب الإدراك السائد في المنطقة عن امريكا بانها قوة احتلال. فضلا عن مساندتها الدائمة لإسرائيل غريمة العرب في النزاع الطويل حول فلسطين. الامر الذي يلقي ظلالا قاتمة عما يمكن ان تقوم به الادارة الامريكية في امكانية الخروج بحلول جذرية من مؤتمر الخريف القادم المزمع اقامته حول النزاع العربي الاسرائيلي.

وقال فلينت ليفريت، المحلل في إدارة مكافحة الإرهاب في مجلس تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية إبان عهد الوزير كولن باول، ان الانطباع السيئ بشان امريكا بدأ بعد اندلاع حرب الخليج الأولى حينما كانت القوات الأمريكية متمركزة في المملكة السعودية واستمر بقاؤها بسبب حرب العراق.

وقال المسئول الأمريكي، إن وصفة إنهاء ذلك الوضع تتمثل في العمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة بما في ذلك الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من العراق، وإبداء الاستعداد للدخول في محادثات شاملة مع كافة الإطراف المعنية في المنطقة وطرح كل القضايا على طاولة البحث.  

فلينت ليفريت يعمل الآن في مؤسسة نيو أمريكان وهي مؤسسة بحثية مرموقة في واشنطن. ويعرض تقرير واشنطن نص حوار أجراه معه برنارد غويرتزمان من مجلس العلاقات الخارجية، وفيما يلي نص المقابلة:

- تشير نتائج استطلاعات الرأي إلى أن مكانة الولايات المتحدة تدنت إلى حد كبير في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة . ما السبب وراء ذلك؟

تُعد الحرب على الإرهاب واحدا من الأسباب الرئيسية لتدني مكانة وقدر أمريكا في المنطقة – وهي الحرب التي لقيت تأييدا رئيسيا في بدايتها في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي. ولكن حينما تحولنا عن شن حملة مشروعة موجهة ضد مؤيدي تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان إلى العراق فقدنا قدرا وافرا من التأييد في المنطقة.

أن الطريقة التي تكشفت بها الحرب في العراق وما نجم عنها من احتلال أمريكي طال أمده بعد نهاية الحرب ألحقت ضررا فادحا بصورة الولايات المتحدة في المنطقة – لقد أصبحت تلك الحرب مصدر الشكوى الرئيسي – انه تصور الاحتلال. والملاحظ هناك أن الشكوى الرئيسية ليست احتلال الأراضي الفلسطينية من جانب الإسرائيليين أو احتلال أراض عربية من جانبهم – انه الاحتلال الذي تمارسه الولايات المتحدة.

ولم تبدأ تلك الشكوى فور وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولكنها مشكلة واجهناها منذ وضعت حرب الخليج الأولى أوزارها حينما أعلنا التزامنا بإبقاء أعداد رئيسية من قواتنا في السعودية وفي مناطق أخرى من الخليج بدلا من العودة إلى الوضع العسكري الذي دخلنا به حرب الخليج الأولى – ومن هنا ساد الشعور بان أمريكا قوة احتلال.

وبمجرد توجهنا إلى العراق حيث دخلنا الآن العام الرابع بدا الأمر وكأنه احتلال مفتوح لدولة عربية رئيسية وبات مؤكدا أن الولايات المتحدة أصبحت قوة احتلال. وهو سبب رئيسي لتدني منزلة الولايات المتحدة.

- بدأ الوجود العسكري الأمريكي في السعودية إبان حكم الرئيس السابق كلينتون . هل تعني بذاك أن كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي مسئول عن تدني شعبية الولايات المتحدة؟

من المؤكد أن حجم الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة الحالية يتجاوز أخطاء الحكومة السابقة – لكن إدارة الرئيس كلينتون ارتكبت هي الأخرى العديد من الأخطاء المماثلة. أن عدم العودة إلى وضع ما قبل التسعينات يُعد من الأخطاء الرئيسية.

- هل هناك أي عوامل أخرى؟

يُعزى السبب الرئيسي الأخر لتدني سمعتنا في المنطقة إلى القضية العربية الإسرائيلية خاصة القضية الفلسطينية. حيت يُنظر إليه في المنطقة ليس باعتباره مجرد إهمال من جانبنا للقضية ولكنه تفويض أمريكي باستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتفكيك أواصر السلطة الوطنية الفلسطينية ورفض حكومة حماس التي فازت في انتخابات خضعت لإشراف دولي.

أن الأسلوب الذي تناولنا به القضية الفلسطينية طيلة السنوات الماضية الحق ضررا حقيقيا بمكانتنا لان الأمر لن يقتصر على مجرد القول بان الولايات المتحدة تتجاهل أو تهمل القضية ولكن سيقال إنها ليست راغبة في فرض ضغوط كافية على إسرائيل – وهناك إدراك بان الولايات المتحدة تؤيد بالفعل مشروعا إسرائيليا لتبديد احتمالات قيام دولة فلسطينية.

- حينما بدأت حرب العراق وفي السنوات القليلة الأولى بعد بدايتها سعت حكومة الرئيس بوش من اجل الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط – ويبدوا الآن أن هذا البرنامج ذهب أدراج الرياح وان الحكومة أسقطته من حساباتها كسياسة رئيسية . هل كان لذلك تأثير؟

كان التخلي عن ذلك المشروع خطأ استراتيجيا رئيسيا – فالنسبة للحكومات مثل مصر والسعودية كان إهمال المشروع سببا إضافيا لغرس بذرة الشك في ايجابيات الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة وبالتالي ولد موقفنا نفورا وتحولا في مواقف حكومات نحن بحاجة إليها كشركاء أمنيين أساسيين.

- ولكننا في الوقت ذاته نستمع إلى انتقادات مفادها أن الولايات المتحدة لم تضغط بقدر كاف من اجل الأخذ بالنهج الديمقراطي. ما رأيك في ذلك؟

فيما يتصل بالقطاعات التي يهمها فعلا الأخذ بالديمقراطية فإننا نبدوا منافقين وكاذبين – نقول اننا سنروج للديمقراطية ولكننا نفشل فشلا ذريعتا حينما تقاوم الحكومات هذا المنحى وتتحكم في الانتخابات وتفرض قيودا فعلية على المساحة المتاحة للمعارضة السياسية. وبالتالي فإننا من جهة فقدنا المصداقية لدى تلك الحكومات وفقدناها من جهة أخرى مع بعض قطاعات الرأي العام في الشرق الأوسط التي تهتم بالنهج الديمقراطي.

لقد كان اختيارا استراتيجيا خاطئا حينما اعتبرت الإدارة الراهنة الترويج للديمقراطية على رأس قائمة أولوياتها السياسية في الشرق الأوسط في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق.

- الآن وبعد أن دعا الرئيس بوش لعقد مؤتمر لبحث إحلال السلام في الشرق الأوسط في مدينة انابوليس نهاية نوفمبر وسيتناول في المقام الأول القضية الإسرائيلية الفلسطينية. هل تعتقد أن هناك فرصا لنجاح هذا المؤتمر؟

لا اعتقد بوجود فرصة للنجاح – فلكي نخلق زخما لأي عملية سياسية قابلة للاستمرار ينبغي على الولايات المتحدة تحديد معالم لحل قضايا الوضع النهائي – ربما مثلما فعل الرئيس السابق كلينتون خلال الشهر الأخير من ولايته.

أن من الضروري بالنسبة للحكومة الراهنة أن تعلن أن تلك المعالم أو الخطوط العريضة تعبر عن سياساتها وأنها أفضل تصور أمريكي لحل القضايا التي يتعين حلها. اعتقد أن من الممكن أن أصاب بالدهشة إذا تغيرت تقديراتي ولكني في حقيقة الأمر لا اعتقد أن تلك الحكومة ستحقق انجازا.

لقد توفر للحكومة ذلك الخيار منذ عام ألفين واثنين لكنها تجاهلته كل مرة واعتقد إنها ستفعل الأمر ذاته من جديد.

كما انه ليس هناك سبيل أن يلقى هذا المؤتمر وما قد يسفر عنه قدرا كافيا من التأييد الإقليمي.

وهناك سبب ثان لتوقع الفشل يتمثل في عدم وجود كيان سياسي فلسطيني موحد في تلك المرحلة – وفي ظل مقاطعة حكومة حماس فإننا حتى إذا توصلنا إلى إعلان أو بيان ختامي في ذلك المؤتمر فلن نتمكن من المضي قدما إلى الأمام نظرا لعدم توفر شريك فلسطيني موحد.

وهناك سبب ثالث أكثر أهمية . فالقضية الفلسطينية واحدة من عدة مشاكل رئيسية في المنطقة من بينها العراق والأزمة مع إيران بكل إبعادها وأزمات أخرى في سوريا ولبنان التي تصب هي الأخرى في الساحة الإسرائيلية.

وتتجمع تلك المشكلات في الفترة الراهنة مع بعضها البعض داخل حزمة واحدة بحيث لا يمكن للمرء التعامل بفعالية مع أي واحدة منها بمعزل عن غيرها. فإذا أردنا التعامل مع القضية الفلسطينية يتعين علينا أن نفعل شيئا إزاء حركة حماس وسوف نكون بحاجة إلى ضلوع سوريا الأمر الذي يعني الالتفات نحو تلك الجهة وسوف يستدعي الأمر تعاونا من إيران.

كما إننا سنكون بحاجة إلى تحقيق تفاهم استراتيجي اشمل مع إيران الأمر الذي يستدعي الاستعانة بالدبلوماسية الإقليمية في العراق. وبالتالي فإننا لن نتمكن من تناول إي من تلك المشكلات – إذا توفرت لدينا الجدية – دون الحاجة للتعامل معها جميعا.

- دعنا نستبق الزمن لسنة واحدة ونفترض أن تقديراتك ستظل باقية حيث سيُنتخب رئيس جديد لأمريكا.. ما هي "وصفة" التغيير بالنسبة لكل ذلك وما هي الأولويات؟

تتألف تلك "الوصفة" من عنصرين – أولهما الاستقرار الذي يجب أن يكون عاملا رئيسيا للسياسة الأمريكية في المنطقة. ويعني ذلك العمل من اجل تحقيق الاستقرار فيما يتصل بالحالات المضطربة وأيضا فيما يتصل بتحقيق التوازن في ميزان القوى بين القوى الراديكالية والمعتدلة في المنطقة. ويتعين أن يصبح تحقيق الاستقرار الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية لنخرج من المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه واعتقد أن ذلك هو المخرج الوحيد.

أما العنصر الثاني في تلك "الوصفة" فهو الشمولية. ففي تلك المرحلة لا يمكننا التعامل مع أي من المشكلات بمعزل عن الأخرى إذا كنا جادين في إيجاد حل لها. ولنتحدث عن العراق على سبيل المثال حيث لا يمكن الحديث عن تسوية سياسية مالم تكن مستعدا لمشاركة عدد من القوى الإقليمية الهامة ومن بينها إيران وسوريا. كما انه ليس هناك سبيل للتوصل إلى ذلك النوع من الاتفاق الإقليمي مالم تكن مستعدا للتعامل ببراعة شديدة مع القضايا مثار الخلاف بين تلك الدول والولايات المتحدة.

لن يكون بوسعنا مجرد إبرام اتفاق غير محدد المعالم مع إيران حول القضية النووية – سيكون علينا أن نطرح كافة الأمور على طاولة البحث : الأزمة النووية ودور إيران في المنطقة بما في ذلك دورها في العراق وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي – ويعني ذلك طرح كافة القضايا المثيرة للخلاف مع حكومة طهران. يجب أن نطرح للبحث كافة القضايا التي تعتبرها إيران سببا للمشكلات معنا ومنها العقوبات وعدم الرغبة في تقبل شرعية وجود الجمهورية الإسلامية. سيكون علينا أن نتوصل إلى اتفاق إجمالي وليس على نحو تدريجي يحاول حل القضايا الواحدة تلو الأخرى. كما سيتعين علينا أن نفعل شيئا لنكيف علاقاتنا مع دول مثيرة للمشاكل مثل إيران وسوريا -مثلما فعلت إدارة الرئيس الأسبق نيكسون مع الصين- فيما نعمل في الوقت نفسه على الساحتين العراقية والعربية الإسرائيلية.

- لنتحدث عن العراق – سوف يتعين على الرئيس المقبل التعامل مع الوضع العراقي على نحو رئيسي ولا نزال نحتفظ بحوالي مئة ألف جندي في تلك الدولة . ما الذي تعتزم فعله بشأن تلك القوات؟

يرى الساعون الرئيسيون لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة انه سيتعين علينا أن نبقي بعض القوات في العراق كي تدرب قواته الأمنية وتواصل مهام مكافحة الإرهاب ولكني اعتقد أن ذلك التصور محض هراء. ففي نهاية المطاف سيتعين علينا أن ننهي وجود قواتنا تماما.

بالنسبة للعراق يجب أن نعود إلى الوضع العسكري الذي خضنا به حرب الخليج الأولى وسيكون بمقدورنا انطلاقا من هذا الوضع الدفاع عن كل ما يستدعي الدفاع عنه في الخليج العربي أو في أي مكان أخر في المنطقة.

أن كل ما سنحققه من خلال إبقاء قواتنا على الأرض في العراق أو في أي منطقة أخرى سيكون مساعدة تنظيم القاعدة على تجنيد مزيد من العناصر وتأكيد الاعتقاد بان الولايات المتحدة قوة احتلال في المنطقة.

يجب أن نصبح مستعدين لإخراج تلك القوات – ولا اعني بذلك القول بأنه يتعين علينا الانسحاب على الفور فالأمر قد يستغرق عاما على الأقل بسبب الترتيبات الخاصة بالأمور اللوجستية.

واعتقد أن الحاجة تستدعي أيضا الربط بين الانسحاب وبذل مساع دبلوماسية جادة للتفاوض بهدف تحقيق نوع من التفاهم بين العراق وجيرانه اللذين سنكون بحاجة إليهم لتحقيق الاستقرار السياسي في بغداد.

ويتمثل الحل في بدء دبلوماسية إقليمية نشطة والتشديد على الالتزام للانتقال من الوضع الراهن وهو وجود القوات على الأرض إلى الوضع العسكري الذي كان سائدا إبان حرب الخليج الأولى.

- هل تتخوف من إمكانية تفجر الوضع في العراق إلى حرب أهلية؟

لا اشعر بأي تخوف من هذا القبيل- من الممكن أن يتزايد معدل العنف ولكن يكون الأمر مبعثا للراحة في العراق لبعض الوقت ولكنك إذا استعرضت تاريخ المنطقة تكتشف أنها عرفت الحروب الأهلية والفتها – لقد شاهدنا حروبا أهلية في الجزائر ولبنان واليمن ويمكن حتى القول بأننا شهدناها في الأراضي الفلسطينية.

ويقول التاريخ انه لا يزال من الممكن كبح جماح الحروب الأهلية في تلك المنطقة خاصة وأنها لا تتحول إلى صراع يشمل المنطقة بأسرها - حتى في حالة لبنان الذي يبقى الصراع محصورا داخله برغم تدخل القوات السورية والإسرائيلية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 4 تشرين الثاني/2007 - 23/شوال/1428