ويلكم لا تقتلوا العراق مرةً أخرى

أحمد الخليل

بالأمس القريب كنت جالساً أمام التلفاز لأشاهد مراسيم تسليم الملف الأمني إلى الحكومة المحلية في محافظة كربلاء قد غمرتني الفرحة، متفائلاً، وكلي أمل بأننا نقترب من اليوم الذي سوف يحتفل به الشعب العراقي بانتهاء الاحتلال الذي كان ثمناً باهضاً قد دفعه للتخلص من الدكتاتورية، لينعم بالحرية في عراقٍ ديمقراطي موحد مستقل.

وما أن بدأت مراسيم الحفل فقد ظهر ومن الوهلة الأولى أناس متملقون وانتهازيون ووصوليون يريدون أن يعودوا بالعراق إلى زمن الدكتاتورية مرةَ أخرى.

شعرت كأن صخرة كبيرة قد جثمت على صدري، وأنا أشاهد فرقة الإنشاد تنشد للمالكي بدل العراق والمحافظ جالساً إلى جانب رئيس الوزراء منتشياً تبدو ملامح السعادة على وجهه.

أما الشاعر الذي كتب كلمات النشيد وملحنه فقد بديا لا تحملهما الأرض ساعة أداء النشيد  ليقدما بعدها نفسيهما إلى دولة رئيس الوزراء ويطلبان منه التقاط الصور التذكارية.

لقد عادت إلى ذاكرتي تلك الأيام التي كانوا فيها المنشدون والشعراء يمجدون برئيسهم عندما يحتفلون بعيد ميلاده أو بغيره من المناسبات لحد إيهام الناس بأن إذا قالوا (....) قالوا العراق، وكيف كان أولئك المسؤولون يتملقون له ويظهرون له الحب والطاعة, وكيف تأخذهم النشوة, ويتملقون لسيدهم كي يكسبوا رضاه ليحافظوا على الموقع والجاه الذي هم فيه.

ألم يخجل هؤلاء الفنانون والشعراء من شعبهم وبدل أن يستغفروا عن ذنبهم يعودوا إلى ما كانوا عليه في عهد صدام؟، تلك الممارسات التي كان السياسيون والمعارضون في الخارج يستهجنوها!، ليعودوا اليوم ويحللونها.

الدكتاتور لا يصنع نفسه وإنما يصنعه الآخرون بالتصفيق من دون أن يعرفوا السبب, يصنعونه بالنشيد والهتاف, بالقصيدة والمقال, بالترغيب والترهيب، بالخوف والطمع، وبالسكوت واللامبالات، بالحزبية والتحزب .......الخ.

كما أن حالة الإنسان، ووضعه ونفسيته، تختلف كليا عندما يكون في السلطة عما يكون خارجا عنها.

  صدام أصبح دكتاتوراً وتسلط على رقاب شعبه طيلة السنين التي خلت نتيجة تلك الممارسات،....  صار دكتاتوراً لأنه كان يرى الناس يصفقون له حتى ولو ارتكب جرماً، وقالوا له أحسنت على كل شئ حتى لو لم يفعله، سيئاً كان أم صالحاً, فتشجع على ارتكاب ما هو أفضع، وهكذا حتى صار دكتاتوراً فقتل العراق.

لذلك يلزم علينا أن نراقب ونترقب ونتفحص ونفكر ونحقق ونتابع و نتحمل المسؤولية كاملة إزاء كل ما نقوله ونفعله لصالح هذا الزعيم أو ذاك القائد. لا أن نكون عبيداً وأداةً لهم. يجب أن يكون ولائنا وإخلاصنا للعراق.

ووفائاً منا لأولئك الشهداء الذين قدموا أرواحهم قرباناً للعراق من أجل إزالة الدكتاتورية، وسقوا بدمائهم شجرة الحرية يتوجب أن لا نكرس كل ما يكون عاملاً مساعداً لعودتها.

أن العراق قد ولد من جديد، ولا يريد شعبه أن تتكرر المأساة، ويتكرر الاحتلال.

لا تقتلوا العراق مرةً أخرى .

alkhalil110@jmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 3 تشرين الثاني/2007 - 22/شوال/1428