الفوضى الخلاقة!

عباس النوري

 لا أعرف كيف يمكن لمن يملك بعض الشيء من العقل. . أن يقبل الجمع بين مفهومين نقيضين لكي يحصل على نتيجة سليمة صحيحة وصحية؟

قد يكون البعض قد قرأ مثل هذا الموضوع وتمسك بالمصطلح دون أن يتمعن بأصل الكلمة… ولا بالنتائج.  

وقد يكون إيمان البعض بهذه المقولة ناتج عن انتمائه لحزب أيدلوجية معين فهو مجبر لكي ينعطف مع اتجاه رياح حزبه.  وقد يكون القليل ممن سمع بالكلمة فأعجبته دون أن يدرك خطورة المصطلح والمهالك التي تسببها. 

 الحقيقة نحن البشر نتعامل مع بعضنا والأشياء على أساس العقل، المشاعر، المنطق، الذوق، أللمس، السمع، الشم… والبعض يؤمن بالحاسة السادسة والسابعة وما وراء الطبيعة…وحتى هناك من يؤمن بالخرافة ويدافع عنها.  

والخرافة هنا لا أقصد بها فقط كل ما هو قديم…ولا يطابق الإنسان المتحضر.  فهناك خرافة مفتعلة وحديثة… لكن حين صدورها من جهة بارزة سياسيا واقتصاديا ولديها حضور عالمي… فيرددها البعض على أساس الجديد والمتحضر…لكنها في واقع الحال خرافة… ولا يقبلها العقل.

  نعم.. إذا كانت تلك الخرافة المفتعلة لها نتائج إيجابية لمفتعلها…فواقع الأمر أنها كانت وبال على الآخرين… ولذلك يمكن لمن أطلقها أن يسميها خرافة خلاقة مثلاً!

الفوضى … كلمة سلبية…وأي سلبي لا ينتج إلا السلبي…فلا يمكننا أن نقول ولو نقتل نحيي.  نعم وصف القرآن بان الآخرة لهي الحيوان… بمعنى الحياة ذلك ليس على أساس اقتلوا أنفسكم لكي تحيوا.  ولا يمكن أن نعمل من أجل أشاعة الفوضى ونقول للذين أشاعوا الفوضى بينهم أنكم سوف تحصدون الربح الوفير … مثلاً : ساعدوا في نشر الفوضى كما هو الحال في العراق…من قتل وتشريد وتهجير وسرقة…لكي تتنعموا بالديمقراطية…أي اقتلوا وهجروا ثلثيكم ولينعم الثلث الباقي بالرفاهية والحياة الكريمة.

 هل المقصود هنا بالفوضى الخلاقة تصريح "كوندوليزا رايس" في حديث لها أدلت به إلى صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية في شهر نيسان 2005، أعتبرها البعض الحل الوحيد لاقامة الديمقراطية ونجاح مشروع شرق أوسطي جديد، فبدئوا يرددون المصطلح عن إدراك أو دون علم. . وهم يساهمون في الفوضى بل بصورة غير مباشرة…ولا أتصور بأنهم مدركين لخطورة شاركتهم في الأمر.   

ولو أننا سألنا أي شخص هل تقبل أن تكون جزء من الفوضى أو أحد أسباب الفوضى لأنكر ذلك.  

ومن أجل تمرير سياسة خاصة يمكن صناعة مصطلح مزدوج المعايير، ومن أجل إجبار أو إقناع الآخرين تضليل الحقائق أو ترقيع العورات.  كل هذا ممكن … وممكن أيضا مزج والخلط بين الحقيقة والزيف والصدق والكذب. . (الصدق المكذب…والقبيح الجميل) وهكذا,,لكن الفرق بين من يأخذ به ويتعامل معه وبين الذي بجزء المصطلح ويحاول معرفة ما وراءه ومغزاه والمراد منه والنتائج.

 أتصور بأن بعض من الذين قرءوا لـ سارتر خلط عليهم أمور…فقد يكون قصده من الفوضى الخلاقة بأن الإنسان بطبيعته باحث فوضوي… ولا يثبت على رأي بل في فوضى الأفكار وهذه تنتج لديه إبداعية البحث عن الملائم له.  

الوضع العراقي المتأزم…هل طبقت سياسة الفوضى الخلاقة؟ إلى متى ستستمر هذه الفوضى التي خلقتها الولايات المتحدة الأمريكية؟ كم من الأرواح يجب أن تزهق لكي تعطي تلك النتائج الخلاقة؟ وخلاقة لمن؟ من سوف يحصد الثمر؟

كما عبر كثير من المثقفين عن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وأهم مستلزمات نجاحها تكمن في نجاح أمريكا في العراق ومن خلال الفوضى الخلاقة.

 وعبر بعض الكتاب أيضا بأن هذه الفكرة (الفوضى الخلاقة) سياسة مدروسة قد هيئة قيادات القاعدة لإخراج الروس من أفغانستان ومن ثم ضرب القاعدة…وهي نفس السياسية التي سوف تسلم الحكم في دول عديدة للأصوليين أو شبه الأصوليين والمعتدلين الإسلاميين ثم ضربهم وإنهائهم…وبطرق متنوعة حسب البيئة السياسية والاجتماعية لتلك الدولة.  

وما يحدث في العراق لا يمكن لأي مراقب منصف ومستقل أن يجعله خارج قوس المعادلة القائل بخلق الفوضى – لكي تخلق ديمقراطية مرجوة…مرغمة عبثية وليست عفوية.  الجميع يذكر أن الحالة وصلت بالشعب العراقي قبل التغيير – الاحتلال – سقوط الصنم. . وما إلى ذلك من تعبير…أن بعض العراقيين قالوا. . (شارون ولا صدام)، واليوم وصلت الحالة لبعض العراقيين أن يقولوا (يا ريت يرجع صدام).  هذا التغيير الجبري المفاجئ تبعته أوامر حتمية غير قابلة للنقاش … بل وكانت وكأنها مدروسة مبرمجة لا رجعة فيها.  وكان لبول برايمر مهمة محددة عليه تنفيذها إن رضى العراقيون بها أو لم يرضوا…ولم تكن هناك أصوات لها معنى معارضة للقرارات التي أتخذها برايمر لكي تعم الفوضى أو تكون على الأقل بداية لمشروع الفوضى الخلاقة.  وساهم في تنفيذها عدد من السياسيين عن دراية سابقة وآخرين عن غباء مقصود والبعض الآخر عدم إدراك للمخاطر.  

وهذه الفوضى الخلاقة سوف تطبق في عدد من البلدان إن لم نقل أكثرها أو بالأحرى جميع الدول التي تقع ضمن خارطة شرق أوسط جديد.  وفي جميع هذه الدول سياسيون اختيروا بانتقائية كبيرة ودقيقة وهم الأدوات التنفيذية لذلك المشروع.

هل تريد أن تكون ضمن مشروع الفوضى الخلاقة…وتكون خلاقا فوضوياُ … أم فوضويا خلاقاً؟

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 30 تشرين الاول/2007 - 18/شوال/1428