اصدارات جديدة: الفساد بين الشفافية والاستبداد

 عرض/ نعمـان حافظ

 شبكة النبأ: المثل الإنكليزي (Corruption of the best becomes that worst) والذي يعني أسوء الفساد فساد الأفضل وهذا ما نخشاه في الوقت الحاضر بأن يصل هامش الفساد بأنواعه إلى نفوس الأفضل فتكون الخسارة أكبر , ولعل إنتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي في العراق وصدور التقرير الأخير من منظمة الشفافية الدولية الذي إعتبر العراق ثانياً في قائمة أسوء دول العالم في حجم الفساد , والذي إستشرى بشكل مرعب في قطاعات الدولة وأصيبت مرافقها بأنفلونزا الفساد , ولا شك أنّ العراق قد مرّ بظروف صعبة وأنظمة دكتاتورية مستبدة مارست أبشع أنواع الإستبداد والقهر والفساد الإداري والمالي مع غياب السلطة القضائية والرقابية التي لم تكن قادرة على التصدي لتلك الظواهر التي مارست السلطات الدكتاتورية أساليب بشعة ونهبت مليارات الدولارات وضيعت ثروات العراق في مشاريع خاسرة لتحقيق رغباتها السادية.

  صدر للأستاذ مازن زاير اللامي كتابه الموسوم ( الفساد بين الشفافية والإستبداد) والواقع أنّ الكتاب بطبعته الأنيقة جاء ليضيف إلى المكتبة العراقية مصدراً مهماً وغنياً في معلوماته وبياناته فقد تناول المؤلف موضوع الفساد وأسبابه ومخاطره وأساليب مكافحته وكذلك تطرق إلى أصل ظاهرة الفساد وأشكالها وجذورها والوسائل الكفيلة للحد من هذه الظاهرة اللعينة والكتاب جاء بـ(7) فصول تناول المؤلف في الفصل الأول مفهوم وتعريف الفساد, تاريخ ظهور الفساد, أنواع وأشكال الفساد ,عوامل تفشي الفساد ومؤشرات قياسه أما الفصل الثاني فقد إنفرد في كيفية محاربة الفساد بأنواعه حيث تناول المؤلف دور المواطن والأسرة ودور الدين في محاربة الفساد وكذلك دور المنظمات غير الحكومية في محاربة الفساد وقد تطرق الكاتب أيضاً للعناصر التي تقوض الفساد والتي قام بتوصيفها برسم توضيحي بإعتماد أسلوب علمي رصين في كيفية تحديد المعالجات الأساسية لمحاربة ظاهرة الفساد والتي حددها بالتفتيش, القضاء العادل, الشفافية, الأخلاق والوازع الديني, الإصلاح الإداري, التدقيق والرقابة , المسائلة والحكم العادل.

  في الفصل الثالث سلط الكاتب جهده على موضوع الإستبداد الذي يصنع الفساد فقد تطرق المؤلف إلى مواضيع في غاية الأهمية لشرح مفهوم الإستبداد وجذوره وترسيخ الإستبداد وملامح الدولة البوليسية والإستبداد في الدولة العربية المعاصرة.

إنّ الفصل الرابع جاء بتوضيح رصين للآثار الإجتماعية والإقتصادية والسياسية للفساد وخطط مكافحته كما أنه أعطى وصفاً دقيقاً لكيفية معالجة عمليات الفساد وأعطى بعض التجارب في مكافحته معتبراً أنّ الشفافية طريقنا للخلاص من الفساد كما اختار المؤلف عنواناً مهماً لموضوع الشفافية (Transperancy) وأوضح علاقتها بالفساد ودورها في محاربته وأعطى إيضاحاً أنيقاً لكيفية بناء مجتمع شفاف وبين أيضاً مخاطر الشفافية الرقمية.

إنّ الفصل السادس تناول موضوع الرقابة الداخلية والتفتيش كنظام واقي لمنع حدوث الفساد بأنواعه وتطرق المؤلف لآليات عمل الأنشطة الرقابية والتفتيشية والتدقيقية لما يمتلكه المؤلف من خبرة كبيرة في هذا النشاط.         

  كيف نسيطر على عمليات الشراء والتعاقد لمنع سوء الإستخدام؟

  لا شك أنّ موضوع المناقصات والتعاقدات الحكومية تعتبر في الوقت الحاضر من أخطر الحلقات الإدارية والمالية كونها تمثل بيئة مناسبة لممارسة الفساد بأنواعه فيما لو غابت الضوابط والسياقات الخاصة بعمليات الشراء, فلقد خصص المؤلف الفصل الأخير من كتابه لهذا الموضوع وأستند في عرض تفاصيل الشراء والعقود إلى مجموعة من المصادر الرصينة وما يثير الانتباه أنّ المؤلف لم يتوانى في ذكر جهد المؤلفين الآخرين الذين إستفاد منهم كمراجع مهمة له في توصيف نظام المشتريات وآليات التعاقدات الحكومية فقد تطرق إلى إجراءات السيطرة على عمليات التعاقد, طرق تنفيذ عمليات التعاقد والشراء المحلي, طرق تنفيذ عمليات التعاقد الخارجي إضافة إلى صياغة العقود وتنظيمها.

  من خلال الإطلاع على قائمة المراجع والمصادر التي أعتمدها المؤلف التي تجاوزت أكثر من (80) مرجعاً ومصدراً عربياً وأجنبياً يعطي مؤشراً للجهد الذي بذله في جمع مواضيع الكتاب وتناول أكثرها حساسية وأهمية باعتبار أنّ الفساد كما أتفق الاقتصاديون على أن مخاطرة لا تقل رعباً عن مخاطر الإرهاب بل أنّ البعض قد أعطى للفساد حجماً اكبر من مخاطر الإرهاب لأنّ الأخير يعتمد أساساً في تمويله على فوبيا الفساد.

 دعوة خالصة لحكومة العراق بشكل عام ولهيئة النزاهة بشكل خاص بدعم مثل هكذا أنشطة لرفد المكتبة العراقية بأدبيات النزاهة وكل ما له علاقة  بمعالجة الفساد الإداري والمالي وتكريس ثقافة الشفافية من خلال إقامة ورش عمل ودورات تدريبية لموظفي الدولة بهدف التثقيف في مجال مكافحة الفساد بأنواعه من أجل عراق قوي خالي من أنفلونزا الفساد والإستفادة من الخبرات العراقية وتقديم كل الدعم لها بدلاً من الولوج في دورات خارجية تدفع لها ملايين الدولارات ويدخل الجزء الأكبر منها في جيوب المفسدين ودون أن يكون لهذه الدورات فائدة تذكر ومن الأهمية أن نشير إلى ضرورة إحتضان الخبرات العراقية والعمل على تأسيس مركز أو أكاديمية للعلوم الإدارية أو معهد لتطوير وتدريب العاملين في دوائر الدولة لبناء جهد مؤسساتي للتدريب والتطوير والإستفادة من الخبرات العراقية لهذا الغرض بدلاً من الإعتماد على منظمات وشركات عربية أو أجنبية لهدر الأموال وضياعها على فرص تدريبية خارجية غير مجدية.           

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 28 تشرين الاول/2007 - 16/شوال/1428