شبكة النبأ: الذاكرة في الوطن العربي
تتعرض بين فترة واخرى الى نوع من المسح وذلك من خلال الاهتمام بالآني
السياسي والراهنية السلطوية والعربي بشكل عام يقوده الانطباع الظرفي
وانشداده الغرامي والولهي بالمؤثر الخاطف دون ان ينظر الى العمق وهكذا
فان اسماء الشوارع كانت تتغير على الدوام هذا فضلا عن اسماء المدن
والذاكرة المسجلة فيها ففي العراق جرى تغيير كثير من الاسماء لمعالم
رامزة للتاريخ والفكر الا انها تعرضت للمحو تحت الرغبة السلطوية كما في
عهد صدام كذلك تعرضت للمحو بعد 2003 تحت طائلة التطرف، الا ان بعض
المدن في الوطن العربي لازالت تعطي للتاريخي حقه وان كان بدرجات ضعيفة.
ويكفي من يتجول في ثنايا المدينة العتيقة بالعاصمة تونس ان يتأمل
قليلا لوحات الازقة والانهج ـ الحارات ـ حتى يكتشف عنصرا طريفا يضاف
الى مكونات هذا المكان المميز الذي يغص دائما بزواره من تونس وخارجها.
المدينة العتيقة بتونس اضافة لسحرها الخاص تتميز بخاصية اخرى قد لا
يجدها المرء في مكان آخر.. اسماء عديد من انهجها وازقتها تبدو طريفة
للغاية ومثار تندر لكن وراء كل اسم طريف حكاية او تاريخا وفقا
للمؤرخين.
من بين ابرز اسماء الانهج المثيرة للغرابة نهج المشنقة ونهج الحلوف
(الخنزير) ونهج "العسل ونهج الكبدة ونهج صانع الاسلحة ونهج صباط (حذاء)
العجم.
يقول المؤرخ والحكواتي التونسي المعروف عبد الستار عمامو، لرويترز،
ان اسماء الانهج والازقة الطريفة قد لا تحصى بالمدينة العتيقة وان اغلب
الاسماء تكتنز حكايات وراءها وان أسماء بعض الانهج الاخرى استمدت
طرافتها من ترجمتها الحرفية من الفرنسية الى العربية.
في وسط المدينة العتيقة بتونس يمكن للزائر ان يلاحظ لافتة كبيرة كتب
عليها نهج "المشنقة" وهو أحد اغرب الاسماء في المدينة العتيقة.
هذا النهج يثير حرج العديد من ساكنيه الذين لا يخفي بعضهم رغبة في
تغيير اسم نهج المشنقة باسم اخر.
ويقول احمد الذي يعيش بالمنطقة "نشأت في نهج المشنقة وامضيت فيه
عقودا من عمري لكني اتحرج كلما سئلت عن مكان اقامتي واعتقد اني لست
الوحيد الذي يتحرج من اسم النهج.
ويقول السكان انهم تقدموا بعريضة الى المجلس البلدي لتونس لتغيير
اسم النهج غير ان مطلبهم رفض بسبب تاريخية التسمية.
وقال عمامو: ان هذه التسمية أطلقت لان المكان كان فيه بالفعل مشنقة
لاعدام من هم ليسوا من المماليك في القرن السادس عشر عند الفتح
العثماني.
غير بعيد عن نهج المشنقة هناك نهج اخر مثير للتندر هو نهج الحلوف
الذي يربط بين نهج جامع الزيتونة ونهج القصبة بقلب المدينة العتيقة.
وسبب اسم هذا النهج، كان مكانا تقيم فيه بعثات قنصلية في فترة
الاستعمار الفرنسي المعروفة انذاك بفترة الحماية الفرنسية، وفي هذا
النهج كان جزارون يبيعون لحم الحلوف (الخنزير) لسكان المنطقة من
الاجانب.
لكن بلدية تونس ارتأت مؤخرا ان تغير اسم هذا النهج من نهج الحلوف
الى نهج القصابين (اي الجزارين) لما يسببه من حرج لسكانه خلافا لنهج
المشنقة الذي لم تغير اسمه.
ويرى عمامو ان تغيير اسم نهج الحلوف قد ينسي البعض جزءا من تاريخ
تونس، ويقول: كان من المهم ان يبقى هذا الاسم بالذات لان فيه معنى يظهر
قيمة التسامح الديني والحضاري لدى التونسيين الذين كانوا يسمحون ببيع
لحم الخنزير لغير المسلمين.
وفي بلدية تونس العاصمة هناك لجنة تهتم بتغيير اسماء بعض الانهج
والازقة وفقا لبعض المبررات الموضوعية.
وقال مصدر بالبلدية ان اعادة تسمية الانهج يجب ان تكون مبررة وهي
مهمة غير اعتباطية ويجب ان تراعي مقاييس عديدة.
ومن بين النوادر التي تروى في كواليس بلدية تونس عن اعادة تسمية
الانهج انه تم اطلاق اسم المناضل العربي زروق على احد انهج المدينة
العتيقة غير ان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة امر بتغيبر الاسم
مرة اخرى لاعتقاده ان العربي زروق هو من اقارب احمد زروق وهو وزير حرب
سابق يكرهه بورقيبة.
بعض الانهج الاخرى اتخذت اسماء مرتبطة بشكلها حيث يطلق مثلا نهج
عنق الجمل على نهج بوسط المدينة العتيقة تميز بضيقه وشكله الذي يشبه
عنق جمل، واقيمت في هذا النهج مدرسة انشأتها الاميرة فاطمة الحفصية في
القرن الرابع عشر وعرفت بمدرسة عنق الجمل.
كما اشتق اسم نهج العسل من اسم عائلة بني عسال منذ العهد الحفصي،
ويقول عمامو ان نهج العسل لا علاقة له بالعسل لا من قريب ولا من بعيد
وأصل تسمية النهج هو درب بني عسال نسبة لعائلة بني عسال قبل ان يتغير
ويصبح نهج العسل اشتقاقا من اسم العائلة.
وتضم القائمة عدة اسماء اخرى طريفة مثل نهج الكبدة ونهج قاع المزود
ونهج الحبيب ونهج النخلة ونهج صانع الاسلحة.
تسميات بعض الانهج التي لا تروق لسكانها قد تتغير بطلب منهم لكن حتى
وان تغيرت فان تاريخها واحد لا يتغير مهما تعاقبت السنون.
جامع الزيتونة.. عنوان عراقة
المعمار التونسي
ورغم مرور 13 قرنا على تأسيسه على يد عبد الله بن الحبحاب الا ان
جامع الزيتونة الواقع في قلب المدينة العتيقة بتونس لا يزال صامدا
وشامخا في وجه التاريخ ولايزال ذا بهاء جذاب.
المؤلف التونسي عبد العزيز الدولاتي حاول تسليط الضوء على المميزات
المعمارية الفنية العربية والاسلامية التي طبعت هذا المعلم التاريخي
والحضاري.
وجامع الزيتونة الشهير الذي اصبح قبلة مميزة للزوار من تونس وخارجها
وأحد ابرز المعالم التاريخية الاسلامية في تونس تأسس في القرن السابع
للهجرة.
الزيتونة قرون من الفن المعماري التونسي هو عنوان كتاب الدولاتي
استاذ الحضارة الاسلامية وتحدث فيه عن عراقة المعمار التونسي من خلال
جامع الزيتونة.
جاء الكتاب تجسيدا لعنوانه ذاخرا بالشواهد المعمارية الاصيلة التي
تشير الى عراقة الفنون المعمارية الزخرفية التونسية خاصة وان بناء هذا
المعلم اكتمل بمساهمة مهندسين تونسيين يمثلون المعمار على امتداد قرون
في تونس.
وأشار الدولاتي الى اختلاف الاساليب الهندسية منذ القرن الثالث في
عصر المستعين بالله الحفصي مع المهندس فتح البناء الذي لايزال اسمه
موجودا في قمة المحراب بالجامع وحتى القرن التاسع عشر تاريخ تشييد
المهندسين سليمان النيقور وطاهر بن صابر المئذنة الحالية للجامع.
وقدم المؤلف عرضا اضافيا عن الخلفاء الامويين والعباسيين والحفصيين
الذين ارتبط اسمهم بالزيتونة من بينهم الامير عبد الملك بن مروان
الخليفة الاموي الذي امر بتأسيس الجامع اضافة للقائد حسان بن النعمان
وعبد الله بن الحبحاب.
وكان جامع الزيتونة محور عناية الخلفاء والامراء الذين تعاقبوا على
افريقيا الا ان الغلبة كانت لبصمة الاغالبة ولمنحى محاكاته بجامع
القيروان وقد منحته تلك البصمات عناصر يتميز بها الى اليوم.
وتتمثل اهم هذه العناصر في بيت صلاة على شكل مربع غير منتظم وبقبة
محرابه المزينة بزخارف اضافة الى زخرفة كامل المساحة الظاهرة في
الطوابق الثلاثة بشكل بالغ الدقة يعتبر النموذج الفريد من نوعه في
العمارة الاسلامية في عصورها الاولى. |