فوكوياما والتحول الانقلابي من نهاية التاريخ الى بدايته

شبكة النبأ: احيانا ترتبط شهرة مفكر كبير بكلمة ذكرها او عبارة كتبها، فإذا ما تكلمنا عن صمويل هنتنجتون فإن المعنى المتداعي لدى معظم الناس سيكون "صدام الحضارات"، وإذا ما ذكرنا اسم فريد زكريا رئيس تحرير النسخة الدولية من مجلة نيوزوويك فأول ما نتذكره هو عبارة "لماذا يكرهوننا؟" وإذا ما ذكرنا فرانسيس فوكوياما فإن عبارة "نهاية التاريخ" تظل اهم ما يرتبط به على الرغم من تنوع انتاجه واختلاف مواقفه الفكرية. يقترب موقع تقرير واشنطن في هذا المقال من شخص وعقل واحد من اشهر المفكرين الذين اثاروا جدلا خلال العقدين الأخيرين.

النشأة والتعليم

ولد يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما Yoshihiro Francis Fukuyama في 27 أكتوبر من عام 1952 بمدينة شيكاجو بالولايات المتحدة. ويعتبر الرجل من أهم الفلاسفة والمفكرين الأمريكيين المعاصرين، فضلا عن كونه أستاذا للاقتصاد السياسي الدولي ومديرا لبرنامج التنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز.

تخرج فوكوباما من قسم الدراسات الكلاسيكية بجامعة كورنيل، حيث درس الفلسفة السياسية على يد ألن بلووم Allen Bloom ، بينما حصل على الدكتوراه من جامعة هافارد حيث تخصص في العلوم السياسية.

بداية الشهرة

في عام 1989 كان قراء دورية ناشونال انترست National Interest على موعد مع مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة، عندما كتب فرانسيس فوكوياما تحت عنوان "نهاية التاريخ" قائلا إن نهاية تاريخ الاضهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرلية وقيم الديمقراطية الغربية. وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" .

وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة "المادية التاريخية" ، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضهاد الانساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل واستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضهاد الانساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية.

نظرية نهاية التاريخ

ذكر فرانسيس فوكوياما في مقاله الشهير "نهاية التاريخ" شارحا نظريته بالقول إن ما نشهده الآن ليس نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب ، وإنما نهاية للتاريخ ، بوضع حد للافكار الايدلوجية في التاريخ الانساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية.

تقوم نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما والتي اختلفت الأراء حولها بين مؤيد ومعارض، على ثلاثة عناصر أساسية. العنصر الأول، هو أن الديمقراطية المعاصرة قد بدأت في النمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت بالتدرج كبديل حضاري في محتلف أنحاء العالم للأنظمة الديكتاتورية.

العنصر الثاني في نظرية نهابة التاريخ ، هو أن فكرة الصراع التاريخي المتكرر بين " السادة" و"العبيد" لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر.

العنصر الثالث في نظرية فوكوياما، هو أن الاشتراكية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتركية الديمقراطية.

وطبقا لنظرية فوكوياما، فإن الديمقراطية قد أثبتت في تجارب متكررة منذ الثورة الفرنسية وحتى وقتنا هذا أنها أفضل النظم التي عرفها الانسان أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا. ولا يعني فوكوياما أن نهاية أحداث الظلم والاضهاد في التاريخ قد انتهت، وإنما التاريخ هو الذي أنتهى، حتى وإن عادت نظم استبدادية للحكم فيمكان ما، فإن الديمقراطية كنظام وفلسفة ستقوى أكثر مما قبل.

وقد انتقد فوكوياما لبناء نظريته عل النموذج الأمريكي للديمقراطية الغربية، لكن مؤيدوه يدافعون عن نظرية نهاية التاريخ بالقول إن المنتقدين قد أساؤوا قراءة النظرية، حيث يرى فوكوياما أن العالم سيشهد المزيد والمزيد من الحكومات الديمقراطية بمختلف أشكالها في السويد وتركيا والهند وغانا وفنزويلا. كما يتم التدليل على فشل نظرية فوكوياما من خلال تصاعد حركات وأفكار إسلامية في الشرق الأوسط أو نجاح الحركات اليسارية في أمريكا الجنوبية.

علاقته بالمحافظين الجدد

لفترة طويلة اعتبر فرانسيس فوكوياما واحدا من منظري المحافظين الجدد Neoconservatives ، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأمريكي ، وقد دعا هو ورفاقه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الدكتاتورالسابق صدام. وقد وقع على خطاب مماثل وجه إلى الرئيس بوش في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حتى وإن لم يوجد ما يربط نظام صدام بمنفذي الهجمات. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مؤمنا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية بالقوة خاصة في حالة الشرق الأوسط.

طرأت تحولات على مواقف وقناعات فوكوياما في نهاية عام 2003، حين تراجع عن دعمه لغزو العراق، ودعا إلى استقالة وزير الدفاع الامريكي في ذلك الوقت دونالد رامسفلد. وأعلن عن احتمال تصوبته ضد الرئيس بوش في انتخابات الرئاسة عام 2004، معتبرا أن الرئيس الأمريكي قد ارتكب أخطاء رئيسية ثلاثة ، هي: أولا، المبالغة في تصوير خطر التشدد الإسلامي على الولايات المتحدة. ثانيا، إساءة تقدير إدارة بوش لردود الفعل السلبية وازدياد مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم. ثالثا، التفاؤل الزائد في إمكانية إحضار السلم إلى العراق من خلال الترويج لقيم الثقافة الغربية في العراق والشرق الاوسط بصورة عامة.

وقد عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأن على الولايات المتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية، ولكن بالتوازي مع ما دبلوماسية ما اطلق عليه نموذج نيلسون الواقعي. حيث اعتبر إن استخدام القوة يجب أن يكون أخر الخيارات التي يتم اللجوء إليها ، وكنه ألمح إلى أن هذه الاستراتيجية تحتاج المزيد من الصبر والوقت. واعتبر أن التركيز على إصلاح التعليم ودعم مشاريع التنمية يمنحان سياسة الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية أبعادا شرعية.

وقد تخلى فرانسيس فوكوياما صراحة عن ولائه وانتمائه لأفكار المحافظين الجدد في مقال نشرته المجلة التابعة لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2006 مقارنا حركة المحافظين الجدد باللينينية. ونفى فوكوياما أن تكون الحرب العسكرية هي الإجابة الصحيحة على الحرب على الإرهاب. وأضاف أن معركة كسب عقول وقلوب المسلمين حول العالم هي المعركة الحقيقة.

مواهب وهوايات

بعيدا عن السياسة والاكاديمية، وبعيدا عن صداقته الطويلة لسكوتر ليبي المدير السابق لنائب الرئيس الأمريكي والذي أدين مؤخرا بالكذب، فإن فوكوياما يهوى التصوير الفيتوغرافي والاثاث التقليدي الذي يصنع بعض قطعه بيده. وهو متزوج من السيدة لورا هولمغرن Laura Holmgren ، ولديه ثلاثة أطفال.

أهم المؤلفات

أشهر مؤلفات فوكوياما والمحتوية على نظرية نهاية لتاريخ التي صنعت منه نجما ، هو كتاب "نهاية التاريخ والانسان الأخير" The End of History and the Last Man . ومن المؤولفات الأخرى كتاب: " التصدع العظيم: الطبيعة الانسانية وإعادة صياغة النظام الاشتراكي" . وكتاب: " ما بعد الجنس البشري: تبعات ثورة التكنولوجيا الحيوية" ، حيث يتناول التأثير السلبي للتكنولوجيا البيلوجية من استنساخ وتناول العقاقير الحيوية، وغيرها على مسقبل الجنس البشري. وكتاب: بناء الدولة: الحكم والنظام العالمي في القرن الواحد والعشرين" وقد نشر هذا الكتاب عام 2004. وكتاب: "أمريكا على مفترق الطرق".

أما أحدث كتب فوكوياما فهو: " ما بعد المحافظين الجدد: حينما اتجه اليمين خطأ" After the Neo Cons: Where the Right went Wrong ، وهو الكتاب الذي يحتوى على انتقاد فوكوياما لحركة المحافظين الجدد ووضح موقفه منهم، وقد نشر عام 2006. ونشر فوكوياما عشرات المقالات في الدوريات العلمية والصحف والمجلات السياسية والاقتصادية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 26 تشرين الاول/2007 - 14/شوال/1428