(عملية سوزانا) علامة ربطت مصير اليهود المصريين بالصراع العربي الإسرائيلي

شبكة النبأ: في رأي اكاديمي يهودي امريكي تخلى عن صهيونيته، ان تجربة اليهود المصريين خاصة بين حربي 1948 و1956 لا تفسرها وجهتا النظر الرسمية في مصر واسرائيل مشيرا الى ان كلا البلدين تواطأ على طي صفحة اليهود من التاريخ المصري بما يخدم مصلحته اضافة الى استخدام هذه الورقة لخدمة غايات سياسية هنا وهناك.

ويقول جوئل بينين إن الروايتين الاسرائيلية والمصرية تستبعدان اليهود "من عضوية المجتمع السياسي المصري... افترض الخطاب الصهيوني أن الحياة اليهودية في مصر قد انتهت" بعد حرب 1948 كما حاول الخطاب القومي في مصر انكار الوجود اليهودي أيضا. بحسب رويترز.

ويضيف أنه بعد عام 1956 التي شهدت عدوانا بريطانيا فرنسا اسرائيليا على مصر تشتت الطائفة وعندما أجبروا على الاختيار بين مصر واسرائيل اختار معظمهم دولا أخرى وبعد عدة عقود أعاد بعضهم بناء صورة مصر، بشكل أدبي اغترابي يتحدى قواعد الخطاب الصهيوني وفي نفس الوقت يظهر مقاومة لخطاب الحركة القومية المصرية.

ويلقي في كتابه (شتات اليهود المصريين) The Dispersion of Egyptian Jewry ضوءا على ما هو أبعد من يهود مصر مشيرا الى أن الحكومات "الصهيوينة العمالية" في خمسينيات وستينيات القرن الماضي باسرائيل همشت يهود الشرق الاوسط الذين ساهمت "أقلية ضئيلة" منهم في المشروع الصهيوني قبل عام 1948 وأن "عدة الاف من اليمنيين جلبوا لفلسطين تحت الانتداب (البريطاني) عن طريق السلطات الصهيوينة التي كانت تبحث عن عمال يهود لكي يحلوا محل العمال العرب. مشيرا الى أن الاحزاب الصهيونية أرسلت مبعوثين الى دول أفريقية وعربية منها مصر والعراق وتونس والمغرب حين أصبح نشاطها العلني، مستحيلا في أوروبا تحت الاحتلال النازي... كانت هناك منظمات صهيونية صغيرة في هذه الدول قبل الحرب العالمية الثانية.

وترجم الكتاب الى العربية محمد شكر الاستاذ بقسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب جامعة بنها المصرية ويقع الكتاب في 506 صفحات كبيرة القطع وصدر عن دار الشروق بالقاهرة.

ويقدم المؤرخ المصري خالد فهمي وصفا لمؤلف الكتاب بأنه،لا يتردد في توجيه أشد الانتقادات لاسرائيل متهما اياها بأنها دولة استعمارية. مضيفا،  أنه كان صهيونيا تخلى عن صهيونيته بشكل معلن حتى شنت عليه حملات من قوى يمينية أمريكية وصهيونية "خسيسة" تتهمه بأنه يناصر الارهاب ويدعمه حيث عمل أستاذا لتاريخ الشرق الاوسط بجامعة ستانفورد الامريكية وانتخب عام 2002 رئيسا لرابطة الشرق الاوسط في أمريكا الشمالية، وهي من أكبر رابطات الشرق الاوسط في العالم حيث تضم ما يقرب من ثلاثة الاف أكاديمي من المتخصصين في هذا المجال، وهو يعمل منذ سبتمبر أيلول 2006 مديرا لدراسات الشرق الاوسط بالجامعة الامريكية بالقاهرة.

ويقول بينين انه استقى بعض مادة الكتاب من يهود مصريين في مصر والاراضي الفلسطينية وفرنسا والولايات المتحدة.

ويضيف أن كثيرا من المصريين الان ربما يجدون صعوبة في تصديق أن يهودا مصريين عاشوا في هذه البلاد وأن تاريخ اليهود في مصر لم يناقش بما يستحق من اهتمام منذ خمسينيات القرن العشرين لكنه حظي بالبحث بعد معاهدة السلام بين مصر واسرائيل 1979 التي تركت "المسألة الفلسطينية دون حل... في ضوء القمع الاسرائيلي المتواصل للشعب الفلسطيني ومعاملتها التي تتسم بالغطرسة لكل جيرانها العرب بما فيهم مصر فان التاريخ الخاص باليهود المصريين كان مؤسسا لخدمة غايات سياسية ضيقة" سواء في مصر واسرائيل.

ولا ينطلق بينين من يقين اذ يشير الى أن معظم ما كتب في مصر واسرائيل عن يهود مصر تنقصه المعلومات ويتسم بالتحيز فاستمرار وجود الطائفة اليهودية بمصر بعد حرب 1948 "يتعارض مع الادعاء الصهيوني بأنه لا يمكن لليهود أن يحيوا حياة طبيعية في أي مكان سوى اسرائيل. وبالتأكيد فان هذا الادعاء يصبح أقوى بالنظر الى دولة عربية كمصر حيث انها في حالة حرب مع اسرائيل" في تلك الفترة.

ومن زاوية أخرى فان ما يصفه المؤلف بالرحيل النهائي لمعظم اليهود الذين بقوا في مصر بعد 1956، يؤكد صحة هذا الادعاء (الصهيوني) وان يكن متأخرا.

ويتطرق المؤلف إلى بعض الحوادث التي حسمت علاقة يهود مصر ببلادهم ومنها ما سمي بعملية سوزانا التي أصبحت علامة رمزية هامة ربطت مصير اليهود المصريين بمسيرة الصراع العربي الإسرائيلي. ففي صيف 1954 أمرت المخابرات الحربية الإسرائيلية شبكة تجسس من اليهود المصريين كونتها قبل ثلاث سنوات بتنفيذ عملية سوزانا بتفجير أماكن منها مصالح أمريكية بهدف إقناع بريطانيا بعدم التفاوض مع الحكومة المصرية بشأن الجلاء عن البلاد. وقبض على المتهمين وحكم على اثنين بالإعدام وعلى متهم بالسجن مدى الحياة وعلى اثنين بالسجن 15 عاما وعلى اثنين بالسجن سبع سنوات وحكم لاثنين بالبراءة.

ويرجح المؤلف أن تكون عناصر نشطة في الجيش موالية لديفيد بن جوريون (1886-1973) أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي احتفظ بتأثير هائل رغم تقاعده المؤقت من منصبه كرئيس للوزراء خلال عام 1954 قاموا بإطلاق العملية ثم كشفها عن عمد. كما يرجح أيضا تدمير وثائق العملية على يد الحكومات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية وإن أزيح في إسرائيل الستار عن جانب من تفاصيلها حيث أطلق عليها " فضيحة لافون" نسبة إلى بنحاس لافون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك.

ويثبت أن وزير الداخلية المصري آنذاك زكريا محيي الدين عقد مؤتمرا صحفيا عقب القبض على "المخربين وأكد على أن أغلبية اليهود المصريين هم مواطنون مخلصون شأنهم في ذلك شأن كل المصريين الآخرين" مضيفا أن أربعة منهم وصلوا إلى إسرائيل في تبادل للأسرى بعد 1967 وظل وجودهم سرا حتى 1971 حيث أعلنت رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مئير أنها تنوي حضور حفل زفاف أحدهم وهو مارسيل نينيو.

ويضيف أنه اعتمد بشكل كبير في توثيق مادة كتابه على التاريخ الشفهي حيث لا يسمح للباحثين بقراءة الأوراق الخاصة بالطائفة اليهودية في القاهرة والإسكندرية والموجودة بمكتبتي الحاخامين الأكبرين في المدينتين قائلا إنه تحدث في مايو ايار 1993 إلى إميل ريسو الرئيس المؤقت للطائفة اليهودية في القاهرة بشأن إمكانية اطلاعه على هذه الوثائق "وقد قدمت نفسي كأستاذ جامعي يهودي أمريكي يكتب تاريخ يهود مصر إلا أنه سرعان ما أجابني قائلا باللهجة العامية المصرية.. ما ليش دعوة بالتاريخ" مضيفا أن جزءا من سجلات هذه الطائفة (1886 -1961) نقل من مصر ويوجد بجامعة يشيفا في نيويورك.

وفي مقابل الصمت اليهودي يقول إن جهات أمنية مصرية تعطي تعليمات بعدم التحدث، بحرية عن مثل هذه الموضوعات. كما قال له تاجر بالقاهرة.

ويصل بينين إلى نتيجة تتلخص في أن يهود مصر، تم منعهم بطرق عديدة من سرد تاريخهم نظرا لاعتبارات سياسية في كل من مصر وإسرائيل.

لكنه لا يستبعد أن نسبة كبيرة من الطائفة اليهودية -شأن معظم أعضاء الطوائف المتمصرة التي غادرت مصر بعد 1956- كان من المرجح أن تغادر مصر في الخمسينيات حتى لو لم ينشأ صراع عربي إسرائيلي مضيفا أن أقلية ضئيلة كانوا نشطاء صهاينة حتى بعد 1948 وأن معظم الذين تركوا مصر لم يذهبوا إلى إسرائيل حيث "إن معظم هؤلاء الذين كان بمقدورهم الاختيار ذهبوا إلى أوروبا أو الأمريكيتين" مشيرا إلى أن العائلات الأكثر فقرا هي التي كانت تميل إلى الذهاب لإسرائيل.

ويشير إلى أنهم ظلوا في أي منفى يحافظون على رابطة بينهم وبين مصر بالمخالفة للرواية الإسرائيلية التي تضع تجاربهم، بأكملها في نطاق مسيرة المشروع الصهيوني ويصر على انسلاخهم الكلي والمطلق عن مسقط رؤوسهم. موضحا أن هذا يختلف عن السرد التاريخي القومي المصري الذي يفسر زوال الطائفة اليهودية المصرية من خلال المؤامرات الصهيوينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23 تشرين الاول/2007 - 11/شوال/1428