تأثير انتحار العقل وخطر التطرف على مفاهيم الإسلام المعتدل  

شبكة النبأ: تنم التداعيات المتلاحقة في الشرخ الذي احدثه التطرف والتكفير بصورة الاسلام الحقيقي المعتدل عن عدم قدرة المجتمعات القائمة على الفكر الليبرالي على مجابهة الاسلام المتطرف والتعصب الفئوي وإفرازه ومجابهته فكريا ومجتمعيا تمهيدا للقضاء عليه.

وأقام معهد ENTERPRISE الأمريكي ندوة حول قضية (انتحار العقل) بعد ان عقدت جامعة كولومبيا ما اسمته جلسة نقاش مع (ارهابي مجنون) يشعر بسعادة بالغة لان يديه ملطخة بالدم الأمريكي ويدرك تماما ما فعله.

بهذه العبارات الافتتاحية مهد كريستوفر دي موث مدير معهد انتربرايز للحديث عن الكتاب الجديد الذي اعده لي هاريس وهو بعنوان انتحار العقل، التهديد الذي يشكله الاسلام المتطرف على الغرب. حسب موقع تقرير واشنطن.

وفي الكتاب عرض هاريس لوجهات نظره المثيرة للجدل والغضب في آن واحد عن عدم قدرة المجتمعات القائمة على الفكر الليبرالي المتحرر والمتعقل على مجابهة الاسلام المتطرف والتعصب – وبدا الكتاب وكأنه رحلة محيرة بين حركة التنوير والفكر الفلسفي الاسلامي والفلسفة التقليدية.

واستشهد الكاتب بشخصيات مثل الفيلسوف الفرنسي ابيلارد والفيلسوف اليوناني ارسطو والفيلسوف الانجليزي توماس هوبس والمؤرخ الاسكوتلندي ديفيد هيوم ورائد علم الاجتماع ابن خلدون والطبيب النفسي الفرنسي لاكان والفيلسوف اليوناني سقراط وغيرهم.

وتولت ايان هيرسي علي وهي عضو سابق في البرلمان الهولندي وعضو حالي في معهد انتربرايز انتقاد الكاتب هاريس والرد عليه وبعد ذلك تواجها ضد كل منهما الاخر وفي مواجهة الاسلام.

ونظرا لأن مواقفها الالحادية المتشددة ومعتقداتها العلمانية معروفة فإن ايان هيرسي تجهر بانتقادها الاسلام كما انها تناولت في كتابها تحولها من عالم الايمان الى عالم التعقل.

وفي عام الفين واربعة كتبت هيرسي قصة فيلم Submission وترجمته الطاعة او الإذعان وتناولت فيه اضطهاد المرأة في الثقافات الاسلامية المحافظة واخرج الفيلم Theo Van Gogh.

وقد عرض التليفزيون الهولندي الفيلم الامر الذي ادى الى اغتيال المخرج Gogh على ايدي متطرفين اسلاميين دعوا الى شن حرب مقدسة على الغرب.

صدمة الغرب من المتطرفين الإسلاميين

وكشف هاريس النقاب عن ان افكار كتابه الجديد وُلدت مما وصفه بالصدمة او ما يشبه الزلزال وسلسلة من الهزات الرادفة بداية من هجمات الحادي عشر من سبتمبر ومن بعدها مشاهدة احتفالات الفلسطينيين بتلك الهجمات في الشوارع.

واضاف هاريس ان هناك صدمة اخرى سببها ميل بعض المثقفين في الولايات المتحدة الى استخلاص اوجه للشبه بين الهجوم على مركز التجارة العالمي والهجوم على ميناء "بيرل هاربر" ابان الحرب العالمية الثانية ، والايحاء بان الولايات المتحدة كانت على وشك خوض حرب عالمية ثالثة.

وفيما بين ما اعتبره افتقارا الى الحداثة في أنحاء العالم الإسلامي والتلويح في الولايات المتحدة بوجود اوجه للشبه مع الحرب العالمية الثانية . ادرك هاريس ان الغرب لم يكن يواجه حربا عادية بل يواجه تهديدا اكثر ضررا بالقيم والمثل الليبرالية وما اسماه "الوباء الايديولوجي" الذي يلحق اضرارا نفسية وثقافية اعتمادا على سيكولوجية الخوف وليس الهجمات العسكرية الشاملة.

واضافة الى الجدل الفلسفي انتقد هاريس كتاب صدام الحضارات الذي وضعه صامويل هننغتون لانه عرض نموذجا غير كاف لمعالجة وتصحيح الفوارق الاجتماعية.

وفي معرض انتقاده دفع هاريس بأن من المستحيل اعتماد سياسة تدعو لعدم التواصل بين الثقافات الشرقية والغربية وقال ان الاسلام الراديكالي لا يطمح الى مجرد ابداء التذمر والانتقاد بل الى اسقاط النظام الراهن برمته. فالعقل في مفهوم الغرب يقول: ان المرء لا يريد ان يفرض الاسلاميون المتطرفون هيمنتهم على مجتمعاتنا فهناك اناس يفضلون بالفعل ان يكونوا راديكاليين.

واشار هاريس الى هجمات الحادي عشر من سبتمبر والاحداث التي تلتها باعتبارها صدام حضارات يلجأ فيه من وصفهم بالفوضويين الى اي وسيلة للاستيلاء على السلطة وقلب النظام الراهن راسا على عقب.

والثقافة الاسلامية في تصور هاريس تفتقر الى الحداثة والعصرية ويحكمها قانون الغاب وان الجهاد ليس فقط العنصر الاساسي في الاسلام ولكنه على ما يبدوا نهجا وفلسفة محورية لتصحيح الاوضاع.

ويرى هاريس ان الثقافة الاسلامية لن تحترم الافراد ابدا وان القبلية تفوق كل شيء وان ذلك هو الفارق الرئيسي بين المجتمع الاسلامي والمجتمع الغربي المستنير الذي يحترم الفردية على حد وصفه.

مأزق الحضارة الإسلامية

وعلى الرغم من انه لم يتناول كافة الانتقادات النمطية التي تُوجه للحضارة الاسلامية ، فقد دفع هاريس بأن مصطلح الفاشية الاسلامية مضلل. ففي حين تُعتبر الفاشية حكمَ اقلية طاغية فقد اعتبر هاريس الجهاد حركة بعث للروح الدينية تعود بجذورها الى المجتمع الاسلامي والى عصر الرسول محمد.

ويُلاحظ ان هاريس اغفل في طرحه اي اعتراف بالجدل الدائر بين علماء المسلمين وفي المجتمعات الاسلامية حول تعريف مفهوم الجهاد.

وردت هيرسي علي على تصنيف هاريس للثقافة الاسلامية بانها كيان واحد يفتقر الى فكر الفرد فقالت انها ثقافة قابلة للتغيير على نحو مستمر وان الافراد قادرون على الاستجابة والابتكار.

وعلى سبيل المثال قالت هيرسي علي، ان هناك خطرا يتمثل في تصنيف جميع المسلمين باعتبارهم كيانا واحدا . واشارت الى ان ثمة فرق بين الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد والشعب الايراني خاصة فيما يتصل بتصورهم للغرب.

وفيما بدا ان هاريس يعتقد باستحالة مناشدة العقل لدى من يعتنقون الثقافة الاسلامية ، تقول هيرسي علي ان الشعوب في كافة ارجاء المعمورة يحتكمون الى منطق العقل في حياتهم اليومية وانه يتعين ان نتفهم الجانب المتعقل لدى المسلمين على ان نأخذ في اعتبارنا ان الاستنارة بالعقل تهديد للاسلام المتطرف.

وفي الوقت ذاته وجهت هيرسي علي عبارات قاسية للعشائرية والقبلية في المجتمع الاسلامي وقالت ان القبلية المستنيرة نوع من التناقض اللفظي لان مصالح الجماعات المتأصلة في الحياة القبلية تتحول حتما الى حكم الفرد الواحد.

واضافت ان الافراد يخرجون من النطاق القبلي بمجرد وصولهم الى الاستنارة العقلية.

كما ابدت هيرسي علي مزيدا من التفاؤل بايمانها بان الغلبة ستكون للديمقراطية والتعقل واستشهدت على ذلك بتحولها من المجتمع القبلي الى المثل الغربية والعقل المستنير.

وعلاوة على حياتها الشخصية سلطت هيرسي الضوء على قدرة الغرب على تحويل كل من اليابان والمانيا الى ديمقراطيتين ليبراليتين في اعقاب الحرب العالمية الثانية. وقالت انه يتعين على الغرب ان يواجه الكلمات بالكلمات وان يهاجم حينما يتعرض للهجوم . واضافت انه يجب على الغرب تشجيع العلمانية والنزعة الفردية كي يواجه انتشار الاسلام المتطرف وان بوسع الغرب ان يبني مدرسة الى جانب كل مدرسة اسلامية في العالم لنشر ما نؤمن بأنه الليبرالية العلمانية.

واشارت الى ان شعورها بالتفائل بشأن مستقبل النزعة الفردية في المجتمع الاسلامي يرجع الى تعاليم جماعات مثل الاخوان المسلمون التي تشجع العلاقة الشخصية مع الدين دون الاعتماد على دولة اسلامية او شخصية الامام او الخليفة لتوفير الارشاد الديني.

وفيما تروج جماعات مثل الاخوان المسلمون لافكار تتناقض مع ديمقراطية الغرب الليبرالية، فان تشجيعها العلاقة الفردية مع الدين سيزيد معدلات الالمام بالقراءة والكتابة ويعزز الفكر على المستوى الفردي.

وفي معرض ردها على سائل من جمهور الحاضرين طلب منها التوفيق بين موقفها وموقف هاريس اللذين يقارنان الاسلام كدين بالغرب كحضارة، اجابت هيرسي، ان الاسلام دين وفلسفة سياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22 تشرين الاول/2007 - 10/شوال/1428