تأملات في المشهد العراقي.. المقال الحر

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  من الواضح جدا بان حالة الطوارئ سوف تستمر طويلا بحسب ما يقرأ في الظروف السياسية والملابسات الحاصلة في البنية الاجتماعية العراقية، والتي تجد انعكاساتها في السلوك السياسي المتضارب، وبالإمكان تقدير الوقت اللازم لحالة الطوارئ بـ خمسة عشر عاما أخرى، حتى تتوضح المسيرة السياسية الرصينة في العراق.

ان عملية حرق المراحل التي تدخل احيانا في هاجس بعض السياسيين انما هي فورة من الاحلام العاجلة التي لا تثمر الا مزيدا من التعقيدات بوجه النضوج الطبيعي.

الفهم السياسي في مجمله والفهم الديمقراطي بالنسبة للفرد العراقي عملية جديدة ودرس لم يقرأه منذ آلاف السنين وهو لا يحاول مجرد المحاولة لقراءة هذا الدرس فالحرية والديمقراطية تمثل في المجتمع فرصة للانفلات وتحصيل المصالح مهما كان نوعها، وهي ايضا حصانة موثوقة يتفيأ بها، واول هولاء السياسي الذي كان على الدوام المبادر الاول في الفساد والقدوة في السلوك، ولعل القضايا التي كشفت عن فساد وزراء ومديرون عامون ومجالس محافظات هي الدليل الصارخ على هذا المسرى والفهم للديمقراطية والحرية هذا عدى الاختلاسات التي اختبأت تحت ظلال المهادنات السياسية على طريقة ـ بس اكفينا شرك ـ.

والـ 18 مليار التي اعلنت في اكثر من مناسبة دليل آخر وكبير، وضخامة هذه السرقة تتجلى لو عرفنا بان مقدار السنة المالية لمصر لم تتعدى الـ 22 مليار والبرازيل لم تتعدى الـ 30 مليار.

ان النمو الطبيعي يكمن في الحقيقة في طريقين طويلين نوع ما واول الطريقين هو التخلي عن الاجندات الغير عراقية وهو الطريق الذي يصعب سلوكه، حيث ان معناه تخلي كثير من الاحزاب والتيارات والقوى عن الاصل في تشكلها والاصل في تمويلها وانبثاقها في الحياة السياسية العراقية.

يضاف الى ذلك الهيمنة التي تتمتع بها حتى داخل البرلمان فضلا عن خارجه الذي يدخل في صف المعارضة المعلنة، على طريقة رجل مع الحكومة ورجل في الشارع الذي يفور.

بحيث ان محصلة الفعل مهما كانت مهمة الا انها تبقي الوضع عند نقطة الصفر.

اما الطريق الثاني الذي يتوقف عمله على الاسلوب الاول او الاجراء الاول، هو تنامي القوى القانونية والعسكرية ويقصد بالشرطة والجيش الانتقائيين اي بمعنى خارج الحصص الحزبية المتفاعلة في الاوقات الراهنة، وخارج عن الرغبة او الرؤية الامريكية.

ولعل هكذا مسرى قد يتشابه الى حد ما بالمسرى التركي ومستندها العسكري فذاك في راينا هو السند وصمام الامان.

على ان هكذا توجه لن يحدث في وضع الحكومة الحالية، التي اسست لأجندات تتضارب مع بعضها البعض، كذلك لايمكنها ان تبدأ الطريق من جديد، ولا يمكنها الخروج من الدائرة المقفلة بما فيها من تشكيلات غير متجانسة وغير منسجمة او متوحدة في رؤية واحدة اساسية.

فالاختلاف يعبر بشكل كبير المشتركات المفترضة ويتعدى الى التفاصيل الصغيرة، فيما ينهب الزمن من الوقت السياسي، وتهدر القيمة المادية للبلاد دون ان ياتي الامر بالفائدة، وستظل الامور هكذا طوال السنوات الخمسة عشر القادمة مالم ينهض فعل جديد، قد قرأ المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بصورة واقعية، واسس لمشهد مختلف تماما عن المشهد المتهالك عمليا، تحت واقع المحاصصة المرير.

قد تكون العسكرة شئ غير مقبول في الواقع السياسي المعاصر وقد يتحمل كثير من الانتقادات لكن من الوجهة الواقعية فهو مرحلة لابد من عبورها ولا يمكن احراق هذه المرحلة في كونها تهيء للنضوج السياسي والاجتماعي بصورة طبيعية، ولعل ما حدث من المراوحة والمشاكل في فترة الخمس او الست سنوات المنقضية لهو خير برهان عن العجز في الوصول الى حلول ناجعة للحالة العراقية لفقدها الهوية السياسية فلا هي بالعلمانية ولا بالدينية ولا بالديمقراطية ولا بالشمولية ولا بالوطنية رغم ادعاء الجميع بكل هذه العناصر المتعاكسة.

فكل شئ مختلط متضارب مكونا عجينة غريبة عصية على الفهم، الا ان الفساد هو السيد الواضح المعالم والبهي الطلعة في كل مرفق او مجال..

فالمتدين السياسي يدعي بانه لبراليا وعلمانيا بحسب الضرورات الواقفة على الطريق، والعلماني يعلن انتماءه للدين بالشكل الذي يفوق المتدين، والشمولي يناضل من اجل الديمقراطية، والديمقرطي يسير في جميع الطرق الممكنة التي تمليها تفاعلات سياسية محددة او غير محددة!!.

ويظل العراقي مهددا في امنه ويتحمل حالة العوز والبطالة ومحروما من الامل في يوم آخر تتركه المرارة التي يعيشها منذ آماد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 17 تشرين الاول/2007 -5/شوال/1428