قبل أيام وفي خضم الجدل القائم حول تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة من
المحكمة الجنائية العليا اطلعت على حديث منشور في جريدة العدالة العدد
الصادر يوم 4/10/2007 للمتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية العراقية
العليا، أشار فيه إلى وجود تناقض في قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم
21 /اتحادية/2007 في 26/9/2007 المتعلق بتفسير النص الدستوري للفقرة
(ثامنا) من المادة 73 من الدستور النافذ التي تنص على ما يلي (المصادقة
على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة) وعلل هذا التناقض بان
المحكمة الاتحادية قد ذكرت في صلب قرارها إن المادة 73 من الدستور قد
أوجبت صدور مرسوم من رئاسة الجمهورية لتنفيذ أحكام الإعدام ثم عطفت
الأمر على ضرورة مراعاة الأحكام القانونية الواردة في قانون المحكمة
الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005 ولغرض بيان مدى انطباق
قول المتحدث باسم المحكمة الجنائية العليا مع الأحكام القانونية من إن
التناقض قائم أم إن المتحدث لم يدرك المعنى الحقيقي للأحكام القانونية
المعمول بها أتقدم بالتعليق التالي :-
1. إن وظيفة المحكمة الاتحادية تنحصر في تفسير النصوص
الدستورية حصراً على وفق أحكام الفقرة (ثانيا) من المادة 90 من الدستور
النافذ التي تنص على ما يلي (تفسير نصوص الدستور) ولا يتعدى ذلك إلى
تفسير القوانين إذ رسم المشرع لذلك طريق قانوني واضح، وبما أن الرأي
حول تفسير نص الفقرة (ثامنا) من المادة 73 من الدستور فانه صحيح ومنسجم
مع حكم الدستور الذي شمل جميع الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم
المتعلقة بأحكام الإعدام ولم يستثني أي محكمة على وفق ما ورد فيه
(المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة) . والمحكمة
الجنائية العراقية العليا هي محكمة مشكلة بموجب القانون رقم 10 لسنة
2005 ولها مركزها القانوني والدستوري وعلى وفق ما ورد في المادة (130)
من الدستور النافذ التي تنص على ما يلي (تستمر المحكمة الجنائية
العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئةً قضائية مستقلة، بالنظر في جرائم
النظام الدكتاتوري البائد ورموزه، لمجلس النواب إلغاؤها بقانونٍ، بعد
اكمال إعمالها) لذا فإنها تدخل ضمن مفهوم المحاكم الخاصة المشار إليها
في نص الفقرة (ثامنا) من المادة 73 من الدستور.
2. إن إشارة رأي المحكمة الاتحادية العليا التفسيري إلى ضرورة
مراعاة القانون الخاص بالمحكمة الجنائية العراقية العليا لم يرد فيه أي
تناقض لان المحكمة لم تتطرق إلى تفسير نص قانون المحكمة الجنائية
المختصة لأنها غير ذات صلاحية في النظر في تفسير نص القانون أو مادة من
مواده لان اختصاصها ينحصر في تفسير الدستور أو بعض مواده.
3. إن قانون المحكمة الجنائية العليا رقم 10 لسنة 2005 هو
قانون مازال نافذ ولم يلغى ولم يعدل و إحكامه نافذة وتتمتع بالشرعية
الدستورية لان جميع الأحكام القانونية نافذة، ما لم يصدر قانون
بإلغائها أو تعطل من قبل المحكمة الدستورية، حتى لو كانت صادرة قبل
نفاذ الدستور وعلى وفق أحكام المادة (126) من الدستور. لذا فان أحكام
هذا القانون تراعى في ما لم يرد به نص آخر غير الذي ذكر في قانون
المحكمة الجنائية العراقية العليا لان قانونها يعتبر خاص تجاه التعميم
الوارد في نص الفقرة (ثامنا) من المادة 73 من الدستور، لان الخاص يقيد
العام ويكون ملزم وواجب التطبيق عند تنفيذ الأحكام الصادرة بالإعدام من
قبل المحكمة الجنائية العراقية العليا. لان بقية المحاكم الأخرى لم يرد
فيها نص مثل ما مذكور في الفقرة (ثانيا) من المادة 27 من قانون المحكمة
الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005 التي تنص على ما يلي (لا
يجوز لأية جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية إعفاء او تخفيف العقوبات
الصادرة من هذه المحكمة وتكون العقوبة واجبة التنفيذ بمرور 30 ثلاثين
يوما من تاريخ اكتساب الحكم او القرار درجة البتات) الذي حدد مدة معينة
لمصادقة الرئاسة وبانتهائها يكون الحكم القضائي الخاص بالإعدام واجب
التنفيذ وبدون حاجة الى صدور مرسوم من مجلس الرئاسة.
4. أما فيما يتعلق ببعض الآراء التي تشير إلى مخالفة نص المادة
(27) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا بأنه غير دستوري
لمخالفته لأحكام المادة 73 من الدستور فإنها آراء لا سند لها من
الناحية القانونية والشرعية، لان قانون المحكمة الجنائية العراقية
العليا والنص المتعلق بتنفيذ الأحكام الواردة فيه يعتبر دستوري وواجبة
التنفيذ إلى حين صدور قرار قضائي من المحكمة الاتحادية العليا بعدم
دستوريته وعلى وفق الآلية التي رسمها قانون المحكمة الاتحادية العليا
للطعن بعدم دستورية القوانين.
وخلاصة القول أن رأي المحكمة الاتحادية التفسيري كان صحيح وموافق
للأحكام الدستورية وان حديث المتحدث باسم المحكمة الجنائية لم يكن
دقيقاً تجاه حالة التناقض التي زعم وجودها في القرار. وهذا ما اقتضى
التنويه إليه لبيان الرؤية القانونية الصحيحة تجاه الأحكام القضائية. |