مصطلحات ادبية: خيال الظل

شبكة النبأ: خيال الظل- Ombres chinoises

1- نوع من المسارح الشعبية، قوامه تحريك مجموعة من الدمى وراء ستارة رقيقة بعد إطفاء النور في قاعة العرض وتسليطه على الدمى بحيث تبدو ظلالها على الستارة المواجهة للمتفرجين. ويقوم بتوقيع إشاراتها وخطواتها، ونقلها من موقف إلى آخر، اختصاصي أو أكثر من غير أن يبدو له أثر على الستارة. وتكون حركاتها مطابقة لمضمون الحوار العامي المسموع، وموافقاً للألحان المرافقة له. وهي مصنوعة عادة من الورق المقوى أو الجلد المضغوط.

2- من المعروف أن إقبال المتفرجين على خيال الظل كان كبيراً، وبقي في ازدياد إلى أن شاع المسرح والسينما، فتوقف النشاط فيه. وكان آنذاك وسيلة رائجة من وسائل التسلية، والترفيه عن النفس، فعُني به الناس والأدباء عناية خاصة. وليس في التاريخ إشارة واضحة إلى مصدره الأول، لأن بعضهم يقول بانتقاله من تركيا إلى العرب فأوربا، ويذهب آخر إلى انطلاقه من الشرق الأقصى، ومن الصين بالذات، وانتقاله من خلال الأقوام الزاحفة غرباً، إلى الأتراك، ومن ثم إلى العالم العربي والغربي.

3- قد يكون السوريون واللبنانيون والمصريون من أكثر الشعوب العربية عناية بخيال الظل. أكب بعضهم على هذا الفن، فحدد أصوله، ووضع فيه الحكايات، وعين له الألحان، ورمى في كل ذلك إلى إمتاع المشاهدين وإفادتهم من عِبر الحياة، متخذاً منه أداة تسلية وتوجيه في الوقت نفسه. وما يزال لدينا إلى الآن بعض إشارات إلى مسرحيات خيال الظل ألفها مصريون، أو سوريون، أو جزائريون، أو تونسيون، أشهرها ما وصل إلينا من تأليف المصري محمد بن دانيال (1248 – 1311)، مازجاً فيها النثر بالشعر، والعِظة بالفكاهة، وهي (طيف الخيال)، (عجيب وغريب)، (المتيم والضائع اليتيم).

وهناك لون من المسرح عرفه الجزائريون، وهو يشبه خيال الظل المعروف في البلاد العربية، في المشرق العربي، انه مسرح القراقوز.

مسرح الظلال؛ خيال الظل(1)

 مسرح بدائي تسلط فيه ظلال الدمى، بواسطة نور قوي، على ستارة بيضاء شبه شفافة ويجلس فيه النظارة، في الظلام، عند الجانب الآخر من الستارة بحيث لا يرون غير الظلال. تصنع الصور، في مسرح الظلال، من ورق مقوى أو من صفيح أو جلد، وتكون عادة ذات أيد وأرجل ممفصلة. وتحرك هذه الصور خلف الستارة بالعصي عادة، وقد تحرك بخيوط أو أسلاك محجوبة عن الأنظار أيضا. وإنما نشأ مسرح الظلال في الشرق الأقصى، وبخاصة في الصين وجاوه، منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت موضوعاته تدور حول محورين اثنين في المقام الأول: السحر وعبادة الأسلاف. ومن الشرق الأقصى انتقل مسرح الظلال إلى البلدان العربية وشمال إفريقيا وتركيا، ومن ثم إلى اليونان حيث حظي برواج واسع. حتى إذا كان القرن الثامن عشر نقل الرحالون الأوروبيون العائدون من الشرق هذا المسرح البدائي إلى أوروبا الغربية حيث عرف باسم (الظلال الصينية) Ombres Chinoises. 

مسرح  خيال الظل(2)

 يعتبر مسرح خيال الظل نوعا من الفنون الشعبية في الصين يسميها الشعب الصيني ب " مسرح بي ينغ ". ويشمل مسرح خيال الظل عدة أنواع. وهناك نوع من مسرح خيال الظل يسمى بمسرح خيال ظل لونغ دونغ وتنتشر رئيسيا في محافظتي بينغ ليان وتشينغ لوه ومحافظات أخرى بمقاطعة قانسو والمنطقة المثلثة الشكل المتآخمة لمقاطعة شانغشي ومنطقة ننغشيا الذاتية الحكم بشمال غرب الصين.

ويعود مسرح خيال ظل لونغ دونغ إلى ما قبل القرن الرابع عشر وإزدهر في أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر. وكانت عرائس هذه المسرحيات تصنع من جلود الأبقار السوداء الصغيرة السن. إن نوعية هذا الجلد متينة ولينة وبعد تنظيفه من الشعر وغسله وتجفيفه يصبح شفافا. ثم ترسم عليه صور العرائس المختلفة الأشكال، وبعد الرسم تجرى عملية قص هذه الصور من الجلد بمختلف الآلات مثل السكاكين والملاقط.

وبعد ذلك تجرى عملية صبغها بمختلف الألوان وبعد تجفيف الصور المصبوغة تجرى عملية الكوى وهى أهم عمليات صنع العرائس وبعد ذلك تجرى عملية ربط هذه الدمى الجلدية بالعصى. وبعد سلسلة من هذه العمليات تصنع العرائس المتحركة المستعملة في العرض.

في الصورة قطعتان من العرائس المتحركة، في الجانب الأيسر من الصورة صورة دمية متحركة للإمبراطور يوهونغ. وفي الجانب الأيمن صورة القبعة التي تلبسها دمية الشيخ تايشانغ لوه جيون. إن هاتين القطعتين صنعتا في غاية الدقة ومصبوغتان بألوان حمراء وصفراء وسوداء وخضراء.

يتنوع مسرح خيال الظل في لونغ دونغ. في الصورة مسرح خيال الظل هذه تحكي قصة تاريخية حدثت في أواخر أسرة سوى وأوائل أسرة تانغ الملكية.

القراقوز يجد حيلا دائمة للخروج من المشاكل(3)

 خيال الظل اقتصر على التسلية ولم يتطور إلى فن شعبي معاصر أو شكل متميز للمسرح التراثي العربي.

يقول الدكتور إبراهيم حماد أستاذ الدراما المسرحية، إن الفنون العروسية الثلاثة (الدمية - القراقوز - خيال الظل) وثيقة القربى بعضها ببعض، وخيال الظل تحديدًا من الناحية اللغوية هو مصطلح عربي شائع اتخذ معناه المستقل وانصهر في ضمير الشعب وحياته التعبيرية اليومية حتى اكتسب دلالة خاصة.

يعتبر "ابن دانيال" هو أول من مارس فن "خيال الظل" في العالم العربى. وبالعموم هذا الفن من فنون الشرق، ووجد في أندونسيا والصين والهند (في تاريخ سابق على ممارسة هذا الفن في العالم العربى).

إذن خيال الظل نشأ في حضارات غير عربية، إلا أنه وبمرور الزمن أصبح فناً عربيا شعبياً، واتسمت شخصياته وحكاياته ووسائله الفنية بالتزام أخلاقيات الطابع النقدي للمجتمع العربي القديم إلا أنه يعد أحيانا خروجا عنها.

معرفة أشكال خيال الظل في بعض مواطنه وجذوره القديمة وخاصة في إندونسيا، وبالرغم من تشابهها، إلا إننا يمكن ملاحظة بعض الاختلافات. ولهذا فإن أكثر الدمى انتشارا هي الدمى الملونة المرسومة على الجلد الرقيق والتي تكون عادة متصلة بخشبه رقيقة تساعد اللاعب على تحريكها عندما يقوم بضغطها على شاشة بيضاء مضاءة من الخلف، يصاحبها الحوار والغناء والموسيقى.

وهنالك نوع آخر تستخدم فيه دمية مجسدة ومتكاملة وغير مرسومة، ومن أجل السيطرة على تحريكها فإن اللاعب يجلس على الأرض خلف الشاشة المضاءة. ويمارس هذا النوع بشكل كبير في إندنوسيا وآسيا الصغرى.

أما النوع الثالث فيعتمد على دمية كبيرة الحجم مصنوعة من الجلد وتكون عادة بحجم الإنسان وهي مرتبطة بقطعة خشب سميكة ويقوم بحملها وتحريكها أكثر من لاعب، ويتحتم عليهم تقريبها جداً من الشاشة التي يكون ارتفاعها 2 م، مما يدفعهم إلى الجلوس تحت الشاشة وليس خلفها، حتى يتمكنوا من سرد الحكاية التي تقوم الدمية بأدائها أمام جمهورها المندهش بهذه المخلوقات الغريبة والجميلة التي تتحرك أمامه على شاشة الأحلام هذه، فتغزو خياله الذي لا يتوقف عند حدود الواقع، لينكشف أمامه عالم إسطوري وعجائبي غريب.

ويبدأ عرض خيال الظل عادة بتمهيد للحكاية (بابه أو لعبة) ثم ينقطع لجمع النقود من الجمهور الصاخب والمندهش، ومن ثم تركيز انتباهه إلى حدث أو جملة ما، ويقوم بهذا لاعب ماهر يدعى المُقدِم.

وهنالك لاعب آخر يقوم بدور المهرج ويدعى الرخم. وتقوم الشخصية بتقديم نفسها إلى الجمهور وتعريفه بدورها ومهمتها المسرحية بحيث لا يتم التقمص الكامل لسلوكها أو الاندماج في فعلها كما هو الحال في المسرح التقليدي، ولهذا فإن عروض مسرح خيال الظل تعتمد على علاقة مع الجمهور.

فالممثل، محرك الدمى، غالبا ما يقوم بالخروج عن الحدث ودوره وتغريب سلوك الشخصية وفعلها وكذلك سلوك الدمية. أما الرئيس أو المعلم فهو الذي يأخذ دور المخرج فينظم حركة الشخصيات ويربط بين سياق الأحداث ويهتم بالجوانب التقنية والأدبية.

إن الأحداث وطبيعة الشخصيات المستقاة من التاريخ، تتطلب مهارة فائقة من محركي دمى خيال الظل من أجل أن يتناسب مع دور الشخصيات وسير الأحداث، ولاعب خيال الظل يجب أن يكون "قادرا على تقليد أصوات الطفل والشيخ والرجل والمرأة، ومجيد لعدة لهجات، كما يعكس بصوته مختلف المؤثرات الصوتية.

ويجب أن يتمتع بحس موسيقي نامٍ وأن يجيد الغناء والعزف على العود ويكون عارفا بالعادات والتقاليد الشعبية. ولعرض خيال الظل ميزة التواصل الحميمي مع الجمهور، إذ يعكس مشاكلهم، ويضع لها الحلول حسب إمكانية اللاعب."،

وبهذا فإنه يجب أن يتميز بكونه أكثر من ممثل أو محرك دمى.

المشاكل الأثيرة لعروض خيال الظل

اعتمد مسرح خيال الظل على الكوميديا والنقد الاجتماعي من خلال استخدام الإيماءة والشعر والنثر والغناء والموسيقى، ولهذا فإن معرفة تكنيك خيال الظل يدفعنا للإطلاع على طبيعة الموضوعات التي يعالجها، فبعضها ارتبط بالشعائر الدينية والمناسبات الاجتماعية.

وبعض البابات (النصوص أو عروض خيال الظل) تناولت بيئة ما بكل تناقضاتها، وهذا واضح من خلال دراسة بابات طبيب العيون العراقي شمس الدين بن دانيال (الذي يعتبر أقدم مخايل عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، عراقي المولد من الموصل ونزح من العراق إلى القاهرة أثناء غزو التتار، ومات هناك عام 1211 ويعتبر أول مؤسس لما عرف بعد ذلك بمسرح "خيال الظل" وقد وصلتنا من نصوصه الكثيرة ثلاث بابات فقط).

هناك دراسات أن الطبيب الفنان "ابن دانيال" نقل أساسيات الفن من الهند أو من بلاد الصين. وعندما مارس الفن فى بلاده (العراق)، اتسمت الأعمال المعروضة، بالإضافة إلى كل الخصائص الجمالية وعناصر التسلية الواجبة، بالنقد اللاذع، الذى غالبا ما يثير الضحك والشفقة على الهدف المعني. خصوصا أن فترة ظهور "خيال الظل" كانت فترة الانهيار الاجتماعي والاقتصادي للدولة العباسية. وقد قضى عليها تماما الغزو التتاري.

حيث نرى دائما أن العرض يبدأ بأغنية تعليمية للجمهور، إضافة إلى شرح الأحداث وموضوع المسرحية كما في بابات ابن دانيال، لعل أشهرها بابة "عجيب وغريب" التي اتسمت بالنقد الاجتماعي، وقد أخذ المؤلف شخصياته من الواقع والأسواق والحارات الشعبية، بحيث يتحول المكان إلى مسرح تتصارع فيه هذه الشخصيات مع أقدارها.

كما كتب بابة "طيف الخيال" و"المُتَيَمْ". وقد اتسم أسلوبه فيها بالهجاء والنقد الذي يثير الضحك والسخرية أيضا، واعتمد الغناء والموسيقى للتأثير على الجمهور وكذلك المزج بين الشعر والنثر العامي والفصيح، وهذا واضح من موضوعات شعره.

منع الخيال العربي

ومع دوام الفن، وقد تبناه الفنان الشعبي العربي، وأصبح متاحا في الأسواق، وفي الحارات، بل هو فن التجمعات الشعبية، وليست القصور والضياع، انعكس ذلك بشكل محدد في الموضوعات التي يطرحها العرض، من خلال اختيار الشخصيات ذات المقام العالي، ونقدها نقدا لاذعا، لا يقل عن إضحاك الصغار والكبار عليها. وهو دور القراقوز أو الأراكوز الذي أصبح شخصية دالة على التهريج والانفلات.

ربما بعد "ابن دانيال" يصعب القول بأن هناك النصوص أو العروض التي تم إنتاجها بشكل فني، كما فعل "ابن دانيال".

فقط يمكن التأكيد على أن "خيال الظل" أتاح للفرد العادي، وبعيدا عن يد البطش أو السلطة، أتاح له أن يعبر عن هواجسه وأفكاره، آماله وأمنياته. بداية من المحتل الأجنبي لبلاده، حتى شيخ الحارة (ممثل السلطة).

إن خيال الظل في المجتمع العربي القديم وحتى توقفه نهائيا في النصف الأول القرن العشرين، كان يعتبر تسلية للفئات الفقيرة التي تهمها مناقشة مشاكلها الاجتماعية والسياسية، حيث يتطرق القائمون عليه إلى أهم المشاكل التي تفضح استغلال النظام السياسي أو الأغنياء للفقراء.

فمن خلال ألاعيب وحيل الشخصية الشعبية الرئيسية الفقيرة في خيال الظل القديم (كرا كوز) والنقد اللاذع الذي يوجهه لأعدائه، تتورط الشخصيات الأخرى، وهي عادة من أصحاب السلطة والطبقات الغنية، داخل شبكة من المشاكل المعقدة التي يعانيها الإنسان الفقير، فتُظهر غباءها الحقيقي وعدم قدرتها على مواجهتها أو تحملها، مما تثير البهجة في قلوب جمهور الفقراء.

أما كراكوز فيجد دائما الحيلة المناسبة للخروج سالما من هذه المشاكل والشباك التي ينصبها للشخصيات الأخرى.

إذن لأسباب كثيرة توقف خيال الظل عن الاستمرار كشكل تراثي له علاقة بالفرجة التي تتناسب مع المجتمع العربي القديم، وتحول إلى ظاهرة ومهنة غير محترمة، واقتصر على تسلية الأطفال والمناسبات. فلم يتحول إلى فن شعبي معاصر أو يتطور إلى شكل متميز للمسرح التراثي العربي.

حكايات قراجوز أو خيال الظل فى الثقافة التركية(4)

هى التسمية المطلقة على شخصية تركية تاريخية فكاهية ساخرة ذى عيون سوداء كبيرة وبارزة تعبر عن الشخص الذى تعرض للعقاب من طرف أحد السلاطين..

يعد فن قراجُوز واحداً من أبرز الفنون المسرحية التركية الشعبية والتقليدية (1) كما يعتبر فن القراجوز - (تلفظ آراجوز عند المصريين وبعض العرب) - واحداً من أقدم الفنون الشعبية المسرحية للأطفال فى تاريخ الثقافة التركية.وبغض النظر عن الخلاف الدائم  حول مصدر ومنبع هذا الفن الشعبى القديم  هل جاء من مصر على أيدى السلطان سليم الأول ( 1516) فى حملتة على الشرق حيث كان هذا الفن موجودا فى العصر المملوكى بمصر ورآه سليم  فجلبه لإستانبول(2) أم أنه نبع من الأناضول التركى  أو جاء من آسيا الوسطى لتركيا  . إلاّ أن الشىء المؤكد  هو أن هذا الفن الشعبى  فى  تركيا يرجع تاريخه إلى القرون الوسطى ويعتقد بأنه بدأ يزدهر فى الثقافة التركية ويأخذ مكانه  فيها مع العهد الذهبى للحضارة التركية الإسلامية الذى بدأ فى  القرن السادس عشر الميلادى فى زمن السلطان سليمان الثانى ( توفى 1566م) والملقب عند الأوروبيين بالقانونى.هذا الفن  الذى إنتشر فى  الممالك التابعة للدولة العثمانية  فى القرون الوسطى مثل الجزائر وتونس ومصر وسوريا ولبنان ورومانيا ويوغوسلافيا  وشمال اليونان وألبانيا، سمى فى القديم بفن خيال الظل  نظراً لأنه  الفن  الذى يعتمد على الظل الناتج عن تحريك أشكال ورموز الحكاية  والمنبعث نتيجة لضوء مٌسلط على  خلفية ستارة بيضاء اللون .ولازال هذا الفن الفكاهى يلقى القبول اليوم لدى الصغار والكبار على حد سواء ويمثل واحداً من أهم فروع مسرح الطفل بتركيا . أما كلمة  قراجوز   Karagoz فى اللغة التركية  فتعنى "  أبو العيون السُود"

وهى التسمية المطلقة على  شخصية تركية تاريخية فكاهية  ساخرة  ذى عيون سوداء كبيرة وبارزة تعبر عن الشخص الذى تعرض للعقاب من طرف أحد السلاطين- هو السلطان أورخان المتوفى عام 1360م -  نتيجة حنثه بوعده فى  موعد الإنتهاء من بناء جامع بمدينة بورصا التركية فى القرن الرابع عشر الميلادى.أمّا  إسم  حاجى   واط Hacivat    الذى يقترن بكلمة قراجوز عادة فى فن مسرح الأطفال و الثقافة الشعبية الفكاهية فهو رفيق قراجوز فى الواقعة التاريخية  المذكورة  المتعلقة بالحنث بموعد الإنتهاء من بناء الجامع بحيث يشكل الإثنين معاً  ثنائيا لا يفترق عن بعضه فى المواقف المختلطة بين الهزل والبكاء (المليودراميا). وهو الأمر الذى جعل منهما  حتى اليوم مادة ثمينة وغزيرة لإعداد  حكايات شعبية تعرض للأطفال  فى المناسبات والمدارس ودور الوقف الخيرى  والمراكز الثقافية  وفى المعسكرات الصيفية أيضاً مثلما  تأخذ هذه الحكايات مكانها أيضاً  فى أفلام كرتونية  مازحة تخاطب الأطفال بتركيا تبثها محطات التلفزيون التركية.

 تاريخ القراجوز فى تركيا

 يقول الفنان التركى مصطفى مُوطلو ليس هناك تاريخا محدداً لبدء هذا الفن الشعبى الفكاهى  فى تركيا  وإن كان هناك رواية  ذكرها الرحالة التركى  أوليا شلبى ( توفى2- 1684م ) يرجع تاريخها إلى 4 قرون سابقة تقول بأن " قراجوز" كان شخصية غجرية موجودة فى معية  أحد الوجهاء بإستانبول  ويدعى تكفور قسطنطين وكان يحمل إسم بالى شلبى ، لكن حاجى وات أو واط  كان شخصية عاشت فى العصر السلجوقى فى زمن السلطان علاء الدين قيقباد(حكم  1219- 1236م) وكان يسمى يورقُجا خليل.أما الرواية الثانية وهى الأكثر شيوعا على ألسنة العاملين فى هذا الفن الشعبى فترجع لعصر السلطان العثمانى أورخان ( القرن الرابع عشر)  حيث كان هناك حوارا ساخراً بالنكت يدور بين  العاملين فى بناء جامع بمدينة بورصا – كانت عاصمة الدولة العثمانية فى تلك الحقبة – وأن السلطان أورخان قطع رأسى قراجوز وحاجى واط للتأخر فى تنفيذ بناء الجامع وصرف أوقاتهما عبر التراشق بالنكات. أما عن كيفية وصول الواقعة لمستوى فن مسرحى ساخر تقول الموسوعة الإسلامية (بالتركية) أن رجلا يحمل إسم الشيخ كوشترى هو الذى نقل حكاية العاملين للناس وقام أيضاً بتصوير الواقعة فى حضور السلطان العثمانى . ولكن الناقد الأدبى والمتخصص فى الأدب الشعبى والمسرحى متين آند يقول نظرا لعدم وجود أى أدلة مكتوبة تتعلق بالروايتين والتدقيق فى معلوماتهما  فلا يمكن التعويل على أى منهما كمصدر ثابت يختص بهذا الفن المسرحى الفكاهى خاصة وأنها لا تترابط فيما بينها(3). أما الفنان والناقد  التركى مصطفى مٌوطلو فيقول إن شخصيتا قراجوز وحاجى وات  تمثلان مادة رئيسية هامة للمسرح الفكاهى الشعبى وكذا مسرح الأطفال بتركيا،وليس غريباً بأى حال أن تكون مادة  دسمة لحكايات فكاهية ساخرة تدخل المرح والسرور على الأطفال وقد صورت العديد من الأفلام الكرتونية فى السنوات الأخيرة التى تحمل إسم قراجوز ،وهذا جزء من تراثنا الفكاهى الشعبى وللتأكيد على أهميتة  ودعم هذا التوجه أصدرت كتابا يلقى الضوء على و يتعلق بهذا  الفن الفكاهى فى عام 2002 طبعتة وزارة الثقافة التركية تحت عنوان "  فن القراجوز وفنانوه "*.

مشاهير هذا الفن بتركيا

 هناك الكثير من الأسماء اللامعة بتركيا فى هذا الفن الشعبى الفكاهى البعض منهم رحل بالطبع عن هذه الدنيا نظرا لمرور عدة قرون على هذا الفن الفلكلورى فى الثقافة التركية.لذا من الصعب بمكان ذكر أسماء كل مشاهير هذا الفن فى القرون الماضية لعدم وجود تدوين دقيق لتاريخ فن المسرح الشعبى- قراجوز -  بتركيا.لكن هناك مجموعة من المشاهير التى عاشت فى القرن الماضى أو تلك التى لازالت تعيش فى وقتنا الحاضر.من ثم يمكن مطالعة أسماء فنانى قراجوز مثل   بكجى  محمد و صارى احمد وشربتجى امين  من القرن  الثامن عشر ومن القرن التاسع عشر بربر سعيد  وحامد الخيالى ، ومن القرن  العشرين  هناك  كُور إمام، وكاتب صالح وجراح صالح  ومحي الدين سفيلن ( 1886- 1974)  طلعت دومانلى ( 1899-  وهادى بويراز اوغلو( 1903-2000م ).  أما المعاصرون  نجد منهم محمود حازم قيصاكورك (1954 - ) ,إ سماعيل كوسا ( 1947- ) عارف دويجو طانسى (1958-)محمد بايجان( 1952- )أونر أورال (1937- ) ومصطفى موطلو (1942-) الذى قام بعدة جولات خارج تركيا للمشاركة فى عروض فنية تتعلق بفن القراجوز ويصدر بين الحين والأخر كتبا تتعلق بالفنون الشعبية التركية.

شخصيات حكايات قراجوز

 من أجل إدخال عامل الفكاهة والظرف عند إستعراض وقائع الحكايات فى فن القراجوز عمد المؤلفون عادة إلى إبتكار شخصيات بأسماء غريبة ومضحكة عند سماعها وخاصة أن الفن يخاطب فى المقام الأول الأطفال.لذا يمكن مطالعة أسماء مثل " قاوقلى : أبو طويلة " و" شلبى :  "  عجم : بمعنى العجمى الغريب " ، " بهلول " ، " ترياقى : المُدمن " ، " بباروحى " أفه " " زنّه : الزنانة " طوزصوز : عديم الطعم"، " ضاولجى رمضان : الطبال رمضان " " دَلى بكير: بكير المجنون " والغجرى أو الغجرية  وهكذا يوجد الكثير من الأسماء التى تحمل معانى مضحكة تدهل البهجة فى نفوس الأطفال وحتى الكبار لأن هذا الفن يمكن أن يطلق عليه فن من السابعة حتى السبعين.وعادة يتكون مسرح قراجوز  من ستارة بيضاء وضوء أو شمع – يستخدم اليوم المصباح الكهربائى بديلا للشمع- يضاء خلفها لكى يعكس صور متحركة يقوم شخص بتحريكها من وراء الستارة ،مصحوبة بأصوات مختلفة تبعاً للشخصية وخاصة شخصية قراجوز التى يستخدم لها صوت قوى ورفيع  ومميز وآلة موسيقية مثل الرق أو الدف  أو الناى لإحداث موسيقى أو ضربات خفيفة وقت  مراحل العرض المسرحى .أما الرواية أو الحكاية  فتبدأ بمقدمة غير طويلة ثم الحوار الطويل الذى يدور بين قراجوز وحاجى وات  والشخصيات المصاحبة لهما يتخلله فواصل موسيقية ثم خاتمة الحكاية(4).وتمثل شخصية قراجوز الشخص المستقيم الذى يقول الحقيقة ولذا دائما يسخر منه ويستبعد ويتعرض للمشاكل والبطالة عن العمل وشظف العيش،أما شخصية حاجى وات  وهو الرفيق الملاصق دائما للقراجوزفهى  المعبرة عن روح المساومة وحلو الحديث والمواربة وهو الشخص الوسيط فى الخلافات على كل حال.الحكاية القراجةزية تعتمد عادة على الحوار المثير وعلى إسلوب اللهجات اللغوية الأناضولية المختلفةعند الحوار الذى يدور بين قراجوز وحاجى واط والشخصيات المصورة للحكاية،كأن تستخدم لهجة أهالى ساحل البحر الأسود أو لهجة الأكراد أو عرب تركيا أو الألبان  والبوشناق الذين هاجروا وإستوطنوا بتركيا  فى مراحل زمنية مختلفة.وهذا  كله بهدف إضفاء مصداقية على وقع الحكاية من ناحية وإدخال روح الفكاهة للمشاهد من الناحية الأخرى.

 من حكايات قراجوز

 هناك العديد من الحكايات المشهورة  التى تروى فى فن قراجوز بالثقافة التركية،وهى كلها من نتاج الثقافة الشعبية التركية أو بتأثير الثقافة الفارسية المجاورة لتركيا جغرافياً.وفى السنوات الأخيرة بات فن قراجوز فرصة لتوجيه الأطفال نحو الإنضباط والطاعة  فى المدرسة والمنزل  وإحترام الكبار ،يقول الفنان مصطفى موطلو الفنان الأشهر حالياً إن فن قراجوز  فن تربوى لأنه يخاطب الأطفال بالمقام الأول ومن ثم بات يستخدم اليوم لعرض حكايات  ترمى لتوعية وتوجيه الأطفال وتربيتهم فى إتباع قواعد المرور وقيادة السيارات فى محاولة لمعالجة النسبة المرتفعة جداً من حوادث السير والمرور بتركيا .والشىء الملفت فى حكايات هذا الفن أنها تعتمد على إسلوب الحوار بحيث يتم عرض الحكاية الفكاهية عبر حوار يدور بين  قراجوز وحاجى وات  ومجموعة من الشخصيات التى تشارك فى صنع الحكاية.ومن مشاهير الحكايات  التى تستخدم فى مسرح قراجوز حكايات الحب والعشق القديمة مثل " فرهاد وشيرين"   " ليلى والمجنون"   " طاهر وزهرة " ونيجار هانم المٌفترية وجازولار والحمّام وأبو طويله الدموى.

 نموذج من حكايات قراجوز الشهيرة

 نيجار هانم المفتريّة

 تروى هذه الحكاية كيف تعرّض قراجوز وحاجى وات للضرب عندما حاولا الدخول خلسة لمنزل نيجار هانم لكى يأخذوا ملابس زوجها  شلبى المطرود بسبب خداعه لها وسعيه الدائم لإقامة علاقات نسوية قائمة على الخداع. لكن نيجار هانم شخصية لإمرأة ذات طباع حاد وقوية الجسد  مفترية التصرفات حتى مع المقريبن  منها فلم تجد غير أن تضرب زوجها المخادع وتطرده من المنزل دون رحمة وبلا ملابس،فيطلب من قراجوز وحاجى وات  مساعدتة على إستعادة ملابسه منها،ولما كان حاجى وات من الذين يسعون دائما للتدخل بين المختلفين كوسيط سلام.فإنه قبل الوساطة ولكن تحذيرات  شلبى زوج نيجار هانم وأثار الضرب الواضحة على جسده دفعت حاجى وات لمحاولة الدخول خلسة  للمنزل لأخذ الملابس ولكن سوء حظه أن حست به نيجار هانم فاوسعتة ضربا هو الأخر.ولم يحل هذه المشكلة غير مرور "أفه" المنطقة الذى يعد بمثابة الفتوة،فيتدخل فى الأمر مع نيجار هانم ولكن على شرط عدم تكرار شلبى زوج نيجار أو قراجوز أو حاجى وات إسلوب المخادعة والإلتزام بالعيش بصدق وأمانة مع نيجار هانم.

...........................................................

المراجع والمصادر : 

1- Yeni Islam ansiklopedisi,s 401 cilt 24,diyanet Vakfi :Istanbul 2001

2- Ayni kaynak,ayni sayfa

3- Ayni kaynak ve ayni sayfa

4- Yeni Islam ansiklopedisi,s 402 cilt 24,diyanet Vakfi :Istanbul 2001

* للمزيد من المعلومات عن تطبيقات فن قراجوز  فى تركيا يمكن مراجعة كتاب : Karakoz Sanati ve Sanatcilari  للمؤلف مصطفى موطلو Mustafa Mutlu،Ankara:Kultur Bakanligi، 2002

5- التواريخ  تستند لمعلومات كتاب " المنجد  فى اللغة والأعلام ،دار المشرق  ،طبعة 37 بيروت 1987

تاريخ مسرح خيال الظل(5)

يلاحظ كلّ مَن يمرّ بين جهاز إسقاط مضيء والشاشة أنّ صورته تظهر على الشاشة بشكل ظل. إنّه أوّل اختبار لاحظه الإنسان حين كان يجلس في الكهوف أمام النار. فقد لاحظ أنّ ظلّه يظهر على الجدران. وهو اختبار كثيرٍ من الأطفال. فهم يقضون ساعاتٍ في التسلية بظلالهم.

يقول المؤرّخون إنّ مسرح خيال الظلّ، المستعمل للترفيه والتربية، له تاريخ طويل. ويُرجِعون هذا التاريخ إلى ألفي سنة تقريباً. ويُرجِعُ بعضهم هذا التاريخ إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلى أيّام أفلاطون، حيث روى هذا الفيلسوف قصّة الكهف: تطواف من الظلال الّتي تتحرّك على جدار الكهف، ولهذه الظلال أشكال مصدرها أجسام حقيقيّة، تبدو في الظلال مثل الدُمى. لكنّنا لا نعرف هل اعتمد أفلاطون على مسرح ظلٍّ معروفٍ في أيّامه أم نسج قصّته من ملاحظته للضلال الّتي يصنعها النور الخلفيّ.

في الصين، كانوا يستعملون مصباحاً زيتيّاً، ويضعون أمامه قطعة قماشٍ حريريٍّ مشدودة، وبين المصباح والقماش قطعة من الكرتون أو الجلد المقسّى، مقصوصة بشكلٍ معيّن. فلا يرى الناظر من الجهة الأخرى سوى خيال هذه القطعة.

تقول الرواية إنّ أحد ملوك أسرة هان منع النساء من رؤية المسرح. وكان المسرح في ذلك الحين من وسائل الترفيه الشائعة. فلكي يخفّف من وطأة هذا القرار، سُمِحَ للنساء بمشاهدة العروض من وراء الشاشة في أماكن مخصّصة لهنّ، وتمّ تطوير تقنيّة النور والظلال كي يتمكّنّ من رؤية المسرحيّات بطريقةٍ مرضية. وهكذا، حوّل المنع أبعاد الجسد الثلاثة إلى بعدين. وتحوّل المسرح من ثلاثة أبعاد إلى قطعة مستوية، وانقطعت العلاقة بين المؤدّي والجمهور ... باختصار، كانت هذه المرحلة بداية لفنٍّ سيشقّ طريقه ويطوّر نفسه، وسيتّخذ اسماً هو مسرح الظل، قوامه مهارة التلاعب بالأنوار والظلال.

في القرن السابع عشر، بدأ التبادل التجاريّ بين آسية وأوروبا يزداد، ووصل مبدأ مسرح الظلّ إلى العالم الغربيّ، لكنّه لم يلقَ رواجاً إلاّ في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. ويعود ذلك إلى شعبيّة صورة ظلّ في البلاد الإنكليزيّة.

 كانت هذه بدايات التصوير. فرسم ظلّ أمر رخيص الثمن وسهل التحقيق. يكفي المرء أن يجلس في وضعيّةٍ معيّنة، ويُلقى ظلّه على قماش اللوحة أو على الورق، كي يتمّ رسمه. فالأمر لا يتطلّب مهارة ولا معدّات غالية الثمن: كرسي، لوحة ومصباح.

يجلس الزبون على الكرسي بين المصباح واللوحة، ويخطّ الرسّام ظلّه من الطرف الآخر.

في القرن التاسع عشر، شاع أيضاً أسلوب تشكيل ظلالٍ بوساطة الأيدي. وهي أبسط أشكال الظلال. وتمّت طباعة كتب عديدة تصوّر كيفيّة إظهار صور حيوانات وأشخاصٍ بشكل ظلالٍ على الحائط، من خلال جعل الكفّين والأصابع بوضعيّاتٍ معيّنة.

في القرن التاسع عشر، ظهر أيضاً نمط آخر من خيال الظل، وهو الظلّ الأبيض. تستعمل فيه ورقة معتمة، وتُفرَّغ بطريقة يظهر فيها الشخص من خلال الظلّ الأبيض حين يتعرّض للنور من الخلف.

 في أيّامنا، يتبع مسرح الظلّ أسلوب جاوة (أندونيسيا) الآسيويّ أو الأسلوب التركيّ، الّذي شاع في عهد العثمانيّين، أو الأسلوب الصيني. كان مسرح جاوة يُستعمل لتعليم الأولاد الديانة الهندوسيّة، لذلك يشبه مسرح الظلّ الهنديّ. وأشهر النصوص الّتي كان يقدّمها هي رامايانا و مهاباراتا المنقولة شفهيّاً. كانت الشخصيّات تُصنع من جلود الحيوانات، وتلوّن وتزيّن، على الرغم من عدم ظهور الألوان أو الزينة في الظل. فقد كان الرجال يجلسون أمام الشاشة، ويشاهدون المسرحيّة عن قرب، فيرون الألوان. أمّا النساء، فيجلسن بعيداً، ولا يرين إلاّ الظلال. وكان شخص واحد يحرّك العرائس بوساطة العيدان، أي من تحت الشاشة، ويقلّد وحده جميع الأصوات. وترافقه فرقة قوامها صنج وطبل وبوق تؤمّن له الموسيقا التصويريّة.

استُعمِلَ المسرح التركيّ منذ القرن الرابع عشر، ولكنّه تطوّر كثيراً بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، خصوصاً في شهر رمضان. في البداية، كان يقوم شخص أو شخصان بتسلية العمّال في المسجد من خلال تصوير مشاهد مضحكة تتمّ في ورشات العمل. ومن شدّة إتقان هذه المهنة، تأثّر شخص يدعى صايح قصطري، وصنع لهؤلاء الممثّلين دمى من جلد الجمل، واستعملها في عرض الدمى المسرحيّ.

صُنِعَت الدمى التركيّة من جلد الجمل أو البقر، وكان الصانع يحفّ الجلد حتّى يصبح نصف شفّاف، ثمّ يلوّنه. ومن أشهر المسرحيّات لهذا الفن مسرحيّة كراكوز وعيواز. لم تهتم قصص مسرح خيال الظل التركي بالمواضيع الدينيّة، بل كانت ساخرة، وتتضمّن جدالاً بين شخصٍ ساذج (كراكوز) وصديقه الذكيّ (عيواز). ويكمن سرّ الضحك في هذه المفارقة، وينتهي العرض بانتصار كراكوز، الشخصيّة الطيّبة البسيطة الساذجة. كان يؤدّي الأدوار شخص واحد يسمّى الكراكوزي، يحرّك الشخصيّات بوساطة الحبال، أو الخيوط، أي من فوق الشاشة. وآخر أو فريق يؤدّي الأغاني. وقد أدّى ظهور السينما والتلفزيون إلى تقلّص عدد العروض من هذا النوع، لكنّها ظلّت من العروض المحبّبة لدى الأطفال.

ولا يختلف المسرح الصينيّ لخيال الظلّ كثيراً عن مثيله الأندونيسيّ أو التركيّ. فشخصيّاته مصنوعة من جلد الحمار، ومزخرفة بنقوش التفريغ (زخارف تحوي فراغات). ومن شدّة سماكة الجلد، لا تظهر الألوان بتاتاً. ويحرّك الدمى عدّة أشخاص بوساطة قضيبٍ من الخلف، ويراعون ألاّ يظهر ظلّ القضيب. ويوضع النور قريباً من الشاشة لهذا الغرض. أمّا المواضيع الّتي تتناولها العروض، فهي شديدة الاختلاف: عسكريّة، تاريخيّة، قصص فلكلوريّة، مضحكة، اجتماعيّة، توجيهيّة ...

 بعض المعلومات التقنيّة

 تصنع الشاشة في الصين من الجلد الشفّاف. وفي مصر وتركيّا يستعملون ورق البردي أو الورق الشفّاف. أمّا الهند وأندونيسيا، فيستعملون القماش القطنيّ الخفيف. وفي أيّامنا، يشيع استعمال الكالك، خصوصاً للشاشات الصغيرة. لون القماش أبيض أو عاجيّ. ويمكن استعمال ألوانٍ أخرى بحسب موضوع المسرحيّة.

قبل اكتشاف الكهرباء، كانت تستعمل المصابيح أو الشموع للحصول على الظلال. كانت الدُمى تُصنَع من الجلود المقسّاة. لذلك أطلق الصينيّون على فنّ المسرح هذا اسم بي يينغ، أي ظلال الجلد. واليوم، يمكن صناعتها من الكرتون أو الخشب الرقيق أو المعدن. وكلّما أردنا إظهار ألوان الشخصيّة، كان علينا اختيار مادّة شفّافة.

يقف مسيّر الدمى خلف دماه أو فوقها أو تحتها بحسب طريقة التحريك الّتي تبنّاها. وعليه أن يتدرّب على تقديم مشاهده كثيراً، وبمساعدة شخصٍ يرى من الطرف الآخر. أمّا التمثيل الحي، أي بوجود ممثّلين بدل الدمى، فقد ظهر في القرن العشرين، وهو تقنيّة أصعب، وتحتاج إلى مهاراتٍ أشد.

البناء الدرامي في مسرح خيال الظل(6)

1- في مسرح خيال الظل:

ينضوي فن الخيال الظلي تحت منظومة فنون الفرجة والأداء المسرحي الشرقي القديم، والخيال لغة : ماتشبه للمرء في اليقظة والحلم من صور، واصطلاحا هو لون من الفن التمثيلي الشعبي، ينشأ من تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء ، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صممت بحيث تظهرعلى الشاشة نقوشها وألوانها ، وهو فن مسرحي متكامل، إلى حد ما يقوم على إخراج قصة، ذات حبكة وشخصيات، فيقدمها بالتمثيل، من خلال الشخوص والحوار والفعل، بدلاً من سردها سرداً. وما يختلف به خيال الظل عن المسرح هو اعتماده الدمى بدلاً من البشر، أساساً في التمثيل، وهي شخوص مسطحة، تصنع من الورق المقوى، أو من نوع من أنواع الجلد، أو من صفائح رقيقة من المعدن، وتتخذ أشكالاً بشرية مختلفة، وبحجوم صغيرة، يتقارب طولها بين 20 و 60 سنتيمتراً، وتتألف من عدة قطع ، ذات مفاصل تتحرك عليها، بوساطة عصي، تدخل في ثقوب مصنوعة من أشكال الشخوص، وقد تلون بعض هذه الأشكال بألوان زاهية، وقد يصحبها أشكال أخرى، لحيوانات تشترك في التمثيل.(1) فيجري عرض المسرحية وراء ستارة بيضاء ، ويحرك الممثلون الدمى بالأيدي . وفي الوقت نفسه تضاء الدمى بالنور في جانبها لتقع ظلالها على الستارة . وخلال العرض يحرك الممثلون الدمى من جهة ، ومن جهة أخرى ، يغنون ويتكلمون ويشرحون قصة المسرحية بمصاحبة الآلات الموسيقية، والنتيجة رائعة في أنظار المتفرجين أمام الستارة.(2)

وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية ، وبين الشعر والسجع، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين ، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص بـ "المخايل" أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق"، وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات ، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية المهمة كبعض التمثيليات البسيطة التي تتناول الحروب الصليبية في المشرق العربي مثل تمثيلية (حرب العجل).

يجمع الباحثون على أن خيال الظل قد نشأ في الشرق الأقصى ، ومنه انتقل إلى كثير من بلاد العالم ، ولكن يبدو من الصعب تحديد البلد الذي نشأ فيه إذ تشير بعض الدراسات أنه نشأ في الصين ، ولكن ثمة إشارة أخرى إلى ان لفظة ( خيال الظل ) قد وردت في نص هندي قديم وإشارة ثالثة تحيل ان خيال الظل ( ربما ) جاء إلينا من بلاد المغول(3) ، ومنها انتقل إلى البلاد المجاورة ، ولا سيما اليابان وجزر جاوة .ومن المرجح أن يكون خيال الظل قد انتقل إلى البلاد العربية من جاوة ، نقله التجار المسلمون، في وقت مبكر، قد يرجع إلى القرن العاشر، أو الحادي عشر الميلادي، ومما يؤكد ذلك ، الإشارات المبكرة إلى هذا الفن ،ولاسيما في عهد المأمون (198- 227هـ) ، فقد روي أن ابناً لأحد الطباخين في قصر المأمون قد أنذر الشاعر " دعبل الخزاعي " إن هو هجاه أن يخرجه في الخيال . لكن الإشارة الأكثر وضوحاً ، هي ما روي عن حضور صلاح الدين الأيوبي عرضاً لخيال الظل بمصر سنة 1171م بصحبة القاضي الفاضل ، ولكن مما لاشك فيه أن خيال الظل كان منتشراً في كل من العراق ومصر في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر الميلادي، على أقل تقدير، وهو القرن الذي ظهر فيه المخايل المعروف ابن دانيال الموصلي الكحال بوصفه رائداً لهذا الفن .(4)

وابن دانيال ، وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن دانيال ، الخزاعي ، ولد عام 1238م في الموصل في العراق ، وتلقى علومه فيها، درس الطب ، ولكن اجتياح المغول للعراق سنة 656هـ دفعه إلى الهجرة ، فارتحل إلى مصر، وهو في التاسعة عشرة من عمره ، فتابع دراسته فيها ، ثم اتخذ لنفسه دكاناً في "باب الفتوح" بالقاهرة ، يكحل فيه الناس ، فعرف بالحكيم شمس الدين ، ثم مضى يعرض على الناس فصوله في خيال الظل ، فذاع صيته ، ويبدو أنه حقق نجاحاً ملحوظاً في عهد السلطان الظاهر بيبرس (1260- 1277م) ، وكان ابن دانيال ميالاً إلى اللهو والمجون ، وله شعر ظريف ، ولكنه تاب في آخر حياته ، ومال إلى التصوف ، قبل أن يتوفى ، سنة 1310م.(5)

وترك ابن دانيال ثلاثة نصوص ( بابات ) وهي : "طيف الخيال" و "عجيب وغريب" و "المتـيّم". ويبدو أنها لم تدون إلا بعد وفاته بما يزيد على قرن ونصف القرن أي في القرن الخامس عشر، أو السادس عشر . فضلاً عن ديوانه الشعري وبعض الأراجيز الشعرية الأخرى . (6)

وقد اتسم أسلوبه بالسخرية والجمع بين التعبير الفصيح والعامي مستنداً على التورية والجناس والمقابلة وسائر أنواع الزخارف اللفظية والمعنوية ليحقق بها شاعريته ويساير أمزجة الأوساط والأعوام ، وكان يترخص في قوانين التصريف والإشتقاق ، ويتجاوز أحياناً على قواعد النحو وأصول النظم ، كما مزج بين الأطر التقليدية الفصيحة وبين الاشكال الشعبية ، فجاء أدبه محكوماً الى حد بعيد بصفة ( الإرتجال ) ، كما عني بموضوعي الهجاء والوصف دون غيرهما ، مطوعاً المعاني والصور لصياغاته اللغوية ، وممعناً في إثارة الضحك بالرسم الهزلي لشخصياته ، فضلاً عن ما أشتهر به من سرعة الخاطر في المقارعة والمغالضة والتحامق.(7)

لقد قوي شأن خيال الظل في مصر، بعد ابن دانيال، فشاع وانتشر، إلى أن أمر السلطان الظاهر جقمق ، الذي حكم بين 1438 و1453م ، بإحراق شخوص خيال الظل، وأدواته، ولكن خيال الظل لم يلبث أن ظهر ثانية ، وملأ المدن والأرياف في مصر(*) ، ويبدو أنه قد حقق بعدئذ تطوراً كبيراً، في الفترة التي دونت فيها بابات ابن دانيال ، ونسخت ، الى درجة ظهر فيها فن خيال الظل المصري بشكل مستقل عن غيره من فنون المخايلة.(8)

إن الحديث عن خيال الظل يقودنا الى عرض الإمكانيات الدرامية التي يحتويها هذا الفن الشعبي لتأهيله ان يكون سابقةً مسرحية تحسب لمصلحة التراث العربي الى جانب الفنون والظواهر المسرحية الأخرى . كالحكواتي والمقامة والحكايات الشعبية وغيرها . ولاسيما ان البحث يتعامل مع مسرح خيال الظل بوصفه مسرحاً اكتملت فيه عناصر البناء الدرامي على وفق ما حدد في التعريف الإجرائي – والتي تجعل منه نمطاً موازياً لنوع المسرح الغربي المعروف بمفهومه وقالبــه الأرسطي ، وقـد تقاربت هـذه الاشكــالية بـين مـد وجزر طــويـلين ولمدة زمنـية ليسـت بالقصيرة انتهى فيها الباحثون الى رأيين : يرى الأول منهما ، ان الموروثات العربية قد خلت من اي شكل من اشكال التعبيرالمسرحي واكتفت بالاشكال السردية والشعرية فقط ، وذلك بناء على مجموعة من الأسباب يرى اصحاب هذا الرأي انها موجبة لهذا الفقد ، ولايتسع البحث هنا لذكرها مع اصحابها.(9)

أما أصحاب الرأي الثاني ، فهم يرون بعض التجليات المسرحية بأشكالها الاحتفالية في التراث العربي فهم ينظرون إلى المسرح من خلال هذه الأشكال، ولايشترطون وجود العناصر الأربعة (النص - الخشبة- الممثل - المتفرج) معاً ، فهم - مثلاً- لايشترطون وجود النص أو الخشبة ، ويقتصرون على الممثل والمتفرج ، أو على أحد هذه العناصر دون الأخرى . فمسرح خيال الظل بوصفه واحداً من الظواهر المسرحية العربية ، يضم مقومات وخامات درامية تقوده الى مرتبة الفن المسرحي فهو أقرب أشكال ( ماقبل المسرحية والمسرح ) إلى المسرحية والمسرح ، فشخصياته كوميدية ، وهدفه تقديم التسلية والضحك، وينتابه غير قليل من ألفاظ البذاءة ، وتتوافر الشروط الأربعة فيه بنوع ما : النص - الخشبة- الممثل- المتفرج . إذ لابد للبابة من نص سواء أكان شفاهياً ( مرتجلاً – متفق عليه ) أم كان مدوناً ، كما لابد له من مكان خاص لتقديم العروض بكل ما يحيويه من آليات الإضاءة وقطعة القماش البيضاء وبعض ملامح الديكور البسيط ، وهو يماهي مفهوم ( الخشبة ) في المسرح الحديث ، أما شرطا ( الممثل / المتفرج ) فحضورهما في خيال الظل أمر بديهي ، فالدمى تؤدي وظيفة الممثل أما المنفرج فهو جمهور ( الخيال ) سواء أكان من الصغار أم من الكبار .

2- البنية الايقونية:

يشكل الانسان عالماً صغيراً في توافقه مع الكون ، وهو مكون من العقل والعاطفة والجسد . التي تعمل معاً في إنسجام مكتمل يعكس معه التمثيل الاعلى للخيال الإنساني ، ولأنه دائم الفضول في البحث عن المطلق ، تشكل الغيب عنده في صورة الأيقون ، ليصل الى نوع من الاستقرار العقيدي يرتاح اليه جسداً وروحاً، فالايقون هو الصورة التي تؤدي عملها ووظيفتها بوصفها علامة تشير الى ذاتية الشيء على وفق مبدأ العلاقة التماثلية أوالمشابهة بينها وبينه ، فالبنية الايقونية بنية علامية تتشكل من دال ومدلول ترتبط بمرجعها في ضوء التطابق أو المقاربة.(10) ويحيل مفهوم الايقون في مرجعياته الاولى الى صورة (المقدس) ذلك المفهوم الذي تبلور في الايقونات اليونانية الاولى ، التي تطورت الى صورة ( الله )، ومنه الى صور القديسيين والعذراء في الفكر الكاثوليكي الاول . بعدها أخذ الايقون يتشكل في السياق الفني القائم على الخيال البشري فظهر في التشكيل ، والنحت ، والفوتوغراف، والسينما ، والمسرح ، الى أن وصل الى الأنظمة اللسانية المتمثلة في الأدب.(11)ويحتضن المسرح ولاسيما مسرح الخيال والدمى مفهوم الايقون احتضاناً خاصاً ، إذ ينهض المسرح – كما هو معروف - على الفعل الحركي بكل صوره وخصوصاً ما يتصل منها بالجسد (الممثل – الدمية الورقية) ، هذه الامكانية تتيح للأيقون أن يتحرك بإنسيابية وبفاعلية في إقامة علاقته التماثلية أو التشابهية مع الجسد المناط به توصيل وجهة النظر(الخاصة) التي يحملها المؤلف على الخشبة أو في الشاشة البيضاء، استعان مسرح خيال الظل بدمى خاصة - كما بيناه في التمهيد - صنعها المخايل من امكانياته البسيطة ليحملها أبعادأ خاصة بعصره وحياته وجد فيها إمكانية للتعبير والايصال ، فلجأ الى الطاقة الكامنة في الدمية ، تلك الوسيلة التي عبر بها الإنسان في فجر التاريخ عن عالم الروح وما فوق الواقع ، فأسبغ عليها مهابة وقداسة ، وهي في رأيه (الإنسان الأول) لا يمكن أن ينالها إلا الآلهة والملوك والأمراء، فالدمية جسد يمتلك من الطاقات ما هو خارج سلطة العقل والعاطفة ، ويتجاوز قدرته الذاتية كما في الطقوس ، إذ لايستطيع أن يمارس كينونته خارج كونه أداة بيد العقل أو العاطفة ؛ ولكي يتحرر (الجسد) من عبوديته ينبغي إلغاء السلطة الأولى ، سلطة العقل ، وبناء علاقة تكافؤ وصراع غير متسلطة معه، وهذا لا يتم إلاّ من خلال العودة إلى مرحلة الحسية، إذ يقوم هذا النوع من المسرح على بعث الحياة في الدمية، وإخراج الصوت عن مدلوله اللغوي، وإلغاء اللباس الميت للجسد؛ فتصبح وعاًء لتجميع المعارف.(12) ويبدو أن مسرح ابن دانيال يقدم نسقاً من الشخصيات في باباته تحمل في مجموعها خاصيةً علامية تعد ظاهرة اسلوبية لديه ، ونظراً لطبيعة الطرح المباشر لمسرح خيال الظل وفترته المبكرة ، وثقافة عصره، ومستوى المتلقي الشعبي فيه ؛ فإننا نجده يقدم نسقاً واضحاً من انظمة العلامات ، وأقلها تعقيداً، وهو النظام الايقوني الذي يستند الى المطابقة أو المشابهة مع المرجع في الواقع لاغير، فهو يعرض لشخصيات متحققة في الواقع يقدمها من خلال نسق ايقوني عن طريق الدمى الورقية التي يحاول صاحبها ان يشكلها بأقرب صورة وأوقع تماثل مع الشخصيات المشار إليها، ليتحقق التواصل الذي يبتغيه مع متلقيه الشعبي ذلك التواصل الذي يظهر في صور الضحك والسخرية والتعليقات والتشويه أحياناً ، فقد أرتبطت دمى الخيال عند أبن دانيال بشخصيات تقليدية نمطية ؛ لكل منها مستواها الفكري والثقافي .قدمها للمتلقي في ضوء علاقة ( المشابهة ) مع الواقع وذلك بسبب الطبيعة الفنية للعمل الذي يقوم به ، فهو يقدم مسرحاً لاواقعاً يتجنب فيه المحاكاة الحرفية ، وكذلك بسبب الادوات والوسائط التي يستعملها ( دمى الورق ) ، فالدمية على المسرح ليست صورة أخرى من الإنسان ، تقلده وتحاكيه تماماً ، بل هي هيكل يتمثل وفقاً لما يريده الفنان تمثيلاً غير إعتيادي ؛ لانها لايمكن أن تتحرك وتعبر بالطريقة نفسها التي يتحرك ويعبر بها الممثل ( البشري ) ، فضلاً عن اتقاء المخايل ( للسلطة ) ، سواء أكانت سياسيةً أم اجتماعية . ويمكن تتبع البنية الايقونية التي أقامها أبن دانيال في تمثيلياته الساخرة من خلال تركيبة العناصر الدرامية المكونة للخطاب الدرامي المتشكل في المخايلة ، وهي ثلاثة عناصر : الشخصية والحوار والحدث وهي لا تتحدد بوصفها جواهر مستقلة، وإنما انطلاقا من العلاقات الوظيفية التي تربط بينها . فالحدث والحوار بوصفهما عنصرين دالين يأخذان وظيفتهما من خلال ارتباطهما بالشخصية ، ويمكن الاستناد الى هذه الترسيمة ثلاثية الابعاد في توضيح الصورة الايقونية التي شكلها أبن دانيال على وفق مبدأ المشابهة .

الشخصية

الحوارـــــ الحدث

تتحدد الشخصية في اطار منهج هذا البحث ، بوصفها علامة مؤلفة من دال ومدلول يتشكل الثاني من الواقع والتاريخ . وهي تمثل البنية الجامعة لتشكيل الايقون بالاستناد الى (الحوار والحدث) بوصفهما بنيتين ساندتين في التشكيل . فالحــدث هو صـــورة وإشـــارة - بــالمفـهوم السيميائي- في الوقت نفسه ، فهو صورة ؛ لأنه يدل مباشرة على الشخصية ، كما إنه أداة كشف وتوضيح . وهو إشارة لأنه لايملك أهمية من ذاته ، ولكن تظهر أهميته من علاقته بالشخصية . أما الحوار فيتحدد بوصفه (صيغة) ، أي الشكل الخطابي الذي يميز الفن الدرامي ، في مقابل صيغة الحكي التي تميز الرواية والقصة . فالحوار هوالأساس الأنطولوجي للكتابة المسرحية ، لأن الكتابة المسرحية تفرض الحوار ، والحوار (لغة) . لكنه يستعمل مفهوم الصيغة أيضاً بوصفها مقولة كبرى، تتضمن أنماط خطابية فرعية هي: الحوار والمونولوج والتعليق الفردي أو الترديد الجماعي.(13)

النموذج: بابة (طيف الخيال أو الامير وصال)

تحكي تمثيلية (طيف الخيل) قصة أمير يدعى (الأمير وصال) وهو شاب منغمس في الملذات والمجون ولكنه فجأة يفكر جدياً في تغيير أسلوب حياته نحو التعقل والاتزان، فيختار موضوع الزواج وسيلة لذلك ، فيطلب من أخيه ان يستدعي له (الخاطبة) لتبحث له عن عروس ، فتقنعه الخاطبة بأن لديها عروساً لاتضاهيها أي فتاة في الحسن والجمال ، فيوافق على الزواج بها، وهنا تكون المفاجأة الكبرى عندما يكتشف مدى القبح الذي هي عليه في الحقيقة لذا يقرر الانتقام من الخاطبة ، ولكنه يفاجئ بموتها لذا لايجد بداً من التوبة والقيام بفريضة الحج تكفيراً عن ما ارتكبه من آثام في حياته، ففي نص ( طيف الخيال) تظهر الشخصية الرئيسة (الأمير وصال) بتجسيد ايقوني خاص يشكل في مجموعه نظاماً دالاً ، يحيل الى مدلول واقعي متجسد في الحقيقة ، فالبعد الخارجي الذي قدمت به الشخصية يشير الى أنها شخصية ذات بعد سلطوي، إذ تظهر في صورة جندي على رأسه شربوش (*) ، كما يدعم هذا البعد ، اللغة (الصيغة) التي تتحدث بها الشخصية، فهي لغة متعالية (أنويه) تشير الى نمط لغوي أرتبط بفترة تاريخية معينة (العصر المملوكي) فمحاورات الشخصية يغلب عليها الطابع (السلطاني) - إذا صح التعبير- يظهر ذلك من خلال الكلمة التي يلقيها الامير وصال عندما يقدم نفسه لجمهور العرض " سلام على من حضر مقامي وسمع كلامي، من عرفني فقد تمتع بأنسي ومن جهلني فأنا أعرفه بنفسي، أنا أبو الخصال، المعروف بالأمير وصال ، صاحب الدبوس والناموس ، أنا ملاكم الحيطان، أنا محبط الشيطان ، أنا أول من يستندب لاتجلاب الفرح ويستحضر لاستماع النوادر والملح ، من يقوم في دفع الهموم مقام ابنة الكروم ....." (14)

وإذا عدنا الى الدافع الذي من أجله كتب ابن دانيال بابته هذه ، وهو رغبته في ان يملئ الفراغ الذي استحدثه السلطان (الظاهر بيبرس) بالقضاء على الخلاعة والمجون وذلك بان استقدم (الأمير أبي العباس احمد بن الخليفة الظاهر العباسي) من بغداد محتفياً به(15) ، وجدنا ان ابن دانيال يقدم شخصية (الأمير وصال) بوصفها أيقوناً يحيل الى مشابهها في الواقع وهو الامير ابي العباس احمد، ليمرر من خلال هذا التشكيل رفضه ونقده اللاذع للواقع السياسي ، إذ قدم بطله في صورة ساخرة مضحكة ، خلعة ماجنة ، مهزوزة قلقة ، من أجل تعرية التناقض الحاصل في الواقع المعاش الذي استمد ابن دانيال شخصيته المخايلة منه في بعدها الايقوني مفترضاً لها سياقاً جديداً ، وواضعاً إياها في أحداث متخيلة بنى من خلالها حبكته المسرحية التي استندت الى حدث بسيط كان غرضه مجرد الاشارة المباشرة ( للمأخوذ عنه ) لإيصاله الى الجمهور وأحداث التأثير الساخر المراد تحقيقه في نفسية المتلقي ، فعمل ( الحدث ) بوصفه أداة للكشف والتوضيح والترميز الى الشخصية فقط، ويمكن استظهار فاعلية التشكيل الايقوني من خلال حركية الصراع التي تظهر في سير احداث البابة بوساطة العلاقة الضدية بين (الامير ونفسه) من جهة وبين (الامير وصراعه الخارجي ) من جهة أخرى ، حيث تظهر هذه العلاقات التي بناها ابن دانيال الالتزام بقضايا التردي الاجتماعي ، لان البابة تصور الوضع الاجتماعي لمصر في عصر الظاهر بيبرس ، وتصور

التناقض بين الحاكم والمحكوم من خلال كشفها عن اشكال الظلم من ناحية الحاكم واشكال التمرد والمقاومة من ناحية المحكوم ، إذ ترتفع بوساطة هذا الكشف إلى اظهار اشكال اخرى من الصراع النفسي والصراع الاجتماعي، اللذان يعطيان للبابة عمقاً فكرياً ، اكثر مما تشير اليه في ظاهرها . وتدور فكرة البابة حول موضوع يرمز إلى الحقائق الباقية في حياة الإنسان؛ لأنها لا تفسر الماضي بقدر ما تستحضر القيم الانسانية في كل عصر، فهي تفيد الحاضر، وتبشر بالمستقبل من خلال عرضها للماضي البعيد . إذ تقوم على عرض الواقع الاجتماعي والسياسي بوساطة التعبير الايقوني للشخصية التاريخية التي أتخذها ابن دانيال قناعاً للواقع الحالي المعاش ، فقد عبر عن الواقع بطريقة خلاقة ، انتقد من خلالها السلطة في مرحلة معينة سادت فيها الاتجاهات الادارية الفاسدة وانتعشت فيها العناصر المتخلفة . فالمحاورة التي يقيمها طيف الخيال مع أخيه الأمير وصال تعكس خلفية الصراع ( الداخلي – الخارجي ) بشكل واضح :

الأمير وصال : لابد من تدبير الحال وتجهيز المال .

طيف الخيال : يا أمير وصال ، عهدتك ذا مال ، وجمال وخيل وبغال .....

الامير وصال : لقد مال المال ، وحال الحال ، وذهب الذهب ، وسلب السلب ، وفضة الفضة ، وقعدت النهضة ، وفرغة الكأس ، بطون الأكياس ، وبعت العقار ، برشف العقار ، وأما فرسي فقد إفترسته يد الأسقام ، وأخلقت جدته مرور الليالي والايام ، حتى بكيته بكاء عروة بن خزام .(16)

ويبدو أن قصدية المحاكاة الدرامية للمجتمع المصري في عصر الظاهر بيبرس جاءت نموذجاً لفكرة ابن دانيال عن التناقض الحاصل في سلطة عصره ، التي حاول ان يوضحها عن طريق تصويره للسلطان الذي عرف بضآلة الوعي الفكري ، مما اثر ذلك على العناصر الادارية التي استحوذت على مراكز السلطة وقد تميزت هذه العناصر بضعف ادارتها التي يقع على عاتقها مصير الشعب والأمة، ويبدو في بابة (طيف الخيال) أنها تقوم على التعبير عن المعاني العامة التي يمكن ان تتكشف من خلال تسجيلها للاحداث التي تصور ظلم السلطان وتعسفه وما يقابله من سخرية الناس وإستهزائهم به في ذلك العصر ، تلك السخرية التي شكلت ثيمة (للمقاومة) ، لأنهم مغلوبون على أمرهم ولايملكون سوى (الخيال) متعة وتنفيساً لدواخلهم ، فهي في حقيقة الامر تلخيص مركز للواقع الاجتماعي و السياسي الذي حاول ان يعبر عنه ابن دانيال بـ (المخيالة) التي تتجسد في ذهن (المتلقي) ، ليجعل منه مخرجا ذهنيا للاحداث المتحركة في الواقع المأزوم ، فالبابة تدور في حيز الزمان والمكان المحدد لها ، لكنها تتخذ حيزا واقعيا معاصرا ، لزمان المتلقي ومكانه ؛ لانها تحاكي ثيمات رئيسة ارتادت التاريخ في الماضي وما زالت تحاكي الواقع في الحاضر . لذا نجد ابن دانيال يحاول تغيير حاضره ولو في (فضاء الخيال ) بينه وبين جمهوره وذلك بأن يجعل ( الامير وصال ) يصحو من غفلته ويدرك الآثام التي أرتكبها محاولاً تجاوزها بالعودة الى المسار الديني ، لذا فأن ابن دانيال حقق بدون قصد ما اصطلح على تسميته في النقد الحديث بـ ( العدالة الشاعرية ) في ختام البابة وهي العدالة التي يفرضها المؤلف في نهايات النصوص الفنية ، دون تحقيقها على أرض الواقع، محاولا ًمن خلالها التعويض .

الامير وصال : يأخي طيف الخيال ، ما بقي الا الارتحال ، وقد عزمت على الحجاز ، وخرجت بالحقيقة عن المجاز ، وقصدت غسل هذه الآثام ، بماء زمزم والمقام ، ونويت زيارة سيد الأنام ، صلى الله عليه وعلى آله الكرام ، إجعلني نصب عينيك ، وهذا فراق بيني وبينك . (17)

3- البنية البصرية – السمعية:

يتشكل الإحساس ( البصري – السمعي ) في ضوء قاعدة الحواس الانسانية المعروفة ، فتأتي حاسة البصر أولاً ومن ثم حاسة السمع في سلم هذه الحواس . ويرتبط البصر بالاحساسات التي تدركها العين ، والتي تنشأ عن الأنطباع الذي يخلفه الضوء في شبكية العين ، تحت ثنائية المضيء – المظلم ، إذ تخضع جميع المرئيات تحت سيطرتها ، فضلاً عن الاحساس بالتدرج اللوني الخاضع هو الآخر تحت هذه المنظومة . أما السمع فيرتبط بعلم الصوتيات وما فيها من تقسيمات للتردادت الصوتية وما تحمله من معانٍ ينتجها الذهن الانساني ، والتي تندرج في ثلاثة محاور رئيسة هي الظواهر الفضة ( الضوضاء ) والاصوات الطبيعية ( اصوات الحوانات / المياه ....الخ ) والاصوات الثقافية ( الموسيقى ). (18) وترتبط البنية البصرية- السمعية بالبنية الايقونية ، بوصفها شكلاً تعبيرياً غير لساني ووسيلة تواصل إضافية نمت وتطورت بتطور التكنلوجيا بحيث أصبحت مرجعاً للنتاجات والاعمال السسيولوجية المعاصرة بعد ظهور ما يسمى بحضارة الصورة ، مضافاً اليها التقنيات الصوتية أو ما يسمى باديولوجية الصوت ، بحيث شكلا ( الصورة – الصوت ) فعلاً ايقونياً ذا بُعدٍ اديولوجي . وقد تجسد ذلك في فنون – تقنيات التلفزة والسينما والمسرح .(19)

تشكل البنية البصرية – السمعية ، بنية تواصلية تعمل على نقل الارساليات بين جهازين للتخاطب: ( المرسل / الرسالة / المرسل اليه )، تأخذ بعين الاعتبار أن ( المرسل ) فيها يتميز بخصوصية كونه مجموعة من التقنيات والادوات والآليات التي تعمل على نقل(المعنى) الى (المرسل إليه) سواء أكان جالساً في صالة عرض أم في حياته العادية اليومية.

وفي مسرح خيال الظل نجد ان البنية البصرية – السمعية متحققة فيه بنسبة كبيرة على الرغم من ضعف الامكانيات التقنية المتاحة له نظراً لفترة ظهوره المبكرة، فهو نص عرض بالدرجة الاولى يستند - فضلاً عن الانظمة اللسانية - الى الانظمة غير اللسانية ( البصرية – السمعية )، والعرض كما هو معلوم لا يقتصر على توظيف العلامات اللفظية، بل يوظف إلى جوارها خليطا غير متجانس من العلامات والأنساق سمعية (كالموسيقى والمؤثرات الصوتية) وبصرية (كجسد الدمية وما ينتجه من علامات حركية وإيمائية… وعلامات الفضاء كالديكور…) فتتشكل بنيته البصرية من خلال ثنائية ( الضوء / الظل ) ذلك أن فن الخيال لايقدم الدمى بوصفها اجساداً درامية تتحرك امام النظارة وإنما يعرض ( ظلال الدمى ) الساقط على شاشة بيضاء تعكس هذه الظلال فيراها الجمهور.

أما بنيته السمعية فأنها تتشكل من خلال ترديدات واصوات المخايل التي يضعها على لسان شخوصه مراعياً فيها تغيير شكل الصوت ونبرته على وفق جنس الشخصية أو الموقف الذي توضع فيه ، كما تظهر هذه البنية من خلال الأغاني والتنغيمات والاشعار التي تصدرها المجموعة المصاحبة للمخايل ( الحازق )، ويوظف خيال الظل ، بوصفه عرضاً مسرحياً، أنساقا علامية متعددة ومتباينة من حيث مادتها التعبيرية، وحجم وحداتها ، وقنوات إدراكها، فهو يتميز بقدرة إبلاغية قل نظيرها، وإذا كان المسرح الحديث يسيد النسق اللفظي، ويجعل الأنساق السمعية والبصرية الأخرى في مرتبة ثانوية، فإن مسرح خيال الظل حاول -بدون قصدية مبدعه- أن يعيد الاعتبار لتلك الأنساق، وذلك حين أسند ليها وظائف دلالية وجمالية لا تقل أهمية في نقل مضمون النص المخايل عن اللغة اللفظية . ويمكن الاستفادة من السيميائيات المعاصرة في الاهتمام بكل أنساق العلامات، البصرية منها والسمعية، وتأسيس النسق اللفظي مكانه الطبيعي داخل الأنساق الأخرى .

تنشأ فاعلية البنية البصرية – السمعية في مسرح خيال الظل من مبدأ ( التواصلية ) الحاصلة بين المبلغ والمتلقي الجماعي , ذلك أن هاتين البنيتين ( غير اللسانيتين ) تعملان معاً بشكل ديناميكي متواصل من أجل ترسيم علامة ( أيقونية ) جديدة هدفها الوصول الى المتلقي بعيداً عن أي قناة لفظية تقليدية ، إذ يحل مدلول معين في ذهن متفرج الخيال بواسطة المزج المتزامن بين ( الصوت المتردد في العرض ) وبين ( إنتقالات الضوء المجسِمة للشخوص ) مما يشكل ( علامة ) بكل ابعادها المعروفة ، إذ يعمل ( الصوت – الضوء ) بوصفهما دالاً . أما المدلول فهو حر التشكيل في ذهن المتلقي ، والذي بالتأكيد يتحقق وفق مرجعيات شخصية خاصة بذات المتلقي ، سواء أكانت تاريخية أم اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية .....الخ . ومن ثم فإن كل هذا يؤدي الى خلق تواصل ذي خصوصيةٍ تأتي من كونه تواصلاً مسرحياً - بالمصطلح الحديث - يختلف عن التواصل الأدبي ، فهو ليس تواصلا بين ذاتين منفردتين (الكاتب/القارئ)، وإنما هو تواصل مباشر وحي بين جماعتين: المبدعون من جهة ( المخايل ، المردد ، عناصر الإنارة والديكور والصوت ) والمتفرجون من جهة ثانية (جماعة غير متجانسة من الناس من حيث انتماءاتها الطبقية والاجتماعية، والعمرية…)، ينصهر بينهم العرض في الآن/هنا.

وقد لجأ الباحث الى النموذج الذي إقترحه جورج مونان في دراسة التواصل المسرحي من أجل مقاربة تطبيقه على نموذج التواصل في المسرح الظلي ، مستنداً في ذلك الى ثلاثة عناصر أساسية للتواصل وهي : أ- المرسل/المبلغ. ب- المرسل إليه/المتلقي . جـ- الخطاب المسرحي.(20)

النموذج: بابة (عجيب وغريب)(21)

وقد وقع اختيار الباحث على نص بابة ( عجيب وغريب ) لإستبطان بنيتها البصرية – السمعية أثناء عرضها في الخيال ، وذلك لإنسجامها مع آلية التحليل المقترحة في هذا المبحث – كما سنرى لاحقاً - إذ تعرض البابة لحشد هائل من الشخصيات في بعدها الاجتماعي مرسومة في فضاءٍ حِرَفي بكل ما فيه من نماذج وأشكال للشخصيات الحرفية ، بعيداً عن تبنيها لحدثٍ واحد يشغل البابة من بدايتها حتى نهايتها ، فهي بمثابة بانوراما اجتماعية تجسد انماطاً مختلفة من السلوكيات البشرية المتحركة داخل مجتمع ( السوق ) ، فهي تختلف إختلافاً جوهرياً عن بابة ( طيف الخيال ) ، لأنها " تمثيلية استعراضية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، ذلك لأن ابن دانيال انتخب قطاعاً معيناً من مدينة القاهرة ، وهو واقع ألفه وعايشه بنفسه [ .... ] فأعانه ذلك على أن يشاهد عن كثب ، بل أن يخالط نماذج من البشر تعج بهم الأحياء الآهلة بالسكان "(22) ويقدم ابن دانيال في هذه البابة سبعاً وعشيرين شخصيةً متنوعة في سلوكها ولغتها وطرائق تعاملها مع الآخرين ، يجمعها فضاء السوق، وهي موزعة بين أصحاب الحرف والمهن المختلفة وبين جماعات من الأجانب والغرباء ، كلٌ منها يتحدث بمصطلحه المهني الذي لايكاد يفهمه غيره وجماعته، تأتي ملائمة هذا النص مع آلية التحليل المقترحة من خلال كثرة هذه الشخصيات المقدمة في بعدها الاجتماعي ، إذ أن مسرحاً بحجم مسرح خيال الظل وآلياته البسيطة وضيق الفترة الزمنية المحددة له للعرض ، جعلت إمكانية عرض هذا النص لاتتحقق إلا بالاستناد الى التعبير الدرامي الهائل الذي توفره التقنيات البصرية – السمعية السانده له ، فتقديم سبع وعشرين شخصية مختلفة في مظهرها ولغتها تحقق بفعل التجسيد الدرامي الكبير الذي يوفره (ضوء -الصوت) في وقت واحد ، من أجل إيصال نمط الشخصية المقدمة الى جمهور الخيال، فعملت حاستا (البصر - السمع) لدى المتلقي بوصفهما قناةً استقبالية حققت مهمتها الاستقبالية في تلقي هذه الانماط الهائلة من الشخصيات وترتيبها في الذهن . وهو ما قصدت اليه البابة لأنها كما ذكرنا استعراض لشريحةٍ اجتماعية عريضة ، فضلاً عن نقدها السريع خلال شريط العرض.

أ‌- المرسل / المبلغ : يحتل المرسل في مسرح خيال الظل خصوصية تتأتى من كونه يتوزع في أكثر من مرسل يفرض سيطرته على عملية الإبلاغ ، فهناك المرسل ( المؤلف) ، والذي سيصطلح البحث على تسميته بـ ( المرسل الأول ) ، والذي يحيل الى الى ابن دانيال صاحب الخيال والجامع لنصه وشخوصه ، إذ يدير هذا المرسل عملية المخايلة بأكملها ، فهو الذي يؤلف النص ويوزع الأدوار ويصمم الخيال ويختار وقت العرض ، كما يفرض سطرته المطلقة من خلال توجيهه الكلام مباشرة دون وسائط الى الجمهور ، شارحاً لهم ما سيقوم به من فنون المخايلة ، وما سيرونه من أحداثٍ وأفعالٍ ....الخ . وهذا ما حرص علية ابن دانيال في جميع باباته ، إذ نراه يستهل تثيلياته بمقدمة يشرح فيها طبيغة عمله. "قد أجبت سؤالك أيها الأستاذ الظريف، والماجن اللطيف ثانيةً ، لكي لاتظن همتي في الأدب متوانية ، وأتيتك بغريبٍ ، وألحقتك بعجيبٍ ، وهذه البابة تتضمن أحوال الغرباء والمحتالين من الأدباء الآخذين بذلك الشأن ، المتكلمين بلغة الشيخ ساسان ، فمتى دعيت الى مجلس الإيناس ، فبدأ عند جلاء الستارة بمدح من حضر من الناس ، وغنِِِ بإتقان في عراق "(23)

أما المرسل الثاني - كما يتبناه البحث - فهو المرسل (الشخصية)، ذلك المرسل المتجسد على الشاشة البيضاء ،الذي يتسم بكونه متعدداً ولاسيما في بابات (عجيب وغريب) إذ يتبادل المرسل الثاني الأدوار سبعاً وعشرين مرةً ، فكل شخصية ً مقدمة هنا تشكل مرسلاً ثانياً في حد ذاتها ، ذلك أنها تعد نموذجاً لشريحةٍ اجتماعيةٍ معينة ، تأخذ على عاتقها تبليغ الجمهور بأهم مفاصل حياتها وخبرتها الإنسانية ووجهة نظرها للعالم والأشياء ، قاصدةً بذلك إيصال رسالة الى متلقيها الجماعي، ويظهر تبني دور (المرسل الثاني) للشخصية النموذج من خلال أداء الشخصية نفسها ، فهي عندما تتكلم نراها وكأنها توجه خطابها توجيهأً مقصوداً نحو فئة محددة يفترض تواجدها بين جمهور التلقي . ومن خلال تتبع ظهور المرسل الثاني على طول عرض البابة ، نجد ان هناك شخصياتٍ قد حظت بنسبةٍ متميزة من الإرسال والتبليغ دون غيرها وذلك تحت ضغط ( المرسل الأول ) ، إذ تنؤ شخصيتا ( غريب - عجيب ) بالجزء الاكبر من الإرسال ، الذي يدعم هذا الكلام عنوان البابة ( عجيب وغريب ) .

فقد اختار المرسل الأول هذا الإسم عن قصدٍ ، فالعنوان المركب من المعطوف والمعطوف عليه يحيل الى صفة جامعة لكل الشخصيات ، فهي شخصيات غريبة ( غير عربية ) وعجيبةٌ في سلوكها ولغتها، فضلاً عن إيقاع هذا التركيب في ذهن المتلقي الذي يحيل الى الموروث الشعبي ولاسيما الحكائي منه، وهذا ما يؤكده التطابق الواقع بين الاسم والصفة للشخصيتين الاساسيتين في البابة (عجيب وغريب). فغريب شخصية ( نموذج ) للمغتربين اللذين يعيشون بالكدية والحيلة ، واللذين لايتحرجون من قصد أي مكانٍ طلباً للمال وبأي طريقةٍ كانت مشروعةً أم غير مشروعة ، وهذا ما يرسله غريب الى متلقيه من خلال محاورته مع المرسل الأول عندما أطلعه على سر مهنته قائلاً " فأطرحت الإحتشام وهنكمت بمصر والعراق والشام ، وتساوت عندي المساوئ ، وإدعيت أباطيل الدعاوى ، فطوراً أدعي معرفة الكيميا ، وآونة أثب بالمطالب والسيميا ، ووقتاً بالعزايم والتغوير ، وتارةً أكتب على الشقق لذهاب ماء البير ، وادعي الحكم على ملوك الجان ، وأستحضر ميططرون والشيصبان ، ثم انكشع كالمجنون ، وأُخرج الزبد من فمي كالصابون ...." (24)

فغريب هنا يبلغ رسالة واضحة ذات بعدٍ واحدٍ مفادها نوع العمل الذي يكسب منه عيشه بغض النظر عن كونه عملا صالحاً أم غير ذلك ، لأنها المهمة الوحيدة التي أوكلها إليه المرسل الأول، أما الحكم أو ( النقد ) فهو متروكٌ للصالة ، وهذا ما فعله ابن دانيال مع باقي شخصيات البابة، فجميعهم مكلفون بتبليغ ( رسالة ) يختصر فيها نمط حياتهم وخبرتهم في البشر وسيرة عملهم . وهذا ما نجده أيضاً في مرسل ثانٍ آخر ، وهو شخصية عجيب الدين الواعظ ، الذي يجعل من مهنته ( الوعظ ) وسيطاً ناقلاً لرسالته ، ذلك الوعظ العجيب فعلاً ، إذ يحث على المزاح بالقدر المعقول فضلاًعن شرح ماينبغي أن يكون عليه أمثاله من أصحاب المهن الغريبة ، فهو يقول : "رحم الله من داوى أحزانه ، بحسن خلق زانه ، وصرف أتراحه بما أراحه ، وإذا كان المزاح ، يذهب الأتراح ، ويقوم في التفريغ مكان الراح ، فالهوان بإبنة الدنان ، فالقهوة أخفى مايضمر وأعز من الكبريت الأحمر ، والإنبساط يجمل بلا إفراط ، فأبــسوا الأمــل ، وأعــملوا بهذا العمل [.....] وتزودوا بالأنس قبل وقوع الواقعة ، وروحوأ الخواطر ، وإستمطروا الديم المواطر ، وخذوا من المزاح بمقدار ما يعطى الطعام من الأملاح ، وسيروا في البلاد ، وإنصبوا الشباك على العباد ...."(25) ، فعجيبٌ هو الآخر يرسل على طريقته الخاصة ، في أسلوبه الذي يحمل إيقاعا يوحي بمهنته الدينية (الواعظة) ولاسيما أسلوبي الأمر والترغيب ولكن مضمون (الوعظ) في كلامه يدعو الى السخرية والاستهجان، أما بقية المرسلين الخمسة والعشرين ، فهم لايخرجون عن غريب وعجيب في طريقة إرسالهم ، إذ تتبادل هذه الشخصيات متتابعة أمام الجمهور ، دور المرسل الثاني ، بحيث يجمعها قصدية الإرسال ووحدانية الإسلوب في إصطناع المدهش من الأقوال والأفعال ، فكأنها كلها تصدر عن فلسفة واحدةٍ في الحياة . مثل شخصيات ( نبات العشاب – هلال المنجم – ميمون القراد – حويش الحادي – عسيلة المعاجيني – مقدام الآس – حسون الموزون – شمعون المشعبذ – شبل السباع – مبارك الفيل –أبو العجب– أبو القطط – إزغيير الكلبي .......الخ )

ب- المرسل إليه / المتلقي: قبل الخوض في تفاصيل ( المرسل إليه ) في مسرح خيال الظل ، لابد من الإشارة الى الإشكالية التي تواجه عملية التلقي في هذا النوع من فنون العرض ، تلك الإشكالية المتأتية من ضعف التفاعل بين المرسل والمتلقي ، نتيجة لمعوقات خاصة فرضتها طبيعة فن الخيال نفسه ، ومن ثم الوقوع في دائرة ما يمكن تسميته بـ ( ضبابية التلقي ) ، التي تمنع نقل الرسالة بمدلولها المحدد الى المتلقي . وتكمن معوقات التلقي في جانبين :

الأول : عدم وضوح الرؤية للصورة المجسدة المستترة خلف شاشة العرض ؛ ولاسيما الملامح الجسمانية التي تميز شخصية عن غيرها . يبدو ان مخيلة المتلقي تبدأ بتشكليل ملامح الشخصية المؤدية بحسب إستقبالها للعلامات المرسلة عبر الشاشة ( الضوء ). علماً ان هذا الإستقبال يتقارب بين متلقٍ وآخر بحسب المرجعيات التي يحملها كل متلقٍ .

الثاني : عدم نقاوة الصوت المرافق لمجرى الخيال ، بسبب تعدد الشخصيات ، أي تعدد الأصوات التي يؤدها المخايل نفسه في كل مرة ، مما قد يوقعه في تكرار النبرة المميزة لصوت كل شخصية ، فيلتبس على المتلقي التفريق بين أدوار الشخصيات ؛ لان المتلقي هنا يستند بدرجة كبيرة في إستقباله الى حاسة السمع، يقيم خيال الظل نوعين من المرسل إليه :

أ‌- المرسل إليه العام : وهو جمهور العرض المتابع للخيال ، المستقبل للعرض وفق مستويات مختلفة للتلقي ، تتباين بين متلقٍ يستقبل النص بقصد المتعة ( ضحك / تسلية / تزجية وقت الفراغ / .....الخ ) وبين متلقٍ يسقبل النص بقصد ( الرقابة ) المدفوعة من السلطة ، إذا وضعنا بعين الإعتبار طبيعة الحياة السياسية القائمة للمدة التي راج فيها خيال الظل ، وبين متلقٍ يجد في النص مخرجاً لمكبوتاته التي يضيق بها ( الغريزية / الاجتماعية / السياسية ...الخ ) . وهذا النوع من المرسل اليه حاضر في أي نص يقدم عن طريق الخيال .

ب‌- المرسل إليه الخاص : وهو المتلقي الذي يجد بين نفسه والشخصية المقدمة على الشاشة ( صلة ) من نوع معين ، فهو بالتأكيد جزء غير منفصل عن المرسل اليه العام ولكنه تميز بصفة إضافية ( الصلة ) . ففي بابة عجيب وغريب نجد هذا المرسل اليه حاضراً ، إذ ربما يكون من بين المتفرجين ، من ينتمي الى أصحاب المهن والحرف التي إستعرضتها البابة ، فعند ذلك تنشأ الصلة المباشرة بين المرسل اليه والمرسل الثاني ، فيصبح المرسل إليه مرسلاً ثالثاً - بعد إنتهاء العرض - .

جـ-الخطاب / البابة : إن الخطاب الدرامي بالدلالة اللسانية يشكل أداة التواصل بين المبدع والمتلقي، ويتكون من ثلاثة ثوابت : أيديولوجية / معرفية / جمالية . حيث تتداخل فيما بينها لتقدم للكتابة الدرامية صيغتها النهائية كـ ( نصاً ) وما دامت هذه الكتابة لا تأخذ دلالتها النهائية إلا في العرض فإن المقصود بالنص هنا ، ليس النص الدرامي ، وإنما نص الفرجة . وبذلك ليس المقصود بالمرسل والمتلقي هو الكاتب والقارئ، بل المتفرج ومعدو الفرجة .(26)

وإذا حاولنا ضبط خطاب البابات بوصفــها رسالة بين مبدأ الفــرجة (ابن دانيال) وبــين المتفــرج (جمهور الخيال)، وفق الثوابت الثلاثة أعلاه - فإنه يمكننا تركيب تصور لخطاب ابن دانيال، إذ يتصل الثابت الأيديولوجي بذاتية المبدع، إذ يحـتل هذا الـثابت موقعاً واضحاً في خطــاب ( ابن دانيال ) ، فهو لاينطلق من فراغ فكري أو ترف شخصي للكتابة ، وإنما يكتب منطلقاً من رؤيته الخاصة لواقعه محاولاً فرض أديولوجية خاصة على نصوص باباته ، تلك الايديولوجية التي تُرسمُ في بعدين هما : الايدلولوجية السياسية ( جدلية الحاكم والمحكوم ) وما يتفرع منها من تسلط الحاكم وخنوع المحكوم ، المحملة في نص ( طيف الخيال ) - الذي تناولناه في المبحث الأول - والايديولوجية الاجتماعية ( تناقض الواقع الاجتماعي ) من خلال نمذجة قطاع منتخب من الواقع ووضعه في دائرة ( النقد ) ، وهي الايديولوجية المحملة في نص (عجيب وغريب).

أما الثابت المعرفي فيتصل بالمتفرج من أجل تحقيق الإيصال المطلوب وإحداث التغير المنتظر في شخص المتلقي ، فمــتلقي ابن دانيال يداهمُ بجملة من الأنســاق الايديــولوجية من أجل تغييره كما يأتي : النسق السياسي ( الحاكم ) من أجل محاولة خلق الرفض لدى المتلقي ( المحكوم ) ، النسق الاجتماعي ( الواقع المأزوم ) من أجل محاولة الكشف عنه لدى المتلقي .

والثابت الجمالي يتنازعه المبدع من جهة والمتلقي من جهة ثانية ، فالأول ينتجه والثاني يستقبله بحيث أن القيمة الجمالية تتوزع على الأثنين بالقدر نفسه ، فيكون ( النص ) وسيطاً وحاملاً بينهما بحيث يشكل هذا الثابت بعداً اسلوبياً للأول ، وبعدأ شعرياً للثاني . ويمكن استشعار الثابت الجمالي في خطاب البابة في ضوء المستوى التركيبي ( اللغوي ) للنص بكل مايحمله من مواضعات وأساليب وإنزياحات لغوية توحي بروح وزمن العصر الذي كتب فيه النص ، كاستخدام ( السجع / والتوافق اللفظي / والاطناب / والمفارقات اللغوية / والألفاظ الدخـيلة / والمحسنات الفظية والبديعية / وتضمين الاشعار والازجال ) . ومن أمـثلة ذلك ختام غريــب في بابة ( عجيب وغريب ) إذ يقول : والله لولا خشية الملال

ما من مستغرب الامثال

لكن اخواني ذووا افضال

قد حاولوا حقيقة الخيال

فقلت لهم ذلك بمتثال

مستغفراً ربي ذا الجلال

لي ولذاك الشيخ دانيال(27)

الخلاصة: ويمكن خلاصة القول:

- ترك ابن دانيال منجزاً مسرحياً يمكن أن يجد الباحث فيه، مساحة لتطبيق مقاربة نقدية تستندة على المناهج المعاصرة في قراءة الاعمال المسرحية .

- إن نصوص ابن دانيال المخايلة بوصفها مادة ادبية ، لم يعدها للقراءة ، كونها نصوص عدت من أجل ( العرض ) ، وبهذا ظهرت فاعلية البناء الدرامي في عروض المخايلة أجلى من ظهورها في النصوص .

- تظهر عناصر البناء الدرامي في مسرحيات ابن دانيال ، من خلال آلية اشتغالها في عرض المخايل ، فضلاً عن كون ( المخايل ) قد شغل هذه العناصر - ولو بغير قصد- باتجاه كسر الحاجز الرابع الحاضر في المسرح التقليدي ، من خلال التوجه بالحديث مباشرةً مع الجمهور وإضاءتهم بما سيشاهدونه في العرض من احداث وشخصيات ، وبذلك يكون ابن دانيال قد وظف تقنية ( الراوية ) التي تعد من الأسس المهمة التي يقوم عليها المسرح الملحمي .

- اشتغلت عناصر البناء الدرامي في عروض ابن دانيال على مبدأ المشابهة للواقع، وذلك من خلال استيعاب المكون الثقافي الذي شكل ( بنيات أيقونية ) في خيال ابن دانيال .

- يمكن عد ( البصري - السمعي ) بوصفهما جهازيين غير لسانيين ، حجر الاساس الذي قام عليه البناء الدرامي في عروض ابن دانيال ، إذ شكلا بديلاً عن ( اللساني ) ، إنسجاماً مع طبيعة الفن المقدم .

- شكلت عروض بابات ابن دانيال ( خطاباً ) رافضاً للواقع في بعديه السياسي والاجتماعي؛ عمل على كشف الواقع وتعريته ، وتأجيج الضمير الشعبي ضد ممارسات السلطة ، ووعيه بالمتناقضات ، والتثقيف بالاتجاه الذي يكشف كل مظاهر الزيف الضاربة في المجتمع آنذاك .

الهوامش:

1- من الأسطورة الى القصة القصيرة / احمد زياد محبك /125/ منشورات دار علاء الدين بدمشق /2001.

2- ألف عام وعام على المسرح العربي / تمارا ألكساندر وفنا بوتيتسيفا /92/ ترجمة : توفيق المؤذن / بيروت (دار الفارابي) / ط1/ 1981 .

3- ينظر دراسات في المسرح والسينما / يعقوب لنداو /34-41/ ترجمة : أحمد المفازي / مراجعة : د. لويس مرقص / الهيئة المصرية العامة للكتاب / القاهرة / 1972.

4- من الاسطور الى القصة القصيرة / المصدر السابق / 133.

5- خيال الظل / عبد الحميد يونس / 50 – 51 / الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر/ القاهرة / 1965‏.

6- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / إبراهيم حمادة / 64 / المؤسسة العامة للتأليف والنشر/ القاهرة / 1963.

7- خيال الظل / المصدر السابق / 57-58.

(*) ظهر عدد من لاعبي خيال الظل بعد ابن دانيال قد أبدعوا في عروضهم، وتألقوا، ولكن الزمن لم يحفظ من أسمائهم إلا القليل، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ مسعود ، والشيخ علي النحلة، والشيخ داود مناوي العطار. وينظر (من الأسطورة الى القصة القصيرة/126–141).

8- مسرح التمثيل بخيال الظل في مصر / باول كاليه / ترجمة : تقي الدين الهلالي/ مجلة الأقلام/ بغداد/ ع 6/ آذار 1979

9- ينظر العرب والمسرح/ محمد كمال الدين /11- 18/سلسلة كتاب الهلال/293/القاهرة /1975، وينظر خيال الظلّ وأصل المسرح العربي / حسين سليم حجازي / 53 – 67/ منشورات وزارة الثقافة / دمشق 1994.

10- ما هي السيميولوجيا / برنار توسان / 31 / ترجمة : محمد نظيف / دار أفريقيا الشرق / بيروت – لبنان / 2000 .

11- ما هي السيميولوجيا / المصدر السابق / 31.

12- خيال الظل في الساحل السوري / حسين حجازي / مجلة الحياة المسرحية / 96 / دمشق / ع 9 / 1979.

13- مسرح التمثيل بخيال الظل في مصر / باول كاليه/ ت: تقي الدين الهلالي / مجلة الأقلام / 104 / بغداد / ع 6 / آذار 1979

(*) وهو غطاء للرأس مثلث الأضلاع يلبس من غير عمامة.

14- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق / 83.

15- وفيات الأعيان / أبن خليكان / 3 / 372 / تحقيق : إحسان عباس / دار صادر بيروت / 1978 .

16- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق / 88.

17- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق /102.

18- ما هي السيميولوجيا / المصدر السابق /40.

19- فزيولوجية للعلاقة بين الممثل والمتفرج في العمل المسرحي / جان ماري برادي / ندوة المسرح والتربية / المغرب / المحمدية / 1988.

20- سيمياء المسرح والدراما / كيري إيلام /153/ ترجمة : رئيف كرم / المركز الثقافي العربي / بيروت – لبنان /1992 .

21- خيال الظل / المصدر السابق / 68.

22- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق /143.

23- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق /144.

24- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق / 144.

25- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق / 159.

26- سيمياء المسرح والدراما / المصدر السابق /159.

27- خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال / المصدر السابق /147.

سلاطين المماليك وخيال الظل(7)

  في وقت من الأوقات، منذ نحو خمسمائة عام، لم تكن القاهرة تعرف من النور غير ضوء الشموع والفوانيس والمشاعل، وكان سلاطين المماليك يحكمون، أما صغارهم فينتهزون الفرص لنهب الدكاكين وخطف عمائم العابرين والتحرش بالنساء وهم يرمحون على خيولهم في الأزقة. ورغم حياة المصريين القاسية فقد وصفهم ابن بطوطة (1304- 1378م) بأنهم على اختلاف طبقاتهم "ذوو طرب وسرور ولهو"، حتى أنهم كانوا يخرجون في الأعياد بقوارب إلي النيل ويحملون معهم الآلات الموسيقية ويضرب بعضهم بالطار والآخر بالمزمار مرسلين أغانيهم في الجو. وعندما رفع السلطان قايتباي أسعار القمح والدقيق واختفى الخبز من الأفران خرجت العامة برقصة تضحك وتغني وتلعن السلطان والغلاء. وفي عام 1448 أمر السلطان الأشرف جقمق بمحاربة الرقص ومنعه! ولم يقتل المنع فيهم روح الفكاهة والتهكم، فاطلقوا على الأمير طشتمر لقب "حمص أخضر" وعلى الفخري لقب "الفول المقشر"! وحين كانت الأحوال الاقتصادية تتردى بشدة ولا تكفي النوادر لاجتياز مصاعبها كانوا يثورون، كما حدث عام 1382 عهد السلطان برقوق حين تفرق الزعر على بيوت الأمراء في القاهرة ونهبوا ما وجدوا حتى خربوا البيوت وأخذوا أبوابها وأخشابها معهم، وسرعان ما تهدأ نفوسهم فيرجعون إلي حياتهم اليومية المشبعة بالصبر والخيال، ويقصدون حي بين القصرين لسماع الأشعار والحكايات وحضور الجلسات التي تعقد لقراءة السير والأخبار، أو يتسلون بمناقرة الديوك ومناطحة الكباش وألعاب البهلوانات والحواة. لكن خيال الظل كان التسلية المحببة لدي الجميع، حتى أن السلطان الناصر أبو السعادات شغف بها وأمر بإحضار "أبو الخير" إليه ومعه خيال الظل للتفرج بعروضه. بينما أمر السلطان جقمق بجمع أصحاب خيال الظل وإحراق جميع ما معهم من الشخوص المصنوعة للخيال مع تحذيرهم من العودة إليه لأن تمثيليات خيال الظل كانت تتضمن عبارات خارجة عن الأدب! وكان خيال الظل حينذاك يشبه الصحافة في يومنا هذا، فهو وسيلة لنقر الخبر والرأي وحشد المشاعر والتسرية عن الناس. وكان الاحتفال بشهر رمضان حدثا كبيرا، وقد وصف ابن بطوطة احتفال المصريين برؤية هلال رمضان في القرن الرابع عشر بقوله: "وعاداتهم أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم 29 لشعبان بدار القاضي.. فإذا تكالبوا هناك ركبوا جميعا وتبعهم جميع الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلي موضع مرتفع (كان جبل المقطم في البداية) وهو مرتقب الهلال عندهم فيرقبون الهلال ثم يعودون بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والفوانيس والمشاعل". وكان اشتعال القناديل في رمضان علامة على جواز الأكل والشرب، فإذا أطفئت قبيل مطلع الفجر وجب الإمساك عن الطعام. وكانت هناك سوق خاصة للشموع تسمى سوق الشماعين تباع فيها شموع المواكب التي تزن الواحدة منها عشرة أرطال، والشموع الضخمة التي تستخدم في موكب صلاة التراويح ويبلغ وزن الواحدة منها حوالي القنطار! وكانت حوانيت تلك السوق تفتح في رمضان حتى منتصف الليل، فتتلألأ السوق كلها بنور باهر في ليل القاهرة، ويقصدها الناس للنزهة والتجوال. لكن تلك الأضواء الساطعة لم تخف عن الرحالة الأجانب حينذاك أن في القاهرة ما بين خمسين ألفا إلي مائة ألف شخص، يعبرون الطرقات ليل نهار، فقراء وشبه عرايا.

وفي حينه وصف السراج الوراق (1218-1295) وهو شاعر وراق حالة أولاده البائسة على العيد بقصيدة قال في مطلعها:

(قد أقبل العيد وما عندهم.. قمح ولا خبز ولا فطره – فارحمهم إن عاينوا كعكة.. في يد طفل أو رأوا تمرة – تشخص أبصارهم نحوها.. بشهقة تتبعها زفرة).

وبالرغم من حلاوة ومرارة عهود سلاطين المماليك، وما شهده من لحظات رخاء تعقبها المجاعات والأوبئة، ظل أهل مصر "ذوو طرب وسرور ولهو" يجتازون بالتهكم كل محنة ويسخرون من كل "حمص أخضر" وينفخون في خيالاتهم التي أمر السلطان جقمق بإحراقها لأنها اشتملت على عبارات غير مهذبة!

مسرح الدمى في سوريا(8)

 مسرح الدمى في سوريا

أقدم الإشارات إلى وجود فن الدمى في سوريا (على شكل مسرح الظل) وردت في مخطوطة (مؤرخة سنة 1308م.) لشمس الدين محمد بن ابراهيم الدمشقي، حيث ورد خبر عن مقتل شاب، و حمله قبل وفاته إلى دار الوالي، "فسأله عن قاتله، قال: قتلني محمد بن المخايل الذهبي. (...) والقاتل يدخل مع أبيه في عمل الخيالات...". و الجدير بالذكر أن الشاعر المعروف أبو العلاء المعري (973–1057م.) استشهد شعراً بخيال الظل من دون ذكر تفاصيل أو وقائع. لذلك، يعتقد أن هذا الفن كان معروفاً منذ القدم أي منذ العصر الذهبي لسوريا كمركز للثقافة العربية والإسلامية في القرنين السابع والثامن ميلادي.

في عام 1516 احتل السلطان العثماني سليم الأول بلاد الشام، واستمر الاحتلال العثماني أربعة قرون تميزت بالتراجع الفكري والحضاري والعلمي بالتزامن مع إزدهار و نهضة للفنون الشعبية و أشكال التعبير الفولكلورية و فنون العرض، و أبرزها خيال الظل الذي برز فيه بشكل واضح التأثير التركي العثماني، و خاصة من خلال شخصية كراكوز الناطق باللهجة السورية للغة العربية.

لكن كراكوز هنا تحول من شخصية الرجل التركي إلى شخصية عربية سورية بامتياز. فقد كان خيال الظل الكراكوزي مسرحاً انتقادياً إجتماعياً سياسياً معاصراً بكل معنى الكلمة، و كان له تأثيراً كبيراً في نفوس العامة. فقد كان يستمد موضوعاته من الأوضاع المحلية و كان مواكباً للأحداث اليومية المعاشة، مما جعله متنفساً للتعبير عن كره الناس للظلم و معارضة النظام القائم.

من أقدم الإشارات إلى شخصية كراكوز السوري الناطق بالعربية وصْف الكسندر راسّل Alexander Russel مشاهدته لعرض خيال ظل في حلب في كتابه The Nature History of Aleppo الصادر للمرة الأولى سنة 1756: "يتكون عرض الدمى من ظلال على غرار الظلال الصينية، (...) يقود العملية كلها بمهارة فائقة شخص واحد، مغيرا صوته ومقلدا اللهجات الريفية أو الصفات الأخرى لأشخاص المسرحية " .

كانت الدمى تصنع من جلد الحمار المخرم حجمها حوالي عشرون سنتيمتراً، وتتحرك بواسطة عصي أفقية، وكانت العروض تجري في المقاهي القديمة حيث تنصب في زاوية المقهى "خيمة كراكوز" وهي عبارة عن شاشة يجلس خلفها اللاعب ويحرك شخوصه مستعيناً بقنديل يعمل على الزيت.

لاقى مسرح الظل ازدهاراً و انتشاراً لا مثيل له في القرن التاسع عشر. ومن الملفت أنه في شهر رمضان (شهر الصوم عند المسلمين) كانت تقام مبارايات في المدن السورية الكبرى يشارك فيها مخايلون من بيروت و طرابلس و حلب و دمشق و طرطوس، وهذا يعني أن سوريا عرفت منذ ذلك الوقت ما نعرفه اليوم "بمهرجان الدمى". و يكاد لا يقام عرس أو حفل ختان، أو غيرهما من المناسبات العامة و الخاصة، من دون العروض الظلية المحببة.

في نهاية الحرب العالمية الأولى و بعد انكسار الدولة العثمانية وقعت سوريا تحت سيطرة الانتداب الفرنسي. في ذلك الوقت كان لأعلام خيال الظل دوراُ بارزاً في التحريض على المقاومة. و في عام 1946 و بمناسبة نيل سوريا استقلالها و جلاء الإستعمار عنها أقيم حفل في النادي العربي في دمشق، شارك فيه المخايل المعروف، وريث مهنة المخايلة أباً عن جد "صالح حبيب".

من أشهر رواد فن خيال الظل في سوريا، آل حبيب الذين اشتهروا على مدى قرن و نصف القرن، ابتداءاً من أوائل القرن التاسع عشر. و عُرف في حلب الحاج مصطفى سرور ومحمد مرعي الدباغ ومحمد الشيخ(الذي نشر شريف خزندار أحدى مسرحياته باللغة الفرنسية). في حمص: أبو الخير السباعي. و في اللاذقية: الحاج حسن اللاذقاني الذي توفي في العقد الخامس من القرن العشرين عن عمر يناهز ال110 أعوام. أما سليمان أبو عبد اللطيف المعماري فكان من أشهر مخايلي الساحل السوري في النصف الأول من القرن العشرين.

يُذكَر أن آخر مخايل في سوريا كان "عبد الرزاق الذهبي" الذي تعلم مهنة المخايلة من "صالح حبيب"، و يُنسَب للذهبي فصل ظلي بعنوان "حمارة و جورة"، و الذي نـُشِر في مجلة "الحياة المسرحية" في دمشق عام 1982 . توفي عام 1992.

من الأسماء البارزة في هذا المجال حسين حجازي الذي جمع عدداً من نصوص الظليات في الساحل السوري ونشرها عام (...) ومنير كيال الذي جمع نصوصاً من دمشق وحلب ونشرها عام 1995 .

في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، بعد إعلان الوحدة بين سوريا و مصر استقدمت وزارة الثقافة "للجمهورية العربية المتحدة" ثلاثة من الخبراء اليوغسلاف بإدارة بوجو كوكوليا، المخرج المختص بفن الدمى لتأسيس النواة الأولى لمسرح الدمى في دمشق (على غرار قرار الوزارة نفسها تأسيس مسرح للدمى في مصر) . وقدم هذا الفريق عدداً من المسرحيات خلال العام 1960 من إخراج كوكوليا نفسه.

في العام 1962 قدمت الفرقة مسرحية "ساحر الغابات" لجان ماليك من إخراج كوكوليا و عبد اللطيف فتحي الذي تولى إدارة "مسرح العرائس" حتى 1965، و أخرج له 6 مسرحيات.

قدم المسرح عدداً كبيراً من المسرحيات المتنوعة واعتمد في مواضيعه على النصوص المحلية والمقتبسة والمترجمة و استخدم أساليب متنوعة في تقنيات مسرح الدمى: دمى القفاز والعصي والخيوط والأقنعة وغيرها. توالى على إدارة "مسرح العرائس" كل من عبد اللطيف فتحي، فاطمة الزين، يوسف حرب، عرفان عبد النافع، سلوى الجابري و عدنان سلوم المدير الحالي. و من أبرز الفنانين السوريين الذين عملوا في المسرح الممثل و المخرج ياسين بقوش و أحمد الجيجكلي، و الملفت أن معظم أعمال "مسرح العرائس" في بداياته كانت تـُُقدّم مع عزف موسيقي حي، بمشاركة عازفة البيانو سويم اسماعيل.

ساهم عدد من الخبراء الأجانب من يوغوسلافيا و تشيكوسلوفاكيا ورومانيا بإدخال التقنيات الفنية المختلفة على عروض المسرح، من إخراج و تصميم و تصنيع الديكور و الدمى. منهم جوليان ماركوفينا، أوسكار باتيك، كونستانتين بريخنسكو، ميرشا نيكولاو، والمخرجة الرومانية دورينا تاناسيسكو.

سجل التلفزيون العربي السوري معظم مسرحيات مسرح العرائس. يعمل "مسرح الدمى" التابع لوزارة الثقافة في دمشق حالياً تحت إشراف المخرج عدنان سلوم، وهو المسرح الوحيد الذي ينتج عروضاً محترفةً للدمى في سوريا.

أما مسرح الظل التقليدي فقد انقرض مع بروز أمل صغير يتمثل في الفنان الشاب زكي كورديلو الذي تعلم حرفة مسرح الظل على يد "عبد الرزاق الذهبي" آخر الفنانين التقليديين (توفي عام 1993) الذي أعطاه مجموعة كبيرة للدمى يتجاوز عمرها 150عاماً . يقدم كوريللو حالياً أعمالاً من خيال الظل ضمن إطار "مسرح الدمى" في دمشق.

خيـــــــــــال الظـــــــــــــــل(9)

لغةً: الخيال ما تشّبه لك فى اليقظة والحلم من صورة.

واصطلاحاً: خيال الظل لون من الفن التمثيلى الشعبى.

ويقوم هذا الفن على تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صُممت بحيث تظهر على الشاشة نقوشها وألوانها.

وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية، وبين الشعر والسجع، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص بـ "المخايل " أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق ". وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية الهامة كمقتل طومان باى، وفتح السودان.

وترجع أصول هذا الفن غالبا إلى الهند أو الصين، وربما جاء إلينا عبر المغول، وقد استمر هذا الفن معروفا فى البلاد العربية إلى أوائل القرن العشرين، وكانت تمثيليات خيال الظل تمثل فى قصور الحكام والكبراء، أو فى بيوت خاصة بها يرتادها الجمهور، كما هو الحال فى المسارح ودور الخيالة اليوم.

ولعل أهم من ألف بابات خيال الظل هو "ابن دانيال " الكحال المشهور فى عصر الظاهر بيبرس، وهو عراقى الأصل، لكنه انتقل إلى مصر واستقر بها، والواقع أن "خيال الظل"، يمثل خطوة رائدة لمسرح العرائس وفن الخيال كليهما.

المراجع

1- خيال الظل لأحمد باشا تيمور، ط دار المعارف.

2- المسرح المصرى المعاصر: أصله وبداياته لعبد المعطى شعراوى. الهينة المصرية العامة للكتاب 1986 م.

3- المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها لعمر الدسوقى. ط 2 مكتبة الأنجلو القاهرة.

المسرح العربى فى مصر(10)

بدايات المسرح في مصر

لقد ظهر في مصر نوعان من الفنون الشعبية المسرحية :

أولاً: التشخيص المرتجل:

القائم على النص الشفهي غير المكتوب الذي يردده بعض الممثلين المحترفين ومن فوق مسارح متنقلة أو ثابتة، وعرف هذا النوع في مصر خلال القرن الثامن عشر ولقد سجل الرحالة الأجانب والمستشرقون خلال زياراتهم إلى مصر فلقد شاهدوا العروض الشخصية المرتجلة في البيئات الشعبية مثل الرحالة الإيطالي (بلزوني) الذي وصف هذه العروض في كتابه (قصة العمليات والإكتشافات الأخيرة في مصر وبلاد النوبة) ولقد ذكرها المستشرق الإنجليزي (ادوارد) في كتابه (المصريون المحدثون... شمائلهم وعاداتهم).

كانت هذه الفرق المتجولة تقيم عروضها التمثيلية في مدن مصر وقراها وذلك لتحيي مناسبات عامة أو خاصة وكانت تقيم مسارحها التي تشبهه السيرك في أماكن ثابتة وغير ثابتة وكانت تعتمد على الممثلين المحترفين.

ثانياً مسرح خيال الظل:

ويحكي في صوره أحداث وأو أفعال ولقد أثر هذا الفن (خيال الظل) في المسرح العربي الحديث بشكل واضح ولكن لسوء الحظ لم يعرف بالضبط تاريخ دخول فن خيال الظل إلى مصر لكن من المتفق عليه أنه كان معروفاً أثناء حكم الفاطميين لمصر حيث صار هذا الفن التمثيلي البسيط فناً شعبياً عامياً يعرض في المناسبات الدينية والاجتماعية رغم اتفاق الآراء أنه نشأ أولاً في قصور الحكام والطبقة الأرستقراطية من أجل الترفيه عن الأغنياء وتسليتهم.

كانت الشخوص تصنع من الورق المقوى أوالجلد أما الذين يحركون هذه الشخوص فكان يطلق عليهم (المخايلون) وكان المخايل يقلد الأصوات المختلفة سواء كانت أصوات نسائية أو أصوات رجال أو أطفال وهو في ذلك يستغل طبقات صوته، وكانت عروض خيال الظل تمثيليات بسيطة تتناول الحروب الصليبية في المشرق العربي مثل تمثيلية (حرب العجل) ولقد شاع فن خيال الظل التمثيلي واكتسب شعبية هامة ثم انتقل إلى بقية الأقطار الإسلامية كما انتقل بعد ذلك إلى غرب أوروبا. ذلك لأن الإغريق والرومان لم تكن لهم معرفة بهذا الفن التمثيلي الشعبي البسيط .

ظل هذا الفن معروفاً في مصر حتى الرابع عشر الهجري (أواخر الثامن عشر الميلادي) فكان يعرض في الأعراس وتسلية رواد المقاهي. ولم تضعف شعبية خيال الظل إلا عندما اخترع الأوروبيون الرسوم المتحركة .

وصف خيال الظل

كان هذا المسرح أشبه بالخيمة الكبيرة الواسعة وكان الدخول مجانياً قبل بدء العرض ولكن بعد عرض جزء من التمثيلية كان يخرج أحد المخايلين يخرج لييجمع بعض القطع النقدية من الجمهور كلاً حسب طاقته، وكانت منصة المسرح في الجزء المغلق من الخيمة وكان المسرح به شاشة بيضاء ناصعة مثبت ورائها مصباح كبير من مصابيح الزيت وكانت تتحرك بين الشاشة والمصباح الرسوم الجلدية أو الورقية (الشخوص) وكانت تتحرك على أسياخ حديدية ويظهر خيالها (ظلها) مكبراً أمام الجمهور، ولقد خصص اثنان من المخايلين لتحريك الشخوص على هذه الأسياخ ويعاونهما في ذلك اثنان آخران ويتبادل الأربعة الإنشاد والحديث. ولم تكن هناك امرأة ممثلة .

ولقد تخصص بعض الممثلين في تمثيل عروض خيال الظل وكان يطلق عليهم (المخايلون) أما كبيرهم فيسمى (الريس) أو (المعلم) ومهمته ربط سياق الأحداث وضبط حركة المخايلين كما كانت من مهامه الإعلان عن بداية التمثيلية ونهايتها، من جهة أخرى تخصص بعض المؤلفين لكتابة تمثيليات خيال الظل وكان أشهرهم (الشيخ مسعود) و(علي النحلة) في العصور الوسطى ولكن أشهر من كتب تمثيليات خيال الظل هو (ابن دانيال الكحال الموصلي) الذي أطلق على تمثيلياته اسم (بابات) فكان تسجيل هذه الأعمال هي البداية الحقيقية لهذا المسرح الشعبي غير المباشر.

لقد تميزت هذه التمثيليات بالزجل والسجع أما الشخوص فكانت لبسطاء الناس من أصحاب الحرف والطوائف مثل السقاة والنحاسين، لقد استطاع فن خيال الظل أن يصور البيئات الشرقية ويعبر عن ملامح العصر وعن مشاعر البسطاء وآمالهم وآلامهم ولهذا يرى البعض أن هذه الصور الفكاهية أحد المؤثرات التي أثرت على المسرحيات الكوميدية في العصر الحديث فالزوجة المشاكسة والزوج الضعيف والحماة سليطة اللسان قد ظهرت في عروض خيال الظل قبل أن تظهر في المسرح العربي في بداية القرن العشرين عند (نجيب الريحاني) و (علي الكسار).

لم يصلنا الكثير عن هذا الأدب التمثيلي، فقد وصلنا فقط ثلاث تمثيليات (لابن دانيال الموصلي)، الأمر الذي يجعل لدينا مسرح له شخصية مستقلة أصيلة. إذن كان التمثيل المرتجل وتمثيليات خيال الظل يمثلان ظواهر درامية تعكس غريزة التقليد والمحاكاة عند الإنسان ولكنهما لا يمتان بصلة إلى المسرح بمعناه الصحيح.

قدوم المسرح إلى مصر

قدم المسرح إلى مصر أول ما قدم مع الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م بقيادة نابليون بونابرت، فتكونت فرقة "الكوميدي فرانسيز" الكوميدية. والقائد الثالث (مينو) هو أول من أقام مسرح كبناء هو مسرح "الجمهوري والفنون" عام 1799م. ولهذا يعتبر هذا المسرح له أهمية في الذاكرة لكونه أول مسرح في الشرق الأوسط، إلا أنه قوبل بالرفض لأن لغته فرنسية والممثلين فرنسيين والجو فرنسي أضف إلى ذلك المعارضة الدينية ولذا فلم يؤثر كثيراً في الحياة الفنية في مصر.

وفي عام 1869م أقام الخديوي إسماعيل أول أوبرا في مصر وذلك لاستقبال أمراء أوروبا الذين يشاركون في افتتاح قناة السويس، وأول أوبرا عرضت هي أوبرا عايدة التي ألفها عالم الآثار الفرنسي (مارييت باشا) وقد استوحى هذه الأوبرا من التاريخ الفرعوني القديم، ولكن هذه المسرحية الغنائية لم تقدم في حفل الافتتاح لأسباب فنية فقدمت بدلاً منها أوبرا "روجوليتو" وفي العام التالي عرضت أوبرا "عايدة" وحازت على إعجاب الطبقة المثقفة في ذلك الوقت، وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ظهر (يعقوب صنوع) وبظهوره نستطيع أن نقول أن الحياة المسرحية في مصر قد خطت أولى خطواتها فقد كان ملماً بأكثر من لغة أجنبية ومن أهمها الإيطالية والفرنسية وقد أرسله الخديوي سعيد إلى إيطاليا لكي يدرس المسرح وهناك في إيطاليا عمل ممثلاً محترفاً في الفرق الأجنبية وبعض الفرق الإيطالية وبعدها عاد إلى مصر وأسس المسرح المصري.

إبن دانيال الموصلي مؤسس مسرح خيال الظل(11)

ولد شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعي في مدينة الموصل عام 646هـ وتلقى علومه الدينية والأدبية فيها حيث كانت في هذا العصر من مراكز الثقافة العربية ولكن في سنة 1262م -665ه اجتاحت جيوش التتار مدينة الموصل واكثروا فيها الفساد فاضطر كثير من أهلها إلى الهجرة منها وولوا وجوههم إلى مصر البلد الذي وقف في وجه التتار وهزمهم هزيمة منكرة في موقعة عين جالوت فدخل ابن دانيال القاهرة عام 1267م-665هـ وأكمل دراسته الدينية والأدبية والطبية في مدارسها ولاسيما على يد شيخه معين الدولة الفهري المصري المتوفي عام 685هـ. احترف ابن دانيال مهنة الطب (طب العيون) وعرف بالكحال واتخذ له مكاناً في القاهرة في منطقة باب الفتوح لاستقبال مرضاه كما التقى بمصر بالشعراء المتحامقين فعرف مذهبهم وسلك طريقهم وأصبح من الفكهين وساعده على ذلك حاضر ذهنه وسرعة بديهته وأخذ عن المصريين طريقتهم في إرسال النكت الساخرة المقذعة ولم يترك أقرب الناس إليه من توجيه النكت والدعابة حتى خشي الناس لسانه وتروى له في ذلك قصص تدل على براعته في الفكاهة من ذلك ما رواه فتح الدين بن سيد الناس قال: كان الحكيم شمس الدين ابن دانيال له دكان كحل داخل باب الفتوح فاجتزت عليه انا وجماعة من أصحابه فرأينا عليه زحمة من يكحله فقالوا تعالوا أتحايل عليه فقال لهم لاتخسروا معه فقالوا له يا حكيم نحتاج إلى عصيات يعنون أن الذي يكحلهم يعمون ويحتاجون إلى العصا فقال رداً عليهم لا إلا من كان فيكم من يقود الله!!

ويذكر المؤرخون أنه لم يكن على وفاق مع زوجته فلم تفهمه ولم يفهما ولذلك كثر النزاع بينهما وأولى بهما الأمر إلى القضاء فأنصف القاضي الزوجة فكانت الطامة الكبرى التي وقعت على القاضي لان ابن دانيال لم يتركه بل ناله بلسانه بقصيدة منها قوله:

قل لقاضي الفسوق والأدبار   عضد البله عمدة الفجار

والذي قد غدا سفينة جهل   وله من قرونه كالصواري

بك أشكو من زوجة صيرتني   غائباً بين سائر الحضار

غبت حتى لوا انهم صفعوني   قلت بالله كفوا عن صقع جاري (2)

ويظهر أن سوء حالته المادية كانت السبب الأول في كثرة خصامه مع زوجته إذ كان دائماً يشكو الفقر والأفلاس فهو يقول:

أصبحت أفقر من يروح ويفتدي    مافي يدي من فاقة الأيدي

في منزل لم يحوي غيري قاعداً    فإذا رقدت رقدت غير مدد(3)

ولكن لم يلبث ابن دانيال على هذه الحالة مدة طويلة إذا اشتهر بين الناس وسعى إلى التعرف به كبار رجال الدولة وانعموا عليه بالهبات والصلات حتى تحسنت حاله فاتخذوه نديماً يطرفهم بفكاهاته ونكاته وشعره التخابثي وربما صادقوه خوفاً من لسانه افمن فكاهاته مع الأمراء ان السلطان الأشرف خليل بن قلاوون أهداه فرساً ليركبه إذا صعد إلى القلعة للخدمة ولم يكن الفرس ما يريده ابن دانيال فركب حماراً اعرج وصعد به الى القلعة فلما رآه السلطان قال له يا حكيم أما أعطيناك فرساً لتركبه؟ فأجابه ابن دانيال نعم ياخوند بعته وزدت عليه واشتريت هذا الحمار فضحك السلطان ووهبه فرساً آخر.

وأصبح لابن دانيال راتباً من الديوان من لحم وعليق وهكذا حسنت أحواله المادية بعد أن قاس الحرمان مدة طويلة.

ويذكر بعض السكان الثقاة كابن حجة الحموي في (ثمرات الأوراق) وعلاء الدين البهائي في (مطالع البذور) (4): أن صلاح الدين الأيوبي ووزيره القاضي الفاضل كانا يشاهدان خيال الظل، وقد ذكر ابن أياس الجركسي في (بدائع الزهور) أن السلطان أبا السعادات كان يطرب كثيراً بفكاهاته في حفلات المولد النبوي الشريف وقد بلغ الهوس عند بعض الملوك أن حملوه معهم إلى الحج.

إلا أن السلطان جقمق أمر بإحراق أشكال تمثيليات خيال الظل كما ذكر ابن أياس في بدائع الزهور (ج2 ص 347).

كما أن السلطان سليم (السلطان العثماني) اهتم بتمثيليات خيال الظل حتى أنه أخذ معه أحد الممثلين إلى اسطنبول لتمتيع ابنه الذي صار سلطاناً بعده وعرف بالسلطان سليمان الأعظم(5).

وقد وجدت في مصر مخطوطات في فن تمثيل خيال الظل ترجع إلى عهد قديم مؤلفها (محمد بن دانيال الموصلي) المتوفي عام 1311م وهو طبيب عيون كما ذكرنا وكان يعيش في زمن السلطان الظاهر بيبر(6).

ابن دانيال الموصلي المؤسس الحقيقي لمسرح خيال الظل فلم يسبقه في هذا المجال أحد وهو إبداع متفرد سار على هديه العديد من الذين أتوا بعده حيث لاتوجد أشكال تمثيلية ترجع إلى قبل تاريخ ابن دانيال الموصلي في أي بلد آخر لذلك فإنها الأولى من نوعها في العالم أجمع.

وخيال الظل نوع من التمثيليات يكون بإلقاء خيالات على ستار يشاهده المتفرجون.

فيجد فيها لمثقفون والمتفرجون تسلية كما يجد فيه لبسطاء وسيلة للترفيه.

يعد خيال الظل نوعاً من تمثيليات العرائس التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام الأول المعروف باسم الماريونيت وهي عرائس تحركها الأيدي وتمثل أشخاصاً وحيوانات من أعلى بحيث لاترى المحرك، والنوع الثاني عرائس تطل على المتفرج بينما الشخص المحرك لها يكون مختفياً من الاسفل, والفرع الثالث هو خيال الظل حديث تظهر فقط اشباح العرائس وتحركاتهم من وراء ستار، وفي تعارض هذه العرائس بين الحقيقة والخيال صارت هذه الأنواع من التمثيليات موضعاً للترفيه.

وهناك الأراجوز الذي يختلف عن خيال الظل فهو تمثال صغير لرجل أو حيوان تمثل على مسرح صغير يحركه شخص خفي وهو الذي يلقي الحوار (7) وتختلف عرائس الماريونيت عن الأراجوز فالماريونيت تتحرك بخيوط أو أسلاك من أعلى أما الأراجوز فهي التي يحركها شخص تختفي يداه تحت الملابس، وعرف الأراجوز منذ القدم في اليونان وعرف في أوربا نهاية القرن 16 وأقبل عليه الجمهور وأشار إليه شكسبير وشوسر وهايدله وبن جونسون.

كتب ابن دانيال الموصلي ثلاث تمثيليات وقد كتبها شعراً ونثراً منظوماً وأوضح فيها طريقة الإخراج ان تصف المقدمة الإدارة والتمثيل مما يعطي تأكيداً على عبقرية ابن دانيال وموهبته فهو فضلاً عن كونه الكاتب فإنه كذلك المخرج ومدير المسرح وهي أمور لم يسبقه فيها أحد.

التمثيليات الثلاث التي ألفها ابن دانيال هي:

1-طيف الخيال، 2-عجيب وغريب، 3-المتيم.

وقد أطلق عليها تسمية بابات نشرت تمثيليات (بابات) ابن دانيال للمرة الأولى في المانيا عام 1925 م من قبل جورج جاكوب ضمن كتاب (تاريخ مسرح خيال الظل في الشرق والغرب) حيث يوضح جاكوب بأن ابن دانيال أعظم شاعر ممتع في اللغة العربية (8) وهو مصيب في رأيه لأن ابن دانيال حقيقة عالم أديب مثقف بارع بلغ الغاية فيما كتب وفيه من الفكاهة والمسرح مالا نظير له في الأدب الغربي وعمله هذا بلا شك له أهمية عظمى في فهم المدينة الإسلامية في القرون الوسطى ففي متون هذه التمثيليات (بابات) نثر فني مسجوع يذكرنا بمقامات الحريري وقد أشار إليها ابن دانيال في عدة مواضع، وقد عثر على هذه المخطوطات ضمن خزانة الاسكوريال الاسبانية مع نسخة منها في خزانة أسطنبول أما النسخة الثالثة فقد عثر عليها في خزانة القاهرة ويتضح منها أنها كتبت أو نسخت بعد موت المؤلف بثلاثمائة عام (9).

أما أول من ترجمها وحققها ونقلها إلى العربية فهو السيد محمد تقي الدين الهلالي وصدرت في بغداد عام 1948 وكما أوضحنا آنفاً.

كتب ابن دانيال معظم تمثيلياته الفصحى سواء ذلك في السجع أو الشعر ويوجد في تضاعيفها عدد من الموشحات والأزجال والموالي والدوبيت وأشعار الأطفال والأخيرة باللهجة العامية المصرية. والتمثيليات الثلاث المذكورة أعلاه يثبت فيها أن الروح الفنية متقدمة والموضوع متماسك وخير مانراه في ابن دانيال وصفه للأطباء ورجال الحرف، أولى هذه التمثيليات (بابات) هي طيف الخيال التي تعطي صورة رائعة عن الحياة السياسية في مصر فضلاًً عن الحياة الثقافية في زمن السلطان الظاهر بيبرس.

والتمثيلية الثانية فهي عجيب وغريب وهي توضح لنا صوراً كثيرة لسوق يدخل الممثلون لها واحداً بعد الآخر ويعرضون لمسرح عظيم لبضائعهم وهي أكثر التمثيليات التي اشتهرت وعرفت في أوربا.

والتمثيلية الثالثة (المتيم) وهي تتعلق بعشق والمتيم لليتيم وقد اشتملت على أشياء ممتعة منها تحريش الديوك على القتال نطاح الكباش والثيران بقصد التسلية والترويح عن النفس. وتمثيلية (المتيم) تختلف عن التمثيليتين السابقتين اختلافاً واضحاً إن اتفقت معها في الأسلوب ففيها نقرأ شيئاً عن الحب وحيل المحبين لكن ليس عند الذي نجده في قيس وليلى وجميل وبثينة وكثير عزة. بل هو شعر قصد منه إلى جانب التمثيل والغناء اللهو والمرح فهو شعر غنائي تمثيلي هزلي وضع لمسرح خاص، وهو بذلك سبق الآخرين بقرون للمسرح الغنائي فضلاً عن ريادته لمسرح خيال الظل.

الهوامش:

1-جاء في الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال أن إبن دنيال (مصري) وهو أمر غير صحيح فكل المصادر تشير إلى أنه ولد في الموصل ونشأ وترعرع فيها ثم نزح إلى القاهرة وعمره 19 عاماً، وأفضل دليل على ذلك ماذكره ابن أياس عندما عرض للحديث عن سنة 665هـ فابن دانيال يقول (لما قدمت من الموصل، إلى الديار المصرية في الدولة الظاهرية... الخ) وهو أمر لايقبل الشك.

2-ديوان أبن دانيال الموصلي شرج وتحقيق محمد نايف الدليمي ص85.

3-المصدر أعلاه ص90

4-أنظر مطالع البدور ص78 من المجلد الأول وكذلك كتاب (تاريخ مسرح الظل في الشرق والغرب) لجاكوب ص55.

5-أنظر ثلاث مسرحيات عربية مثلت في القرون الوسطى- ترجمها عن الإنكليزية محمد تقي الدين الهلالي، بغداد، 1984، ص4.

6-المصدر أعلاه ص5

7-الموسوعة العربية الميسرة، ص108.

8-انظر ثلاث مسرحيات أعلاه نقلاً عن كتاب (تاريخ مسرح الظل)، أعلاه، أنظر تاريخ الموصل، سعيد الديوه جي، ط1،ص446.

9-المصدر أعلاه ص9

المصادر:

1-الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال القاهرة، 1965،ط1.

2-ديوان ابن دانيال الموصلي شرح وتحقيق محمد نايف الدليمي، الموصل، 1985

3-ثلاث مسرحيات عربية مثلت في القرون الوسطى، ترجمة محمد تقي الدين الهلالي، مطبعة الاعتماد، بغداد، 1948.

4-تاريخ مسرح الظل في الشرق والغرب، جورج جاكوب المانيا 1925

5-تاريخ الموصل، سعيد الديوه جي، ط1 منشورات المجمع العلمي العراقي بغداد، ج1 1982.

أول نص عن خيال الظل التركي يترجم الى اللغة العربية(12)

حسب رأي جورج جاكوب، انتقل (خيال الظل) من الصينين إلى المغول ومنهم إلى الترك. وكان أتراك آسيا الوسطى يطلقون اسم (قاروجاق) على هذا النمط من الفن،وذلك لاعتماده على دمى متحركة بواسطة اليد او بخيوط مربوطة بالدمى خلف ستارة بيضاء مضاءة من الخلف. ولا يزال التركمان في العراق يسمون الدمية بـ (قاورجاغ). ويؤكد المؤرخ نفسه أن (خيال الظل) وصل إلى كل منطقة وصل إليها الترك عن طريق الهجرات المتلاحقة لهم. ويذكر أيضا أن الأمير الأتابكي التركماني مظفرالدين كوكبوري كان ينظم عروضا لخيال الظل في قصره إضافة إلى عروض للعامة طوال شهر رمضان في أربيل عاصمة الدولة الأتابكية.

ثمة روايات عديدة حول خيال الظل، حيث يذكر الرحالة التركي المعروف (أوليا جلبي 1611- 1682)، أن قره كوز (أحد الشخوص الرئيسية في عروض خيال الظل) كان يعمل حدادا وزميله حاجيواد (الشخصية الرئيسية الثانية في تلك العروض) يعمل بناء. وكانا يعملان معا في بناء أحد الجوامع بمدينة (بورصة) في عهد السلطان اورخان (1324 ـ 1362) ويمتازان بالظرف،ويتبادلان بينهما حوارا فكاهيا، يلفت انتباه بقية العاملين الذين كانوا يتوقفون عن العمل خلال الجو المرح الذي يشيعه قره كوز وحاجيواد،مما أدى إلى تأخر بناء الجامع عن الموعد المقرر.عندما علم السلطان بالسبب حكم عليهما بالموت ليكونا عبرة للآخرين. لكن السلطان سرعان ما شعر بندم شديد فيما بعد. وبهدف التسرية عن السلطان قام نديمه الشيخ (كوشتري) بصنع دمى من الجلد لقره كوز وحاجيواد،مقلدا حوارهما الفكه.

( طيران )

قره كوز: (قره) في اللغة التركية يعني أسود، و(كوز) يعني العين، وبذلك فالعبارة لغويا تعني (العين السوداء). هو في النصوص رجل أمي. يتحدث باللهجة الشعبية. لا يفقه التعابير والألفاظ الأجنبية، يتظاهر بعدم فهم التعابير الشائعة.يقابل التعابير الأجنبية بتعابير مترادفة ترمز إلى معان أخرى لإثارة الضحك. يمتاز بالفضول. يهب عند كل جلبة في الحي ليعرف مصدرها وسببها.يشارك في الحوار في الفترات التي لا يغادر فيها منزله من نافذة بيته. لا يتوانى من إظهار ما يبطنه ويتعرض من جراء ذلك إلى مواقف صعبة. لا يفقد مرحه حتى في أصعب المواقف. عاطل عن العمل في أغلب الأوقات. يعمل ذوو السلطة للنيل منه لكنه يتمكن التخلص منهم دائما. يعتبره الرحالة أوليا جلبي في كتابه (سياحتنامه) أشهر عياري عصره.

حاجيواد: شخصية على العكس تماما من شخصية زميله قره كوز، متعلم، له إلمام يسير بالرياضيات والاقتصاد والإحصاء والنحو إضافة إلى الأدب، انتهازي، يضع مصلحته الشخصية في المقدمة دائما، لا يقاوم النظام السائد ولا ينتقده. يتصرف وفق ما تتطلبه المواقف والظروف.

 الشخصيات: قره كوز - حاجيواد

حاجيواد:

قره كوز، أنت لست حلو المعشر.

قره كوز:

أما أنت فثرثار، مهذار (يصفعه على قفاه) (يبتعد عنه حاجيواد ثم يعود أدراجه)

حاجيواد:

ألا تود الاستماع لي؟

قره كوز:

وماذا أسمع منك أنت؟ تردد كل يوم نفس الموال.

حاجيواد:

لقد أتيت للحديث إليك.

قره كوز:

هل أعلمك شيئا من مهاراتي؟

حاجيواد:

مثل ماذا؟

قره كوز:

مثل ماذا؟ مثل صنع السلال.

حاجيواد:

يا لك من غجري!..وهل تعتقد أن صنع السلال حرفتي؟ لقد أتيت للحديث معك.

قره كوز:

لكنني لست على ما يرام.

حاجيواد:

خيرا.. مابك؟

قره كوز:

حلت بي كل ما تتخيله من مصائب..فقد تشاجرت أمس مع أختي من جديد. إنها على وشك الزواج من (ايبو)، وهي تريد مني زنارا تتزين به يوم الزفاف.

حاجيواد:

ثم؟

قره كوز:

في هذه الأيام لا أملك قرشا اسود.

حاجيواد:

ثم؟

قره كوز:

انطلقت من السأم كالسهم من البيت لا ألوي على شيء..بدأت أتجول دون هدف هنا وهناك، إلى ان وصلت إلى ساحة (أوق ميدانى).

حاجيواد:

ثم؟

قره كوز:

أثار فضولي وجود رجل جالس في الساحة. كان يبدو على سحنته الغضب والانفعال وهو يدخن بشراهة.

حاجيواد:

ثم؟

قره كوز:

اصبر قليلا..أحسست لحظتها برغبة جامحة لا تقاوم في تدخين سيكارة. اقتربت من الرجل وبدأت بالثرثرة معه لأجد فرصة طلب سيكارة منه.

حاجيواد:

أحسنت!..مارس مهارتك في الحديث معه!

قره كوز:

عندما حانت الفرصة المناسبة، طلبت منه سيكارة. أعطاني واحدة، سحبت دخانها بعمق إلى رئتي مرة..مرتين..

حاجيواد:

اسحب المزيد..اسحب!

قره كوز:

بعد عدة أنفاس، هبت عاصفة قوية.

حاجيواد:

يا للهول!

قره كوز:

اقتلعتني العاصفة وطارت بي في الهواء.

حاجيواد:

تمسك بي!

قره كوز:

مستحيل.. قادتني العواصف وقذفت بي إلى حقول (بياله).

حاجيواد:

هل سقطت؟

قره كوز:

أجل سقطت، ولكن حمد لله لم اصب بأذى.. فجأة وجدت نفسي في البئر التي تتوسط الحقل.

حاجيواد:

اخرج..اخرج منها!

قره كوز:

وكيف لي ان أخرج.. حمدلله، كانت ثمة شجرة تين في البئر فتشبثت حتى العصر بأغصانها..وفجأة رأيت دلوا يتدلى إلى البئر، فكانت فرصة لي أن اجلس في الدلو.

حاجيواد:

أحسنت..أحسنت!

قره كوز:

صعدت مع الدلو إلى خارج البئر..لكنني سقطت في جدول الماء الذي كان يروي الحقل.

حاجيواد:

ثم؟

قره كوز:

وجدت نفسي في حقل مزروع بالملفوف (الكرنب).

حاجيواد:

هيا اهرب..حان الأوان!

قره كوز:

أردت الفرار ولكن هيهات.. فقد رأيت بالقرب مني البستاني وهو يحمل سكينة كبيرة يقطع بها قطع الملفوف.. كنت في موقف محرج، لو رآني الرجل فسيحسبني لصا..

حاجيواد:

وماذا فعلت؟

قره كوز:

وجدت بالقرب مني راس ملفوف ضخم، أخفيت نفسي بين أوراقه.

حاجيواد:

أواه يا أخي..وهل سعتك أوراقه؟

قره كوز:

بالتأكيد..استمع حتى النهاية..قطع البستاني رأس الملفوف الذي اختبأت بين أوراقه..وسرعان ما وضعني في سلة،وقام بنقلي إلى دكان بائع الخضار. هناك تم بيعي..ووجدت نفسي في بيت..

حاجيواد:

يا أخي ألم تجد فرصة للفرار؟

قره كوز:

لا تسلني يا أخي..فجأة وجدت نفسي داخل قدر فيه ماء يغلي.

حاجيواد:

ما أتعسك يا مسكين!

قره كوز:

فتحت عيني من الرعب وسط حرارة لا تطاق.. أتدري ماذا وجدت؟

حاجيواد:

ماذا وجدت؟

قره كوز:

تتذكر الرجل الذي أعطاني سيكارة؟

حاجيواد:

أجل

قره كوز:

لقد أعطاني اللعين سيكارة محشوة بالحشيش، وقد تركني عندما أدركني النوم..لم أفق إلا على ماء حار ينسكب  فوقي.. عندما فتحت عيني، وجدت حصانا أجرب يبول على رأسي!

حاجيواد:

لعنك الله..كل هذه القصة حصيلة سيكارة حشيش!

قره كوز(يصفعه على قفاه):

وماذا ظننت يا غبي؟ أمن المعقول أن يسقط المرء في دلو بئر، ويختبيء بين أوراق الملفوف!..على كل حال، اذهب أنت لحال سبيلك، وأذهب أنا إلى زاويتي لألقي نظرة على الكون.. (يذهب) إظلام

* هنالك 66 نصا مكتوبا لمسرح خيال الظل التركي (قره كوز ) في مراحل تاريخية مختلفة. وهذا النص هو أول نص يترجم من تلك النصوص إلى العربية.

........................................................................

المصادر/

1- الموسوعة العربية

 2- اذاعة الصين الدولية

 3- السيد نجم /ميدل ايست اونلاين

 4- سعد عبد المجيد / موقع اخبار العالم

 5- الأب سامي حلاّق اليسوعي/ جمعية التعليم المسيحية- حلب

 6- الدكتور احمد قتيبه يونس /   منتدى مسرحيون

 7 -د. أحمد الخميسي/ التجديد العربي

 8- د. وليد دكروب/ موقع خيال

 9- أ. د/ إبراهيم عوض/ المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية/ مصر

 10- كنانة اونلاين

 11- مثري العاني/ الصوت الاخر العراقية

 12- نصرت مردان/ مجلة الخشبة

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11 تشرين الاول/2007 -28/رمضان/1428