الفساد الثقافي

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: الثقافة على وجه العموم هي السلوكيات والتصرفات والعلائق الوشيجة وبما درج عليه مجتمع من المجتمعات باتباع تفاعلات خيّرة وبصورة عفوية ومسلمات بديهية غير مفتعلة.

كل هذا من قبيل ثقافة ذلك الشعب والصفة التي يتصف بها كأن يقال هذا الشعب مضياف او تعاوني او مسالم او متدين او معتدل او منفتح او عملي او منظّم، على ان كل تلك الصفات قد لا تتوفر في مجملها في شعب من الشعوب الا ان صفتين او ثلاث من هذه الصفات كافية كطريق الى التطور باتجاه الصفات الأخرى.

فان التعاون مع الآخرين وكسب مودتهم والخوف عليهم من المخاطر والتعاون في اوقات الشدة هي ذاتها المؤدية الى التسامح والتسامي واحترام الآخرين .. الاقارب والجيران وابناء المنطقة الواحدة ومن تجمعهم الروح الوطنية فان البذرة تؤدي الى الشجرة في آخر المطاف،

والشجرة هي مجموعة التصرفات الحسنة والطيبة بما يمنع الاضرار في الانسان او البيئة ومما قد يصدر الخير الى اوطان اخرى بنسق انساني نبيل او مصالح نظيفة على مسرى المصالح والتعاون المثمر لكل الاطراف.

لكننا وبكل اسف نشهد في العصر الحديث انتكاس مريع للخصائص الاجتماعية الخيّرة ونكوص ثقافي على شتى الاصعدة سواء في العلائق الاجتماعية او المؤسساتية فالفرد اضحى لا يتوانى من الحاق الضرر بالآخرين بصورة متصاعدة كلما ازداد التدافع والزحام على اسباب الحياة، حيث لا اهتمام حتى بالطرف الشخصي في صورته الواضحة امام الآخرين او من هم في معيته او اقاربه القريبين والابعدين.

الموظف الحكومي ترك المعايير الوظيفية الراسخة واخذ الامور بقدر ميلها الى منفعته المادية ثم اضاف اليها من عندياته طرق خبيثة للمكر والتزييف والمماطلة لتحصيل تلك المنافع غير المشروعة.

العوائل في نطاق السكن المتقارب تخلو من الروح التعاونية بل انها تمارس المباغضة والتحاسد وترويج الاقاويل.

الافراد الذين يسعون الى المزيد من الكسب يمارسون العنف وقوة السطوة والفهلوة والحيل والايقاع بالآخرين.

افراد كثيرون جدا في الآونة الاخيرة من عمر العراق تحولوا الى قرود مسلحة يجوبون الشوارع ليلا ونهارا بصفات سياسية او عصابات سلب ونهب متلبسين بلباس الاحزاب والقوى المتنوعة في الحلم العراقي المرعب.

بات اختطاف النساء والاطفال والرجال واخذ الفدية عليهم ومن ثم قتلهم من الامور التي تحصل باستمرار، وقطعا هذه العصابات والمتسيسين والمتمنطقين بالدين غالبا هم ينتمون الى عوائل ايضا، ونتساءل: ياترى ما هو موقف عوائلهم منهم اكانت تقول لهم .. عفارم .. سلمت اياديكم ؟.

كما كان دأبها في سنى الطفولة عندما يأتي الطفل بحاجة الغير مدعيا بانه وجدها على قارعة الطريق؟.

ثقافة الشطارة والفهلوة وموتك حياتي هي الثقافة التي يرتفع صوتها في آفاق المجتمع، صوت ساهم برفعه كثير من الجهات السياسية، وظل الصوت ذاته مرتفعا تحت حماية نفس الجهات الساندة للنكوص والارتكاس وسيظل مادام معضدا من قبل الفساد السياسي والتشويه الديني

وسيادة الخطاب غير المعتدل.

فاذا كانت لغة الحياة التي ارادها الله سبحانه وتعالى هي الاعتدال كما يقول الامام السيد محمد الشيرازي فاننا بهذا الخطاب المنعكس من الجاهلية نكون قد الغينا فحوى الرسالة المحمدية فضلا عن كل الرسالات التي انزلها الله سبحانه وتعالى على الارض وهي المرحلة التي يصل اليها الانسان ان يكون قد فقد الجوهرة الغالية التي سجدت لها الملائكة ووصل الى مرتبة من الدونية هي اقل من مرتبة القرود.

عندما ترى رؤية العين وانت متجول في سوق من الاسواق ان اثنين او ثلاث او اربعة ينزلون ملثمين ثم يطلقون النار على شخص ما وقد ترى ان امرأة او طفل قد وقع في حومة اطلاق الرصاص، ثم ترى الفاعلين يعودون باعصاب باردة ليمتطوا سيارتهم ويغادرون المكان متبسمين منتصرين حققوا الهدف وارضوا شعور الفناء في انفسهم ماذا تقول لو قيل لك ان هولاء متدينين او حزبيين او مصلحين او قانونيين؟.

قد يدعون اهل الفكر ان يعود الناس الى الاصالة وان اهل الزيف كثيرون لكن الامر مختلف تماما اذ ان ما يقود الناس في حقيقة الامر هو الانطباع والانطباع له قوة هائلة في تبويب وتحديد وتقنين السلوكيات ومتى ما مر الزمن وتعقبت الايام والسنين فان السلوكيات الناتجة من الانطباع تصير اخلاق او ثقافة وهذا ما حدث طوال الفترة الصدامية عندما طال الظلم تحول الى سلوك متزامنا مع الانطباع الذي خلفته تلك الفترة وهاهي نلمسها اليوم كصورة ثقافية من خلال الكم الهائل من الجريمة المنجزة على ارض العراق حيث وصل عدد الذين قتلوا بسبب ثقافة الموت للقردة المسلحون الى ارقام كبيرة وقد نشأ مجتمع واسع وضخم من المجتمعات النسائية ونقصد به مجتمع الارامل وهي بعض اوجه المخلفات للانسان الناكص المرتكس في العفونة الحيوانية.

على اننا نلمس بصورة واضحة وبسبب العنف والفساد الثقافي الذي اشرنا اليه، اضمحلال الرغبة المعرفية من خلال انقطاع عدد محتمل من الطلاب عن الدراسة وخاصة في الصنف النسائي كطالبات محتملات او كطالبات كن يداومن في تلقي العلم او كموظفات كن مستمرات في الخدمة، وذلك خوفا من الاختطاف والقتل المجاني.

اضافة الى تراجع في الاستثمارات المحتملة للقطاع الخاص حيث يعيش رجال المال تحت هاجس الوقتية والمحدودية اي انهم لا ينطلقون برؤوس اموالهم في مدياتها الطبيعية خشية من التصفية او استغلال منشأتهم الاستثمارية والابتزاز او القتل على المال.

وهكذا الحال بالنسبة للمعامل الغذائية مثلا فانهم قد يتماسون مع رداءة المنتج باعتبار ان ما يفعلون في نطاق وقتي فلا تهمهم شهرة المنتج الغذائي وهي نظرة طبيعية لكل معمل او مؤسسة الا انها في الاوقات الراهنة نظرة استغلالية للوقت ليس اكثر من هذا ولذا نرى المنتج الغذائي لا يصل الى مستوى اردأ اي منتوج غذائي مستورد، وكمثال الاجبان ومشتقات الحليب او المشروبات او المعجنات او الحلويات والمواد التي تدخل في نطاق الغذاء كلها.

ان الغالب هو في باب فساد ثقافي يعصف بالمجتمع وفقدان للسلوكيات الاصيلة التي كانت تشكل الخصيصة الخيرة في تفاعلات الشعب العراقي وانه لشئ مريع ان يكون هذا النسق الذي يسري عليه الناس في قابل ايامهم ومستقبلهم القادم اذ سيصبح الامر اكثر قتامة ان لم تتخلى الجهات الساندة للارهاب او ان لم تدحر تلك الجهات وتخلي الساحة للخطاب الاصيل الذي كان حاكما على الساحة العراقية.

حيث المسالمة والتفكير الديني الهادئ غير المتعنت والبساطة في اخذ الامور واحتمال ومدارات الاخرين والمحبة والجوار الحسن وعدم التزاحم وفق الحزبيات الحديثة وكان السبيل آمنا للولوج الى مديات اوسع افقا واوسع انسانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11 تشرين الاول/2007 -28/رمضان/1428