إنَ المساجِد ودُور العِبادة هي بُيوت الله في الأرض وهي القِلاع
الحَصينة لِلحِفاظ على رَكائِزْ العَقيدة وعلى فحوى الرِسالات
السَماوية وهي الأَداة التي أرادَ اللهُ بِها أن يَزرَع الألفة والأخوة
والسلام بينَ بني البَشَرٍْ.
ولوراجعنا السيرة النبوية العطِرة لوَجدنا أجمَل الصُور الإنسانية
والرَوحانية التي تَجَسدت في مساجِد المُسلمين وإن مِنْ أسمى هذهِ
الصُور كانت تتمثل بِما يَقوم بهِ خاتم الأنبياء وحبيب الرُحمن مُحَمَد
(ص) حينما يَقطَع خُطبته بالمُسلمين وينزل مِنْ منبرهِ لِيلتقي أحفاده
الصِغار الحسَن (ع) والحُسين (ع) ليزرع بِداخلهم حُب المسجِد ولِيُظهر
للعالَم مكانة الأطفال عند الله من خلال المِسجد والمَنبر بِالذات وقد
تُعتبر هذه الحالة رسالة بَليغة عَجَزْ عَنْ إيصالها كِبار المُنَظرين
بِمجال الطُفولة.
إن الصُور والدُروس المفيدة التي انطلقت مِن المساجد ودُور العِبادة
كثيرة وقَد نذكر منها ايضاً ما كان يحصل في زَمن الإمام علي (ع) أيام
خلافته والقصة مشهورة يذكرها المبلغين ورجال الدين مِراراً وهي
النقاشات التي كانت تدور مع الإمام علي(ع) في خُطَب الجُمعة مِن قِبَل
من يَدَّعُون نصرته ويُجاهرونه بأسباب وأعذار غير منطقية لعدم دخول
الحروب المفروضة وقتها وهذهِ المواقف تُذكَرْ أغلَبْ الأمرار لتسليط
الضوء على ضِعاف النفوس الذين أحاطوا بِالإمام في تِلكَ الفَترات ولكن
لماذا لا نُسلط الضَوء على ديمقراطية الإمام علي بالمَسجد وتسامُحَهُ
حتى مع أمثال هؤلاءْ فلم نقرأ بِأنه عاقَبَهم أو منَعهم مِنَ العودة
إلى المسجد رَغم مُعارضتهم لخليفة الدولة الإمام المعصوم.
إن قُدسية دور العبادة والمساجد بالذات لا تعلوا عليها قدسية (إلا
اللهم دماء وكرامة الإنسان) ولم يَدَّخِر الله سبحانه وتعالى وسيلة
لإيصال هذه الفكرة لِبَني البَشَرْ مِن خِلال الرُسُل والكُتُب
السماوية والآيات كثيرة التي تدل على مكانة المساجد والشعائر
والتجمعات الدينية في المساجد فيذكر عز وجل في سورة الجمعة الآية
التاسعة *يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن
يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* من الواضح
ومما ليس عليه اختلاف في هذه الآية هو التبيان لطبيعة التجمع في المسجد
وفي ذلك اليوم تحديداً من ترك للأمور الدنيوية والتوجه إلى الله بصورة
خالصة للتعبد والسمو عن كُلْ ما هو دنيوي وما في ذلك الرزق.
ومن جهه أخرى يذكر الله سبحانه وتعالى ايضاً الوجه الآخر من المساجد
التي تَتَسَتَرْ تحت إسم المسجد وعَباءة الدين من أَجل أهداف مُبَطنة
لِتَخريب العقيدة أومِن أجل مَكاسِب قد تكون سياسية أو مادية أو لأهداف
أخرى ففي الآية مئة وسبعة من سورة التوبة يقول الإله سبحانه وتعالى *وَالَّذِينَ
اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن
قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* إن قصة هذا المسجد معروفة والأهداف
التي كانت وراء إيجاده أيضاً معروفة ولسنا في صدد نقاشها في هذا المقال
ولكن نريد أن نُرَكِزْ على أحد أهداف مسجد "ضِرار" وهو التفريق بين
المؤمنين ولو أطلعنا على واقع المساجد اليوم في العالم الإسلامي
وبالأخص في العراق لوجدنا إن كثيراً من هذه المساجد يتبع هذه الفقرة
أما عن جهل أو عن دراية.
إن من أخطر ما يَمُر بالعراق اليََوم هو التَحزُبية الخَطيرة
للمساجِد ولِمنابر الجُمعة وللخطباء الذينَ حادوا عَن واجبَهُم الآلهي
لِيُصبحوا أداةً بِخدمة الأحزاب التي تَمُن عليهم بالمقسوم في نهاية
الشهر وهذه ظاهرة مُدَمرة تَلقي بِسلبِياتها على الدين وعلى المُتدينين
قَبل أي طَرف آخر.
إنَ هذهِ التَحزُبية وفَرض الأفكار السياسية والتوجُهات
الأيديولوجية على رُواد المساجد تُعتبر اعتداء صارِخْ على الحُرية
الفِكرية لِمُرتاد المَسجِدْ وليسَ هذا فَحسب بل إن هذا التوجه فيه
اعتداء على حُرُمات الله من خلال استخدام بيوتَه لأغراض دنيوية رخيصة.
عندما نُشاهد مقتطفات مِنْ صلاة الجُمعة في أماكن مُتعددة مِنْ
العِراق نرى خطيب الجامع وهو يتحدث بكل وقاحة عن رُؤية حزبَه الذي
يَنتمي إليه ويَقول نحنُ في الحزب الفلاني هكذا وجهتنا وآخر يجيب نحن
في المدرسة الفلانية هذا توجهنا ويستمر برنامج غسيل المخ إلى أن وصلنا
لأحداث كأحداث جُند السماء وما جرى مؤخراً في كربلاء وذلك لأن العقيدة
الدينية إرتبطت بالحزب السياسي ولم ترتبط بالله.
إن جُل ما يُصيب العِراق اليوم من أمراض إجتماعية وفِكرية هو بِسبب
هذا التَوجُه الأهوج من قِبَلْ الأحزاب السياسية التي وظَفت الدين
لأهدافها الحزبية دون التفريق بين مصلحة العقيدة والمصلحة الذاتية
الضيقة, فنرى المواطن العراقي اليوم في دوامة مع نفسه لما يتعرض له من
جلسات غسيل مخ تهدف إلى جعل الإنسان سليب العقل والإرادة ليصبح تابعاً
لهذه الأحزاب لا أن يكون متبوعاً مِنها كما الحال في الدول الديمقراطية
المتطورة.
لابد لهذه الحالة المُشوهه أن تتوقف ولابد من وضع ضوابط وقوانين
تضمن حقي كمواطن أن أذهب للتعبد دون أن تفرض علي أفكار سياسية قد
تتعارض كليا مع توجهاتي السياسية كفرد. إن الواجب الآن يقع على عاتق
المرجعية الرشيدة المتمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني لوضع
ضوابط شرعية تمنع مثل هذه الممارسات التي أساءت للدين وللعلماء
وللمؤمنين وللمجتمع بصورة عامة وأيضا يجب على الدولة وعلى الأوقاف
الدينية من وضع خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها من قبل الخطباء ولكن مما لا
يتعارض مع ما يقره الدستور العراقي لضمان حقوق المواطن العراقي في
ممارسته لشعائره الدينية بدون ضغوط وأيضاً لحماية الدين من سمسرة
السياسيين. |