الدعوة إلى الخير.. بين منهجين

حسن آل حمادة

 قد يظن البعض منّا أن أسلوب الدعوة لا يهم في شيء؛ إذ أن المهم هو الدعوة ذاتها! أما الحديث عن كيفية تقديم الدين وقيمه وتعاليمه، أو طريقة التحدث مع الناس من أجل نصحهم وهدايتهم، فما هي إلا وسيلة الإنسان الضعيف الذي لا يمتلك المنطق القوي والحجة الواضحة! بينما الإنسان الذي يمتلك القوة في المنطق -مثلاً- فباستطاعته أن يتحدث مع الآخرين بصوتٍ عالٍ، وله الحق في تجريحهم وتوبيخهم حتى وإن كان ذلك أمام أنظار الآخرين! فالإنسان الخاطئ في المعتقد والسلوك -كما يتوهم أولئك- عندما يتعرض للتجريح والتحقير؛ فقد يتأثر ويؤوب إلى رشده سريعاً!

فهل هذا منطق سليم ومنهج صائب يا ترى؟

وهل بإمكاننا أن ندعو الناس إلى الخير، وإلى التمسك بالدين، وإلى التحلي بالخلق الحسن بهذه الكيفية؟

وهل سيتقبل منا المجتمع إذا دعوناه بهذه الطريقة؟ 

أتصور أننا -كدُعاة- سوف نواجه بالرفض، ولن نكون محل تأثير إذا اتبعنا الأساليب القهرية العنفية. وهنا قد يتساءل البعض: إذاً ما العمل؟ هل نكف أيدينا عن الدعوة إلى الخير؟ أم ندعو الناس وبأي طريقة كانت؟ أم أن هناك طريقاً ثالثة يتوسط هذين الأسلوبين؟

 نعم، هناك طريق ثالثة أشار إليه القرآن الكريم، واتبعها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما اتبعه أهل بيته (عليهم السلام) وصحابته الكرام؛ أثناء دعوتهم الناس، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة بقوله -عزّ وجلّ-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل: 125].

فدعوة رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت دعوة حكيمة/عاقلة، تخللتها الموعظة الحسنة/مخاطبة القلب. فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأتِ موبخاً الآخرين، ولم ينقل عنه التاريخ إلا ما يسر. فنحن نجد أن المؤرخين -على سبيل المثال- قد تحدثوا بإكبار عن موقفه مع ذلك اليهودي الذي كان يرمي الأوساخ والقاذورات أمام منزله الشريف، حتى إذا افتقد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يومٍ ما يلاقيه من أذى! فسأل عن جاره اليهودي، وأُخبر بمرضه، حينها ذهب زائراً سائلاً عن صحته وحاله، حتى خجل الرجل من أخلاق رسول الرحمة وإنسانيته؛ فأعلن إسلامه.

يا ترى، ألم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قادراً على توبيخ اليهودي وتجريحه أثناء مرضه؟ وهي فرصة قد ينتهزها البعض!

بلى، كان قادراً على ذلك ولكن خلقه الكريم لا يسمح له بأن يتطاول على الآخرين أو أن يشعرهم بالإهانة، حتى لو تعرض هو لإساءتهم المتكررة. يقول تعالى في مديحه لسلوك رسوله الكريم:  {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159].

 فالمتتبع لحادثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع عدوه اليهودي يجد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يتحدث معه عن تعديه وتطاوله، أو عن الأذى الذي لقيه منه؛ وإنما ذهب لزيارته والاطمئنان على صحته، فتأثر الرجل من الخلق الرفيع، ونكس رأسه حياء وخجلاً، وكأنه فطن للنصيحة النبوية، بل فطنها ووعاها.

 وكلنا يتذكر قصة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) مع ذلك الشيخ الذي لم يكن يحسن الوضوء! فقد تحدث عنها أصحاب السير والمؤرخون، وخلاصتها أن الحسن والحسين وهما صبيان مرّا على شيخ يتوضأ استعداداً للصلاة، ولاحظا بأنه لا يحسن الوضوء!! فما كان منهما إلا أن توجها إليه بخلقٍ نبوي محمدي، وكل ينازع أخاه مدعياً بأن وضوءه الأفضل، وطلبا من الشيخ أن يحكم بينهما، فأجابهما: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ -وأشار إلى نفسه- لا يحسنه، وها هو يتعلم منكما.

أجل، للدعوة أساليب كثيرة يجب أن يدرسها الإنسان قبل أن ينصب نفسه داعية للخير؛ فطريقة الداعية في توجيه الخطاب للآخرين لها مردودها الكبير؛ فكلمة طيبة تصدر من إنسان قد تكون بمثابة البلسم الذي يضمد الجراح، وكلمة خبيثة قد تكون بمثابة السهم الذي يعمقها!

 فأي طريق نختار؟ طريق الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؟ الطريق الذي اتبعها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وصحبه الكرام، أم طريق الفوضى والصراخ الذي اتبعها الهمج الرعاع؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7 تشرين الاول/2007 -24/رمضان/1428