التضليل السياسي حول الفدرالية يجعل العراقيين في حالة اضطراب

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: يبدو ان الكثير من القوى السياسية العراقية الرافضة لمبدأ الفيدرالية الذي اقره الشعب  في الدستور واصبح حقا شرعيا وقانونيا قد استغلوا عاصفة قرار الكونغرس الامريكي غير الملزم الذي ينصح بتقسيم العراق بالرجوع الى فقرة الفدرالية، وصوروه على انه مؤامرة خارجية تستهدف التقسيم الى دويلات طائفية منفصلة عن بعضها. وكأنهم لا يعرفون ان من المستحيل ان تنظم الانبار مثلا الى اقليم الوسط ذو الاغلبية الشيعية، او ان تنظم كربلاء مثلا الى اقليم يظم الانبار وتكريت والموصل ذو الاغلبية السنية.

واخذ كل من الفرقاء السياسيين يدلي بما يمليه عليه التوجه الذي غالبا ما يكون مصلحيا ولا يمت بصلة لمصالح الشعب وكأنهم نسوا ان التشريع الفيدرلي فقرة دستورية عملوا هم على تثبيتها واقرارها.

وأدان عراقيون غاضبون تصويت الكونجرس الامريكي باقامة مناطق فدرالية في العراق كمؤامرة لتقسيم بلدهم غير ان حالة السخط تحير البعض ممن يقولون ان الفدرالية موجودة بالفعل في الدستور العراقي.

واثار قرار مجلس الشيوخ غير الملزم في الاسبوع الماضي الذي يدعو الى حكومة فدرالية واقامة مناطق فدرالية عاصفة من الاحتجاج من سياسيين بينهم رئيس الوزراء نوري المالكي الذي قال انه سيكون كارثة بالنسبة للعراق. ولم يرحب بالقرار علنا سوى الاكراد الذي يتمتعون بالفعل بالحكم الذاتي في شمال البلاد.

وقال سياسي شيعي رفض ان يتحدث علنا، بعض الناس الذين لايريدون الفدرالية ويريدون نظاما مركزيا استفادوا من هذا بالقيام بحملة ضدها وجعلها تبدو كما لو كانت حملة لتقسيم العراق.

واضاف، قرأت القرار جيدا وهو لا يذكر تقسيم العراق على الاطلاق. انا واثق من ان الناس الذين يرفضونه لم يقرأوه حتى وربما فقط سمعوا ما تقوله وسائل الاعلام.

وقال على الدباغ المتحدث باسم الحكومة ان رفض الحكومة القوي لتصويت الكونجرس نابع من معارضتها للتدخل الاجنبي في مصير العراق وليس الصياغة التي تشير الى الفدرالية.

وقال ان الحكومة ترفض التصويت لانه تدخل في موضوع يتعين اقراره فقط عن طريق استفتاء شعبي. واضاف انه يبدو ان الذين يعترضون ينصب اعتراضهم على مبدأ الفدرالية.

بايدن: غايتنا فيدرالية وليس تقسيما 

ونشرت صحيفة واشنطن بوست، مقال رأي تَشاركَ تحريره نائبا مجلس الشيوخ الأمريكي جوزف بايدن وليسلس غلب، يدافعان فيه عن رأيهما الذي طرحاه على التصويت في مجلس الشيوخ الامريكي، بصدد توزيع العراق الى ثلاث مناطق رئيسة، شيعية، وسنية، فضلا عن الكردية القائمة أصلا.

جاء المقال تحت عنوان "فيدرالية، وليس تقسيما"، وتكمن أهميته في دور كاتبيه، فالأول يتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بينما يشغل الثاني منصب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، وهما وراء القرار الذي صدر عن مجلس الشيوخ الأمريكي نهاية أيلول - سبتمبر الماضي حول " تقسيم العراق."

يقول الكاتبان: حيّت إدارة بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تصويت مجلس الشيوخ، الذي جرى في الاسبوع الماضي بصدد السياسة في العراق القائمة على خطة كنا اقترحناها في العام 2006 ، حينها بعبارات الافتراءات والتلفيق.

وقد صوّت 75 سيناتورا، من بينهم 26 جمهوريا، من اجل تشجيع التوصل الى تسوية سياسية مستندة الى التشارك في سلطة لا مركزية. ومثَّل ذلك قارب النجاة لسياسة عراقية سائرة على غير هدى.

وبدلا من النظر في ذلك، عمد المالكي والادارة ـ وعبر سفارتنا في بغداد ـ الى تشويه تعديل بايدن ـ براونباك بعد الاعتراف بذلك، مدّعين اننا نسعى الى تفتيت او تقسيم العراق بالتخويف او القوة او بوسائل اخرى." وقالا "هنا، في مقالنا هذا، نريد اعادة الامور الى نصابها.

اذا كانت الولايات المتحدة لا تقدر على وضع فكرة الفيدرالية هذه في مسارها، فلن تكون امامنا فرصة لتسوية سياسية في العراق، ومن دون ذلك، لا فرصة في مغادرة العراق من دون ان نخلف وراءنا فوضى.

فأولا، خطتنا ليست تقسيما، حتى وإن سمّاها بعض مؤيدينا ووسائل اعلام خطأ على انها كذلك. بل انها ستبقي العراق موحدا من خلال بث الحياة في النظام الفيدرالي الذي طُوِّق بالقدسية في دستوره. ذلك أن عراقا فيدراليا يعني عراقا موحَّدا لكنه واحد تؤول السلطة فيه الى حكومات اقليمية،مع حكومة مركزية تتحدد مسؤوليتها بالقضايا المشتركة من قبيل حماية الحدود وتوزيع عوائد النفط.

بالطبع لا يألف العراقيون الفيديرالية، تحت ظل دولة محتلة او ديكتاتور، الا انها بقيت تاريخيا السبيل الوحيد لحفظ وحدة بلدان شقّها الخلاف.وبوسعنا الاشارة الى نظامنا الفيدرالي وكيف ابتدأ بوضع اكبر سلطة بأيدي الولايات. وبوسعنا الاشارة الى حلول مشابهة في الامارات العربية المتحدة، واسبانيا، والبوسنة.

يريد غالبية العراقيين الحفاظ على بلدهم كلا كاملا. لكن اذا ما بقي قادة عراقيون يستمعون الى قول قادة اميركيين بأن الفيديرالية ترقى الى التقسيم او انها ستقود اليه، فسيظلون يعتقدون بانها كذلك.

اما بديل بوش الخيالي فيتمثل في تعزيز حكومة مركزية قوية في بغداد.على ان تلك الحكومة المركزية معطلة؛ وينظر اليها في اوساط واسعة على انها لا تتصل بالواقع. ولم تتوصل الى ارساء مصالحة سياسية ـ وما من برهان على انها ستفعل.

وثانيا، نحن لا نحاول فرض خطتنا. فان لم يبد العراقيون رغبة بها، فلن ياخذوا بها وهم غير مُجبرين عليها، كما اوضح تعديل مجلس الشيوخ.

وربما على العراقيين والبيت الابيض النظر في الحقائق. فالدستور العراقي ينص بالفعل على نظام فيدرالي.أما ان المناطق تتوازى مع خطوط طائفية، فالدستور يترك الخيار في ذلك لسكان 18 محافظة.

بمقدور البيت الابيض ان يُثقل في شكواه من اننا نقسر العراقيين على حلول غير مرغوب بها، في حين ان الرئيس بوش لم يتردد قبلا في ازاحة رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري خارج منصبه ليفتح الطريق الى المالكي، ولعله الان يفعل الشيء نفسه مع المالكي.

على عاتق الولايات المتحدة في العراق مسؤوليات لا مجال لنتهرب منها. وسيحتاج العراقيون مساعدتنا في تبيان الحل الفيدرالي والاصطفاف معه. اذ بوجود 160.000 اميركي يحيطهم الخطر في العراق، وانفاق مئات البلايين من الدولارات، وما يزيد عن 3،800 قتيل وحوالى 28،000 جريح، لدينا الحق ايضا في ان يستمع الاخرين الى ما نريد قوله.

أما ثالثا، فخطتنا لن تولد (المعاناة واراقة الدماء)، كما ذهب بيان السفارة الامريكية غير المسؤول. فمن الصعب تصور معاناة وسفك دماء اكثر مما رأينا من حكومة تتساهل مع ميليشيات، ومن جهاديين، وبعثيين، وحماقة ادارة. ودونك أكثر من 4 ملايين عراقي فروا من بيوتهم، وغالبيتهم فعلوا ذلك خوفا من عنف طائفي يصيبهم.

والحال هذه، ينبغي لادارة بوش مساعدة العراقيين على القيام بالعمل الفيدرالي من خلال الاتفاق على التوزيع العادل لعائدات النفط؛ وتأمين عودة اللاجئين؛ ودمج عناصر الميليشيات بقوات الامن المحلية؛ وتنمية المصلحة المشتركة لبلدان اخرى في عراق مستقر؛ واعادة التركيز على قدرات الاعمار والمساعدات في المحافظات والمناطق ـ وليس اخافتهم بمساواة الفيدرالية مع التقسيم، والطائفية، والتسلط الأجنبي.

بيدن ينتقد المالكي والسفارة الاميركية في بغداد

ودافع بيدن مرة جديدة عن خطته وندد بالانتقادات التي وجهها اليه رئيس الوزراء العراقي المالكي والسفارة الاميركية في بغداد.

وقال بيدن، في نظر المالكي وبعض المسؤولين العراقيين كان يجب الا نعبر عن رأينا. لا اعرف فعلا من كانوا ينتقدون. واضاف، الواقع هو اننا اهرقنا دمنا وانفقنا مالنا ليحترموا الالتزامات التي ينص عليها دستورهم. هذا هو العقد.

ونفى بيدن ان تكون خطته تفرض حلولا سياسية على العراقيين موضحا انها تهدف الى استخدام الاليات الاتحادية التي ينص عليها الدستور العراقي.

واتهم بيدن الدبلوماسيين الاميركيين باساءة عرض خطته وقال انه ارسل نسخة منها الى السفارة. وقال، كما يعرف (السفير الاميركي) راين كروكر من المناقشات الواسعة التي اجريناها هذا ليس تقسيما. واضاف ان كروكر لا يملك اساسا شرعيا بعد محادثاته معي (...) للقول ان مجلس الشيوخ صوت على تقسيم العراق. انه يعرف ذلك.

زيباري: اقتراح الكونغرس مصيره الفشل

وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان اقتراح مجلس الشيوخ الامريكي اقامة نظام فيدرالي في العراق سيكون مصيره الفشل بسبب صعوبة اقامة مناطق على أسس طائفية وعرقية.

وقال زيباري ردا على سؤال بعد ان ألقى كلمة في جامعة هارفارد، اذا قسمت البلاد على أسس طائفية وعرقية فانه توجد بعض المناطق المختلطة فكيف تقسمها.

واضاف قوله، في كثير من المدن وفي العاصمة نفسها سيكون ذلك صعبا. ولذلك فاننا نعتقد ان هذا القرار يجب تركه للشعب العراقي ليحسمه وليتفقوا على افضل حل لهم.

وقال زيباري ان القرار حسن النية لكنه لم يدرك التعقيد العراقي للمدن والمناطق العراقية.

واضاف زيباي قوله، اقتراضهم انه مادامت هذه الطوائف الثلاث عاجزة عن ان تعيش معا وان تتعايش فمن الافضل وضع كل منهم في منطقة خاصة بة لكن ليس هذا حلا وليس هناك حل سري لذلك.

وقال زيباري، هذا يجب ان يدرسه العراقيون. وقد يحتاجون الى اكثر من ثلاث مناطق الى اربع مناطق او خمسة. وهذا أمر يحسمه البرلماني العراقي او المشرع العراقي والزعماء العراقيون. ولم يرحب بقرار مجلس الشيوخ الامريكي علنا سوى الاكراد الذي يتمتعون بالفعل بالحكم الذاتي في شمال البلاد.

محللون سعوديون: قرار تقسيم العراق يمهد لتفتيت المنطقة 

وانتقد محللون وأكاديميون سعوديون مشروع القرار الذي وافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بشان العراق واعتبروه تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية العراقية، ويمهد لتفتيت المنطقة إلى دويلات صغيرة وضعيفة وفقا للاستراتيجية الأمريكية للمنطقة العربية.

ودعا هؤلاء، في تصريحات لوكالة ( أصوات العراق) ، الكتل السياسية والقوى والتيارات وشيوخ العشائر والكتاب والمثقفين العراقيين، إلى رفع أصواتهم ضد المشروع الأمريكي، وطالبوا الدول العربية والأمم المتحدة ومنظماتها ودول العالم باستنكار قرار تقسيم العراق كونه خروجا على القانون الدولي وعلى سيادة بلد عضو في الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة.

وقال عبدالله القحطاني الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، إن هذا القرار سيكون له تأثير سلبي لأنه يكرس الأخطاء الأمريكية منذ احتلالها للعراق، وسيذكي التقسيم والانقسام الطائفي والعرقي،  ويحول العراق إلى دويلات متحاربة، ويمهد الأوضاع لتفتيت دول المنطقة.

وأضاف أن  الكونجرس نسى أن معظم مناطق العراق هي مناطق مختلطة تتمثل بنسيج اجتماعي متماسك ، معربا عن اعتقاده بأن العراقيين لا يرغبون في تقسيم العراق ويؤكدون على وحدة أراضيه.

وحول دوافع الكونجرس الأمريكي لإصدار قرار التقسيم، قال القحطاني، إن قرار التقسيم جاء بسبب فشل تطبيق الاستراتيجية الأمريكية في العراق، وأن الصراعات السياسية بين الأمريكان جعلتهم يفكرون بطريقة غريبة.

وطالب الحكومة والبرلمان العراقيين بأن يأخذا جانب الحيطة والحذر من اجل منع تمرير مشروع قرار تقسيم العراق.

وأشار إلى أن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظر استخدام القوة للنيل من سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة بأي وجه يتنافى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، ومن باب أولى لا يجوز إصدار قرار من أي دولة يرتب الأوضاع الإقليمية لدولة أخرى.

من جانبه، قال المحلل السياسي ماجد الحربي، إن المشروع الأمريكي الجديد هو تكملة للأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق العراق والعراقيين ومنها احتلال العراق بالاستناد على معلومات خاطئة، تبعها أخطاء حل الجيش العراقي وتدمير البنية التحتية.

ورأى الحربي أن الساسة الأمريكيين يحاولون بمشروعهم هذا الحفاظ على استراتيجيتهم في العراق والحفاظ على ماء الوجه من خلال تمرير هذا المشروع بذريعة أن ذلك سيسهل خلق حالة من الاستقرار ومنح فرصة لانسحاب قواتهم من العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7 تشرين الاول/2007 -24/رمضان/1428