حزب يصعد وآخر يهوي.. تحالف إرادات على خلاف اراد+ة الشعب...
تنازلات لأعداء الإنسانية تحت عناوين مختلفة على حساب مصلحة الشعب
المذبوح... جهود مضنية يقوم بها بعض السياسيين لإستنقاذ الارهابيين
المعتقلين، بالجرم المشهود، تحت عناوين المصالحة الوطنية.. الابقاء على
جموع الارهابيين في فنادق ديمقراطية العراق الجديد مع كامل التقدير وهم
يعترفون بجرائمهم وتنكيلهم بحق الشعب وانتهاكهم اعراضه
ومقدساته...القضاء العراقي مكتّفٌ بقوانين لو كانت قوانين مجلس قيادة
صدام لإرتاح الشعب منهم خلال ايام وقطع بها دابر الظالمين لكنها قوانين
الديمقراطية الكاذبة... القضاء لا يحرك ساكنا بل يعبث به العابثون من
وراء الكواليس بعناوين مختلفة، ومصير شعب العراق اسير بيد مجموعة من
السياسيين الذي لا يفقهون لعاقل حديثا، ولا يصغون لمفكر قولا، ولا
يسمعون إلا لنداء استبدادهم القديم الجديد. بينما العراق شعب منقاد
للإرادة الدينية وليس لإرادة الاحزاب السياسية ولذلك كان السياسييون
يلجأون إلى القيادة الدينية كلما عصفت بهم عاصفة أو داهمتهم قاصفة،
ومع هذا وذاك لم يتحرك من واقع العراق شيء نحو الاحسن... اذن أين بيت
القصيد؟
الاحزاب السياسية التي توالت على دفة الحكم في عراق المقدسات بما
فيها قوات الاحتلال قديما وحديثا،كلهم يعرفون قضية محورية هي أن
العراق شعب محب لأهل البيت ومُوالٍٍ لهم ومنقاد في حياته اليومية إلى
القرار الديني وليس لقرار حزبي سياسي قط، وإن كانت قد هيمنت عليه أحزاب
فانما هي لم تكن لتمثل قيادته التي يسلم لها قيادَهُ طوعا من أعماق
إرادته بل هي عصابات هيمنت على العراق بالقوة والقهر والاكراه والتعنف
والتزوير والتعسف، وهذا ما يخرجها عن كونها قيادة بقدر ما هي عصابات
تخصصت بسرقة قرار الشعب وانفاسه والعبث بمصالحه، وهذا ما لم يدم وإن
طال لأن (الكفر يدوم والظلم لا يدوم) كما في الحديث الشريف.
وما من دليل أدل على ما اقول من استفتاء الشعب الذي قال فيه كلمته
الفصل على أن قراره بيد قيادته الدينية منذ اليوم الأول الذي سقطت
فيه حكومة طائفية المشروع القومي الذي تزعمه البعث الذي بذل قصارى جهده
مع كامل القدرات الغربية والامكانات الشرقية في ممارسة الجريمة والقتل
والابادة ضد العراقيين، ورغم توافر البعد الزمني الذي حاول من خلاله
تغيير معالم شخصية الانسان في العراق، حيث كان ممنوعا من كل ممارسة
دينية أو تربية قيمية، ابتداءا من حيازة القرآن الكريم ومرورا
بمطالعة الكتاب الثقافي وانتهاءا بزيارة العتبات المقدسة التي يؤمن بها
وممارسة شعائر الإمام الحسين عليه السلام .
ومع ذلك كله انتفض العراقيون ليمارسوا ما قد منعهم حكم الطائفيين
عقودا بعيدة، فرأينا اجماع الشعب على الإقدام بزيارة الإمام الحسين
عليه السلام ايام عاشوراء وصفر وليالي الجُمع.
إلا أن الشيء الملفت للنظر في هذا العالم هو الذكرى السنوية
لأربعينية الإمام الحسين عليه السلام التي لا بد من ذكر الحقائق
التالية كي نعرف حقيقة العراقيين، والواقع السياسي القائم، والواقع
السياسي المطلوب:
الحقيقة الاولى: تعداد نفوس الشعب الذي وصل إلى كربلاء لزيارة
الإمام الحسين عليه السلام بلغ عشرة ملايين انسان كأقل معدل لتقادير
الاحصاءات الرسمية العراقية. وهو عدد يشير إلى استفتاء شعبي عارم لن
تتمكن الادارة الامريكية ولا البريطانية بكافة احزابها أن تدعو إلى
مثيله لو ارادت أن تشترك بشيء اسمه استفتاء شعبي على أمر ما. لذلك
يترتب على هذا الاستفتاء امورا يجب ترتيب اللازم عليها كما سنبين.
الحقيقة الثانية: لو افترضنا أن هذه الملايين العشرة تحتاج إلى
(ثلاثة) لتر من الماء لكل فرد يوميا فيلزمهم ما يقارب (ثلاثين مليون
لتر) ماء يوميا على اقل التقادير، فأية دولة تستطيع تأمين هذا العدد في
ظروف رخائها وقدرتها وتمكينها ؟ فكيف بظروف كالعراق؟
الحقيقة الثالثة: لو أن هذا العدد احتاج لكل فرد (ثلاثة ارغفة) من
الخبز يوميا فهذا يعني أنه يحتاج إلى (ثلاثين مليون) رغيفا من الخبز
يوما، فكيف يمكن لاية دولة أن تؤمّن مثل هذا العدد يوميا ولمدة عشرة
ايام وهي الفترة اللازمة لوصول الزائرين اهدافهم، حيث يكون اللازم لهم
طوال تلك المدة ما يقارب (ثلاثين مليون رغيفا) من الخبز اضافة إلى
(ثلاثين مليون لتر من الماء) فأية دولة تستطيع أن تؤمّن مثل هذا
المقدار من الماء خصوصا اذا وضعنا في عين الاعتبار وضع العراق كحكومة
ودولة، الأمر الذي يستلزم أن يحدث كارثة غذائية منقطعة النظير.
الحقيقة الرابعة: لو اعتبرنا أن كل (خمسين نفرا) يحتاج لأن يأكل
(خروفا واحدا) لليوم الواحد لإحتاج هذا العدد الغفير إلى (200) الف
خروف يوميا، ليكون معدلها طوال العشرة أيام إلى (عشرين مليون خروف)
طوال مدة الزيارة، فأية دولة عظمى تستطيع أن تؤمّن مثل هذا العدد
للمدة المقرر للزيارة؟ ثم كيف يكون الامر بالنسبة إلى وضع العراق؟ إن
ذلك يستوجب حدوث ازمة غذائية كبيرة لمجتمع يسير مشيا على الاقدام إلى
حرم الإمام الحسين عليه السلام ؟ ومع ذلك لم يشعر احد بمثل هكذا ازمة
على الاطلاق !
الحقيقة الخامسة: لو افترضنا أن كل (عشرين شخصا) إحتاج إلى (مرفق
صحي واحد) طوال يومه وليلته لإستلزم للعشرة ملايين انسان إلى ما يقارب
(خمسمئة الف) مرفق صحي، ولو وضعنا العراق كحكومة ودولة بنظر الاعتبار
في مواجهة هذه القضية لأحدث كارثة بيئية كبيرة ؟ ولم يكن قد حصل مثل
هذا الأمر على الاطلاق.
الحقيقة السادسة: إن هذا العدد المليوني الكبير كان يهدف من مسيرته
هذه الوصول إلى مدينة كربلاء المقدسة خلال يوم واحد ليؤدي شعائره
الدينية فيها وهذا يعني أن هذا العدد يحتاج في مدينة صغيرة متواضعة
الامكانات وليوم واحد إلى ( ثلاثين مليون قرص خبز) وإلى ( ثلاثين
مليون لتر ماء للشرب) وإلى اكثر من ( ثلاثين مليون لتر ماء للتطهير)
وإلى (مئتي الف خروف للطعام) وإلى (نصف مليون مرفق صحي في المدينة).
وبهذه الاحصائية فإن أية دولة عظمى تستطيع تأمين مثل هذه المستلزمات
خلال يوم واحد!؟ مما يعني أن لابد من وقوع كارثة صحية وطبية وغذائية
ودوائية وبيئية مما يستوجب أن تتحول مدينة كربلاء المقدسة في ذلك
اليوم إلى بؤرة من الامراض الفتاكة، وأن جثث الموتى تتهاوى في
الشوارع، مما يفترض أن ينتشر الفساد البيئي في المناطق المحيطة لمدينة
كربلاء الأمر الذي يجعلها مدينة تصدر الامراض السارية والاوبئة
الفتاكة إلى كافة الدول المجاورة، ومع ذلك كله لم تحصل مثل هذه
الكوارث، وخصوصا في وضع كوضع العراق من حيث الامكانات على الاطلاق !
الحقيقة السابعة: إن عشرة ملايين زائر لمرقد الإمام الحسين عليه
السلام عادة ما يريدون الانتهاء من مراسيم الزيارة الشريفة خلال يوم
واحد، وجميعهم ينوي العودة إلى مدينته التي جاء منها خلال نفس اليوم
الذي وصل به اليها، مما يستلزم الأمر إلى عدد غفير من القطارات
السريعة والسيارات الفارهة ذات الدفع السريع، والى جسر جوي لنقل عشرة
ملايين زائر إلى مناطقهم البعيدة.
ومع وضع مثل وضع العراق حكومةً وإمكاناتٍ وظروفاً أمنيةً يستوجب أن
يحدث الأمر اختناقات مرورية رهيبة، وأزمات صحية مروعه، وحوادث سير لا
تُعد ولا تُحصى، ومع ذلك كله لم يحصل اي شيء من هذا القيبل رغم
الامكانات المتواضعة لوسائل النقل العراقية، فانتقل الجميع إلى مدنهم
دون أية مشكلة تذكر من هذا القبيل أو من غيره.
الحقيقة الثامنة: إن هذه الاعداد الغفيرة كانت تأتي زحفا إلى
مدينة كربلاء المقدسة تحت ظل الارعاب والقتل والمفخخات وتربص قطاع
الطرق ومختلسي نفوس البشر ، ورغم ذلك كانت الاعداد تتضاعف يوما بعد
يوما، خصوصا اذا وضعنا بعين الاعتبار أن القتل والارهاب كان يستهدف
ثني الشعب عن مسيرته ومنعه عن عزيمته من الوصول إلى أهدافه الدينية
المقدسة في تجديد العهد والبيعة للامام الحسين عليه السلام .
الحقيقة التاسعة: أن هذا العدد الغفير من زوار الإمام الحسين
عليه السلام والذي يمثل مسيرة شعبية كبيرة، قد وُضع في حساب (القادة
الغربيين) و(المحللين السياسيين) منهم و( معاهد الدراسات الاستراتيجة)
ذات البعد الاستخباري وخصوصا دول الاحتلال. بينما لم يكن شيئا من ذلك
في (حساب السياسيين) ولا ( الدينيين) العراقيين ولا من غيرهم على
الاطلاق، ومن ادعى أن السياسيين العراقيين والدينيين أو غيرهم قد
وضعوا الأمر موضع الدراسة والتخطيط فاقول أن ذلك كذبٌ محضٌ، ومغالطةٌ
صرفةٌ، ومكابرةٌ بحتةٌ. لأن الدراسة تستوجب أن يظهر ولو شيئ منها إلى
النور أو يترتب عليها تخطيط استراتيجي مطلوب يغيّر من الواقع السياسي
ولو قليلا.
الحقيقة العاشرة: من المؤكد أن الدراسات السياسية الغربية قد وضعت
القضية قيد الدراسة فور الانتهاء من الزيارة، ورتبت عليها الاثر
اللازم، وهو (أن شعب العراق شعب حي) استطاع أن يستوعب تلك الازمات
الامنية، ويتلافى حدوث أي من الازمات البيئية والغذائية والمرورية
والامنية ويتحاشى وقوع اي من الكوارث الصحية التي كان يجب إن يحصل ولو
شئ منها في مثل هذا الزحام وتراكم الكتل البشرية في مثل تلك المدينة
الصغيرة.
إن هذه الحيوية لمما لم يتوفر مثلها لشعب من الشعوب قط، ولم يفهمها
قادة العراق السياسيين ولا الدينيين على الاطلاق، ولو فهموما لرتبوا
على ذلك الاثر العقلائي المطلوب.
الحقيقة الحادية عشرة: إن تلافي العراقيين لوقوع مثل هذه الازمات
اعتبرها محللوا الغرب على انها من نتاج حيوية الشعب رغم الممارسات
التاريخية للبعث في التشويش والتشويه على الشخصية العراقية، بينما
يسميها عامة العراقيين على انها من بركات الإمام الحسين عليه السلام،
وكلا الامرين صحيح، وذلك لأن تلك الحيوية من نتاج تمسك هذا الشعب
بدينه وعقيدته بائمة أهل بيت الحضارة والحياة، كما قال الإمام الصادق
في نص زيارته لجده الامام الحسين عليهما السلام( أشهد انك قُتلت ولم
تَمُتْ بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك، وبضياء نورك اهتدى الطالبون
اليك..) اذن فالعراقيون شعب حي برجاء حياة الإمام الحسين الذي لم يمت
بل استشهد في سبيل الحياة والكرامة والحق.
الحقيقة الثانية عشرة: إن معاهد دراسات دول الاحتلال وقياداتها
أدركت أن شعب العراق حي ولو دُعي هذا الشعب الحي إلى إعمار العتبات
المقدسة في مدينة سامراء لإجتمع باكثر من عشرين مليون انسان لمسح
المدينة من جديد وأعاد بناءه العتبات المقدسة خلال شهور معدودة وأعاد
بناء المدينة كمدينة مقدسة يؤمها ملايين المسلمين الموالين لأهل البيت
وليست مدينة ناصبية يرتع فيها الخوارج كما هي عليه الآن.
الحقيقة الثالثة عشرة: ولو أن هذه العشرين مليون انسان (دُعوا)
للمسير مشيا على الأقدام نحو المناطق الغربية الساخنة التي يرتع فيها
الارهاب الوافد ويفرّخ فيها الارهاب الحاضن، لنقضوا بؤر الارهاب حجرا
حجرا وألقوهم وراء الحدود وأعادوا بناء المنطقة بمدنٍ سليمة من القتلة
والارهابيين ولأعادوا المواطنين المسالمين إلى منازلهم بعد أن يمسحوا
بؤر الارهاب من خارطة المنطقة والعراق.
الحقيقة الرابعة عشرة: لو أن هذا الملايين العشرين تعرضوا إلى
مفخخات الارهابيين والقتلة لفرضنا أن مليونا منهم سيتعرض للقتل
الذريع، لكن النتيجة أنْ يهرع الباقون منهم إلى تطهير المنطقة من لوث
الارهاب والمفسدين التاريخيين.
الحقيقة الخامسة عشرة: لو أن هذه الملايين العشرين (دُعوا) للزحف
على القوات المحتلة التي تدعم الارهاب وتحمي بؤرهم وتزرعهم في مفاصل
الدولة والحكم، وتعوق مسيرة العراق والعراقيين، لهزموا المحتلين إلى
بلدانهم، ولو افترضنا أن قوات الاحتلال أرادت مواجهة الملايين الزاحفة
نحو التحرير وقتلتهم باسلحتها الفتاكة فان ذلك سيعني أن سقوط حكومات
الولايات المتحدة الامريكية والى الابد في داخل شعبها وخارجه ثم انتصار
الشعب المذبوح قبلا وبعدا، أولا وآخرا، في طرد المحتلين في نهاية
المطاف.
الحقيقة السادسة عشرة: لو أن هذه الملايين العشرين (دُعوا) للزحف
على الحكومات العراقية المترهلة التي تتعرض إلى ابتزاز الارهابيين
والبعثيين القابعين في اروقة الحكم والمتعشعشين في مرافق الدولة
والمتسترين بأقنعة اسلامية ووطنية، لتمكنت من تغيير مسار العملية
السياسية لصالح إرادة الشعب وتطلعاته بما يصنع من العراق بلدا نموذجيا
لم يشهد له التاريخ مثيلا.
الحقيقة السابعة عشرة: إن عراقا حيّا بحيوية ابناءه لو ( دُعي) إلى
جمع الاموال اللازمة لإعمار العتبات المقدسة في سامراء المنتهكة
المدنسة بلوث المفسدين، دون الحاجة إلى الامم المتحدة على الباطل، ولا
إلى جامعة دول الاعراب الذين ما نصروا حقا قط، ولا حتى مؤتمر قمة
الدول الاسلامية الخاوية، ولا إلى المنظمات الأخرى كاليونسكو أو
غيرها، إذ لو أن (30) مليون عراقي قد تبرع بمتوسط التبرع البسيط بمقدار
( الف ) دولار لبلغ المجموع إلى (000و000و000و30) دولار يعني ( ثلاثين
مليار دولار) على اقل تقدير هذا فضلا عن ذوي الامكانات العالية من
العراقيين بما يعني إن اكثر من مئة مليار دولار يمكن جمعه من قوت الشعب
لا من غيره ولعمل العراقييون على بيع اثاث بيوتهم لـتأمين اللازم.
إن عراقا حيّاً بحياة مبادئ (الحسين ) فيه لن يُقهر، بل يبدع
ويصنع المستحيل، وهو ما لم يقرأه السياسييون ولا الدينييون من
العراقيين قط ولو قرأوه لغيروا الواقع العراقي إلى افضل واقع في
المنطقة.
النتائج المترتبة على تلك الحقائق
بعد قراءة تلك الحقائق لا بد من الخروج بالنتائج التالية:
النتيجة الاولى: أن دول الاحتلال ومخابرات العالم بما فيها دول
الجوار المبغض للعراق يعرفون أن لهذا الشعب من الحيوية ما لم تتوفر
عند شعب من الشعوب قط ، وأنه يستطيع تغيير المعادلة السياسية المحلية
والاقليمية والدولية وحتى قرارات كبريات دول العالم المتمدين، وهذا ما
لا يرضيهم، مما يجعلهم جاهدين على تفريغ حيوية العراقين لأن الأمة
الحية هي التي تغير مسار الحياة والاستعمار المحلي والاقليمي والعالمي
الذي يأبى هكذا تغيير ويرفض هكذا حيوية.
النتيجة الثانية: كافة الدول المذكورة تعرف أن قرار العراقيين قرار
ديني وانه يخضع لإرادة المرجعيات الدينية كما أن قرار مجيئه إلى
زيارة اربعين الإمام الحسين كان بدافع ديني وليس بقرار سياسي قط،
ولذلك فهم يريدون للقرار الديني أن يكون محجوبا عن التفعيل، ومجمدا من
التفاعل مع شعب يمتلك من الحيوية الرصيد الكبير وعزله بشتى الطرق، لأن
تفعيل دور المرجعية وتفاعلها مع الشعب يضر بتطلعات الاستعمار العالمي
وأهداف المجتمع الإقليمي ورجاله المحليين.
النتيجة الثالثة: إن تغيير موازين التدهور الذي يعاني منه العراق
مرهون بنشاط المرجعيات الدينية نشاطا يلبي رغبات الشعب ويحميه من
التردي والذبح ثم يؤمّن له متطلبات التطور اللازم في الحياة ، ولن يكن
مرهونا بنشاط سياسيين اُسراء عملية سياسية مشوهة. وهذا يستلزم من
المرجعيات الدينية أن تمتلك المستلزمات التي تجعل من العراق مركزا
جديدا للاشعاع الحضاري والحيوية والنشاط الانساني الفاعل، وتاخذ
بالعراقيين الى شاطيء السلام بكافة اطيافهم وطوائفهم ومكوناتهم .
المتطلبات الاولية للمرجعيات
الدينية
لابد للمرجعيات الدينية المتصدية لشؤون الأمة ومجتمع العراق من أن
تتوفر فيها مستلزمات مهمة وأساسية منها المستلزمات التالية:
المستلزمة الاولى: أن يكون للمرجعيات الدينية خطابا سياسيا ترتبط
به مع الشعب والا فإن ضمور الخطاب السياسي سيؤدي إلى عزلتها عن الشعب
وهذا ما يتطلع اليه الاحتلال الدولي وأدواته المحليين والاقليميين.
المستلزمة الثانية: أن يكون للمرجعيات الدينية خطابا سياسيا تتصدى
به للهجمات الشرسة التي يتعرض لها العراق من دول الجوار المتعدي على
حقوق جيرانه العراقيين قديما وحديثا.
المستلزمة الثالثة: أن يكون للمرجعيات الدينية خطابا سياسيا تبلغ
فيه الدولة والحكومة العراقية والاحتلال مطالب الشعب، وابلاغها أن من
يقصر في خدمة الشعب فانما سيضطر القيادة الحازمة الحاسمة إلى التصدي
لإسقاط اية محاولة يراد منها ذبح الشعب وقتل ارادته، إن مثل هذا الخطاب
يشد من تماسك الشعب بزعامته الدينية، كما يزيد من ترابط المجتمع بعضه
بعضا، فضلا عن تصدي المرجعيات الدينية للهجوم الخارجي الذي تتطلع اليه
دول الاحتلال والتآمر الاقليمي. فيكون للمرجعية خطابها السياسي الذي
تملي على الأمة واقعها الجديد .
المستلزمة الرابعة: إن يكون للمرجعيات الدينية شورى يجمعها، ويكون
لها مجمعا فقهيا علميا من أهل الحل والعقد يكون جامعا مانعا يمثل الوسط
بينها وبين الشعب، ليبلغ خطابها ويرتبط بها من خلالها، وينشر مطلوبها،
شريطة إن يكون هذا المجمع متحررا من مؤثرات الضغوط الحزبية أو
السياسية حكومية كانت أو اقليمية أو دولية، حتى لا تكون المرجعية
محرجة في التصريح بامور تريد البوح بها وتتحرج من تبعاته السياسية
محليا أو دوليا أو اقليميا.
مما تقدم فإننا نلخص القول من أن العراقيين شعب ينقاد بالقرار
الديني ولن يمكن للقيادات السياسية إن تقوده على الاطلاق، واذا ما
انقاد يوما للإرادة السياسية سواء كانت في السلطة أو خارجها فانما هو
انقياد عن إكراه ولا يتم إلا عبر الارهاب والارعاب والتضليل وهو أمر
يزول بانقضاء التأثير وزوال المؤثر.
ثم أن العراقيين طاقة خلاقة لها من الابداع الشأن الكبير الذي
يحير عقول العالم اذا ما وُضِع قِيادُهُ في الوجه الصحيح وعلى المنهج
السليم كما راينا في ثورة العشرين، وحينما يتنصل أو يُبعّد عن قيادته
فستعبث فيه احزاب السلطة أو حتى المعارضة فتشوش عليه أمره وتضيع عليه
قراره ومصيره وتوقعه من حيرة إلى اسوأ من أختها .
إرادة الاحتلال لن ترضى لشعب مستعمّر أن يكون في طليعة الامم
المتقدمة خصوصا اذا ادركت أن له اصالة وجذورا فكرية ومناهج تاريخية
لها بُعدها الحضاري المعلوم، الأمر الذي يحدوها لأن تحول دون ارتباطه
بقيادته التي تقوده إلى شاطيء الامن وبرّ الامان، بل تزجه نحو التطور
والابداع الذي لا يتحقق إلا بالاستقلال الذاتي اضافة إلى الاستقلال
الظاهري، الأمر الذي يوجب على الزعامات المرجعية أن تكون على درجة من
النباهة والوعي الحضاري الرفيع حتى تتمكن من أن لا تخطوا خطوة لن تكون
إلا في صالح شعبها.كما يجب على الشعب التمسك بقياداته ومرجعياته تلك
ونبذ عبث العابثين ولعب اللاعبين، والاطاحة بحبائل كل الذين عملوا على
تفريغ العراق من الدور الحيوي للزعامة الدينية وما زالوا يعملون على
ذلك من أجل مصالح حزبية ضيقة واقليمية ودولية استعمارية. |