ميسان.. التاريخ المنتزع من الذاكرة العراقية

شبكة النبأ: بما يتعدى المائة موقع اثري في اراضي ميسان (العمارة -جنوب العراق) تتعرض باستمرار الى النبش واخراج اللقى الاثرية لكي تتحول الى دولارات في جيوب النابشين على حساب الإرث التاريخي لحضارة امتدت عشرات القرون، انه فعلا موت التاريخ واستلاب الذاكرة والتربص للرسالات البشرية الآتية عبر تلك الاشارات المادية والدلائل الانسانية والفنية.

لم يكن السجين (م ج) يعرف شيئا عن تهريب الآثار ولا فكر يوما بأن يتخذ منها مهنة، لكن أحد معارفه دله على تلك الكنوز المدفونة تحت التراب وحثه على أن يحفر، وكانت أول لقاه تمثال صغير بحجم راحة اليد، لم يكن (م ج) يعرف القيمة التاريخية للتمثال، لكنه عرف القيمة المادية خلال البيع، 200 دولار.

آنذاك عرف الرجل أن سرقة الآثار تدر عليه ربحا يفوق كثيرا ما يحصل عليه من الزراعة أو الكسب في السوق، وما دامت التلال مليئة بالآثار وتحتاج قليلا من الصبر والمجازفة، قرر ان يغادر مهنه السابقة ويحترف سرقة وبيع تاريخ بلاده.

بدأ بنبش التلال القريبة من قريته،... كنت أتجول بين التلال الأثرية في مناطق الطيب والبتيرة والهفه، ولم أكن أشاهد حراسا قرب هذه التلال.. ذات يوم كان يحمل في كيس من القماش لوحا طينيا لا يعرف ما كتب فيه ولا لأي عهد يعود.. يقول ألقي القبض علي في سيطرة وسط مدينة العمارة، ولولا الصدفة وربما الوشاية، لا أعتقد بان احدا كان سيتمكن من سجني.

لم يكن (م ج) أول من احترف سرقة وتهريب الآثار ولا آخرهم، فقد صارت هذه العملية مهنة الكثير ممن تركوا مهنهم الأخرى، وقدر أحد سراق الآثارأسعار القطع بين 200 الى 2500 دولار للقطعة، حسب الحجم والمادة التي صنعت منها.

لا تحتاج عملية (نبش الماضي) الى مجازفة كبيرة، فقد قال مسؤول في مفتشية آثار ميسان إن هناك 100 من أصل 380 تل أثري تتوزع في أماكن مختلفة من محافظة ميسان، متروكة بلا حراسة الآن.

وأوضح المسؤول لوكالة (أصوات العراق) ان هشاشة الحراسات على التلال الأثرية وراء سرقة العديد من القطع الأثرية النادرة، ما جعلنا نقوم بإحصاء التلال التي بلا حراسة، فاكتشفنا انها مائة وأغلبها بعيد عن سيطرة الجيش او الشرطة.

وبيّن المسؤول ان هشاشة الحراسات تأتي من ضعف الرواتب التي تمنح الى الحراس، مقابل جهود كبيرة يبذلونها.

ويضيف، أنهم يتقاضون شهريا 150 ألف دينار، وهذا المبلغ لا يشجع سكان القرى على العمل كحراس للتلال الأثرية.

وأكد المسؤول في مفتشية آثار ميسان ان الضعف في جهود الحراسة وراء ازدياد التجاوزات على المواقع الأثرية في ميسان وسرقة كنوز لا تقدر بثمن على أيدي  عصابات مجهولة.

ويقول (م ع) وهو شاب ثلاثيني ألقي عليه القبض وهو يحاول سرقة آثار من تلال سد أحمد الرفاعي (30 كم غرب العمارة) وهو الآن سجين،... ان أغلب التلال القريبة من ناحية سيد أحمد الرفاعي بلا حراسة، وهذا ما شجعني مع أصدقائي على نبش التلال وبيع ما نجده من آثار الى تجار نعرفهم في بغداد.

وتابع كنا خمسة أشخاص وقمنا خلال ثلاثة سنوات بفتح أكثر من سبع تلال، وكسبنا من ورائها مبالغ مالية ممتازة.

ويكمل.. كنا ننبش التلال ليلا لأننا نضمن عدم وجود شرطة او أناس من سكان القرى، وإذا أحسسنا بخطر فإننا نترك كل شيء ونهرب بجلودنا في طرق وعرة.

ويضيف، أنا متألم لأنه تم إلقاء القبض عليّ بسبب بعض الوشاة من معارفي.

ويقول اللواء حسين عزيز محمد قائد شرطة ميسان حول جرائم سرقة الآثار: قبل أيام قليلة ضبطت مفارزنا مجموعة من الآثار المهيئة للسرقة، ومنها جرة تراثية و10 قطع فخارية و10 قطع من النقود النحاسية وقطعتان معدنيتان وإناء معدني.

وأشار عزيز الى ان خطة جديدة اتخذت للحد من جرائم تهريب الآثار، حيث سيتم غلق الطرق التي تتوزع بين التلال وتأمين المناطق الواهنة المحيطة بها، وستقوم دوريات راجلة وآلية بمتابعة فوج طوارئ ميسان الأول، بتأمين هذه المناطق.

وأعلن قائد شرطة ميسان عن نصب كمائن في الشوارع الرئيسية التي تحيط التلال الأثرية، وتفعيل الدور الاستخباري والإيعاز لمديرية التحقيقات الجنائية لأعداد خطط مستقبلية للسيطرة على جرائم تهريب الآثار.

وعن التعاون بين مفتشية آثار ميسان والشرطة قال عزيز لا يوجد أي تعاون أو اتفاق في هذا الجانب، ونحن نقوم بعملنا بمفردنا وسبق وألقينا القبض على العديد من مهربي الأثار.

يذكر ان مدينة العمارة مركز محافظة ميسان التي تبعد 390 كم إلى الجنوب من العاصمة بغداد، تحتوي تلالا أثرية يعود معظمها الى عصر الدويلات السومرية والعصور الساسانية وعصر الدويلات العباسية، وكان بعض القطع الأثرية النادرة معروضة في متحف ميسان، ولكنها سرقت خلال انتفاضة عام 1991.

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة العراقية في العهد السابق، لم تسع الى التنقيب عن آثار ميسان خوفا من اكتشاف آثار فارسية، في فترة كان العراق يخوض معارك طاحنة مع إيران خلال الثمانينات.

ويروي احمد موكر الخزعلي رئيس مجلس الناحية، ألقيت القبض على  مجموعة من المهربين وبأيديهم تماثيل لم أشاهد شيئا بجمالها ودقة صنعها، فهددوني في حال تسليمهم الى السلطات بأنهم سيتسببون لي ولعائلتي بمشكلة عشائرية، لذلك تركتهم.

ويضيف، أغلب التلال المحاذية لناحية السلام يوجد فيها حراس، لكنهم غير فاعلين لأنهم يتقاضون أجورهم وهم نيام في بيوتهم.

احد حراس التلال نفى بعض هذا الكلام وقال ان سراق الآثار لا يأتون الى المواقع المحروسة من قبل مفتشية آثار ميسان.. اغلب سرقات الآثار تحصل في المواقع الخالية من الحراس.

وتابع الحارس حسين علي، سرقة الآثار ستستمر إذا بقي الحال على ما هو عليه في محافظة ميسان، وأكمل زعماء العشائر فقط من سيتمكنون من منع جرائم سرقة الآثار لأن للكثير منهم نفوذا وسلطة، حيث لا توجد سلطة للحكومة، وبالإمكان التعاقد معهم وأخذ ضمانات منهم لحماية التلال ولو لفترة زمنية قليلة، لأن هذا هو الحل الوحيد الذي يبقى التلال على حالها وبلا سرقات.

 وتحتل الصفحة الأولى من صحيفة الاندبندنت صورة لآثار عراقية وتقرير بعنوان انه موت التاريخ، ويستمر هذا التقرير على مدى الصفحتين الثانية والثالثة.

يتناول التقرير مصير الاثار العراقية منذ حرب الخليج الأولى وبعد الغزو الأمريكي للعراق، ويعرض الخسائر التي لحقت بالمواقع الأثرية ومحتوياتها نتيجة النهب العشوائي والمنظم.

وورد في التقرير ان بعض العاملين في دائرة الاثار ابان حكم الدكتاتور صدام قد انضموا الى عصابات النهب مستخدمين خبرتهم في البحث عن القطع الأثرية.

وقد بدأت حملات النهب للمواقع الأثرية، حسب التقرير، بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 ، حين تحركت جيوش من الناهبين الى المدن الجنوبية ونهبت محتويات 13 متحفا على الأقل، أما الان فقد أصبحت جميع المتاحف في العراق تحت سيطرة عصابات النهب، حسب التقرير.

ويورد معدو التقرير مقتطفات من تقرير اخر أعدته خبيرة الاثار اللبنانية جوان فرشخ، جاء فيها لقد دمروا ما تبقى من هذه الحضارة طمعا في الحصول على قطع أثرية يمكن بيعها، لقد دمروا مدنا قديمة تمتد على مدى 20 كلم كان يمكن لو جرى التنقيب فيها بشكل جيد أن تعطينا كما هائلا من المعلومات عن تطور الجنس البشري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 26 أيلول/2007 -13/رمضان/1428