الحلول على اساس الأمن الغذائي تحقق استقرار المجتمعات ما بعد الصراع

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: يتفق المختصون بأنه لا يمكن اقامة الأمن الغذائي في الأماكن التي دُمر فيها عن طريق النزاعات المسلحة، إلا اذا توفر الامن، وهذه هي المعضلة الكبيرة التي يواجهها الكثير من مشاريع توزيع الثروات واعادة الإعمار والمصالحة في انحاء العالم.

وظل الجوع منذ فجر التاريخ سبباً للحروب ونتيجة ناجمة عنها ايضا، ولهذا السبب بالذات، تقول عالمة الأنثروبولوجيا إلين ميسير والاختصاصي بعلم السياسة مارك كُوين، انه ينبغي النظر الى الكثير من الصراعات الحديثة على انها "حروب طعام،" وهي فكرة تطرح تحديات فريدة امام امريكا بوصفها اكبر مانح للمساعدات الغذائية في العالم.

وقالت ميسير في مقابلة أجراها معها مؤخرا موقع يو إس إنفو: إن للطعام ثقلاً أخلاقياً هائلاً في مجتمعنا، وهذا صواب. وتقاسم الطعام جزء من تاريخ طريقة حياتنا. ولا شك في أن التأكد من أن لدى الجميع ما يكفي من الطعام هو جزء من جميع التقاليد الدينية التي تشكل أميركا.

وقد قامت ميسير، وهي أستاذة في جامعة بارندايز، وكوين، وهو بحاثة لدى معهد أبحاث سياسات الطعام الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، في سياق تحريهما للرابطة بين الجوع الدائم والنزاعات المسلحة، بنشر مجموعة من المقالات في السنوات الأخيرة تدور حول المجاعات والفقر وتوزيع الموارد الغذائية بين أبناء التجمع السكاني الواحد. وقد توصلا من خلال أبحاثهما إلى وضع مفهوم "حروب الطعام"، أي عملية اقتتال طرفين متحاربين للسيطرة على مصادر الإمدادات الغذائية لمكافأة مؤيديهم ومعاقبة أعدائهم.

فقد توصلا في دراسة أجرياها في العام 2003 إلى أن أكثر من 56 مليون شخص يعيشون في 27 بلداً يواجهون "اضطرابات أمن غذائي،" بينها قطع وصول الإمدادات ونقص المواد الغذائية وسوء التغذية (السغل) بسبب النزاعات المسلحة، ويبلغ معدل ما تسببه منها 20 بالمئة. ولكنهما أشارا إلى أن منظمة الأغذية والزراعية الدولية (فاو) وجدت أن مستوى ما تسببه الحروب من انعدام الأمن الغذائي يرتفع في دول محددة بحيث يصل إلى 25 بالمئة في السودان و43 بالمئة في تانزانيا و49 بالمئة في هاييتي و70 بالمئة وأكثر في كل من أفغانستان وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) والصومال.

وقالت ميسير: اعتمدنا هذا كنقطة بداية انطلقنا منها للتمعن في مفهوم حروب الطعام، حيث يكون النزاع المسلح من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الجوع. ودرسنا الطرق العديدة التي يؤثر فيها القتال على أمن الغذاء،" كتأثيره على دخل العائلات وتدميره للمزارع والأسواق والمدارس والعيادات الصحية. كما درس الخبيران دور انعدام الأمن الغذائي كمسبب للصراعات.

وقال كوين لموقع يو إس إنفو إنه يمكن مشاهدة أهم وأكبر حروب الطعام في منطقة دارفور السودانية؛ وفي منطقة القرن الإفريقي العظمى، التي تشمل نزاعات مسلحة في إثيوبيا وإرتيريا والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ كما يمكن مشاهدتها في تمزق العائلات التي شردها القتال الدائر في العراق وأفغانستان.

وأضاف أن تحقيق الأمن الغذائي ما زال يشكل أيضاً تحدياً بالنسبة للعائلات التي شردها القتال في كمبوديا من منازلها، وبالنسبة لعدد من الدول التي أصبحت في مرحلة ما بعد القتال، مثل صربيا والبوسنة-الهرسك وطاجيكستان، حيث ينطوي تحدي الأمن الغذائي على تداعيات خطيرة بالنسبة لمستقبل هذه الدول.

فصم الرابطة بين الجوع والنزاعات المسلحة

وقالت ميسير إنه يتعين، لفصم الرابطة بين الجوع والنزاعات المسلحة، أن تنشط جهود الإغاثة في مسارين مختلفين في نفس الوقت: تقليص انعدام الأمن الغذائي بمعالجة أمر النقص من خلال المساعدات الغذائية، وفي نفس الوقت زيادة الأمن الغذائي من خلال مساعدة السكان المحليين على إنتاج محاصيلهم الزراعية بطرق أكثر فعالية وتعزيز اقتصاد المنطقة التي يعيشون فيها بطرق تقلص إمكانية حدوث وقوع قتال في المستقبل.

وأوضحت أنه يمكن استخدام الأغذية كخطاف (كُلاب) لتعزيز القدرات الأخرى، البرامج الصحية والبرامج المولدة للدخل والبرامج التعليمية، وهي طريقة مهمة أخرى تستخدم فيها الأغذية.

واعتبر كل من ميسير وكوين أنه يمكن للمساعدات الغذائية، من خلال ضمانها للأمن الغذائي الأساسي، أن تعزز الاستقرار وأن تساعد المجتمعات المحلية في مقاومة الدعوات الجديدة للقيام بعمليات عنف مسلح أو تجنيد الأعضاء الجدد التي يصدرها الإرهابيون الذين يستغلون مظالم المجتمعات المحلية لتبرير الهجمات.

وأشار كوين إلى أنه في أعقاب أمواج التسونامي العاتية التي ضربت جنوب آسيا في العام 2004، أدت جهود الإغاثة المشتركة التي قامت بها قوات الحكومة والمتمردون في إقليم آتشه الإندونيسي إلى اتفاقية سلام في العام 2005، مما يشكل دليلاً على أنه يمكن للمعونات الغذائية أن توحد بين المتحاربين. ولكنه أقر بأن الأمن الغذائي ما هو إلا واحد من المعطيات المتغيرة في المعادلة، ومد بصره عبر خليج البنغال إلى سريلانكا حيث استؤنف القتال بعد فترة توقف، لإعطاء مثال على ذلك.

وأوضح كوين إن جهد توفير الأمن الغذائي يمكن أن يكون مهماً في حفز عملية السلام، إلا أنه من الواضح أنه غير كاف لتحقيقه. وأشار إلى أن إقامة السلام تتطلب اعتماد نهج شمولي يدمج بين برامج إغاثة مختلفة في المجتمعات التي أصبحت في فترة ما بعد القتال.

ومضى إلى القول إن المعونات الغذائية تلعب دوراً هاماً بشكل خاص في الأشهر القليلة التالية لتوقف القتال حين يلف الغموض الوضع، أثناء عودة العائلات المشردة والمحاربين إلى ديارهم بانتظار الغلال الجديدة الأولى.

وقال: من الواضح أن هذا مكان تشكل فيه المعونات الغذائية نوعاً ملائماً من التدخل. والأمر الأكثر أهمية هو ربطها بإزالة الألغام، وربما بالإصلاح الزراعي وإعادة بناء البنية التحتية.

وأضاف كوين أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مهماً بوصفها أكبر مانح للمساعدات الإنسانية الغذائية، إلا أنه يجب عليها القيام بالمزيد، من خلال شراكتها مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، للدمج بين المعونات الغذائية العاجلة لمواجهة الطوارئ وحل النزاعات.

وقالت ميسير: لا يمكن للنشاطات الغذائية، أي إقامة الأمن الغذائي في الأماكن التي دمر فيها عن طريق النزاعات المسلحة، أن تمضي قدماً إلا إذا توفر الأمن، وهذه هي المعضلة المحيرة التي يواجهها الكثير جداً من مشاريع إعادة الإعمار والمصالحة في انحاء العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18 أيلول/2007 -5/رمضان/1428