ربما يكون هذا الموضوع مكررا فقد تحدث به الكثيرون من مختلف الفئات
والاتجاهات وقد كتبت قبل أربعة أعوام مقالا بنفس العنوان في جريدة
البيان العراقية.
وما أعاد هذا الموضوع الى الذاكرة ((الكتابية)) ما شاهدته في أحداث
كربلاء من خلال الاقراص المدمجة التي بلغ تصويرها أكثر من ساعة.
وربما اُكرر القول عن روح المواطنة التي ربطها الكثيرون
بالحكومة،وقد حاول النظام البائد ربط الدولة بشخص الحاكم فقط دون غيره
((اذا قال صدام قال العراق)) وكانت الوطنية تُقاس بمدى إخلاص المواطن
للحاكم،حتى أدبيات الحزب البائد كانت تصب في هذا الاتجاه وهو ما ولد
نوعا من الرفض الداخلي لكل ما يمت للدولة بصلة.
وقد تجلى ذلك الفهم واضحا في أحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة
عام 1991 حيث كانت توجهات بعض ((الثائرين))انتقامية ضد مؤسسات الدولة
وأجهزتها الخدمية وهو ما تم استغلاله من قبل الالة الاعلامية أنذاك
للنيل من أهداف هذه الانتفاضة العظيمة وما قام به المنتفضون من كسر
حاجز ((الخوف)) من سطوة ذاك النظام المتسلط على رقاب الجماهير.
وفي أحداث كربلاء الاخيرة وبعد المشاهد المؤلمة للتخريب وحرق
ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب وجدت أننا ما زلنا لانفرق بين
الدولة والحكومة ولانفرق بين الممتلكات العامة والمتتلكات الخاصة
ولانفرق بين المؤسسات الخدمية وغيرها.
وقد أشار بعض الكتاب الى حالة الاقصاء والتهميش كسبب ((نفسي)) كان
نتيجتها هذه الافرازات في أحداث كربلاء وربما هناك أسبابا اخرى.
وما اُسجله في هذا المجال أن هذه الأحداث كشفت الخلل الذي لم يتم
علاجه من قبل المختصين من الذين يرتقون المنابر ومن المثقفين
والسياسيين بالرغم من الكتابات التي تناولت
روح المواطنة والولاء للوطن،إلا أن علاجا ناجعا لهذا المرض مازال
غير متوفرا حتى هذه اللحظة وأن التثقيف في هذا المجال مازال غير مستوف
للشروط لنتحول من حالة السلب الى الايجاب.
وقد اُشير الى أن النخب المثقفة والسياسية مازالت لاتولي هذا الجانب
الاهتمام الكافي وربما يوقع بعضهم على شيك من بياض لكي يصل الى مبتغاه
ووصوله الى (( طموحه ))السياسي.
وربما يرى بعض المواطنيين أن ((مثله الاعلى))لايكترث بممتلكات
الدولة ولايفكر حتى الاستقرار في وطنه فكيف أطلب منه أن يحرص على هذه
الممتلكات!!؟
وربما يرى بعض المواطنيين ((مثله الاعلى)) ونخبه تؤسس لمستقبلها
خارج العراق فكيف تطالبه بالولاء للوطن وحبه!!؟
وربما يعترض البعض على هذا التوصيف في مسألة الخلل في مفهوم
المواطنة وإرجاع بعض أسبابه الى المتصدين من ((رجال الدين)) وللاجابة
عن هذا الامر أقول: ألم يكن المشاركين في أحداث كربلاء من الذين أتوا
لتأدية مراسم الزيارة بوازع ديني ؟
وبغض النظر عن التنظيم لهذه العملية والتحضيرات المسبقة لجهات
معروفة نتساءل كيف يترك ((الشرطي )) سيارته العسكرية وهو الذي كان
يستخدمها في تلبية حاجاته ((المنزلية )) والخاصة بعد الدوام بالاضافة
الى استخدامها في الاغراض الرسمية ؟
ألا يعني ذلك أن هذا الشخص لايشعر بأن هذه ((السيارة)) ليست ملكه
وانما ملك الدولة وهو لايمت لهذه الدولة بصلة،وقد أتطرف قليلا فقد
يعتبرها بعضهم حكومة ظالمة )) ولذلك لابد من اضعافها وتخريب
ممتلكاتها!!
ولوكنت مسؤولا لامرت بتغريم كل من ترك ((سيارة أو سلاحا أو بناية
وهرب غير مكترث بها))
وهناك أمثلة اخرى ولا اريد أن أتعمق بالامثلة بقدر ما أسعى الى
تشخيص حالة مرضية بحاجة الى وقفة علمائية ووقفة جريئة من قبل المثقفين
لمثل ما حصل في كربلاء.
فما زال بعضنا يبحث في الاشكالات السياسية والولاءات الحزبية تاركا
العلاج والمرض كما هما حيث المرض مستفحل ولاعلاج ناجع في هذا الظرف.
لاننا لانمتلك الارادة الحقيقية لازالة بعض المفاهيم الخاطئة نحو
الوطن والدولة والحكومة وإلا ما معنى أن احرق بناية صغيرة خدمية
للتعبير عن رفضي للحكومة وكأن الحكومة هي المالكة لها،ولابد من القول
إن من اعتدى على المؤسسات الخدمية جاهلا أو متعمدا فقد اعتدى على حقوقي
وممتلكاتي كمواطن.
وبعد أحداث كربلاء لابد من دراسة الاسباب الاجتماعية لمعالجة هذه
الظواهر المرضية وبحاجة الى تثقيف واعي لمسالة الملكية العامة وملكية
الدولة وإن كانت هناك(( فتاوي)) في هذا المجال فلابد من شرحها والتفريق
بين الزمان والمكان لمثل هذه الفتاوي.
وفي الختام أتساءل هل ستكون أحداث كربلاء الحد الفاصل للتفريق بين
الدولة والحكومة ومعرفة معنى الولاء للوطن ومعرفة معنى الملكية العامة
؟
أم إننا ننتظر أحداثا اخرى أشد إيلاما لكي نبحث عن حلول !!تساؤل
نضعه أمام الفقهاء أولا وامام خطباء الجمعة وأمام السياسين والمثقفين
لمعالجة هذا الخلل والخروج بحلول ناجعة لكي لاتتكرر المأساة ولكي
لانكرر ما كتبناه مرة اخرى.
[email protected] |