شبكة النبأ: لقد كتبت كثير من البحوث
حول تاثر اللغات الاخرى بالعربية إلا انه من النادر ان يتصدى لموضوعة
التاثير للغة العربية في اللغات الأخرى من رجالات اللغات الاخرى نفسها
ويحمد فضل اللغة العربية في اللغة الانكليزية على وجه التحديد.
فقد نشرت المجلة الإلكترونية، ديناميكية اللغة، مقالا بقلم ألان
بيم-سميث وهو كاتب مستقل عمل فترة طويلة كأستاذ وصحفي في السعودية ودول
الخليج. وهو يعيش الآن في تركيا يبد بعض ملاحظاته ويقول:
كم تعرف من الكلمات الإنجليزية المشتقة من العربية؟ الجواب الفوري
هو، عدد لا بأس به: إنها الكلمات الإنجليزية المرادفة بالعربية لكلمات
مسجد ومئذنة، بدوي وشيخ، خليفة وسلطان، على سبيل المثال لا الحصر،
وسواء كان المرء ملماً باللغة العربية أم لا فإنه لن يخطئ إن افترض أن
هذه الكلمات مأخوذة من العربية لأنها تشير إلى أمور عربية، تماماً مثل
الكلمات الإنجليزية التي تشير إلى الجمل والوادي والدهو.
وفي حين أن بعض الكلمات الإنجليزية تكون أحياناً مطابقة تماماً
تقريباً لأصلها العربي، انحرف البعض الآخر إلى حدّ ما من حيث اللفظ أو
المعنى. فكلمة mosque لا تشبه في لفظها كلمة مسجد، ويمكن استخدام كلمة
"Bedouin" الإنجليزية كمفرد في حين أنها مأخوذة في الواقع من كلمة
بدوان، جمع بدوي. وكلمة "dhow" مأخوذة من كلمة الدهو، وإن كانت هذه
الكلمة غير مألوفة الآن للكثير من العرب.
يقول الكاتب، لا غرابة في الأمر حتى الآن، فجميع الكلمات المذكورة
تشير إلى جوانب في الحياة العربية الإسلامية، ومن الطبيعي أن يتم
التعبير عنها بالتالي باللغة العربية، ولكن ما قد يثير الدهشة هو أن
بعض الأمور المألوفة إلى حد أكبر اليوم، كبعض أنواع الفواكه والخضار
العادية، كانت في يوم من الأيام دخيلة وغريبة، فأسماء فاكهة المشمش
والبرتقال والليمون الحامض والليم وخضار الخرشوف أو الأرضي شوكي
والسبانخ والباذنجان باللغة الإنجليزية مأخوذة جميعها من العربية، رغم
أنها لم تعد غريبة المذاق أو الاسم بالنسبة للغربيين، فكلمة "lemon،"
على سبيل المثال، دخلت الإنجليزية في العصور الوسطى عن طريق اللغة
الفرنسية المتوسطة (التي كانت مستخدمة من القرن 14 حتى القرن 16) وقبل
ذلك عن طريق اللاتينية المتوسطة، دون أي تغيير يُذكر في اللفظ من كلمة
ليمون العربية. أما كلمة "artichoke"، من الجهة الأخرى، فيكاد المرء لا
يجد أي تشابه بينها وبين كلمة الخرشوف العربية التي دخلت الإنجليزية عن
طريق اللغة الإيطالية.
ويضيف الكاتب، هناك في الواقع مئات من الكلمات العربية التي تمت
استعارتها في اللغة الإنجليزية وإن كانت قلة منها فقط هي التي وصلت من
العربية مباشرة إلى الإنجليزية. فقد كانت الكلمات العربية تدخل اللغة
الإنجليزية في معظم الأحيان مقنعة بقناع فرنسي أو إسباني أو إيطالي أو
لاتيني. وقد ظلت اللغة الإنجليزية طوال الألف عام الماضية شرهة في
انتحال عناصر أجنبية، وتشكل الكلمات الإنجليزية ذات الأصل الفرنسي أو
اللاتيني حالياً حوالى نصف المفردات الإنجليزية. وقد كانت الفرنسية لغة
البلاط الإنجليزي والنبلاء الإنجليز والبرلمان الإنجليزي طوال 300 عام
على الأقل عقب الفتح النورمندي لإنجلترا في العام 1066، وظلت لغة
القانون في إنجلترا حتى العام 1731.
وهكذا دخلت الكلمات العربية إلى اللغة الإنجليزية في العصور الوسطى
إذن عبر اللغة الفرنسية في معظم الأحيان. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه
بالنسبة لهذه الكلمات هو أنها تعابير فنية أو تقنية تتعلق بشكل خاص
بالرياضيات وعلم الفلك والكيمياء. وكلمة "alchemy" نفسها دخلت اللغة
الإنجليزية في أوائل القرن الرابع عشر، وقد حافظت على شكل الكلمة
العربية "الكيمياء،" التي اشتُقت بدورها من الإغريقية، دون أي تغيير
تقريبا.
وقد دخلت كلمات Alkali, algorithm, alembic, almanac المعجم
الإنجليزي من العربية في نفس الوقت. ويلاحظ فيها جميعاً وجود أل
التعريف العربية فيها. وهكذا فإن alkali مشتقة من القلي، التي تورد
المعاجم معناها على أنه "رماد نبات الحرض" (وهو جنس نباتات تستخرج منه
كربونات الصودا التجارية.) أما كلمة alembic فمأخوذة من كلمة الإنبيق
وهو جهاز التقطير.
ويضيف الكاتب، كانت الحضارة العربية-الإسلامية في أوجها في العصور
الوسطى، وظلت اللغة العربية لخمسمئة عام أو ما يناهز ذلك لغة المعرفة
والثقافة والتقدم الفكري. وتمت ترجمة معظم المؤلفات الإغريقية
الكلاسيكية العلمية والفلسفية إلى العربية في القرن التاسع. وانطلاقاً
من هذا الأساس، حقق العلماء العرب في مجالات الدراسات الثقافية أو
الإنسانية والعلوم والطب والرياضيات تقدماً كبيراً في المعرفة تم نقله
بعد ذلك إلى أوروبا الغربية عن طريق الجامعات الإسلامية في إسبانيا.
فنحن (أي الغربيين) مدينون، على سبيل المثال، لعلماء الرياضيات العرب
بنظام الحساب بالكسور العشرية، المبني على أساس مفهوم الصفر الهندي،
وكلمة zero ورديفتها cipher مأخوذتان من كلمة صفر العربية التي تعني
"خاوي."
وكان تعلم اللغة العربية شائعاً على نطاق واسع في إنجلترا العصور
الوسطى من القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر، بل وحتى بعد ذلك.
وقد قام أبيلارد، من مدينة باث، الذي كان آنذاك من أهم أهل العلم
والمعرفة في أوروبا، بترجمة جداول الخوارزمي الفلكية من العربية إلى
اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، ودخل تعبيران مألوفان في
الرياضيات اللغة الإنجليزية بهذه الطريقة: algebra و algorithm.
ويضيف الكاتب، اشتقت كلمة ألغوريثم من اسم الخوارزمي نفسه، في حين
أن ألجبرا مأخوذة من كلمة الجبر التي تعني إعادة وصل الأجزاء المكسورة،
وهي كلمة وردت في أحد مؤلفات الخوارزمي، حساب الجبر والمقابلة. كما
تستخدم كلمتا الجبر العربية وألجبرا الإنجليزية بمعنى معالجة العظام
المكسورة بالجراحة وتقويم أو تجبير العظام المكسورة، ويورد معجم
أوكسفورد إنجلش ديكشنري، الذي يورد المعاني متسلسلة حسب استخدامها
تاريخيا، معنى معالجة الكسور بالجراحة كمعنى أول مستشهداً بما ورد في
العام 1565 من أن: "هذه الكلمة العربية تستخدم لتشير إلى كسور العظام،
وهلم جرا، وأيضاً إلى تجبيرها.
وكان أحد أعظم الإسهامات التي قدمها العلماء العرب لتوسعة نطاق
المعرفة تطويرهم علم الفلك. وعندما ينظر المرء اليوم إلى خريطة حديثة
للنجوم يشاهد مئات النجوم التي اشتقت أسماؤها من العربية: وما Altair,
Aldebaran, Betelguese, Vega, Rigel, Algol إلا حفنة قليلة منها.
واشتقاق الأسماء الثلاثة الأخيرة، فيغا وريغل والغول، مثير للفضول
والاهتمام. فهي كلها مشتقة من كلمة الغول العربية، التي دخلت
الإنجليزية بنفس اللفظ "ghoul" واشتقت منها الصفة "ghoulish." وقد أطلق
العرب اسم الغول على النجم Algol لمظهره الشبيه بالشبح، لأنه يبدو،
لكونه نجماً ثنائياً كاسفا، ضبابياً ويتغير سطوعه كل يومين. وعلاوة على
أسماء النجوم، نجد الكثير من التعابير الفلكية، وبينها zenith (السمت
أو الذروة) وnadir (النظير، نظير السمت) وazimuth (السمت أو زاوية
السمت)، المشتقة من العربية.
وكلمتا elixir (الإكسير) وtalisman (الطلسم) هما في الأصل كلمتان
عربيتان استخدمتا في علم الكيمياء القديمة، بينما اشتقت كلمة almanac
(الروزنامة أو التقويم) من كلمة المناخ التي كانت مستخدمة في علم
الفلك. ومن الكلمات الفنية الأخرى caliper و caliber و aniline و
marcasite و camphor. أضف إلى ذلك أن الحجارة الكريمة توزن بالقيراط
(carat) والورق بالرزمات (ream) بفضل العرب: فالقيراط وحدة وزن صغيرة
والرزمة هي حزمة. وهناك كلمتان أخريان تثيران الاهتمام في هذه الفئة
هما average و alcohol. فالأولى التي تستخدم في الإنجليزية إشارة إلى
مفهوم رياضي مألوف، مشتقة في الواقع بشكل غامض من العوار بمعنى البضاعة
التي فيها عورة أو عيب. وقد استخدمت إذ كان يتعين توزيع كلفة البضائع
التي تضررت أثناء نقلها بطريق البحر على نحو متناسب (أي averaged) بين
أطراف مختلفة في التجارة.
أما في ما يتعلق بكلمة alcohol أو الكحول فهي مشتقة من كلمة الكحل.
والعلاقة بين ما تعنيه الكلمتين اليوم ليست واضحة للعيان، ولكن المرء
يرى الرابطة عندما يفكر بمسحوق الكحل، وهو عادة كبريتيد الأنتيمون، على
أنه جوهر أو روح المادة النقية. والواقع هو أن كلمة alcohol ظلت تستعمل
بمعنى جوهر أو روح المادة حتى في أواخر القرن التاسع عشر عندما وصف
الشاعر سامويل كولريدج، في إحدى مقالاته عن شكسبير، الوغد إياغو بأنه
"the very alcohol of egotism."
ويختتم الكاتب بالقول، تشير كثرة الكلمات العلمية والتقنية التي
دخلت اللغة الإنجليزية من العربية في العصور الوسطى، وهي مصيبة في تلك
الإشارة، إلى تفوق الحضارة العربية-الإسلامية بشكل عام في مجال
الإنجازات العلمية في هذه الفترة. ومن الأمور التي تظهر ذلك أيضاً كون
فئة الكلمات العربية التالية تشير إلى تفوق عربي من حيث رغد العيش
والترف والتنعم، وبالتالي، إلى مستوى حياة أفضل. |