هل يكره العرب امريكا... ولماذا؟

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: بعد احداث 11 سبتمبر واعلان امريكا الحرب العالمية على الإرهاب وما تبعها من تداعيات غيرت الخارطة السياسية في الشرق الاوسط اصبح الامريكيون ادارة وشعب أمام سؤالين كبيرين في العلاقة مع العرب، الأول هو سؤال الكراهية وجوهره لماذا يكرهوننا؟، والثاني هو سؤال الصورة، وجوهره: كيف يمكن تصحيح صورتنا لدى العرب؟. 

وشهدت مرحلة ما بعد سبتمبر جهودا أمريكية حثيثة، قامت بها الإدارة الأمريكية جنبا إلى جنب مع المؤسسات البحثية والأكاديمية، بهدف التعرف على صورة الولايات المتحدة في العالم العربي، وتحسين تلك الصورة،  وبهدف الإجابة على سؤال: لماذا يكرهوننا؟، إلا أن هذه السياسات، والدراسات أيضا، وقعت في ثلاثة أخطاء مهمة. بحسب موقع تقرير واشنطن.

الخطأ الأول هو صياغة صورة نمطية للولايات المتحدة تتجاهل زوايا وأبعاد تفصيلية مهمة في تلك الصورة، وتتجاهل طبيعتها المركبة والمعقدة.

من أمثلة ذلك إغفال النظرة العربية المركبة لأمريكا باعتبارها، من ناحية، الدولة الديمقراطية الحرة التي تعد نموذجا مهما في هذا المجال، والنظر إليها، في الوقت ذاته، باعتبارها مصدر مهم لأزمات المنطقة.

فالتقييم السلبي للسياسات الأمريكية في المنطقة لم يحل دون احتلال الولايات المتحدة – كنموذج سياسي وثقافي- لموقع متقدم نسبيا في ترتيب أفضليات الرأي العام العربي، الأمر الذي يعني ضرورة الحديث عن صورتين – على الأقل - متمايزتين لأمريكا، إحداهما "سياسية" سلبية، والأخرى "ثقافية- اجتماعية" إيجابية إلى حد كبير.  

الخطأ الثاني هو عدم ارتباط جهود تصحيح تلك الصورة بمصادر تشكيلها وتكوينها، ففي الوقت الذي أكدت فيه دراسات واستطلاعات الرأي العام مسئولية المصادر السياسية في تشكيل هذه الصورة السلبية، خاصة السياسات الأمريكية تجاه العراق وفلسطين، إلا أن هذه الجهود لازالت تركز على الأبعاد غير السياسية في المقام الأول. وفي الحالات التي ارتبطت فيها تلك الجهود بالمجال السياسي فإنها لم تعتمد على إدخال تغييرات جوهرية في السياسات الأمريكية في المنطقة بقدر ما اعتمدت على الأدوات الدبلوماسية والاعلامية. 

الخطأ الثالث، أن الكثير من الدراسات الأمريكية التي حاولت التعرف على صورة الولايات المتحدة في العالم العربي، والإسلامي عموما، قامت ببناء هذه الصورة بمعزل عن صورة الولايات المتحدة في العالم بشكل عام. وافترضت الكثير من الدراسات واستطلاعات الرأي الأمريكية أن الصورة السلبية للولايات المتحدة حكر على الشعوب الإسلامية فقط. وخطورة هذا الاختزال أنه يدفع بسهولة نحو استنتاج أن كراهية الشعوب العربية (والإسلامية) للولايات المتحدة ترتبط بطبيعة الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي، وهو استنتاج خاطئ يختزل الصدام بين أمريكا والعرب في صدام بين أمريكا والإسلام.

وهكذا، فإن الولايات المتحدة والشعب الأمريكي أصبحا أمام سؤالين كبيرين في العلاقة مع العرب: الأول هو سؤال الكراهية وجوهره لماذا يكرهوننا؟، والثاني هو سؤال الصورة، وجوهره: "كيف يمكن تصحيح صورتنا لدى العرب؟". 

وفي محاولة من جانب "رؤى عربية" في تقديم إجابات، مباشرة أو غير مباشرة، على هذين السؤالين بواسطة عدد من الكتاب العرب المتخصصين في مجالات الإعلام، والرأي العام، والتنمية، والعلاقات الدولية، والتحول الديمقراطي. وتتوزع مقالات العدد على قسمين رئيسيين.

القسم الأول: كيف ينظر العرب إلى الولايات المتحدة؟

تحاول مقالات هذا القسم الإجابة على سؤال: كيف يرى العرب الولايات المتحدة؟ ويشير المقال الأول الذي كتبه صبحي عسيلة (مصر) - استنادا إلى عدد من استطلاعات الرأي التي أجريت في مصر والأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية- إلى أن تشريحا أكثر دقة لصورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العربي، يكشف عن أبعاد إيجابية مهمة في تلك الصورة، ففي الوقت الذي يعبر فيه الرأي العام العربي بأغلبية واضحة عن مشاعر سلبية إزاء الولايات المتحدة، إلا أنه يميز بوضوح بين تلك المشاعر من ناحية، وأنماط التفاعل الأخرى مع الثقافة والمجتمع الأمريكيين (الدراسة، السياحة، السينما الأمريكية، الهجرة إلى أمريكا، شراء السلع والمنتجات الأمريكية .الخ) والتي يتبنى إزائها مواقفا إيجابية.

وينتهي عسيلة هنا إلى أنه إذا كانت تفضيلات الرأي العام في مجالات السياحة والتعليم والعلاج والهجرة .الخ يجب ألا تؤخذ على أنها تعبير عن "حب" للولايات المتحدة، فإن المشاعر السلبية التي يحملها الرأي العام تجاه الولايات المتحدة يجب أيضا ألا تؤخذ على أنها تعبير عن كره أصيل للدولة الأمريكية والشعب الأمريكي لذاتهما.

أما فيما يتعلق بالصحافة العربية، فقد خلص حسام محمد (مصر) اعتمادا على تحليل مضمون عدد من الصحف المصرية الصادرة خلال الفترة (يوليو 2003 - يوليو 2004)، وعينة من برامج قناتي الجزيرة والعربية خلال الفترة (يونيو - ديسمبر 2004) إلى سيطرة الاتجاهات السلبية تجاه الولايات المتحدة مقابل تراجع في نسبة الاتجاهات الإيجابية والمتوازنة والمحايدة. وقد أرجع حسام سيطرة التوجه السلبي إلى غلبه اهتمام الصحافة بالسياسية الخارجية الأمريكية، مقابل تراجع الاهتمام بالقضايا الأمريكية الأخرى (الداخل الأمريكي، الاقتصاد الأمريكي.الخ). هذا بالإضافة إلى غلبة الاتجاهات الفكرية القومية والإسلامية واليسارية على عدد كبير من الكتاب والصحفيين. وقد رسمت الصحافة المصرية صورة للولايات المتحدة تقوم على أربعة خصائص أساسية: أ- أن الولايات المتحدة دولة فوق القانون تهدف إلى الهيمنة على المقدرات العربية. ب- أنها دولة غازية عدوانية. ج- أنها دولة منحازة لإسرائيل. د- أنها دولة فاقدة المصداقية في مجال الدفاع على الديمقراطية. ولم تختلف هذه الصورة عن تلك التي قدمتها القنوات الفضائية العربية.

ولم تختلف الاستنتاجات التي وصل إليها خالد السرجاني (مصر) حول صورة أمريكا في السينما المصرية، كثيرا عن الاستنتاجات السابقة، خاصة فيما يتعلق بدور العامل السياسي في تشكيل هذه الصورة. ويشير السرجاني إلى أن موقف السينمائيين المصريين من أمريكا قد خضع لعوامل موضوعية وذاتية متعددة، كان أهمها تطورات الصراع العربي- الإسرائيلي الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دروا رئيسا منذ الخمسينيات. أضف إلى ذلك الانتماء السياسي للمخرجين، وهو ما يتضح من متابعة الأفلام التي قدمها مخرجو تيار الواقعية الجديدة، والذي انتمى معظم رموزه إلى اليسار، وصنعوا أفلامهم في فترة الحرب الباردة، وهو ما انعكس على أفلامهم وعلى الرؤية التي قدموها لأمريكا. كذلك لعبت القيم المصرية والعربية التي تربى عليها هؤلاء المخرجون دورا مهما في تشكيل تلك الصورة، ففي مرحلة ما كانت هذه الصورة السلبية جزءا من الرؤية السائدة في السينما المصرية حول معاداة الحداثة والمغامرة. وبالطبع فإن العلاقة مع الغرب – وأمريكا جزء منه- وهى علاقة ملتبسة بالنسبة للعقل العربي، لعبت هي الأخرى دورا مؤثرا في تشكيل هذه الصورة.

ويستعرض المقال جوانب صورة الولايات المتحدة في السينما المصرية من خلال قراءة لعدد من الأفلام المصرية المهمة في سياقاتها السياسية والتاريخية والاجتماعية التي التي انتجت فيها. وتشمل تلك الأفلام: "أمريكاني من طنطا"، "العصفور"، "أسكندرية ليه؟"، "حدوته مصرية"، "إسكندرية كمان وكمان"، "إسكندرية نيويورك"، "الآخر"، "أرض الأحلام"، "أمريكا شيكا بيكا"، "هاللو أمريكا"، "تايه في أمريكا"، "ليلة سقوط بغداد"، "معلش إحنا بنتبهدل".

وأخيرا يتناول المقال الرابع الذي كتبه محمد فايز فرحات (مصر) صورة أمريكا في المدونات وغرف الدردشة العربية. ويشير المقال ابتداء إلى تراجع المساحة المخصصة للولايات المتحدة في المدونات وغرف الدردشة العربية. ويعزو ذلك إلى حداثة ظاهرة المدونات العربية بشكل عام، والسياق الذي نشأت فيه هذه الظاهرة، من حيث طغيان قضية الإصلاح السياسي. وينتهي المقال إلى أنه لا يمكن الحديث عن صورة واحدة لأمريكا في المدونات العربية؛ فصورة أمريكا لدى المدونين الإسلاميين تختلف عن صورتها لدى المدونين الليبراليين. كما أن القضايا "الأمريكية" التي يثيرها المدونون الإسلاميين تختلف عن تلك التي يثيرها المدونون الليبراليون. أيضا، فإن الأهمية النسبية التي يوليها المدونون العراقيون للقضايا والسياسات الأمريكية تختلف عن تلك التي يوليها لها المدونون المصريون. ومن ثم، فإن رسم صورة متكاملة الأبعاد لأمريكا في المدونات العربية هي عملية شديدة التعقيد يجب أن تأخذ في اعتبارها جميع تلك التمايزات.

القسم الثاني: بعيدا عن نظريات المؤامرة: لماذا يكره العرب الولايات المتحدة؟

يركز هذا القسم من خلال ثلاث مقالات أساسية على مصادر الصورة السلبية للولايات المتحدة في العالم العربي. ويتناول المقال الأول، الذي كتبه ماجد الكيالي (فلسطين) دور السياسة الأمريكية في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي في هذا المجال. ويشير الكيالي أن السياسة الأمريكية المحابية لإسرائيل لعبت دورا كبيرا في تغذية صورتها السلبية لدى العالم العربي، بسبب المكانة المتميزة للقضية الفلسطينية في العالم العربي، وبحكم تداخلها مع النوازع والطموحات القومية، ولكونها امتدادا لتراث مرحلة التحرر من الاستعمار الخارجي، وارتباطها بنزعة التحرر من الإمبريالية، حيث نظرت كل التيارات السياسية والأيدلوجية العاملة في الحقل السياسي والاجتماعي العربي قضية فلسطين باعتبارها قضيتها الخاصة. وإجمالا، يرى الكيالي أن السياسات الأمريكية المحابية لإسرائيل أدت إلى حدوث نوع من التداخل والتطابق النسبي لدى العقل السياسي العربي بين سياسات إسرائيل والسياسات الأمريكية، في كثير من الأحوال.

أما المقال الثاني والذي كتبه سيف صلاح نصراوي (العراق) فقد تناول خبرة الاحتلال الأمريكي للعراق ومآل المشروع الأمريكي هناك في تكريس الصورة السلبية لأمريكا في المنطقة. وانطلاقا من توصيف الحالة الأمنية الراهنة في العراق بأنها حالة "حرب أهلية"، حاول نصراوي وضع عدد من السيناريوهات لمستقبل هذه الحرب ومستقبل الدولة العراقية، حيث طرح سيناريوهين رئيسيين، الأول هو سيناريو نجاح السياسة الأمريكية في إنهاء حالة الحرب الأهلية والحفاظ على وحدة البلاد. السيناريو الثاني هو اشتعال حرب أهلية شاملة قد تنتهي إلى تقسيم العراق. ويتفرع عن السيناريو الأخير عدد من السيناريوهات الفرعية، تتراوح بين تمكن فصيل محدد من فرض سلطته ونفوذه على جميع الأراضي العراقية، أو وصول القوى العراقية المتصارعة إلى صيغة تراضي مشتركة، أو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات. ويناقش المقال فرص تحقق كل سيناريو من هذه السيناريوهات.

ناقش المقال الثالث الذي كتبته هناء عبيد (مصر) العلاقة بين المساعدات الأمريكية وصورة أمريكا في العالم العربي، وأشارت فيه بشكل خاص إلى المفارقات المهمة في هذا الإطار، والتي أصبحت أكثر وضوحا في مرحلة ما بعد سبتمبر 2001، خاصة التناقض بين الحاجة إلى استخدام المساعدات لضمان تعاون الدول العربية الحليفة من ناحية، والحاجة إلى توجيه الجزء الأكبر من تلك المساعدات إلى مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لنشر الديمقراطية في المنطقة، وعدم وجود علاقة واضحة بين حجم المساعدات المقدمة للدول العربية وموقف الرأي العام من الولايات المتحدة في تلك الدول، بل أنه من المفارقات المهمة أن الدول الأكثر استقبالا للمساعدات هي التي يسود فيها رأي عام مضاد للولايات المتحدة. ويتناول المقال تجربة المساعدات الأمريكية لمصر كدارسة حالة مهمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11 أيلول/2007 -28/شعبان/1428