جاء الإعلان عن صفقة السلاح الأمريكي للمنطقة ليكشف عن تحالف أمريكي
عربي قديم لمواجهة إيران التي (تهدد المنطقة وترغب في تغيير الخارطة
الثقافية للعالم العربي).
بالأمس كانوا يتحدثون عن الدور الذي يقوم به حزب الله في تخريب
الدولة العربية الحديثة والآن يتحدثون عن الخارطة الثقافية للعالم
العربي التي (تنفق إيران المليارات لتغييرها)؟؟!!.
من أين يأتي هؤلاء الخبراء بهذه المصطلحات الضخمة ذات الألوان
الزاهية؟؟!!.
وبينما يواصل الطائفيون العرب التنديد بالطائفية في العراق تأتي هذه
الحملة لتصور الشيعة العرب الأقحاح وكأنهم طابور إيراني خامس مندس بل
ويتعين التعامل معهم باعتبارهم دخلاء يتعين الحد من نشاطهم ولا مانع من
التنكيل بهم إذا لزم الأمر.
الزج بالقضية المذهبية وجعلها جزءا من الصراع فضلا عن جر هذا الصراع
إلى الداخل العربي بعد أن كان مقصورا على البُوابة الشرقية للأمة
العربية يشكل خطأ تاريخيا فادحا يتعين تجنبه قبل فوات الأوان فضلا عن
أنه يفقد العرب حجتهم الأساسية عندما يطالبون بمنح السنة في العراق حصة
عادلة من السلطة والثروة.
ورغم أن المتحدثين العرب باسم التحالف (على عكس الإعلام الغربي) في
حيرة من أمرهم ولا يعلنون صراحة عن هذه الرؤية - وهذا شيء إيجابي- إلا
أن الأعمال والتصرفات تغني عن الأقوال.
عندما ظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهاية سبعينات القرن
الماضي وجهت جهودها إلى دعم حركات التغيير في العالم الإسلامي وإقامة
روابط وثيقة معها (اتفقنا مع هذا أم لم نتفق) وأغلب هذه الحركات لم تكن
حركات شيعية.
وحتى عندما دعمت إيران المقاومة ضد إسرائيل في لبنان كان هذا الدعم
داخلا في السياق القومي العربي المناهض لإسرائيل التي كانت ولا زالت
تحتل أراضي عدة دول عربية.
الورقة الشيعية لم تكن (رأس الحربة) في المشروع السياسي الإيراني
والدليل على ذلك هو كلام وزير الخارجية المصري الذي قال في معرض
انتقاده للتدخل الإيراني في المنطقة "أن إيران دولة لها مشاكل مع
العالم الغربي ومن ذلك ملفها النووي ونزاعاتها مع الأطراف الغربية ولها
رغبة في حماية نفسها من خلال السيطرة على عدد من الأوراق. وهذه الأوراق
جميعها عربية، ولذا نرى محاولات لاستخدام أوراق عربية من أجل تحقيق
مصالح وأهداف غير عربية".
الشيء الذي أكده وزير الخارجية المصري أن اعتراضه على الدور
الإيراني ينبع من كونه تدخلا غير عربي وليس من باب الاعتراض على لونه
المذهبي!!.
لم يتركنا السيد الوزير في حيرة من أمرنا عندما أكد على (أن مفتاح
الحل في لبنان يملكه اللبنانيون إذا نجحوا في تحقيق لم الشمل وأعادوا
تقويم منطلقاتهم في إطار مفهوم الوطنية اللبنانية) مستعيدا مقولة
الرئيس السادات في بداية الحرب الأهلية في لبنان عندما قال: «ارفعوا
أيديكم عن لبنان». وقال أبو الغيط «فليرفع الجميع أيديهم عن لبنان
وأقول الجميع».
ولا شك أن كلمة (الجميع) تعني إيران وغير إيران فليست إيران وحدها
هي التي تتدخل في لبنان وغير لبنان.
النموذج الثاني: العراق
عندما ترسل إحدى دول الجوار العراقي أكثر من نصف الانتحاريين الذين
يفجرون كل شيء في هذا البلد من أجل منع استقراره ونهوضه يصبح السؤال عن
الهدف من وراء إرسال هؤلاء وترك حبلهم على غاربه منطقيا ومشروعا.
وعندما نتذكر أن هذه الدولة تنتج الآن قرابة عشرة ملايين برميل من
النفط يوميا مستفيدة من غياب العراق المتواصل عن سوق الإنتاج النفطي
مما مكنها من مراكمة ثروة هائلة عندها يصبح الحديث عن البعد الطائفي
بمفرده أو البعد الإيراني دعاية فجة ورخيصة إذ أن البعد المادي يبدو
واضحا ومؤكدا.
إنه صراع مصالح يهدف إلى إبقاء العراقيين بكل أطيافهم القومية
والمذهبية تحت خط الفقر ومن ثم في حالة ضعف سياسي واجتماعي وثقافي.
إنها نفس القوى التي دفعت سيء الذكر صدام حسين لخوض حرب الثمانية
أعوام ضد إيران ودعمته بالمال اللازم لحربه على إيران وعندما خرج من
هذه الحرب قويا من الناحية العسكرية منهكا من الناحية الاقتصادية تركته
يتدبر شأنه بنفسه فكان ما كان من غزو الكويت وما تلا ذلك من كوارث
طالتهم وطالت غيرهم.
كان العراق الذي جرى دفعه لخوض مغامرة غزو إيران نيابة عنهم
باعتباره حامي حمى البُوابة الشرقية للأمة العربية يمثل طليعة القوى
المعادية لإيران وللشيعة ولكن شيئا من هذا لم يشفع له حيث كان القوم
يريدون عراقا قويا أثناء حربه مع إيران وإعادته ضعيفا بعد انتهاء هذه
الحرب وهو ما كلفهم غزو الكويت وحرب الخليج الثانية.
إنها لغة المصالح وليست لغة المذاهب والمعتقدات التي يجري توظيفها
حسب الطلب وقبلها كانت الشعارات القومية التي رفعت من أجل تهييج
الغوغاء ودفع الدهماء للموت دفاعا عن مصالح ذوي الكروش التي لا تمتلئ
أبدا.
ليس مطلوبا من قبل هؤلاء أن يعود العراق قويا وفاعلا في محيطه
العربي لأن هذا ينتقص من حصتهم السياسية والاقتصادية فما بالك لو كانت
علاقة العراق بجواره الإقليمي غير العربي طبيعية ومتميزة؟!.
البديل الوحيد أمام العراقيين الذين يجري تهشيم مجتمعهم ودولتهم عبر
الانتحاريين العرب بل ويصر البعض على إيصاد الأبواب في وجههم وتهميشهم
سياسيا كما تقول صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور بتاريخ 2-8-2007 لن
يكون سوى الإيرانيين حيث يمكننا أن نلاحظ الآن أن النبرة الانتقادية
الموجهة ضد إيران التي علت في العراق في أعقاب سقوط النظام الصدامي
آخذة في الخفوت شيئا فشيئا.
أما الغارديان البريطانية فتقول (أنّ الدول العربية يجب أن تكون
حذرة في تعاملها مع الجاليات الشيعية، فلا تتهمهم بأنهم أدوات في يد
الحكومة الإيرانية، أو تشجيع الرأي العام على الاقتناع بهذه الفكرة.
إنّ ما تحتاج إليه منطقة الشرق الأوسط ليس الكثير من الأسلحة بل المزيد
من الجهود القوية لترويج التسامح الديني ومحاربة التمييز والإجحاف
الديني، وسحب المجتمعات الشيعية العربية للاندماج في العمليات السياسية
لأوطانهم قبل أنْ يفوت الأوان ويندم الجميع).
وطالما أن السيد أبو الغيط يعرف أن الحل في لبنان وغير لبنان لا
يمكن إلا أن يكون وطنيا وبالاتفاق بين أبناء البلد الواحد فلن نكون
بحمد لله بحاجة إلى نصائح الجارديان ولا الكريستيان ساينس مونيتور ولا
شك أن نفس القاعدة تنطبق على بقية أزمات المنطقة ونحن نقترح تعميم شعار
الرئيس الراحل أنور السادات (أقول للجميع: ارفعوا أيديكم عن لبنان)
ليشمل العراق أيضا (أقول للجميع ارفعوا أيديكم عن العراق)...
ونحن نقول أيضا (للجميع) خاصة أولئك الذين يقطنون على الضفة الأخرى
للمحيط الأطلنطي: ارفعوا أيديكم عن شئون المنطقة ولا تتدخلوا في شئونها
السياسية والدينية والمذهبية فكل تدخلاتكم لم تعد علينا إلا بالويل
والثبور وعظائم الأمور.
الواقفون على التل
الأهم من هذا كله أن الخطة الأمريكية العربية التي تحاكي خطط الحرب
الباردة الأمريكية السوفييتية والتي تحتم الاستعانة بالجماعات المتطرفة
لتهيئة المناخ لمواجهة ما يسمى بالخطر الشيعي (وقد بدأ هذا بالفعل)
مثلما جرى الاستعانة بهم من قبل لمواجهة الخطر الشيوعي ستجعل من
إمكانية وصول هؤلاء لتحقيق أهدافهم في الإطاحة بهذه النظم مسألة وقت
ليس إلا تطبيقا لدعائهم المأثور (اللهم أهلك الكافرين بالكافرين
وأخرجنا من بين أيديهم سالمين زي الشعرة من العجين)!!.
نعتقد أن النتيجة الأبرز التي ستسفر عنها استراتيجية (الاعتدال)
الأمريكية العربية الجديدة هي دفع قوى (التطرف) ذات الخلفية الإسلامية
أو القومية سواء أولئك الذين حسموا خياراتهم من قبل أو أولئك المترددين
إلى الناحية الأخرى من الخليج.
إنها هدية أمريكية مجانية أخرى لإيران والمتحالفين معها وقريبا
ستتلقى الآنسة كوندي أولى رسائل الشكر على هديتها التي ستضاف إلى لائحة
الهدايا السابقة!!.
[email protected] |