
شبكة النبأ: رغم علمانية المؤسسة العسكرية المتطرفة
وامكانيتها الكبيرة قد يكون المسار الاسلامي السياسي المنتصِر في تركيا
انموذجا يقتدى به بالنسبة للجهات التي تريد حكما اسلاميا معتدلا على
اساس ديمقراطي مواكب للحضارة والتطور وبعيد عن التطرف والتشدد والتكفير
وما يفرزه من عنف وارهاب.
ويقول خبراء في شؤون العالم الاسلامي ان انتخاب عبد الله جول رئيسا
لتركيا يمثل انتصارا لضرب من الاسلام السياسي يركز على الدفع قدما
بالقيم الاسلامية بطريقة ديمقراطية لا على فرض تطبيق الشريعة.
ويقولون ان السؤال بخصوص ما اذا كان حزب العدالة والتنمية الذي
ينتمي اليه جول يهدف الى اقامة دولة دينية هو السؤال الخطأ لانه تخلى
بالفعل عن ذلك الهدف معتنقا بدلا منه احترام الديمقراطية العلمانية
للحقوق الفردية بما في ذلك الحق في حرية الاعتقاد.
ويشير الخبراء الى هذه المدرسة في الفكر الاسلامي بتعبير "الديمقراطيين
المسلمين" وهو مصطلح يعيد الى الاذهان اتجاه الديمقراطيين المسيحيين في
اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ويقولون انها ظهرت في
التسعينات بعد ان فشل الاسلام السياسي المتشدد على النمط الايراني في
تثبيت قدميه في مناطق اخرى في العالم الاسلامي.
وعبر عدة محللين عن املهم في ان تلهم تركيا الاسلاميين العرب الذين
يحلم كثير منهم بالسيطرة على دولهم وفرض تطبيق الشريعة بطريقة صارمة
الا ان تاريخ تركيا الطويل في ساحة العلمانية اوجد مناخا سياسيا لا
يتوفر مثله في الشرق الاوسط.
وقال فواز جرجس وهو خبير في تاريخ الشرق الاوسط في مؤسسة سارة
لورانس كوليج في برونكسفيل بولاية نيويورك،هذا امر لا يتعلق بالشريعة
بل بالعبر الاخلاقية العظيمة للاسلام.
وأضاف، لم يتمكن الاسلاميون العرب من تجاوز هوسهم بالشريعة واقامة
دولة اسلامية.
وقالت جيني وايت وهي باحثة في علوم الانسان في جامعة بوسطن درست
الاسلام السياسي في تركيا ان تحذيرات الجيش التركي من ان حزب العدالة
والتنمية يهدد النظام العلماني الذي اقامه مصطفى كمال اتاتورك في
العشرينات هي عامل يحرف الانتباه.
واضافت، الصراع في تركيا ليس بين الاسلاميين والعلمانيين بل بين
نخبتين متنافستين في صراع لا يفوز فيه طرف الا بقدر ما يخسر الاخر وحيث
يقلص نجاح احد الطرفين سلطة الاخر وثروته.
ولاحظ عدة محللين اتصلت بهم رويترز ان جول اشاد في خطاب تنصيبه
بأتاتورك وتعهد مرارا باحترام العلمانية والديمقراطية وهما كلمتان قد
تثيران نفور اي اسلامي من اتباع المدرسة القديمة.
وقال اوليفييه روا وهو خبير فرنسي بارز في شؤون الاسلام مفسرا، ثمة
فارق بين العلمانية القانونية والعقائدية، مشيرا الى ان الجيش يستخدم
العلمانية كراية لتجميع القوى.
واضاف، جول متدين ومحافظ للغاية لكنه تبنى هو ومعظم اعضاء حزب
العدالة والتنمية علمنة السياسة.
وتابع ان الديمقراطية التركية في ظل حزب العدالة والتنمية، مثل
ديمقراطية على النمط البافاري او البولندي مشيرا الى المنطقتين
الاوروبيتين اللتين ما زال للكنيسة الكاثوليكية نفوذ كبير فيهما.
ويقول الخبراء ان المناقشات العامة بخصوص الاسلام والسياسة كثير ما
يفوتها وجود درجات وفروق مهمة لان الاسلاميين ومعارضيهم على السواء
يقدمون القضية بطريقة اما هذا او ذاك.
وقال جون فول وهو مؤرخ للاسلام في جامعة جورجتاون في واشنطن، هل
تتحول تركيا نحو الاسلام السياسي.. هذا سؤال احيانا ما يتسم بخطأ
الصياغة وخطأ الفهم.
الرئيس التركي الجديد يواجه وضعا
حرجا
وفي سياق متصل يرى المحللون ان الرئيس التركي الجديد عبدالله غول
يبدأ ولايته الرئاسية الاربعاء في وضع حرج ما بين دعاة العلمانية الذين
يتهمونه بالسعي لفرض الاسلام في مؤسسات الدولة وانصاره المحافظين الذين
يطالبون بمزيد من الحقوق الدينية. بحسب فرانس برس.
وكان الجنرالات الذين يعتبرون انفسهم مؤتمنين على النظام العلماني
عبروا الثلاثاء عن اعتراضهم على وصول اسلامي سابق الى الرئاسة بمقاطعة
حفل اداء اليمين بعد ساعات قليلة على انتخاب الرئيس.
وكتب الصحافي فكرت بيلا في افتتاحية في صحيفة ملييت الليبرالية، ان
ثمة مؤشرات تفيد بان اجواء المواجهة لا تزال قائمة، معتبرا ان غول يعي
المشكلات وسيسعى لحلها.
ورأى الخبير السياسي حكمت اوزدمير انه اذا لم تؤخذ التحذيرات ولا
سيما الصادرة منها عن العسكريين على محمل الجد فان العواقب ستكون وخيمة
(..) على السلطة السياسية ان تنظر في اجراءات تهدف الى تبديد الشبهات.
واطاح الجيش التركي اربع حكومات في نصف القرن الماضي وادى آخر تدخل
عسكري عام 1997 الى استقالة اول حكومة اسلامية في تاريخ تركيا كان غول
من اعضائها.
كما قاطع مراسم اداء اليمين نواب حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي
ديموقراطي) الذي يتقدم المدافعين عن العلمانية وكان عطل في الربيع
الفائت انتخاب غول عبر مقاطعة عملية الاقتراع فضلا عن عدد من الشخصيات
البارزة في الادارة التركية.
ويعتبر منتقدو حزب العدالة والتنمية الذي كان غول من اعضائه حتى
وصوله الى الرئاسة ان هذا الحزب المنبثق عن التيار الاسلامي يسعى الى
فرض الدين في مؤسسات الدولة ويشتبه بان وصول غول الى الرئاسة سيسمح له
بتعطيل عمل العديد من مؤسسات الرقابة على الاداء الحكومي.
وقام غول ببوادر توفيقية فتعهد فور انتخابه الالتزام بمبدأ الفصل
بين الدين والدولة ولم تحضر مراسم التنصيب زوجته خير النساء المحجبة
وقد شكل حجابها نقطة خلاف رئيسية مع دعاة العولمة الذين يرون في الحجاب
رمزا للاسلام السياسي.
جيش تركيا خسر معركة الرئاسة
والصراع لم ينته
وفشل الجيش التركي الذي يتمسك بقوة بالعلمانية في منع الاسلامي
السابق عبد الله جول من الفوز بمنصب رئيس البلاد لكن من المرجح أن يسعى
لجعل حياته وحياة حزب العدالة والتنمية الحاكم صعبة. بحسب رويترز.
ولا يتوقع أحد تقريبا أن يحدث انقلاب عسكري في ظل التأييد القوي
الذي ناله حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الاسلامية في الانتخابات
العامة التي أجريت في يوليو تموز. وقد لا يلجأ الجيش لتحرك أبعد من
لانتقادات الشفهية الا في حالة ارتكب الحزب الحاكم لسلسلة من الاخطاء
الفادحة.
ونصب جول وزير الخارجية السابق الذي يتمتع باحترام كبير رئيسا
لتركيا يوم الثلاثاء بعد فوزه في الاقتراع الذي أجراه البرلمان ليصبح
أول اسلامي سابق يتولى هذا المنصب الذي ينطوي على رمزية بالغة الاهمية.
ودافع جول بشدة عن العلمانية في خطاب تنصيبه لكن عليه الان أن يخطو
بحذر حتى لا يثير استياء العلمانيين أو أنصاره من حزب العدالة والتنمية
ذوي التوجه الديني.
وقال جاريث جنكنز وهو خبير في شؤون الجيش التركي، خسر الجيش معركة
لكنه لم يخسر الحرب. وسيخوضها على المدى البعيد. انها مهمة مقدسة
بالنسبة له.
وأضاف، أخطأ (الجيش) الحساب بشكل كبير...لكن سيعمل الان من وراء
الكواليس على كيفية حماية مبادئه الاساسية...على سبيل المثال قد يشجع
وسائل الاعلام والمعارضة على مهاجمة الحكومة.
وشن الجيش والنخبة العلمانية حملة عامة شرسة لمنع ترشيح جول في وقت
سابق هذا العام بسبب ماضيه الاسلامي ولان زوجته ترتدي الحجاب الذي
يعتبره العلمانيون رمزا دينيا مستفزا.
وأدت هذه الازمة الى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تركيا فاز
فيها حزب العدالة والتنمية بأغلبية حاسمة.
ورغم أن معظم سكان تركيا مسلمون الا ان دستورها علماني ويعتبر الجيش
نفسه الحامي الاول للجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
ويخشى الجيش والنخبة العلمانية من أن يكون لحزب العدالة والتنمية
برنامج اسلامي سري وان يسعى لتقويض الفصل بين الدين والدولة.
خير النساء غول سيدة تركيا الاولى..
في قلب العاصفة
وتوصف خير النساء غول التي اصبحت السيدة الاولى في تركيا بانها سيدة
مرحة وانيقة تتجنب الاضواء الا ان الحجاب الذي يغطي رأسها جعل منها
شخصية مكروهة من قبل العلمانيين المتشددين.
ويعرف عن خير النساء (42 عاما) انه سيدة متدينة تحرص على اداء
الصلوات الخمس يوميا.
وتقول خير النساء ان حجابها الذي يكرهه المعارضون باعتباره رمزا
لتحدي النظام العلماني هو خيار شخصي يجب احترامه. بحسب فرانس برس.
ويعتبر حجابها من القضايا الرئيسية التي اثارها المعارضون لترشيح
غول رئيسا للبلاد والذي اثار ازمة سياسية حادة مطلع هذا العام بين
الحكومة ذات الجذور الاسلامية والجيش العلماني.
وتفرض الدولة التركية حظرا على ارتداء الحجاب في المكاتب الحكومية
والجامعات التركية وهذا ما يجعل من الصعب على العلمانيين تقبل مسالة
دخول خير النساء القصر الرئاسي الذي يعتبر البيت الذي يرمز لمصطفى كمال
اتاتورك مؤسس العلمانية في البلاد والذي يتمتع بمنزلة خاصة في تركيا.
وتؤكد خير النساء ان تدينها لا يحول دون كونها امرأة عصرية ترفض
القيود المفروضة على النساء في الدول الاسلامية.
وتقول، لقد كنت اوصل بسيارتي عبد الله الى عمله والاطفال الى
المدرسة (...) ولا اتخيل ان اعيش في دولة لا تستطيع فيه النساء قيادة
السيارات. في اشارة الى السعودية وبعض الدول الاسلامية التي تحضر على
المرأة القيادة.
ولكن بالنسبة للعلمانيين المتشددين فان خير النساء تبقى مدافعة قوية
عن الحجاب الذي يقولون انه يمثل تراجعا عن الاصلاحات الهائلة التي
طبقها اتاتورك لتحرير المرأة.
وكانت خير النساء تقدمت بشكوى الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان
في عام 2002 عندما رفضت جامعة انقرة السماح لها بالتسجيل فيها بسبب
حجابها. |