التحالف الرباعي ... عصا سحرية أم سياسية؟

عدنان الصالحي*

شبكة النبأ: وبعد جهد جهيد وردحا من الزمن لم يكن بالهين على الإطلاق خرج الى النور الائتلاف الرباعي او (جبهة المعتدلين) التي طالما حيكت خيوطها في أروقة الكتل المؤتلفة أصلا، حيث أعلن في بغداد يوم الخميس 16 آب عن (جبهة المعتدلين)، ويبدو أن الخطوة القادمة لعمل هذا التجمع أو التكتل سيكون في مركز البرلمان العراقي حيث من المقرر أن تقر عدة قوانين مازالت تواجه معارضة قوية من قبل بعض الكتل السياسية، ولاسيما قانوني النفط الغاز و المساءلة والعدالة.

وعلى ضوء المستجدات الأخيرة فان التكتل الجديد سيكون العمل فيه على وتيرة أعلى و يبدو أيضا أن الجبهات التي تخالف هذا التكتل سيكون لها رأي  وقول آخر ، فالحزب الإسلامي اشد المقربين والمرشحين والذي كان من الممكن الاشتراك له في هذا الائتلاف لم يشارك وفضل التحفظ عليه في طريقة رفض دبلوماسية، أما باقي الكتل كالعراقية او الحوار وغيرها فهي لم تذكر بأي صيغة في جلسات الحوار بل ولم تدعى الى المؤتمر أصلا حسب ادعاء رؤسائها.

هذا عن الطرف البعيد من التكتل الحاكم( الائتلاف) ولكن من الجهة القريبة إليه لم يكن موقف الكتل المشتركة في الائتلاف بالمتفق  على تلك الصورة، فالصدريون رفضوا التجمع واعتبروه التفافا على الانتخابات وان لم يصرحوا بذلك علنا، وحزب الفضيلة المنشق عن الائتلاف أصلا فهو بمنأى تماما عن الصورة ويذهب بعيدا ليطالب بأجراء انتخابات مبكرة.

وفي عودة لما صدر من الممثلين عن الأحزاب الموقعة فقد صدرت بعض التصريحات من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حيث قال المالكي في تصريحات للصحفيين الخميس، إن هذا الاتفاق يُعد خطوة أولى لدعم حكومته - التي يهيمن عليها الشيعة، وتواجه (شبح الانهيار) نتيجة انسحاب بعض الكتل السياسية الرئيسية منها - والتي تتولى السلطة منذ مايو/ أيار من العام 2006.

فيما قال الطالباني إن الهاشمي (رئيس الحزب الإسلامي العراقي) رفض تلبية الدعوة للمشاركة بتلك المشاورات، الرامية إلى دعم العملية السياسية، وتحريك الجمود الحاصل فيها، وكذلك لدعم القوائم والكتل السياسية الأساسية.

وأضاف طالباني قوله: (إن تحالفنا هذا من أجل إنجاح العملية السياسية، وهو مفتوح للجميع ومنفتح عليهم)، إلا أنه رفض اعتبار التحالف الجديد بمثابة (جبهة)، بقوله: (لا نريد أن نسميه جبهة أو تكتلاً، إنما هو اتفاق بين القوى الأربعة الملتزمة بتحالفاتها السابقة، ومواصلة عملها ضمن هذه التحالفات، بمعنى إننا لم ننسلخ عن الائتلاف الموحد ولا عن التحالف الكردستاني).

  اما الرئيس الامريكي بوش فقال خلال كلمته الأسبوعية انه لا يزال لدى الحكومة العراقية الكثير من الإجراءات المهمة الباقية كي تتمكن من انجاز الأهداف السياسية، وذلك بعد يومين من انتقاد مماثل وجهه السفير الأميركي في العراق ريان كروكر عندما قال (ان الحلف الكردي - الشيعي لم يتمكن بمفرده من حل مشكلات العراق).

ومع ملاحظات الرئيس الأميركي ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس أن بوش يعتزم الإعلان الشهر المقبل عن خفض متدرج لعديد القوات في العراق ابتداء من السنة المقبلة، ونقلت عن مسؤولين في الإدارة الاميركية ووزارة الدفاع إن الرئيس (سيستخدم تقريراً من المقرر ان يقدمه قائد الجيش الأميركي في العراق الجنرال ديفيد بترايوس يتناول تقدم الوضع في العراق، ليعلن خطته الجديدة التي تهدف الى مواجهة الضغوط الداخلية لخفض عديد القوات الاميركية في العراق).  

إذن في أي حال سيقوم هذا الائتلاف بعمله رغم التباعد بينه وبين باقي الكتل التي ازدادت في مناهضتها له منذ الأيام الأولى ، وان كان الكلام في أول الطريق على إن من يريد الانضمام له سيكون ممكنا لكن هذا لن يغير بشيء فالممتنعين عن السير في نفس الطريق ليسوا بالبسطاء على الإطلاق ومنه من يستطيع أن يغير مجرى المسار بكامله فضلا عن انضمام البعض إليه. 

لماذا هذا التكتل؟

لعل من الواضح جدا إن الولايات المتحدة الأمريكية ولاسيما بعد تزايد الضغوط عليها من الداخل والخارج لفعل شيء في القضية العراقية سارت على طرق شق المؤتلفين وتجميع الفرقاء، ولعل عدم إقرار القوانين لها مساحة تأثير كثيرة ومهمة  في الساحة العراقية والتي كان يمكن ان تغيير من الأوضاع الكثير ، وهو ما كان لها الأثر البارز في شحذ الأمريكيون هممهم لإحداث طفرة مهمة في ساحة العمل السياسي المتجمد في العراق، ولاحتمال انهيار حكومة المالكي التي أصابها الكساح بعد الانسحابات المتوالية لوزرائها.

وبعد التشتت الكبير في قضية إجماع البرلمان أو إقراره القوانين المهمة والتي طالما حرص الأمريكيون صراحة على تمريرها ولاسيما أعادة دمج البعثيين في الحياة السياسية، فقد أوجدت فكرة تجمع المعتدلين صدى لدى الأوساط الاميركية المهتمة بالشأن العراقي، وعلى ضوء ذلك ولأجل خلق كتلة برلمانية متحكمة في البرلمان العراقي تستطيع إقرار القوانين ووفق الحالة الأغلبية وبدون اثر لممانعة الباقين فقد كانت فكرة إنشاء تكتل داخل البرلمان يكون بمثابة حاجز الصد عن أي فكرة لحجب الثقة عن حكومة المالكي وبنفس الوقت تامين إكمال النصاب في أي مرحلة قد تعصف بالبلاد يؤدي فيها الى انهيار العملية السياسية برمتها وهذا ما يخلق للأمريكان كارثة قد يكون تأثيرها كشدة وقعة 11سبتمبر.

إذن يمكن أن نمثل التكتل الجديد هو أحياء لمؤتمر لندن ما قبل سقوط نظام صدام ولكن بصورة مصغرة وبثوب جديد في زمن مغاير وبسلطات مغايرة، لعل فكرة التكتل الجديد قد ولدت من عدة أرحام وفي أكثر من مكان ولكن الهدف فيها يبدو واحدا وهو حماية الحكومة الحالية من أي قرارا لحجب الثقة منها او لممانعة صدور القرارات المهمة وإسناد الحكومة بثقل برلماني بعدما تعذر عليها ذلك في الأيام الأخيرة نتيجة لتمرد أعضاء الكتل على أحزابهم مضافا إليه انعزال أكثر الكتل عن التائيد المباشر للحكومة الحالية.

وبين تلك الأسباب او غيرها سيسير التحالف الرباعي في منطقة مليئة بالألغام السياسية التي لا يعلم احد مدى خطورتها وكيف ستنفجر ولاسيما بعد إعلان الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق مناهضته الصريحة لهذا التحالف وللحكومة على أساس إنها تمثل وجه من وجوه الطائفية على حد تعبيره.

ورب سأل يقول هل هذا يعني تغيير في تكتلات البرلمان الداخلية ولاسيما بعد الحديث عن توجه (صدري - توافقي - عراقي - فضلائي) عن توحيد الجهود لمواجهة التيار الحديث الولادة؟.

في قانون السياسية يقولون إنها فن الممكن وعلى هذا الأساس فلا يستبعد شيء فيها، ولكن يمكن القول بان عالم السياسة في العراق وبالذات في هذا الوقت يختلف الكثير في قوانينه عن باقي المنطقة والعالم ، فالخصم ليس بالهين أن يصبح صديقا او حتى محايدا و المشاكس ليس من السهل ترويضه او إدخاله في طريق الإقلاع عن رأيه.

وكذا حال الفرقاء السياسيون الذين مازالت لدى كل واحد منهم هواجس الخوف من الأخر تحت مسميات طائفية او نظام بقايا سابق أو مليشياتيه ، ومنهم من يتهم صراحة بالعمل على تخريب العملية السياسية لأهداف خاصة، وعلى ضوء التشكيك المتبادل لدى اغلب الأطراف يرى المراقبون السياسيون بان القضية لن تكون بهذه السهولة في حل القضية العراقية، فالأكراد والشيعة غير قادرون بمفردهم على تجاوز الأزمة ولاسيما إن الشيعة والأكراد يعانون من انقسامات داخلية إضافة الى وجود قضية كركوك التي قد تنفجر في أي لحظة لتجعل من التحالف الجديد في مقابر السياسة.

وقبيل التئام مجلس النواب العراقي في الرابع من أيلول في أول اجتماع بعد العطلة الفصلية له سيكون الموضوع الساخن بكل تأكيد هو الطريقة الجديدة التي سيتعامل بها الجميع مع الحكومة والتحالف وكيفية رفض أو تمرير القوانين التي عمل الكثيرون على إقرارها وعمل آخرون على تأجيلها على اقل تقدير إن لم نقل رفضها، مضافا الى ذلك فان التقرير الذي يكرس السفير الأمريكي كروكر على إعداده بالتعاون مع القيادات العسكرية في العراق والذي من المتوقع تقديمه الى الإدارة الأمريكية في شهر أيلول القادم سيكون له الأثر الأكبر في موقف الرئيس بوش من حكومة السيد المالكي و باقي الكتل السياسية والتي حشدت طاقاتها من اجل تنفيذ المقررات التي تعهد البرلمان بتمريرها في وقتها ولكن يبدو إن الأوضاع في العراق فرضت نفسها ليكون لها كلمة أخرى.

التغيير النهائي

كثر الحديث عن البدائل في موضوع التحريك للعملية السياسية لكن ظاهر الحال إن جميع المقترحات والحلول قد جادت قريحتها بهذا النتاج، الذي يبدو انه سيكون التغيير النهائي في ملعب ساحة السياسة العراقية والذي نتوقع سيكون بعد فشله (فيما لو حدث) انهيار أكيد للحكومة الحالية التي تبني آمال كبيرة على حلفها الجديد ولاسيما بعد أن قررت ترك ساحة بعض التكتلات السياسية المشتركة معها في الحكومة وانتقال الأخيرة الى مرحلة المعارضة

سيكون في أول العمل و العقبة الرئيسية التي ستختبر مدى صلابة التحالف قضيتين رئيسيتين ( قانون النفط والغاز والمساءلة والعدالة) على المستوى (العراقي – الأمريكي) اما على المستوى المحلي فستكون قضايا  (كركوك والفدرالية والهيئات المشتركة) في أولوية ما سيخوضه التحالف في اختبار ليس بالسهل على الإطلاق ، وان كان يجري الحديث عن تنازلات متبادلة لحلحلة الأمور بضغط خارجي واضح في أكثر من أشارة قادمة من الطريق العسكري او الإداري الأمريكي.

  إذن فالقضايا التي عجز مجلس النواب في تمريرها او اقراها بصورة التصويت او الأغلبية  ستعود بطريقة أخرى وبقنوات متعددة ، وهذا يعني إن الرافضين لها في أول الأمر لن يلو جهدا في التهيئة لرفضها مرة أخرى او على الأقل عرقلتها فترة من الزمن ، إن لم نقل قد احضروا البديل لها كمحاولة في المناورة السياسية. 

لكن هل سيكون هذا هو الحل في قضية الحراك السياسي؟

 بكل تأكيد إن الإجابة غير ذات صعوبة في إن الحل لايكمن في هذه الطريقة فقط قد تكون حلقة في عدة حلقات متصلة غير منفصلة، ولاسيما ان هذا التحالف مبني في نظرته الخارجية على تكوين عرقي وان كان القائمين به يرفضون تلك التسمية على أساس انه مفتوح لجميع الراغبين بالانضمام إليه.

 إلا إننا نرى بان الخلاص من هذا التردي السياسي والأمني المرتبط به مباشرة ينتج من خلال:

1-    تغيير مشروع المصالحة الى مشروع المناقشة والمصارحة ولجميع الإطراف ولاسيما من هم خارج العملية السياسية والاستماع الفعلي لأرائهم ومناقشتها وضم اكبر عدد ممكن الى العملية السياسية و على أساس فكرة توافق الأطراف جميعها، طبعا مع ملاحظة الركن الأساس في إن من يسير في هذا الطريق فعليه أن يكون مؤمن بقضية التغيير السياسي بغض النظر عن موقفه من الحكومة الحالية وغير مشترك بالعنف المستشري في البلاد او من الممولين او المحرضين له وفق آليات تدرس لذلك.

2- إحداث تغيير سريع على مستوى أهم خدمتين في البلاد وهما الطاقة الكهربائية والقطاع النفطي الذين مازال غيابهما المستمر تقريبا يخلق أزمات متعددة تنعكس سلبا على الموقف الشعبي الساند للحكومة ، وازدياد حالات البطالة  مما يسهل اصطياد الشباب أصحاب العوز المادي في قضايا العنف بأي صورة.

3- فتح آفاق المشاركة لأكثر من جهة في تدارس الأمور المهمة والقرارات بنفس الحوار والمكاشفة بعيدا عن التعصب الأعمى والتشكيك المتبادل.

4- الحديث وبصراحة واضحة وبدون أي تردد مع الجهات التي يشير الواقع الى إسنادها للإرهاب او التمرد في داخل البلد والتحاكم معها على مستوى دولي وفق القانون.

5-إحداث تغييرات سريعة ومهمة على مستوى القيادات الإدارية والأمنية ولاسيما من لم تثبت كفائتة في المرحلة السابقة مع ملاحظة الوضع والمنصب الشاغل له وكيفية التعامل معه.

6-الإسراع في حل أهم قضية في الوضع الحالي وهي قضية المعتقلين في السجون الأمريكية والتي لاتزال القضية حولهم متوقفة في مسؤولية اي جهة التحقيق معهم او إصدار القرارات بحقهم ، مضافا إليه إنهاء مواقف المعتقلين في السجون العراقية وبيان موقف المتهم  الى إخلاء السبيل او العقوبة في حالة الإدانة.

7- تشكيل لجنة مشتركة في كل محافظة تتوزع بين مجلس المحافظة والجهات الأمنية والقضائية لمتابعة أمور الاعتقالات وتطبيق القانون وترك قضية اقتحام الإحياء والمداهمات العشوائية ولاسيما في المناطق مشتركة التعايش.

قد يفيض بعض النقاط على ما قلناه ولكننا نرى بان أهم المشاكل التي كانت ومازالت تقف عقبة في طريق الوفاق السياسي تتمحور بشكل او بأخر نحو هذه النقاط ، وما زاد عليها فيمكن تأجيلها الى وقت آخر بعد الوصول الى رؤى مشتركة في أساس القضية.

مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 أيلول/2007 -23/شعبان/1428