اليورانيوم المنضّب يهدد الحياة في جنوب العراق

شبكة النبأ: محافظة البصرة هي من المدن العراقية التي نالها الضرر الكبير من قذائف اليورانيوم المنضب بكونها البوابة الى الجسد العراقي، وقد شكلت ابان الاحتلال الجزء الصادم بالنسبة للقوات متعددة الجنسيات في 2001 مما خلف مقابر واسعة للدبابات والآليات المدمرة والملوثة بالاشعاعات الخطرة. ولا زالت هذه المقابر الحديدية الى اليوم تحوي الكثير من السكراب الذي يشكل خطورة داهمة على البيئة والانسان دون ان يتم اي اجراء لمعالجتها.

وحذر مدير البيئة في محافظة البصرة، من أن عدم معالجة المواقع الملوثة بأشعة اليورانيوم المنضب والمنتشرة في عموم المحافظة، سيعرض حياة آلاف المواطنين إلى الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية التي ارتفعت مؤخرا، شاكيا من أن المقترحات التي قدمت لحكومة البصرة المحلية أو للحكومة المركزية لم تجد تجاوبا حقيقيا.

وأوضح خاجاك فروير وارتانيان مدير البيئة في محافظة البصرة والباحث في مجال التلوث البيئي لوكالة (أصوات العراق) أن السنوات الأربع الماضية، شهدت ارتفاعا ملحوظا في حالات الإصابة بمرض السرطان الصلب، في البصرة مسجلة 62 حالة، بين كل مائة ألف نسمة، في حين أن هذه النسبة لم تتجاوز الـ 35 حالة عام 1997.

وأضاف، لم يقتصر تأثير المواقع الملوثة بإشعاعات اليورانيوم المنضب على ارتفاع الإصابة بالأمراض السرطانية فقط، وإنما كان له تأثير واضح في ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية عند حديثي الولادة.

وذكر أن هذه الولادات المشوهة كانت تحدث بنسب بسيطة وبحالات متمثلة بقصر الأطراف أو ولادات منغولية، لكنها أصبحت الآن شبة يومية، وبتشوهات غريبة تفتقر إلى ابسط ملامح الإنسان.

وتابع، نجمت عن هذه الإشعاعات الكثير من الأمراض، منها الفشل الكلوي، والأمراض الجلدية والحساسية، والعقم، وحالات الإجهاض المتكرر.

وأوضح أن اليورانيوم يعد من المواد الخطرة جدا على حياة الإنسان، وتكمن خطورته في أنه من المواد المشعة التي تتراوح نصف فترة إشعاعها مابين أربعة إلى خمسة بلايين سنة، ولها قابلية الانحلال والتفاعل مع المواد الأخرى. ويتعرض الإنسان إلى أضرارها، من خلال ملامسة الأجزاء الملوثة بها، أو استنشاق الغازات الصادرة عنها.

 ولفت وارتانيان، إلى أن اغلب الإصابات المرضية، حدثت في المناطق القريبة من المواقع الملوثة.

وعن تأريخ بداية المشكلة في البصرة قال الباحث في مجال التلوث البيئي بدأت مشكلة المواقع الملوثة بإشعاعات اليورانيوم في محافظة البصرة، بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 حين استخدمت قوات التحالف ذخائر مصنعة من اليورانيوم المنضب في قصف المواقع والآليات العسكرية العراقية، غير أن هذه المشكلة بقيت محدودة نوعا ما، بسبب بقاء الآليات الملوثة باليورانيوم في المناطق الحدودية، كمنطقة صفوان، وحفر الباطن.

وتعرض العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 في أعقاب احتلال النظام العراقي السابق  لدولة الكويت إلى عمليات قصف جوي واسع استهدف تدمير البنية التحتية والاقتصادية، كما تعرضت القطعات العسكرية والأهداف المدنية العراقية على حد سواء إلى مختلف أنواع الأسلحة الاعتدة والقنابل التقليدية والمحرمة، ومنظومات الصواريخ الأكثر تطورا في العالم بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب، وبعد مرور عدة سنوات على هذا بدأت تتكشف حقائق مخيفة، تتمثل بآثار شديدة الخطورة على البيئة والكائن الحي في العراق نتيجة استعمال الأسلحة الإشعاعية ولا سيما المقذوفات المصنوعة من اليورانيوم المنضب.

وأضاف وارتانيان خلال حرب غزو العراق عام 2003، تكرر استخدام هذه الذخائر ضد أهداف عسكرية كانت موجودة داخل المدينة، ما تسبب في حدوث مواقع ملوثة بإشعاعات اليورانيوم المنضب، قرب المناطق والأحياء السكنية في مدينة البصرة.

وفيما يتعلق بعدد المواقع الملوثة في محافظة البصرة قال وارتانيان إن عدد المواقع الملوثة، أو التي تعرف بالمواقع المشعة حدد بمائة موقع في محافظة البصرة حتى عام 2004.

واستدرك لكن في نيسان من العام نفسه (2004) صدر قرار يجيز بيع نفايات الحديد من ساحات المعارك، وهذه العملية أدت إلى قيام التجار والمواطنين، بجمع وتقطيع الآليات العسكرية المدمرة في مختلف مناطق البصرة، وخاصة في المناطق الشعبية، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة الأمراض الناتجة عن هذه الإشعاعات هناك.

وبين أن عدد المواقع المشعة، بدأ بالتزايد من خلال عمليات نقل أجزاء وقطع الآليات العسكرية الملوثة، من مكان إلى أخر، عن طريق بيع وشراء هذه المواد باعتبارها سكراب حديد يمكن الاستفادة منها .

وعن أكثر المناطق في البصرة تأثرا بمثل هذا النوع من التلوث قال وارتانيان أظهرت الدراسات التي أجريناها، أن اغلب المصابين بالأمراض الناجمة عن التلوث الإشعاعي، يسكنون مناطق قريبة من مواقع التلوث، لاسيما في قضاء الزبير، وأبو الخصيب، والقرنة، والأحياء الشعبية في مركز المحافظة. مشيرا إلى أن هذه المناطق تحتوي على المواقع التي تعرضت إلى قصف بذخائر مصنعة من اليورانيوم، أو نقلت إليها أجزاء ملوثة من الآليات العسكرية للمتاجرة فيها، دون معرفة مدى خطورتها.

وبشأن الإجراءات التي من الممكن أن تحد من خطورة هذه المواقع قال وارتانيان إن المعالجات التي من شأنها الحد من خطورة هذه المواقع، ترتكز على عملية التخلص من هذه المواد الملوثة ونقلها إلى خارج حدود مدينة البصرة.

وأضاف كما أن المعالجة تتم، من خلال تحديد مكان خاص لجمع الآليات الملوثة، شريطة أن تراعى مسافة البعد عن المناطق الآهلة بالسكان وطرق المواصلات والمعامل والمنشآت الصناعية، وجيولوجية هذا المكان والابتعاد عن المياه الجوفية.

وتابع وارتانيان وقد تم تقديم مقترح أولي بجعل منطقة مقبرة الدبابات (200 كم غرب البصرة) موقعا مؤقتا لجمع النفايات الملوثة، لأن هذه المنطقة ما زالت تحتوي على العديد من الأهداف العسكرية الملوثة، ومن ثم تبدأ عملية حظر للمواقع المشعة داخل المدينة، ويرافق ذلك إقامة ندوات تثقيفية لشرائح المجتمع للتعريف بخطورة هذه المواقع.

وزاد كما تضمن المقترح، إجراء عمليات معالجة لتربة المواقع الملوثة من خلال تثبيت التربة بمواد بوليميريه، وكشف مدى التلوث الحاصل فيها، ليتم قشطها ونقلها إلى أماكن خاصة، وتشجيع شركة الحديد والصلب في استثمار سكراب الحديد غير الملوث، بدلا من انتشاره في مناطق عدة من المدينة، وهو ما يعرضه إلى التلوث في حال وجود قطع حديدية ملوثة.

لكن الباحث البيئي شكا من أن من المقترحات التي قدمت لحكومة البصرة المحلية أو للحكومة المركزية في بغداد لم تجد تجاوبا حقيقيا.

وقال إن هذا المقترح وغيره من المقترحات، التي قدمت سواء لحكومة البصرة المحلية أو للحكومة المركزية في بغداد، لم تجد لها تجاوبا حقيقيا، وهو ما يزيد من خطورة بقاء هذه المواقع المنتشرة في عموم البصرة، ويضاعف من عدد الإصابات المرضية الناجمة عنها .

وكانت المنطقة الجنوبية من العراق، ولا سيما الحدود الغربية لمحافظة البصرة، أكثر المناطق تضررا بالمواد المشعة.

وتشير بعض الدراسات إلى أن عدد الأهداف المدرعة المدمرة للجيش العراقي في عام 1991 كان 3700 هدف، تم تدمير 1400 منها بقذائف اليورانيوم المنضب. وأعيد استعمالها مرة أخرى أثناء غزو العراق عام 2003، وتشير بعض المصادر أن ما استعمل على محافظة البصرة من أسلحة اليورانيوم في هذه العمليات من القوات البريطانية فقط هو 1.9 طن ولكن تقديرات أخرى تشير إلى أنه يقارب الـ 100 طن .

وتقول إحصاءات رسمية أن ما استعمل على العراق من قذائف وإطلاقات تحوي اليورانيوم المنضب في عام 1991، وخلال ستة أسابيع قارب 940,000 إطلاقة عيار 30 ملم و14,000 قذيفة مدفع ودبابة من مختلفة العيارات، وهو ما يقارب 300 طن من القذائف الملوثة اشعاعيا.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 5 أيلول/2007 -22/شعبان/1428