أزمة السكن وجشع المؤجر وجهان لعملة واحدة

تحقيق: عصام حاكم

شبكة النبأ: أزمة السكن وجشع المؤجر مفردتان ذاع صيتهما في ظل التدعيات والازمات المتداخلة في العراق الذي تتعاقب عليه النكبات بفضل السياسات الفاشلة التي اعتمدتها الانظمة والحكومات خلال الثمانين سنة الماضية، فالمواطن العراقي يواجه هذه ألازمات ولاسيما في العشرين سنة الماضية بحلول جزئية ادت في نهاية المطاف إلى تعميق ألازمة وتجذيرها وبعد التاسع من نيسان عام 2003 توسمت الكثير من العوائل بان ثمة حلول لهذه المشكلة قد تأتي مع انتهاء فترة الهدر في الموارد المالية للعراق بعد الحروب المتلاحقة والرشاوي الدولية، الا ان الأمور ازدادت تعقيدا بفضل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها سلطة الحاكم المدني الامريكي بول بريمر والتي أصبحت فيما بعد المرجعية الأساسية لادارة امور الحكم في العراق.

يتسائل المواطن العراقي عما قدمته السلطات المتلاحقة خلال الثلاث أعوام ألماضيه من إنجازات في حقل الإسكان مما يخيب الظن عند المواطن عندما يجد جعبة الإعمار فارغة من أي موشر باستثناء بعض الإنجازات الفردية ، وهذا مما ينسحب تلقائيا على شريحة واسعة من ابناء هذا الشعب الذين يطلق عليهم  قانونيا بالمستأجرين، ممن لم يسعفهم الحظ ويحصلوا على بضعة امتار في هذا الوطن المترامي الاطراف ليشيدوا عليها بيتا صغيرا، أجل انها مشكلة الالاف من العوائل العراقية التي تواجه  كل رأس شهر شبح اسمه المؤجر.                     

وللاطلاع على حيثيات هذه الازمة كان لمراسل (شبكة النبأ المعلوماتية) وقفة مع بعض المؤجرين والمستأجرين فكانت الحصيلة ما يلي:                        

وقد كانت محطتنا الاولى مع المواطن(هاشم عزيز) وهو صاحب ورشة، حيث أستطرد بالحديث وهو يشرح معاناته قائلا: لقد بدأت تلك المعاناة في منتصف الثمانينات عندما اضطررنا لظروف صعبة آلت بنا الى بيع الدار التي نسكن فيها واستئجرنا دار في منطقة اخرى، في البداية كانت المعاناة طفيفة ولا تكاد تذكر حيث كان العمل متوفرا بسبب استقرار الاوضاع  واستتباب الامن انذاك رغم المعارك على حدود الوطن الشرقية ابان الحرب مع ايران، أضف الى ذلك استقرار التيار الكهربائي بصورة تكاد تكون منتظمة في ذلك الوقت، المشكلة بدأت تكبر وتترك اثارها على مجريات الحياة اليومية لعائلتي بعد أحداث  1991 وما تلاها من ارتفاع جنوني  في الاسعار وتوقف شبه كامل للاعمال الحرة، والانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي الذي اثر بشكل كبير على عملنا نحن اصحاب الكسب اليومي، كذلك الجشع الذي جبل عليه المؤجر أي صاحب الدار فبالرغم من امتلاكه العديد من العقارات وهذا ليس من باب الحسد والعياذ بالله، لكنه كان يطالبنا بين فترة واخرى بزيادة مبلغ الايجار، كنا نعارض في بداية الامر لكننا في النهاية نرضخ للامر الواقع وهكذا دواليك الى ان حدث ما حدث في نيسان 2003 وما تلاها من احداث ومعطيات.

 في السابق كانت الورشة تؤمن لي مبلغ الايجار وكذلك موردا ماليا استطيع من خلاله سد احتياجات عائلتي، تصور ان المؤجر هذه المرة طالبني بزيادة الايجار الى(250) الف دينار، ان هذا المبلغ بامكاني توفيره اذا استقر التيار الكهربائي ولكن ماذا افعل والكهرباء تاتي مثل حلم في ليلة صيف فحتى القطع المبرمج لها كما يحلو للقائمين على امور الكهرباء بتسميته هو قطع عشوائي ومزاجي، فكثيرا ما يعطوننا الكهرباء مدة ساعتين ويقطعون منها اكثر من ساعة، فماذا استطيع انجازه من عمل داخل الورشة في اقل من ساعة.

 ويضيف المواطن المذكور لقد فكرت ببيع ورشتي التي ورثتها عن ابي وعملت بها منذ نعومة اظافري بما فيها من مواد وعدد ومكائن لأشتري سيارة اجرة والعمل بها لأوفر ما اسدد به التزاماتي العائلية وبدل الايجار، ولكن حتى هذا الحل  استبعدته بعد ان رأيت تفاقم أزمة البنزين، وكما تراني الان أضرب اخماسا بأسداس لعلني أجد حلا يخرجني مما أنا فيه وينقذ عائلتي من التشرد، وفي ختام حديثه اسسرت في نفسي حمدا لله لأني اسكن في مئة متر فقط انا وعائلتي المكونة من عشرة افراد.                          

الحاج (ابوميثم) صاحب مكتب دلالية عقار في حي الغدير، شاركنا الحديث عن تلك الازمة المستعصية قائلا:  في سنوات خلت كانت بدلات الايجار متهاودة ومعقولة نوعا ما، حيث كان بامكان المواطن ايجار مشتمل او شقة صغيرة وذلك لتدني بدل ايجاراتها، اما ما تلاحظه اليوم من اسعار خيالية يضعها اصحاب العقارات  تلهب كل من يأتي الينا لتأجير شقة او مشتمل او بيت وتدفعه الى الهروب والنفاذ بجلده.

ويضيف ابو ميثم، ان هناك قطع أراضي عديدة للبيع في أماكن عدة لكن الاقبال عليها اصبح ضعيفا بسبب الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الإنشائية، وكذلك عدم توفر الخدمات في تلك المناطق، أضف الى ذلك تأثيرات أزمة الوقود والمحروقات وغياب الاستقرار الامني.

 وفي ضوء هذا كله علينا أن لا ننسى جشع بعض اصحاب العقارات مستغلين حاجة المواطن الذي يحاول بطريقة او بأخرى توفير سكن لائق يأويه وعائلته، فنجد أحد هؤلاء المؤجرين يطلب مبلغ (500) خمسمائة الف دينار بدلا لأيجار مشتمل صغير لا يضم أكثر من غرفتين مع ملحقاتها ويعتبر سعره هذا غير قابلا للنقاش او المساومة، بل انه يطلب أيجار سنة كاملة مقدما ولكن للأمانة اقول ان بعض الذين اثروا على حساب الوضع الجديد ونالوا حظا  من حواسم السحت الحرام نجدهم يدفعون حتى بدون مساومة، فمثلا قبل فترة أشترى أحدهم دارا في منطقة حي الحسين بمبلغ 600 مليون دينار عداً ونقداً، مع العلم ان صاحب الدار كان قد عرضه للبيع عندي في المكتب بسعر لا يتجاوز 450 مليون دينار، ان تلك النماذج هي التي شجعت اصحاب العقارات وحفزتهم على استغلال حاجة المواطن.              

يشاركنا (حسن هادي)، موظف حكومي، حيث قال لـ(شبكة النبأ): يمكن اعتبار أزمة السكن من المشاكل التي يعاني منها أغلب العراقيين تقريبا وان تلك الأزمة ليست محصورة في مكان محدد، وانما نجدها تأخذ البعد نفسه في مختلف محافظات القطر خصوصا في ظل ظاهرة التهجير القسري والتي تطال المناطق الساخنة، وما أفرزته الأحداث اليوم ينم عن سوء التخطيط  وعدم جدوى السياسة التي تتبعها وزارة الاسكان والتي لم نسمع منها سوى التصريحات الرنانه والتي  لو كان لجزء  يسير منها بعض المصداقية لحلت تلك الأزمة من بكرة أبيها، ذلك لأنه كثيرا ما نسمع بأبرام  العقود وتخصيص الملايين، لا بل المليارات لأنشاء المجمعات السكنية وفرز الأراضي لتوزيعها على شرائح هذا الشعب المبتلى والذي لا يملك أكثرمواطنيه شبرا واحدا فوق تراب هذا الوطن، فالواقع يقول عكس ذلك لأننا  نجد أن من بين العراقيين  من يتوسد الارض مع أطفاله متخذا من جذوع النخيل سقفا له او من استوطن في بقايا الخرائب المهدمة بفعل العمليات العسكرية او مباني الدولة كمعسكرات الجيش  وبعض المنشأت العسكرية والمدنية، وما تبقى منهم ذهب ليتجاوز على اراضي الدولة ليمنحنا ظاهرة جديدة سميت بظاهرة التجاوز، فهل يقبل المسؤولون ان تهان كرامة العراقي هكذا؟ وهل تصريحات وزارة الاسكان بدءا من الوزير وانتهاءا بالمسؤولين على اختلاف  احزابهم  وتوجهاتهم هي مجرد بالونات تخدير او فقاعات اعلامية للإستهلاك  الداخلي.                

اما المواطنة (سهاد محمد مردان) وهي موظفة في التصنيع العسكري سابقا، وام لثلاثة أولاد، قالت لـ(شبكة النبأ): بعد استشهاد زوجي اضطررت الى بيع الدار التي اسكن فيها وأستئجار مشتمل صغير في منطقة محاذية لأهل زوجي الشهيد لأكون بالقرب منهم  ولاوفر بعض المال لأسد به متطلبات معيشة عائلتي الصغيرة بعد فقدان معيلها الوحيد ولأواجه الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى ولا يزال يعاني منها ابناء هذا البلد.

 لقد دفعتني هذه الظروف الى العودة الى وظيفتي التي أستقلت منها سابقا وابقاء اطفالي عند بيت أهل زوجي القريبين منا وذلك في سبيل توفير مبلغ ايجار السكن (75000) الف دينار، وبالرغم من ان هذا المبلغ يعتبر ضئيلأ  مقارنة ببدلات الأيجار الحالية التي تتجاوز مئات الآلاف هذه الأيام وما يتبقى من راتبي البالغ (250) الف دينار احاول الاقتصاد  به لسد نفقات المعيشة.

 ولا بد لي هنا من الاشادة بطيبة السيد صاحب المشتمل الذي نسكن فيه والذي ساعدنا كثيرا ورفض زيادة الايجار، لا بل انه خفضه من(100) الف دينارالى (75) الف دينار مراعاة لظروفنا، ونحمد الله على وجود أناس طيبين يحاولون التخفيف عن كاهل المواطنين في هذا الظرف الصعب.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 3 أيلول/2007 -20/شعبان/1428