بعد التقسيم والعنف المفرط.. الديمقراطية في الهند انموذجا

شبكة النبأ: هناك عوامل كثيرة تقسم الهند من طوائف اجتماعية الى التفاوت الطبقي والاقتصادي الكبير، ومن اللغة الى الدين، وكل هذا سبّب صراعا طويلا، واحيانا عمليات قتل وحشية، ورغم ذلك لم يغير شيء خريطة الهند التي رسمت في عام 1947حتى اصبحت هذه الدولة انموذجا عالميا للديمقراطية في العصر الحديث.

كان رانبير راي هاندا عمره 14 عاما فقط عندما ذاق جنون التقسيم وأجبر على الهروب من لاهور مسقط رأسه في قطار متجه من باكستان المستقلة حديثا الى الهند.

وما رآه لدى وصوله الى امريستار في 14 اغسطس عام 1947 مازال يقض مضجعه. حيث قتل آلاف من المسلمين من الرجال والنساء والاطفال الذين كانوا ينتظرون قطار في الاتجاه المعاكس بوحشية امام عينيه وقطعت رؤوسهم. بحسب رويترز.

وكان من المقرر ان يغادر ثلاثة او اربعة قطارات مكدسة بالمسلمين الى باكستان في ذلك اليوم. ولكن لم يغادر اي منها.

وأردف قائلا، رأيت مسلمين يحرقون احياء ويتم إلقاؤهم في آتون من النار. رأيت جثثا رأيت دماء رأيت اشياء كثيرة، واضاف، الجنون الذي ساد اول يوم كان يمكن ان يقضى على الجميع.

وفر نحو 12 مليون شخص من المسلمين والسيخ والهندوس للنجاة بحياتهم خلال التقسيم. ومات نحو مليون شخص، وعبرت قطارات محملة بالجثث الحدود في كلا الاتجاهين.

وفي عام 1931 حذر ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا الراحل من انه اذا غادر البريطانيون الهند فإن الاغلبية الهندوسية ستكون لها السطوة المسلحة وستنهار الخدمات العامة وقد تعود البلاد بشكل سريع الى همجية وفاقة القرون الوسطى.

ولكن بعد 60 عاما وعلى الرغم من الطقوس العنيفة لولادتها استمرت الهند في البقاء بل وبدأت في الازدهار كأكبر ديمقراطية في العالم ودولة علمانية إلى حد بعيد.

وقال المؤرخ بيبان تشاندرا، على الرغم من تقسيم البلاد وكم الدماء التي اريقت فقد اصبحت الهند بلدا علمانيا وديمقراطيا. اعتقد ان هذه واحدة من اعظم الانجازات في العصر الحديث.

وقال راماتشاندرا جوها في كتابه الواسع الانتشار تاريخ " الهند بعد غاندي" ان البزوغ الاقتصادي للهند اليوم يلفت الانتباه في كل انحاء العالم ولكن قصة النجاح الحقيقية للهند الحديثة سياسية وليست اقتصادية.

ويقول انه من السابق لأوانه ان نقول ما اذا كان ازدهار البرمجيات سيؤدي الى ازدهار عام.

واضاف، لكن بقاء الهند دولة واحدة بعد ان مر عليها 60 عاما من الاستقلال وبقاءها دولة ديمقراطية الى حد كبير.. حقيقتان لابد وان تجذبا انتباها اعمق.

وفي كل مرحلة من تاريخ الهند بعد الاستقلال واجهت اوراق اعتماد الهند كديمقراطية علمانية تحديات.

ففي عام 1975 علقت رئيسة وزراء الهند الراحلة انديرا غاندي الديمقراطية وسجنت زعماء المعارضة وفرضت احكام الطواريء. وبعد عامين تراجعت عن موقفها واطيح بها في الانتخابات.

واثار اغتيالها على يد حراسها الشخصيين السيخ في عام 1984 اعمال شغب عنيفة ادت الى قتل 2700 شخص.

ولكن البنيان العلماني للهند تضرر بشكل اكبر بسبب صعود اليمين الهندوسي في التسعينات واعمال الشغب الطائفية التي وقعت في جوجارات في عام 2002 وادت الى قتل 2500 شخص معظمهم من المسلمين.

ورغم ذلك بعد عامين اطيح باليمين الهندوسي من السلطة وتراجع بعد انتخابات عامة شارك فيها 400 مليون شخص .

ووصف تطبيق الديمقراطية في الهند بأنه "اكبر مقامرة في التاريخ." وقال منتقدون ان بلدا فقيرا ومتنوعا ومقسما مثل هذا لا يمكن ان يتحمل انتخابات حرة ونزيهة.

واليوم الديمقراطية الهندية بعيدة عن الكمال ولكنها رسخت اقدامها، ويقول جوها انها نجحت في الاغلب في توفير حرية الحركة والتعبير ولكنها اخفقت في الاغلب عندما يتعلق الامر بعمل الساسة والمؤسسات السياسية.

وفي كشمير التي تقطنها اغلبية من المسلمين ساعد التلاعب في الديمقراطية على اثارة تمرد أودى بحياة اكثر من 40 الف شخص منذ عام 1989. ورغم كل ذلك فإنها توفر صمام ضغط حاسما حافظ على سلام اوسع.

وقال تشاندرا ان مكانة الساسة الهنود تراجعت على مر الايام وهناك قدر كبير من الفساد وقدر كبير من تجريم السياسة ولكن هذا لم يقلل من حقيقة اننا بلد ديمقراطي به حريات مدنية. 

وفي بلد به ألف طبقة اجتماعية و22 لغة رسمية ولهجات اكثر بكثير وفي بلد تقطنه اغلبية هندوسية ويضم ثالث اكبر عدد من المسلمين في العالم فإن تنوعه مصدر قوة.

والى حد ما ادرك الهنود انه ما من سبيل آخر للعيش في سلام، والتفاهم هو اسلوب حياة في بلد لا تستطيع طائفة او جماعة واحدة ان يكون لها التفوق.

واعطى الزعماء الاوائل ولاسيما اول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو الهند الحديثة الولادة متنفسا من خلال تشجيع وجود هوية علمانية ووطنية ديمقراطية والدفاع عنها.

واليوم نما شعور الهند الموحدة حتى مع اعادة تأكيد المناطق لهويتها الخاصة بها في الوقت الذي اصبحت فيه مدينة السينما الهندية الضخمة (بوليود) عنصر تماسك اجتماعي قويا من خلال اعطاء البلاد شغفا مشتركا.

ومازال هاندا يتذكر العائلات المسلمة والسيخية التي ساعدت والديه خلال اعمال الشغب التي وقعت في لاهور عام 1947 والسائق المسلم السابق لعائلته والذي عاد من تلقاء نفسه ليخاطر بحياته بقيادته سيارتهم ومتعلقاتهم عبر الحدود الى الهند.

واليوم ابنته متزوجة من مسلم. ويصف هاندا ذلك بأنه شيء" جميل" ويقول انه فخور جدا بالهند العلمانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23 آب/2007 -9/شعبان/1428