تسليح العشائر وتبني الجماعات المسلحة في العراق

 الأسباب والنتائج

عدنان الصالحي/ مركز الامام الشيرازي

شبكة النبأ:  لم يمض زمن طويل عما قلناه سابقاً (حكومة المليشيات المتعددة الجنسية) وأعتقد أن البعض شاطرنا الرأي والبعض أخذ قراره بعدم الرضا؛ وفي كلتا الحالتين فأن مبتغانا مما سقناه أن نشير الى ما نعتقد حدوثه أو وقوعه وها قد وقع الآن!.

    جهز الأمريكيون ما يرونهم أصدقاء أو الذين يمكن التعامل معهم في العراق من الجهات غير الرسمية( العشائر العراقية في المناطق الغربية وبعض العناصر المسلحة في بغداد) لمقاتلة القاعدة والجهات المتطرفة، وفي حينها نطقت الحكومة العراقية بكل ثقة بأن من إصدار الأوامر لتجهيز العشائر بالسلاح، ومن يشرف على هذا الموضوع هم العراقيون فقط! وان العمل مع الجماعات المسلحة غير موجود وإن الأمريكيين لهم دور الإسناد والإستخبار، وعلى هذا الأساس سار الموضوع بكل ثقله ليصطدم أول الأمر بقضية التمرد على الحكومة والإئتمار بما يطلبه الأمريكيين.

     يرى بعض ممن شاركو في التجربة على أرض الواقع أن العملية فيها من اللغط الكثير وان ما يجري هو تخبط عسكري واضح للإدارة الأمريكية والحكومة العراقية في ملف الامن الداخلي للبلاد، ولا نريد أن نذهب كثيراً ولنعود الى الدعوات الأخيرة التي صدرت من قيادات شيعية عليا تطالب بتسليح وتدريب العشائر العراقية وبالخصوص (الشيعية) حسب ما عبر عنها في المطالبة، لمواجهة المد القاعدي في العراق ولخلق توازن لترسانة الأسلحة التي صرفها الأمريكيون الى جهات يراها البعض ذيول للقاعدة أو لبقايا النظام السابق (حسب وجهة نظر البعض).

    وعلى أية حال ولنفترض بأن عملية التجهيز بالسلاح تمت وان الحكومة إستجابت لطلب البعض وجهزت العشائر الشيعية في الوسط والجنوب بالسلاح وتشكيل مجالس إنقاذ لمقاتلة فلول النظام السابق والحد من سيطرة المليشيات على الشارع.

      أصبح الآن لدينا وعلى واقع الحال قوتان كبيرتان تملكان عدة وعدداً جيداً في مساحة الجغرافية العراقية التي لا تحتاج الى إضافة سلاح فالقوات الأمريكية والحكومية وعناصر المليشيات والعصابات الخارجة عن القانون موجودة جميعها أيضاً على نفس الرقعة الجغرافية التي يحدها الخليج من الجنوب وتركيا  من الشمال.

    من جهتهم قام الأمريكان بالاتصال بشخصيات عسكرية من الجيش العراقي السابق وتم تزويدها بالأسلحة على أن تكون تلك القوات مرتبطة بها بصورة مباشرة متجاوزة لوزارتي الداخلية والدفاع ومن تلك المسميات ما أُطلق عليه جيش الاعظمية أو العامرية وغيرها. 

   إذن الطرفان الامريكي والعراقي يبحثان عن حل؛ الحكومة تنظر الى الداخل وترتيب الأوضاع فيه على انه حل ممكن أن يأتي بنتائج طيبة في حال الوصول الى تفاهمات جيدة، ولاسيما بعد إبداء أطراف متعددة مرونة أكبر بالعمل مع حكومة المالكي ومنها بعض الجماعات المسلحة والعشائر العراقية.

الأسباب التي أدت الى ذلك:

    يرى البعض أن ما أنتجته المحاولات الأخيرة للإدارة الاميركية في العراق والحكومة الحالية من فتح شبابيك خلفية لبعض الجهات لطلب المساعدة في إستتباب الأمن هي نتائج وليست عطاءات أو إمتيازات كما يصورها البعض و هي ناتجة من:

1-    فشل المشروع السياسي للأحزاب والكتل المتبنية للعملية السياسية في طرح مشروع  وطني شامل وإسناد الحكومة الحالية بما تحتاجه من وحدة الموقف وعنصر القوة الحقيقية في إتخاذ القرار السياسي و التنفيذي ، إذن فهو على ظاهر الحال تخبط سياسي برلماني واضح.

2-    عدم وجود برنامج تنفيذي للحكومة الحالية مُقر على واقع الحال يشمل برامج وجوانب مهمة ذات تأثير متساوي لجميع الأطراف بل يتم العمل على أساس ترقيعي لأخطاء متراكمة ومراوحة واضحة في مكان واحد وعدم التقدم بالاتجاه الفعلي في قضية إنهاء الملف الأمني  بأي اتجاه ومن هو المسؤول الحقيقي عن إدارته المباشرة.

3-    إرباك وتخبط عمل الإدارة الأمريكية الخاصة بقضية العراق وتعدد المستشارين الخاصين بالرئيس الأمريكي بتلكم القضية وإعتماد هؤلاء لأشخاص متفاوتين المزاج والطبع والإتجاه ، مما سبب تشويش كامل في الرؤية الحقيقية  للإدارة الأمريكية للوضع في داخل البلد.

4-    صراع متشابه في داخل الإدارتين العراقية والأمريكية بين العناصر المتشددة والعناصر المعتدلة في الجانبين العسكري والتشريعي عكس بصورة واضحة على إتخاذ القرارات المهمة هنا وهناك بشكل غير مجرى الأحداث بدرجات كبيرة  سلباً أو إيجاباً.

5-    وجود العناصر غير المؤمنة بالعملية السياسية في داخل الحكومة والبرلمان ولغاية في نفس تلك العناصر سببت الكثير من المشاكل بدون أي محاسبة أو متابعة قانونية، مما أدى الى ظهور تشنجات جانبية لدى الجميع من قضية الثقة المطلقة بالبعض.

6-    فشل القوات العسكرية العراقية في التخلص من الولاءات والإنتماءات الطائفية ولاسيما إن أكثر التعيينات تتم من خلال الأحزاب السياسية المشتركة في السلطة أو التي لها يد في القرار السياسي مما جعل الدائرة العسكرية متمحورة في نطاق ضيق .

7-    إرتباط أكثر الأحزاب السياسية بمليشيات تابعة لها (ولو في السر) وهذا مما يجعل القادة العسكريين في حيرة من الأمر فالاصطدام بتلك المليشيات لضبط الشارع يعني اقتحام الممنوع وعدم المساس بها يعني عدم فعل شيء يذكر تجاه أعمال العنف التي تجري والتي يشار بالبنان الى العناصر غير  المنضبطة من المليشيات بالتورط فيها. 

    قد يضيف البعض عدد آخر من النقاط التي جعلت من الإدارتيين العراقية والأمريكية متورطة في قضية الامن الى درجة إستدعاء العناصر المسلحة التي يمكن أن تستدرج أو العشائر العراقية التي كانت في يوم ما شديدة الولاء لصدام حسين  في مرحلة ما بعد إنتفاضة الوسط والجنوب بعد حرب الكويت، ويتذكر الكثيرون كيف كانت العشائر تتدفق على الرئيس السابق بكثافة لإعلان التائيد والنصرة ومحاربة مايسمى سابقاً ب(الغوغائيون) وهم طبعاً أهل الحل والعقد الآن ورئاسة الحكومة بيدهم فكيف تحولت العشائر بقدرة قادر من محاربة هؤلاء الناس الى موالين لهم  ومدافعين عنهم.

    إن الناظر إلى ما يجري من تدهور في الحالة الأمنية وتخبط واضح في كيفية بناء إستراتيجية عسكرية واضحة للأمد القريب على اقل تقدير يمكن أن يرى في قضية التقرب من بعض بقايا النظام السابق وتسليح العشائر أخطاء قاتلة ممكن أن تنتج لنا ما يلي:

1-    لا يجهل الكثير وأولهم الحكومة العراقية والقوات الأمريكية بان الشارع العراقي ممتلأ الى حد التخمة بأنواع السلاح التي من الممكن أن لاتوجد في دول المنطقة وجيوشها التي تربطها معاهدات مع دول غربية وأوربية لتزويدها بالسلاح، وهذا يشير الى مدى خطورة ضخ كميات من السلاح الى الشارع والمشكلة أن الدولة والأمريكان يعلمون بان لكل منهم أشخاص يختلفون في وجهة النظر عن الأخر وحتى عن مبدئية العمل.

2-    يحاول الأمريكيون التقرب أكثر من بقايا النظام السابق وإستدراجهم الى القوات العسكرية ، بعدما خابت محاولات إقناع الشيعة في إشراك هؤلاء في الحكم بينما يحاول العراقيون ولاسيما القيادات العسكرية التقرب من المليشيات المنتظمة تحت مسميات وأحزاب معروفة لثقتهم بها ومحاولة إشراك الطابع العشائري فيه أيضاً، وهذا ينتج تعاكس كبير في ساحة العمل لإختلاف وجهات النظر والرؤى لدى الطرفين مما قد يسبب إقتتال بين الطرفين المجهزين بالأسلحة.

3-    أشارت النقطة أعلاه الى القضية بصورة عامة ولكن لو أردنا التدقيق أكثر في قضية العشائر والمليشيات لوجدناها خطين منفصلين تماما وفي أكثر الأحيان، فالمليشيا الموجودة على الساحة العراقية جميعها ذات طابع ديني تقريباً وهي تسير ضمن أيدلوجيات دينية ومذهبية، بينما يعرف الجميع أن العمل في الخط العشائري يخضع لتقاليد وطبائع قد تكون بعيدة عما تحتويه المليشيات وهذا يسبب تصادم كبير في بعض الأحيان بين الفئتين، وهذا ما بدا واضحا في مناطق وسط وجنوب العراق حيث دافعت العشائر العراقية عن بعض المنتمين لها من بقايا النظام السابق ضد هجمات المليشيات ومحاولات تصفيتهم، وهذا بطبيعة الحال يولد مشاكل متراكمة قد تستمر الى ما بعد إستتباب الامن أو إنهاء قضية تنظيم القاعدة في العراق.

4-    إن تزويد العشائر العراقية والبعض الآخر بالسلاح سيضع الأجهزة الأمنية في موضع لا تحسد عليه، فماذا سيفعل رجل الامن في حالة مواجهة قوة عسكرية ذات زى مدني وهي تجوب الشوارع في لحظة ما وهل سيعتبرها من خلايا تنظيم القاعدة أم سيحسبها على الجهات الصديقة الداعمة للحكومة، هذا يسبب لغط كبير وتشابك مبهم لدى قوى الامن العراقية، مما يسهل إختراق الكثير من المناطق بتلك الحجج.

5-    إن ضعف الجهاز الأمني في الوقت الحاضر وكثافة تسليح العناصر غير المنضوية تحت الحكومة يسبب مشكلة كبيرة في الانفلات الأمني  سيكون ذا تأثير سلبي على الامن في البلاد ولاسيما إذا ما تمردت إحدى العشائر على الحكومة أو الجهة ا لممولة لها بالسلاح.

إننا هنا في مركز الإمام الشيرازي (قد) نرى ولعل الإخوة الآخرين يتفقون معنا في الرأي على ضرورة البحث عن سبل جديدة لآليات التعامل مع الملف الأمني وكيفية السيطرة عليه بعيداً عن الأستجداء بقوى الآخرين أو طلب المساعدة، نعم قد تحتاج الدولة الى الحشد الجماهيري والإستخباراتي ولكن يجب أن يكون العمل العسكري بيد جهة واحدة فقط وهنا يجب أن يكون الباقين في موضع إسناد وفي مرحلة أخيرة.

وعليه فإننا نرى من خلال ماسقناه بان العمل يمكن أن يتم من خلال ما يلي:

1-    البدء بحملة عسكرية كبيرة لجمع السلاح ولاسيما في المناطق الآمنة نسبيا والمسيطر عليها من قبل القوات الأمنية، يسبق ذلك عرض شراء الأسلحة من المواطنين وبأسعار جيدة وتحريك الاتجاهات جميعها في الدفع نحو إنجاح ذلك.

2-    تحديد المناطق غير الآمنة  أو غير المستقرة بنوع سلاح دفاعي واحد يمّكن المواطن من خلاله الدفاع عن نفسه في حالة الضرورة ومنع حيازة أو حمل أي سلح من النوع الثقيل أو المتوسط، ولاسيما الأنواع شديدة الانفجار.

3-    ربط قضية الملف الأمني بالقوات العسكرية العراقية حصراً في داخل المدن ( على أقل تقدير الآمنة نسبياً) وإشراك القوات الأجنبية من الجانب ألاستخباراتي اللوجستي فقط في المناطق ذات الوضع الأمني المتدهور ، تجنيد طاقات العشائر والعناصر الراغبة بالعمل  مع الحكومة في مجال الإستخبار و تحويل قضية تسليح العشائر الى ضم أبناءها الى القوات الأمنية ضمن الأداء المهني  وعدم التزام التعين موقع او سكن المُعين.

4-    إعادة النظر بجميع التشكيلات العسكرية القيادية على أقل تقدير وبيان حال المتفاني في عمله من المتعاطف مع العناصر المسلحة وإحالة الى القضاء أو إقالته ولاسيما بعد بروز الكثير من الضباط المنطوين تحت تنظيم القاعدة أو المتعاطفين معها خوفا أو طمعاً.

  إن ما يجري من تسليح الشارع العراقي  بأنواع الأسلحة هو في حقيقة الأمر خطوة ذات أبعادة خطرة قد تقلب الطاولة على الجميع بمن فيهم القوات الأمريكية التي ثبت التحقيقات الأخيرة بأن بعض الأسلحة التي جهزت الجيش العراقي بها وهو جهة نظامية قد تسرب الكثير منها الى جهات مجهولة ، إذن فما قولك فيما سيحدث لو جهزت تلك الأسلحة الى جهات غير نظامية أو غير مركزية، فلك أن تتصور الحال أو ما يمكن أن يحدث من خلال ذلك وهنا قد تصبح المشكلة أكثر تعقيداً فيما لو إكتشفنا بعد مضي الوقت إن بعض من جهزناهم بالأسلحة هم من فلول البعث المرتبط بعناصره المضادة للعملية السياسية أو من تنظيمات القاعدة و لك أن تتصور الحال آنذاك...

مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22 آب/2007 -8/شعبان/1428