الوجه الآخر للحضارة الفرعونية

سليم الجصاني

 ـ إن كثيرا من الناس يعبدون الناس حتى بعد موتهم

نطالع كثيرا بعين من الاهتمام والتطلع ولعلنا نرغم على سماع كلمات التمجيد الخاصة بالحضارة الفرعونية مما صنعته من أهرامات،والحق انها تحتاج إلى التأمل في هندستا من وجه ومن وجه آخر تحتاج إلى النظر في أساساتها  مم صنعت,وعلام ارتكزت في صنعها لهذه البناء العملاقة آنذاك والى وقتنا الحاضر هذا ؟ وتجيبنا على ذلك جملة من الأمور لعل أهمها:ـ

1ـ ما تظهره النقوش الحجرية من استعمال كثير من ساكني النيل وتوجيههم تحت سياط جلادي البلاط الفرعوني لحمل الأحجار الضخمة ورصها وبنائها لتشكل الاهرامات ,وتظهر الأعداد الضخمة من الحرس والعمال والمهندسين والذي يتجاوز عددهم الآلاف من أبناء البلد مما يعني:ـ

أـ الطريقة الدكتاتورية في معاملة الحكام وقتها لشعوبها, وقد يقول البعض وهل كان في العصر القديم غير الدكتاتورية ومعاناة الشعوب ؟وهل كانت هناك حرية بمفهومها الحديث ؟والحق هو إن من خلق الخلق كفل لهم الحرية والاحترام وحرية الرأي ويتجلى ذلك في قوله تعالى "انا هديناه النجدين...",وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13وهذا مفهوم لا يحمله الدين الإسلامي حسب بل تبنته جميع الديانات السماوية ومن ضمنها ما نقله الأنبياء المعاشرون لتلك الحقبة الفرعونية.

ب ـ هدر الكثير من الطاقات البشرية وتوجيهها بوجهة لا تستحقها فبدلا من خدمة المجموع للمجموع صارت خدمت المجموع للفرد ,فكما هو معروف فان هذه الأهرامات الضخمة بنيت ليوضع في بطنها فرعون بعد موته فكان أن خدم المجموع فردا وليس فردا حيا بل ميتا والصواب هو العكس أي ان يخدم الفرد مجتمعه فبدلا من أن تبنى القبور كان حريا ان تبنى المؤسسات وتصرف هذه الطاقة لإنشاء  الخدمات الاجتماعية التي تخدم مجتمعها وقتها كشق الطرق وغيرها.

ج ـ الهدر الاقتصادي لميزانية الدولة المتمثل بتسخير جل قدرات الدولة في سبيل بناء قبر فخم لجثمان وضيع.

2ـ إن ما توصلوا إلى بنائه هو قبر يوارى فيه جثمان الفرعون مما يعني:ـ

أـ إن هذا هو إله فرعوني استعبد الشعب ثم فسد ومات.

ب ـ إن هذا الفرعون لم يحكم في حياته حسب بل حكم الناس حتى في مماته ولازال يحكم.

ج ـ إن كثيرا من الناس يعبدون الناس حتى بعد موتهم.

وقد تثار مسألة تقديس الرموز الاسلامية واحترام اضرحتهم وهو أمر لا يشبه قبور الفراعنة فشتان بين الأمرين، ويكمن التباعد في المقارنة في امور لعل من ابرزها:

اولاـ الفراعنة ادعوا الربوبية لانفسهم واستعبدوا البشرية، وبخلاف ذلك فان الرموز الدينية من الانبياء والائمة والصالحين قد حرروا البشرية من هذه القيود واعادوا العمل بالقوانين والنظم التي تحفظ للانسان هيبته بعد ان عطلها الفراعنة والنماردة ومن سار على خطاهم.

ثانياـ ان الاهتمام بهذه الاماكن الدينية هي رغبة جماهيرية قام بها الناس بعد وفاة الانبياء والصالحين، وهو امر يخالف ما عمل به الفراعنة من تسخير اموال الناس لبناء قبورهم وابان حياتهم.فضلا عن مسائل اخرى كثيرة تميز بين الموقفين.

وإننا حين نتحدث عن الوجه الآخر من الحضارة الفرعونية لانقصد التقليل من شأن الحضارة المصرية ,فالحضارة المصرية تتقاطع مع الحضارة الفرعونية، فان الحضارة المصرية تعني البعد العلمي والحضاري للأهرامات والحضارة الفرعونية تعني البعد اللاإنساني الذي حاربته السماء عن طريق مبعوثها النبي موسى "ع".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 19 آب/2007 -5/شعبان/1428