الإشكالية بين الاسلام والمسلمين.. هامش في نقد الذات

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: الواضح والمعلن في ادبيات وخطابات  لدى غالب التيارات الاسلامية وقنواتها المقروءة والمسموعة انها بموازاة عدو مشترك متمثل بالهيمنة العالمية وهذه الهيمنة تصد او تتجاهل او انها تبغي القضاء على الثقافة ومن ثم الوجود الاسلامي في مربعه الجغرافي او غير الجغرافي.

ومن الطبيعي ان يكون هذا الخطاب قد امتلك رؤية حقيقية تساندها الرؤى العامة من عامة المسلمين بنسبة طبيعية تشترك فيها جميع العناصر الاسلامية ومكوناتها على الوجه الديني او على الوجه السياسي من تيارات واحزاب وما شابه.

اي ان تمتلك خطابا موحدا هو خلاصة آراء واتفاقات وتآلفات تمت بمحضر عام اتفق عليه المسلمون بشتى مذاهبهم واشتمل ذلك ايضا على ايجاد ثقلفة شبه موحدة في منهجيتها وخطوطها الاساسية.

فليس كافيا ان تحارب وتقهر الآخرين ولكن ان تحل في نفوسهم القناعة بشئ انت حاربت من اجله، لتجسد الشكل النضالي وتجسد ايضا شكل المعنى الانساني لنظيرك الآخر فهو الهدف الحقيقي، ومهمة الاعتلاء به الى مرتبة من التكامل هي المكسب الكبير.

وعندما نتحدث عن لغة الحرب وغاياتها واصولها فليس هذا الكلام سوى افتراض وسيرا على عقلية المحاربين الجدد، ففي ظل المتغيرات وانزياح الاستعمار القديم وحلول الحداثة وما بعد الحداثة وقراءة الوضع الاسلامي الراهن فان لغة الحرب لا تتكلمها الامة المهزومة في واقعها المتردي وعدم عقلانية خطابها في الظرف المستجد وعدم امتلاكها خطاب غير الخطابات المتضاربة.

فالوسائل العنيفة التي ادخلت قسرا الى الجسد الاسلامي سببت عدم المصداقية وانسحب ذلك حتى الى الخطاب المعتدل بكون النظرة الى الاسلام نظرة جامعة نظرة كتلوية كما ينظر المتطرف الى الغرب كتلة واحدة فاي خلل انما يعمم على تلك الكتلة برمتها.

ويضاف الى هذا تشتت الخطاب الى انواع متعددة يمتاز عنها تيارين رئيسيين، التيار الاول هو التيار المتطرف الذي يلغي الآخر جملة وتفصيلا اي انه يرفضه كتلة واحدة وهو يغلق كل هوامش التخاطب والحوار والتقارب ويلغي ايضا كل اعتدال اسلامي جاعلا اياه في خانة الكتلة الغربية الواحدة بصفة المتخاذلين العملاء عبيد الاجنبي المتواطئين المرتدين الى الكفار.

واصحاب هذا الخطاب مؤمنين على ان الزمن في دائرة مغلقة وان لا جديد سوى عودة الماضي بكل حيثياته وجزئياته فالماضي هو الهدف من وراء صقل الحاضر بالعنف والارهاب وتحطيم كل ما من شانه ان يخطو بعيدا عن ذلك الماضي، وهم على يقين بان الماضي ممكن ان يعيش بكله دون تقشير في الراهن وما بعد الراهن!.

واذا فليس من حاجة على الاطلاق من التفاهم مع الآخرين او حتى المسلمين لاجل التقارب بل هناك حدية بين خيارين اما ركوب القافلة السائرة الى الماضي او القتل والاقصاء.

اما تجسيد الماضي في الحاضر والغاء المستقبل، واما الانحراف والعصيان فليس هناك غد ممكن خارج الماضي فالمستقبل هو روح الماضي وكيانه وشكله بكل الجزئيات والصور.

واما التيار الآخر فهو التيار المعتدل الذي يميل الى المسامحة والحوار والتثقيف والتواصل الانساني وهو تيار يمثل القطاع الاكبر لدى المسلمين لكن صوته غير فاعل عمليا في الساحة الاجتماعية او السياسية حيث طغى عليه الصوت العنيف اضافة الى عدم النضوج الاجتماعي او السياسي وهو يمنى بمصدات وموانع كثيرة منها ما هو ذاتي متمثلا بالموقف الاخلاقي والمعرفي والمبدأي.

ولا ينجو في هذه الحالة اي تيار معتدل وهو يدخل في دائرة الاستفزاز باعتبار ان المتطرف يعده في خانة العدائية وتستجد احتمالات صناعة تطرف آخر كرد فعل معاكس وهذا ما يحصل في الساحة العراقية على سبيل المثال، وبزوغ تيارات عنيفة من داخل التيارات المعتدلة وهكذا يبدأ تغليف الرؤى المستقرة والعقلانية في داخل الرؤية العامة للمسلمين في حين يظل الاسلام مثل كتاب متروك لا يقرأه احد.

تنبذ الاصالة الاسلامية من قبل المسلمين انفسهم وتلك هي الاشكالية الكبيرة التي تعيشها الامة عندما بدأت بوضع اصالتها ظهريا وانكفأت على النسق السياسي والاصولي وباشرت العنف على ذاتها المسلمة.

فالارهاب صار ارهاب بالدرجة الاساس بين المسلمين وتخطى ذلك الى العنف في المذاهب والمذاهب نفسها قد افرزت ارهاب في ذاتها اي بين اهل المذهب الواحد.

ومن بين هذا التشظي يكون منطقيا ان تتشظى رؤية المسلمين وقد تعاكس الاسلام في نقاطه الفعالة والحيوية.

ونصل بعد هذه الملاحظات الى حقيقة ان الظاهر التي تنادي به المكونات الاسلامية انما هي ليست حقيقية وليست واقعية انما تدخل في مربعات متنوعة منها السياسي والتطرف الاعمى ومنها الطوباوي الحالم والذي استيقظ فجاة ورأى ان الحلم لا يتحقق ابدا ما لم يلغي العالم باسره ويحطم الحاضر بكل انجازاته ليحقق العودة الميمونة الى الماضي البعيد.

وهو ايضا يلغي الفكر والثقافة باعتبارها كانت على الدوام ملوثة بالعهود والافكار والتاويلات

ومدنسة باقلام من مروا بعد العهد القديم.

واذا فان الرؤية تحتاج فيما تحتاج اليه:

** صدق المعنى واصلاح ذات البين بين المسلمين ذاتهم.

** خطاب موحد وانسجام الشظايا في الجسد العام للاسلام.

** احترام الخصوصية للغير وعدم الاحتكام الى الخصوصية الذاتية وتعويمها على الآخرين.

** التواصل عبر المشتركات الاساسية للاسلام.

** تجنب المساس بمقدسات الآخر الاسلامي واحترامها.

** التعبير دوما عن صدق النية وتجسيد ذلك باجراءات عملية تؤكد احترام معاني الآخرين ومقدساتهم.

** التفهم العصري العقلاني والتعامل مع النظير الغربي بما يؤهل الخطاب مكانته العملية.

** محاولة المسح المستمر لما خلفه الارهاب من انطباعات عالمية وتشويه وتشويش على الخطاب الاسلامي.

** الانفتاح على الافق الانساني بصورة شفافة ومتوازنة ومعتدلة واعتبار الانسان في الغرب معني بالصلاح البشري والحلول الربانية التي يحملها الاسلام وان الرسالة انما هي رسالة عالمية وهي حق الى كل من يحملها شرقيا كان ام غربيا.

** ايجاد خطاب موحد من كافة طوائف المسلمين لمواجهة الفكر التكفيري المتشدد الذي اضفى سمة العنف والارهاب على الاسلام في السنوات الاخيرة. ومحاصرته ونبذ دعاته والمروجين له تمهيدا لتخليص العالم من شروره.

فليس غريبا ان تجد غربيا في يوم ما عالم ديني اسلامي، له اتباع ومقلدون مثلا، وقد يصل كما وصل نظراءه الى درجة آية او اعلى منها، فليس الاسلام حكرا على فئة من الناس او فصيلة من البشر.

وليس الشرقيون فقط جنودا اختارهم الله سبحانه وتعالى لتبليغ رسالته، فالمؤمنون هم المعنيون من ذاتهم اينما كانوا ومن اي جنس خلقهم الله، فهم معنيون ان يساهموا بسلوك طريق الكمال الانساني واشاعة العدل والانصاف بين بنو الانسانية من خلال الدين الاسلامي الحنيف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14 آب/2007 -30/رجب/1428