الارهاب المقدس

 سعد البغدادي

 حاول الكاتب الانكليزي تيري ايغلتون في كتابه الموسوم الارهاب المقدس الى تقصي جذور الارهاب  من خلال بحثه في الاديان والا ساطير والثقافات, محاولته قمينة جدا ان تدرس ذلك لان مسمى الارهاب يجب ان يحظى باهمية خاصة جدا ويجب ان يبتعد عن المفهوم المغلوط الذي  جعل الاسلام رديفا للارهاب,  ففي الفكر المسيحي نجد رواية( الرب يعرف احبابه ) مقطع من الانجيل سمح في القرون الوسطى الى ابادة قرى وقتل الابرياء لان الرب يعرف احبابه.

هذه القصة واحدة من القصص التي  تزخر بها الميثلوجيا الدينية في تشجيعها للقتل المقدس, وفي الفكر اليهودي هناك العديد من النصوص  المقدسة التي تبيح  مفهوم ابادة الاخر وترفض التسامح وتدعو للقتل المجاني , جذور الفكر الارهابي المقدس ليس حكرا على المسلمين والمسيحيين واليهود.

فهو يمتد عبر  اساطير روما واثنا, تبرير الفعل الارهابي وماسسته واضفاء الصبغة الشرعية عليه هو ما نعني به الارهاب المقدس, وهذا ما حصل في الفترة الاخيرة بصورة اكثر وضوحا في البلاد الاسلامية نتيجة غياب الديمقراطية وارتفاع حدة التفاوت الطبقي في المجتمعات الاسلامية, ادت هذه الاسباب الى بروز ظاهرة الارهاب المقدس خاصة بعد الغزو السوفيتي لافغانستان وظهور ما روجة له الصحافة الغربية بالجهاد المقدس, ثم ظهور كرامات المجاهدين, هذه بدايات ادت الى  بروز صورة الموت الصادمة التي يضعها الارهابي امام نفسه وامام ضحاياه وامام المتفرجين. 

يرى تيري في بحثه عن جذور الارهاب.انه ظاهرة عامة كانت من مشتركات الحضارة فحينما يعتبر  فرويد أن الحضارة بنيت بقدر كبير وضروري من القمع والكبت ما جعل قوى الفوضى والدمار حبيسة قمقمها، ولكن عند حد معين من الضبط والسيطرة ينفلت الزمام وتسود اللاعقلانية وقوى الفوضى العالم. والإرهابي هو جزء أثير من هذه العملية إذ يحمل وجهها المزدوج: وجه تدمير الوضع القائم لأنه لا يلائم تصوره الخاص عن الحقيقة المطلقة التي يجب أن يُخضع لها الواقع، والوجه الخاص ببناء واقعه المنشود الذي يجب أن يقوم على أشلاء النظام القديم.

 الهدم والبناء هنا يتطلبان المزيد من القتل والمزيد من الدم والأشلاء على أمل أن فترة زمنية لاحقة يمكن أن تتسم بالهدوء والاستقرار.في مجمل القضية من ألفها إلى يائها، يسود الإرهاب والعنف تحت مسميات عديدة، العدالة، الحق، الإيمان،  الفرقة الناجية, طريق الله,التسامح, الموعود, يوم الخلاص هذه مشتركات تجمع الارهابيين في لحظة يصبح الجلاد ضحية والضحية جلادا.

في العالم الوثني تمثَّل الارهاب المقدس بالإله ديونيسيوس، رب الخمر والمجون، بطبيعته الماجنة الصاخبة يطلق الحسي والغريزي في فضاء بلا حدود أو قيود باحثاً عن النشوة المرجوة في الخمر والجنس والعنف الوحشي أيضاً. "يجسد ديونيسيوس نصف وحش ونصف إله، فهو بذلك صورة معبرة عن البشرية، عن الكائن المتناقض الذي هو دوماً أكثر أو أقل من ذاته، فإما يفتقر إلى شيء وإما يمتلكه بإفراط وفي العصور الوسطى تمت إزاحة المكانة التي احتلها ديونيسيوس وصارت الكنيسة كما يراهالفكر اليهودي-المسيحي هو نموذج الارهاب المقدس، بناره التي تقتات على أجساد الخاطئين الخارجين على قانونه. إنه القوة العاتية التي تطيح بالأقوياء في سبيل الضعفاء وبالأغنياء في سبيل الفقراء.

في العصور الحديثة تصبح الحرية هي القوة السامية والعاتية التي تطيح بالبشر، لصالح البشر، لتحقيق غايات نبيلة، إنها "نسخة مُعَلْمَنة عن الكنيسة تعاود خلق العملية من جديد، هدم وتدمير في سبيل بناء وتعمير، مع ما يمكن أن نتخيله من عنف قديم وجديد في آنٍ معاً. ومثلت الثورة الفرنسية الصورة الأصيلة لإرهاب الحرية في أوج قوتها وتفوقها، وهي بحسب هيغل "الإرهاب الصرف للسلب الذي لا ينطوي على أي إيجاب، ولا شيء يملأه بالمحتوى" ونجاح هذا النوع من الحرية في إطلاق هذا القدر من العنف إنما يعني نهايتها الحتمية وتوجيه عنفها إلى حَمَلة رايتها وذلك كان حال الثورة الفرنسية التي انتهى رجالاتها إلى المقاصل التي أَعدَموا عليها أعداءهم.وهنا يشير إيغلتون إلى أن الغرب نفسه يميل، في سبيل محاربة أعداء حريته، إلى التضحية بحريته ذاتها على نحو مأساوي يحول الجميع إلى ضحايا ومنتصرين في نفس الوقت "ولكن الغرب حين يبادر إلى القضاء على بعض حرياته، فإنه يبدأ بتشويه دفاعه عن الحرية بأفعاله.

يفرد إيغلتون فصلاً خاصاً للعمليات الانتحارية والاضراب عن الطعام كفعل احتجاجي يضع الحياة الشخصية وحياة الآخرين على المحك. وحين يقوم الانتحاري بتفجير نفسه حاصداً معه أرواح أناس آخرين، إنما يحتاز حرية مطلقة مقرونة بإرادة كاملة كونه يقرر بذاته لحظة الموت الخاصة به وبمن يقتلهم، معاقباً في نفس الوقت من يبقى على قيد الحياة، فالحدود مفتوحة بالنسبة له ولا توجد قيود أو قوانين تمنعه، بل هو من يضع الحدود وينفذ الأحكام التي يستنّها وفق عقيدته هو.

الخلفية الدينية ليست ضرورية رغم الحضور الآسر لفكرة حياة ثانية يجري فيها تمييزه عن الضحايا الذين قتلهم بذهابه هو إلى الجنة وهم مرة ثانية إلى الجحيم. نمور التاميل انتحاريون مع أنهم علمانيون يساريون ولا يؤمنون بحياة ثانية لكنهم أصحاب قضية، فالاطار السياسي الاحتجاجي الذي يؤطر العمل الانتحاري يمنح المحتوى بعداً تراجيدياً درامياً، مع التركيز، وهو أمر لم يتطرق إليه إيغلتون، على أن القائمين على المنظمة المسؤولة عن العمل الانتحاري يسلبون الانتحاري إرادته وحريته على نحو مضاعف لأنهم يحددون موته وموت الآخرين بقرار منهم، ويضعونه دون دراية منه في صفوف الضحايا الذين استهدفهم، ولا يتساءل في قرارة نفسه لماذا يموت هو ويبقون هم على قيد الحياة؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9 آب/2007 -25/رجب/1428