شبكة النبأ: باتت جميع الاوساط
السياسية في واشنطن، وكذلك في الشرق الاوسط، يشغلها ما حققته
إستراتيجية بوش الحالية وما ستؤول اليه بعد ان قلل من حجم اي تقدم تم
تحقيقه في العراق، وتزامن ذلك مع الضغوط التي تمارسها الاغلبية
الديمقراطية في الكونجرس على الادارة الحالية من اجل الانسحاب في أوائل
العام القادم قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش.
ومرّت ستة اشهر تقريبا على بدأ تنفيذ الاستراتيجية الجديدة والتي
قضت بتعزيز الجيش الامريكي في العراق بقوة حجمها يزيد عن 22 الف جندي
مهمتها الاساسية اعادة السيطرة على العاصمة العراقية بغداد وعزل متطرفي
القاعدة، بالموازاة مع الخطة الامنية التي تقوم بها قوات الامن
العراقية منذ عدة اشهر لفرض القانون.
فشل مرحلي
على الصعيد الميداني تبقى حكومة نوري المالكي عاجزة عن الوفاء
بالتزاماتها تجاه الإستراتيجية الجديدة بشكل نسبي بعد أن فشلت في
الوصول لأرضية مشتركة بين الفصائل العراقية التي يحاول كل منها الحصول
على اكثر مما يستحق مستغلا الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة، وظل
النزاع الطائفي هو اللغة المسيطرة على الشارع العراقي. وكذلك على الكتل
السياسية فيه.
وفي هذا الإطار نظم معهد أمريكان انتربريز في واشنطن American
Enterprise Institute ندوة نقلها موقع تقرير واشنطن لتقييم ماحقته
الإستراتيجية الأمريكية في العراق حتى الآن، وفي بداية الندوة قالت
دانيلا بلتكا الباحثة بالمركز إن التقارير القادمة من بغداد تشير إلى
فشل الخطة الأمريكية الجديدة هناك وبالتالي علينا أن نتقبل الوضع
الحالي ونضع تقييما موضوعيا لما يحدث في الميدان وذلك حتى تستطيع
الولايات المتحدة تحقيق تقدم في أسرع وقت ممكن وأضافت انه من المهم أن
نعترف بالايجابيات التي حققتها القوات الأمريكية في العراق في الفترة
الماضية حيث انه ليس من المستبعد تحويل الفشل إلى نصر.
بلتكا أشارت أيضا إلى الجدل المثار حاليا داخل الكونجرس حول
الإستراتيجية المتبعة حاليا في العراق وقالت إن الأسابيع الماضية شهدت
ما أطلقت عليه ارتداد من قبل العديد من القادة الجمهوريين والذين طابوا
بإعادة النظر في الخطة الأمنية التي بدأ تنفيذها مؤخرا وانتقدت هذه
الدعوات، وقالت إن أصحابها لم يكلفوا أنفسهم العناء للذهاب إلي العراق
لرؤية ما يحدث بأعينهم.
أمن المدن العراقية
المتحدث الرئيسي في الندوة كان الجنرال جاك كين الذي شغل منصب نائب
رئيس الأركان حتى عام 2003 وحاليا هو رئيس ومؤسس مجموعة كين الاستشارية
التي تقوم بعمل استشارات خاصة في المجال العسكري والأمني كين وأشار في
بداية حديثه أن زار العراق مرتين في الأربعة أشهر الماضية وكانت كلها
زيارات ميدانية لعمل تقييم الوضع في بغداد والمدن التي تقع في حزامها
الأمني.
وقال إن الوضع في الوقت الحالي يختلف عن عام 2006 حين بدأ " العدو"
- على حد ذكره – بشن هجوم مكثف لإفشال أي جهود تقوم بها الحكومة
العراقية التي انتخبت في نهاية ديسمبر 2005 وبتفجير المساجد الشيعية في
سامراء التي أدت إلى ردود فعل مبالغ فيها من قبل المليشيات الشيعية مما
رفع من وتيرة العنف الطائفي في بغداد وقود جهود الحكومة الجديدة
وحاصرها لعدم وجود استقرار امني تستطيع من خلاله تقديم الخدمات
الأساسية للمواطنين كالكهرباء والمياه وتوقفت الحياة وأصيبت العاصمة
بشلل تام وهنا يجب الإشارة إلي أمر هام – كين مستطردا- أن الحكومة
العراقية هي حكومة مركزية من الدرجة الأولى إذن فالخدمات يتم تقديمها
واتخاذ كافة القرارات الخاصة بها من بغداد وبالتالي فالخدمات الأساسية
مثل النقل والصحة وغيرها تم تعطيلها بشكل كبيرا في باقي المحافظات أي
أن الحياة في العراق بشكل عام تأثرت بما يحدث في بغداد.
واعترف كين أن الإستراتيجية التي اتبعتها الولايات في 2006 فشلت
سواء على السياسي أو العسكري وذلك لسببين الأول هو أن الإدارة الحالية
استهانت بقوة العدو واستبعدته والسب الثاني أنها لم تعترف بأن
الاستقرار الأمني شرط مسبق لحدوث أي تقدم في العملية السياسية ومن هنا
كان لابد من أتصميم خطط جديدة لتتلاءم مع الأوضاع الجديدة التي خلقها
فشل السياسات التي اتبعها إدارة الرئيس بوش السابقة وكان الملمح الذي
قامت عليه الخطة الجديدة تحقيق الاستقرار الأمني في بغداد والمناطق
المحيطة بها في محاولة لدفع العملية السياسية استكمال مشروعات التنمية
التي تعطلت.
ويضيف قائلا إن العديد من ردود الأفعال شددت على انه لا يمكن تجاوز
الأزمة بحل عسكري فقط وان المصالحة مكون أساسي وانأ اتفق مع هذا الرأي
ولكن الاستقرار لامني شرط أساسي للوصول للمصالحة بين الطوائف العراقية،
ويشير إلي أن الخطة الجديدة مختلفة كليا من حيث المبدأ وصممت لحماية
المواطنين العراقيين وذلك بعكس الخطة السابقة التي وضعت هذا العبء على
عاتق قوات الأمن العراقية التي لم تستطع تحمل ذلك كما أن الاستراتجيات
التي تم العمل بها خلال العام الماضي لم تصمم لمكافحة " المتمردين ".
وأوضح كين أن الجزء الثاني من الخطة الجديدة كان الغرض منه إعطاء
الجيش العراقي وقت كاف للتدريب وإعادة الهيكلة خاصة انه لم يستطع
التعامل مع موجات الاقتتال الداخلي في بغداد التي نجحت القاعدة تقويض
الوضع الأمني فيها طوال العام الماضي ومن هنا كانت الحاجة لإرسال دعم
عسكري فوري لتولي المهمة في بغداد والذي قدر حجمه ب30 ألف جندي ليصل
عدد القوات الموجودة هناك إلي 160 ألف جندي تقريبا، لذلك فطبيعة
العملية التي تقوم القوات الأمريكية في العراق بتنفيذها تغيرت.
الجنرال كين أشار إلي حدوث تقدم على صعيد الاستقرار الأمني تم
تحقيقه ميدانيا في بغداد والمدن المجاورة لها مثل المنصورية وشرق
الرشيد تلك التي كانت تنظيم القاعدة في العراق يسيطر عليها حتى بداية
هذا العام مضيفا أن أهم مرحلة في تنفيذ هذه الخطة كانت هزيمة العدو
نفسيا بعد أن حقق العديد من الانتصارات في عام 2006 وبالتالي كان يجب
أن انتزاع ما أطلق عليها مبادرة الهجوم وتحويل ذلك لتقدم على الصعيد
الأمني كما أن هناك تباين واضح فيما يتعلق بأداء الحكومة العراقية في
تقديم خدمات المرافق للمواطنين والذي كان شبه متوقف في العام الماضي
وابرز مثال على ذلك ما تشهده مدينة الانبار والتي بدأ المسئولون
الحكوميون فيها يمارسون فيها عملهم بشكل طبيعي كما أن التدخل العسكري
طبقا للخطة الجديدة في مديني الرمادي والانبار شجع شيوخ العشائر على
الانخراط في جهود مكافحة المتمردين بعد أن سحبت القاعدة البساط من
تحتها فانخفضت شعبيتها بين عشائرها لحساب القاعدة هذا إلي جانب أن تلك
التحركات تم استقبالها بترحيب شعبي بعد أن تعب المواطنين من الإرهاب
الفكري العسكري طوال العامين الماضيين ووجدوا أن الحل الوحيد هو
الشراكة مع قوات التحالف للخروج من مأزق " القاعدة".
كين قال أيضا إن التقارير الاستخبارتية التي لديه تؤكد أن عام 2007
هو بداية نهاية تنظيم القاعدة لأنه حاليا يخسرون الكثير من العناصر
السنية بالإضافة إلي بنيتهم التحتية التي باتت مدمرة تقريبا وهنا يجدر
الإشارة إلي أن القاعدة خسرت تأييدها في المناطق السنية إلي حد كبير
وهذا دليل على انه سوف يجدون صعوبات كبيرة في تجنيد عناصرهم في
المستقبل، فالقاعدة - كين مستكملا حديثه- تمر بمرحلة حرجة للغاية
خاصة أنها حاليا في معركة شرسة مع المليشيات الشيعية التي تدعمها
إيران أي أن محاصرتها أمر ليس مستحيلا مضيفا أن المليشيات الشيعية
لديها أسلحة أكثر تقدما من السلاح الذي تستخدمه عناصر تنظيم القاعدة.
استمرار التدهور
جيمس ميلر كبير باحثي معهد نيو امريكان سيكيرتي Center for New
American Security أختلف مع الجنرال جاك كين قائلا إن الحديث عن
الاستقرار الأمني في العراق أمر وهمي خاصة أن وتيرة العنف لم تنخفض ففي
أحد الأسابيع وصل عدد القتلى في بغداد إلى 60 قتيلا هذا إلى جانب 144
قتيلا آخرين في مدينة كركوك أما على الصعيد السياسي فلم يتم تحقيق أي
تقدم بل الأمور زادت تعقيدا حيث أقرت الحكومة العراقية قانون النفط
مرتين وليس من المتوقع أن يصدره البرلمان العراقي إلا بعد انتهاء عطلته
الصيفية مما سيؤجل أي مشروع فعلي للمصالحة وفي وجهة نظر ميلر أن حدوث
أي تقدم على الصعيد السياسي لن يكون قبل العام القادم ووفقا لتقديرات
أخرى فإن هذه الأزمة لن يلزمها أعوام كي يتم تحقيق أي تقدم بشأنها.
ميلر نفى ما قاله الجنرال كين حول إن التقدم الذي تم إحرازه في
محافظة الانبار على الصعيد الأمني ليس وليد هذا العام أو بمعنى أخر ليس
أحد النتائج الايجابية التي حققتها الخطة الجديدة، وأضاف ميلر انه إذا
كان هناك تقدم في محيط بغداد امنيا فهذا ليس نهاية المطاف بل أن هناك
محافظات أخرى تواجه مشكلة عدم الاستقرار وبدأت وتيرة العنف الطائفي
فيها بتزايد هذا إلي جانب التهديدات الخارجية ففي الأسابيع الماضية
هددت تركيا بالتدخل العسكري في شمال العراق ومن هنا فإن مشكلة التركيز
على بغداد تتيح للقاعدة الفرصة في نقل عمليتها خارج العاصمة فالعدو -
القاعدة- ذكيا كما قال الجنرال كين.
فردريك كوجن وهو باحث في معهد أمريكان انتربيز انتقد أراء فيما يخص
نقل عملياتهم إلي المحافظات الأخرى وقال إن فكرة نقل القاعدة لعملياتها
خارج بغداد وعلى وجه التحديد إلي مدن الجنوب الشيعية أمر غير مضيفا أن
عناصر القاعدة تعي تماما أن عمرها قصير إذا أدارت نشاطها الإرهابي من
هذه المناطق ونفس الوضع بالنسبة إذا حاولت الاقتراب من إقليم كردستان
الذي من المعروف انه لديه جيشه الخاص فانتقال عمليتها هناك أمر ليس
بهذه السهولة على حد قوله.
وحول ما قاله ميلر عن تعثر العملية السياسية في العراق قال كوجن إن
السبب في ذلك هو عدم وجود ثقة بين الطوائف العراقية بسبب ما شهده العام
الماضي من اقتتال داخلي ومن هنا يبرز الاستقرار الأمني كأولوية أولى
لتحريك العملية السياسية والوصول لمصالحة بين مكونات المجتمع العراقي،
وأعتبر كوجن ما يقال عن عدم وجود أي تقدم على الصعيد السياسي مبالغة
ومزايدة حيث ظهرت في الفترة الماضية العديد من علامات الايجابية أولها
كان استعداد المالكي للوقوف بحزم ضد التيار الصدري بعد أن عجز عن عمل
ذلك طوال الفترة الماضية إلى جانب أن هناك تحركات شعبية بين رجال الدين
السنة والشيعة للتفاوض ولم الشمل مرة أخرى للوقوف بجانب الحكومة. |