لحم البشر وآداب المائدة

* أوزجان يشار

 من آداب المائدة ألا تذكر شيئا يشمئز منه أي من الجالسين حولها. وأما أن يفتح موضوع   أكلة لحوم البشر على المائدة فمن الجرائم التي لا تغتفر. ولكن عالم الأدب الرحب يتسع لهذه وتلك، والافظع منهما. ورأيت أن أسرد شيئا عن الروائي الفرنسي جوستاف فلوبير.

كان فلوبير يكتب أشهر رواياته (مدام بوفاري) وكان انفعاله بما يكتب كبيرا, فكأنه قلد  جحا في تصديق كذبته, ففي أحدى الاساطير عن جحا, فقد قد قال جحا لأبنائه كاذباً بأن في قصر الوالي مأدبة عشاء وحفل كبير, فذهب الاطفال نحو قصر الوالي وارتاح جحا من الضجيج والصراخ ولكن جحا بعد ساعات من الهدوء ولأنهم لم يعودوا سريعاً, صدق كذبته ولحقهم.

وعندما كان فلوبير يصف في الفصل الأخير تناول بطلة الرواية السم، ويروي قصة الساعات الأخيرة من عمرها.. كانت تقيء باستمرار.. وكان فلوبير يكتب اسطرا ويذهب إلى المرحاض.. لكي يتقيء.

ولا أرى بأسا في أن أقص قصتي مع رواية (مدام بوفاري). فرغم  أنني أتناول الموضوع بخفة غير خافية فأنني لم أكد أضع الرواية من يدي حتى انتابني انقباض أخذ بمجامعي، وقد مضى علي بعد ذلك نحو سنة لم اقرأ فيها رواية أخرى خشية معاناة اعراض مشابهة. وإمعانا في الاستطراد سأروي ما حدث بعد انقضاء هذه السنة.

لقد قررت أن أعود إلى قراءة  الروايات ورأيت أن أبدأ بالروايات العربية فكان أول ماوقع بين يدي  رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف. وهي رواية مشحونة: فيها سجون وتعذيب واعتقالات سياسية. نظام الحكم يتكيء على حياة بطل الرواية فيخربها تخريبا، وتعيش الشخصية عشرات الصفحات مشوهة محترقة من الداخل لقد حرمتني هذه الرواية من العودة إلى قراءة الروايات أشهرا عديدة، وعندما عدت بدأت أقرأ قصصا قصيرة وروايات لأديب انجليزي يقتصد في عرض انفعالات أبطاله. وقد تسكعت في رواياته وقصصه طويلا لأنه كان مريحا، وأما القيمة الأدبية لكتابته فأمر فيه خلاف شديد بين النقاد. وهو بالمناسبة سومرست موم الذي مات قبل 26 سنة.

العجيب أنني عندما  قرأت شيئا عن لحوم البشر وأكلها لأديب آخر من الجزر البريطانية لم أشعر بأي انقباض. ذلك الأديب هوجوناثان سويفت الأيرلندي الأصل وصاحب " رحلات جاليفر " في بلاد الأقزام ثم في بلاد العمالقة.

كتب  سويفت مقالا بصحيفة أنجليزية يقول فيه إن من الأجدى على الانجليز أن يأكلوا لحم الأطفال الأيرلنديين عوضا عن أكل لحم الخراف. فلماذا لا ينشئ السادة في لندن مزارع في ايرلندا لتربية الأطفال بغرض ذبحهم والانتفاع  بلحومهم ! كان  سويفت يعرض هذا  المشروع ببرود ويحاول أبراز الجدوى الاقتصادية له، ولكن لم يغب عن بال احد أنه أنما يعبر عن وجهة نظر ساسية. كان يدافع بطريقته الخاصة عن شعب أيرلندا ومعاناته من الحكم الأنجليزي ومن سيطرة الإقطاعيين الأنجليز.

وقد  زعم الرواة أن عمرو بن قعاس وهو شاعر " جاهلي " سكر يوما فذبح ابنه وشوى لحمه وأكل منه على جوع وقال: ولحم لم يناله الناس قبلي أكلت على خواء وآشتويت.

وورد في أساطير العرب القدماء  أن معد بن نزار جد العرب العدنانية ( لعل الأصح نزار بن معد ولكن الكتاب الذي بيدي وهو" الصاهل والشاجح" عكسها ) نزل به ضيوف في السنة مجدية فلم يجد سوى أبنه فذبحه وقدمه لهم ( لم يذكر الكاتب إن كان قدمه مشويا اومقليا بالدهن اومطبوخا بالماء)، ولم يكتف الرجل بذلك بل قال في المناسبة:

نعم إدام الضيف والرفيق        لحم غلام ماجد عريق        يلت بالأحساب  لا السويق

إذن فقد قدم الرجل لضيوفه لحم ابنه غير ملتوت بالسويق، وهو عصيدة كانوا يصنعونها من الدقيق، ولكن ملتوتا بالحسب والنسب.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 1 آب/2007 -17/رجب/1428