ابناء يخذلون اباؤهم في خريف العمر

تحقيق:عصام حاكم

شبكة النبأ: قد لا نأتي بجديد اذا ما استذكرنا تلك المواقف الانسانية السامية كالصبر والتسامح ونكران الذات وحفظ الجميل، والتي ربما قد تخلى عنها بنو البشر هذه الايام  طواعية ومن دون منّه لتعانق فصائل الحيوان، وما تعرضنا لهذا الجانب الا لنستل من الواقع الراهن معاني قد تتسم بالجحود والنكران لاولئك المسنون من الامهات والاباء حيث انتهى ببعضهم المطاف على سابلة الطريق ومنهم من يقتات على الاستجداء  ومنهم من يعيش في كنف دور العجزة، من دون  ان تمتد اليهم ايادي ابناءهم لتفضي عليهم الوان الحنان ولترفع عن كاهلهم تعب السنين وشغف العيش وسهر الليالي ولو من باب الشفقة او الاحسان او من باب رد الجميل على اقل تقدير، وكأني بلسان حالهم يردد كلمات الامام علي(ع) حيث يقول(ان الدهر يومان فان كان لك فلا تبطر وان كان عليك فاصبر)، حيث ذهبت احلامهم بالعيش نهاية العمر بين الاحبة وبين احفادهم ادراج الرياح، لتبقى بدلا عنها قافة الجحود عنوان يأرق عرش الانسانية برمتها:                                                

ومن اجل تسليط الضوء على تلك الازمة الانسانية كان لمراسل( شبكة النبأ المعلوماتية)هذه الوقفة للاطلاع على حيثيات هذا السلوك المنحرف والذي بات يعصف بكل ملامح التواصل الوجداني بين أطياف الواقع العراقي فكانت الحصيلة ما يلي:

اول من تحدثنا اليه ذلك الشيخ الطاعن في السن وقد أفترش الارض ويكاد ان يعانق الارض بوجهه من شدة الحياء، وهو يحاول مرارا وتكرارا ان يتهرب من نزرات العيون، والتي هي اشبه ما تكون بساعي البريد حيث تبعث بالكثير من رسائل الاحتقار، ولم نفكر بالمرة ان ندعوه الى ذكر اسمه، وذلك من باب الادب واللياقة، فضلا عن ذلك فانه من المؤكد لن يفصح عن اسمه مهما تحايلنا عليه، اذن نحن امام مهمة صعبة تتراوح بين التلميح والتأشير، طالما نحن بصدد الخوض في اسرار هؤلاء الناس، فاجابنا وهو يهمس انها الاقدار التعيسة هي التي ساهمت في تلك المحنة التي تراها الان، انني اب لثلاث اولاد ذكور وكذلك نفس العدد من الاناث، اما بالنسبة للاناث فانا لا اعول عليهن كثيرا، لانهن محكومات لأزواج اجانب ولا يحق لي مطالبة هؤلاء الناس بأي شىء، ولكن العتب كل العتب على اولئك الاولاد الذين جافوا ابسط حقوق الوالدين، اما امهم رحمها الله فانها لم تصمد امام تمادي زوجات ابناؤها فانها بالتاكيد ارتاحت من هذه الدنيا البائسة، اما انا فأكابد واصارع الحياة من اجل الوصول الى الاجل المحتوم وما عداها فليس هناك امل يترقبني. 

ومن ثم انتقلنا الى ابو محمد ذلك الرجل الذي ناهز عمره الـ60عاما  وكان يعمل موظفا وهو اليوم مع زوجته العجوز يسكنان في غرفة صغيرة بالايجار وقد مضى على وجودهما اربع سنوات وله اربعة الاولاد وجميعهم يعملون اصغرهم يبلغ من العمر25 عام وعلى الرغم من وضعهم المادي الجيد فقد تخلوا عن والديهما تحت حجة انهما يحتاجان الى رعاية صحية وان كان المرض العصبي لا يحتاج الى هذا الهجر او النفي الأسري، لم يزرهم احد من الاولاد يقول ابو محمد بحزن شديد لقد عملت وكبرت وحين انتظرت مكافأتي على جهدي وتعبي رموا بي خارج البيت وتخلوا عني وعن أمهم، حزين نعم حزين جدا ولكني اكره ان اغضب عليهم حتى لا يصابون بأذى او مكروه هم اولادي على كل حال.                                                       

اما ام حسين فهي امرأة مازالت بصحة جيدة وعلى قسط من الجمال وان كان جمالا حزينا ومهملا وحكايتها مع الجحود لها طعم الوجع والحسرة، وهي الان تبلغ من العمر الاربعين عاما، حيث كانت تعانق الوفاء في ابهى حلته، فقد امضت عمرها من اجل السهر على رعاية اخوتها، وهي تدفع ثمن الزمان الذي اقتطع منها والدها، لذا امست هي الاب والام لاولئك الايتام، ولم تعر يوما أي اهتمام الى كل من طرق باب الزواج منها، لتمضي عمرها في العمل في السوق لتبيع الخضار ليسعد اخوتها، ولكن وما اتعس كلمة لكن، فقد رحل قطار (الخُطاب)  عنها تحت نور الشمس، وبالمقابل فان الاخوة هم كذلك حاولوا ان ينصفوا الدهر من خلال ابتعادهم ، وذلك تلبية لنداء زوجاتهم، وفي نهاية المطاف امسى الوفاء عنوان يرفل بالكثير من عناوين الخنوع والذل.        

اما كريمة فهي تمثل وجه اخر من اوجه  الخذلان فهي ارملة وهي من تولد 1939ميلادية أستشهد زوجها في الحرب مع ايران، وبعد ذلك رغبت بالتفرغ لتربية ولدها، الذي عمد فيما بعد الى استغلالها ماديا حتى اقعدها حادث تعرضت له ففقدت قدرتها على  الحركة او العمل حينها لجأت الى بيته فرفض ان يستضيفها مما اضطرها الى ان تنام عند الجيران وحين تدخلوا من اجل ان يقوم بواجبه تجاهلها ونقلها الى دار العجزة وقطع صلته بها تماما.                                   

يقول استاذ علم النفس (حسن عبود) لـ(شبكة النبأ)، من المفيد ان يبقى المسن ضمن اسرته وبيئته ونحن كمختصين في علم النفس ننصح بذلك لان الانسان وكذلك أي كائن حي يشكل انتزاعه من بيئته وسلخه عن اسرته تهديدا مباشرا لشخصيته وبمعزل عن الظروف  المادية التي واجهها الابن او الابنة وكذلك الظروف الاقتصادية والسكنية او غيرها من المبررات، فلا شك ان هناك تنكرا او جحودا لهذا الاب وبالتالي فانه من الممكن ان ننظر الى هذا الشخص على انه غير مكتمل سواء من الناحية الدينية او الدنيوية، وكذلك الدين اوصانا بالوالدين حين قال سبحانه وتعالى( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) اما من الناحية الدنيوية فالاعراف الاجتماعية تحثنا على ان نبرّهم ونرعاهم، والابن العاق لا يعتبر سويا بالمفهوم الاجتماعي، ربما هو سوي على صعيد  الشخصية ولكن الشخصية هي تكوين اجتماعي وبالتالي فهو يحمل شخصية مدانة اجتماعيا.                                                                                                     

وفي رأي اخر يقول الاستاذ حسن عبود، ان هذا الانسان يعيش دائما تحت ضغط تأنيب الضمير وهذا في حد ذاته يولد له مشكلة قلقية، ربما تتفاعل عندما يفقد والده الذي وضعه في هذه المؤسسة او تلك من دون وجه حق بما نسميه تراكم الذنب او(مشاعر الذنب) وهي كفيلة بالاقتصاص.    

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 1 آب/2007 -17/رجب/1428