ملف حزب العدالة والتنمية التركي

حزب العدالة والتنمية (AKP)

تم تشكيل حزب العدالة والتنمية من قبل النواب المنشقين من حزب الفضيلة الإسلامي الذي تم حله بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في 22 يونيو/حزيران 2001، وكانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة.

تاريخ التشكيل: 14 أغسطس/آب 2001

رئيس الحزب: رجب طيب أردوغان

عدد أعضائه في البرلمان حاليا: 55

انتخب رجب طيب أردوغان عمدة إسطنبول السابق وأحد البارزين في الحركة السياسية الإسلامية في تركيا أول زعيم للحزب. حزب العدالة والتنمية هو الثالث والتسعون بعد المائة ضمن الأحزاب السياسية التي دخلت الحياة السياسية التركية.

توجهه الفكري

يشكل هذا الحزب الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا، ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية، ويؤكد أنه لا يحبذ التعبير عن نفسه بأنه حزب إسلامي، فهو حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية ومنفتح على العالم ويبني سياساته على التسامح والحوار، ويؤكد عدم معارضته للعلمانية والمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويؤكد أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي مع نقده لبعض جوانبه.

ويرفض الحزب أي عملية عسكرية ضد العراق. أهم مميزاته أنه يرفض التعصب لزعيم واحد حتى النهاية، ويعد بديمقراطية واسعة النطاق داخل الحزب.

شعبيته

تشير كافة استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية سيفوز بالحظ الأوفر من الأصوات بنسبة 30% في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وهو الأمر الذي يكسبه 250 مقعدا على الأقل في البرلمان، وقد تزيد هذه النسبة فينفرد بالسلطة. وتعود معظم شعبية حزب العدالة والتنمية الجدير بالدرجة الأولى إلى شخصية زعيمه رجب طيب أردوغان. وقد أصدرت لجنة الانتخابات العليا مؤخرا حكما بعدم أهلية أردوغان لعضوية البرلمان، أي لن يتمكن زعيم أكبر حزب في تركيا من دخول البرلمان ولا من تولي منصب رئيس الوزراء، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة من قبيل مدى انعكاس ذلك على أصوات الحزب سلبا أو إيجابا، لكن المراقبين يرون أن ذلك لن يؤثر سلبا بل يزيد من شعبية الحزب.

كما اضطر أردوغان إلى الاستقالة من مهمته عضوا مؤسسا للحزب بسبب الحظر القانوني مع بقائه زعيما له. غير أن المدعي العام لمحاكم التمييز يرى أنه لا يحق له أيضا أن يبقى زعيما للحزب وأن الحظر السياسي المفروض عليه لا يزال مستمرا.

وقبل الانتخابات بعشرة أيام أقام المدعي العام لمحاكم التمييز صبيح قناد أغلو دعوى لحل حزب العدالة والتنمية، غير أنه لا يمكن الحكم في مثل هذه القضايا في مدة زمنية قصيرة، فقد تطول المحاكمة وتستغرق ما يقارب السنتين. أما التساؤلات الثائرة عمن سيكون رئيس الوزراء إذا فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وكيف سيتخلص الحزب من ازدواجية الزعامة وما هو الحل السحري.. فهذا لا يزال مجهولا، ولكن يبدو أن معظم التساؤلات لن تجد إجابة إلا بعد انتهاء الانتخابات.

فوز مدو لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية

حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فوزا مدويا في الانتخابات يمنح الحزب ذا الجذور الاسلامية المشجع لقطاع الاعمال تفويضا باجراء اصلاحات لكنه قد يمهد الطريق لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية. وتمثل هذه النتيجة نصرا معنويا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي دعا الى انتخابات مبكرة بعد خسارة معركة مع المؤسسة العلمانية التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الاسلامية وزير الخارجية عبد الله جول الى منصب رئيس الجمهورية.

وبعد فرز جميع الاصوات تقريبا حصل حزب العدالة والتنمية على 47 في المئة بزيادة كبيرة عما حصل عليه في انتخابات عام 2002 لكن المعارضة الاكثر تماسكا في مواجهته تعني أنه قد لا يحصل على الكثير من المقاعد الاضافية.

وقال اردوغان لآلاف من انصاره المبتهجين خارج مقر حزبه في العاصمة التركية حيث أضاءات الالعاب النارية السماء"هذه اول مرة منذ 52 عاما يزيد حزب موجود في السلطة من اصواته للمرة الثانية."سنواصل العمل بتصميم لتحقيق هدفنا (بالانضمام) للاتحاد الاوروبي."ولم يتجاوز حاجز العشرة في المئة الضرورية كحد أدنى لدخول البرلمان سوى حزبين علمانيين اخرين هما الحزب الشعبي الجمهوري القومي وحصل على 21 في المئة وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف على 14 في المئة.وحقق مستقلون اغلبهم من الاكراد فوزا ايضا مما يجعلهم اول اكراد يدخلون الى البرلمان منذ بداية التسعينات مما اثار احتفالات صاخبة في معقل الاكراد في شرق البلاد.ورقص انصار اردوغان واطلقوا ابواق السيارات ولوحوا باعلام ضخمة عليها شعر حزب العدالة والتنمية في مدن في شتى انحاء تركيا.

وتركز الجدل بين الاحزاب حول الاصلاح الاقتصادي وكيفية التعامل مع عنف الانفصاليين الاكراد والانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي الذي يبدي فتورا لضم تركيا اليه ومكان الدين في تركيا الحديثة.

وتجاهل الناخبون على ما يبدو تحذيرات المعارضة من أن حزب العدالة والتنمية يسعى سرا الى اقامة دولة دينية على النمط الايراني رغم المسيرات الحاشدة التي خرجت الى الشوارع هذا العام دفاعا عن الفصل الصارم بين الدولة والدين في تركيا وهي واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم الاسلامي. وقاد أردوغان طفرة اقتصادية وفي علامة على ابتهاج الاسواق المالية بنتيجة الانتخابات التي تجسد واحدا من أقوى التفويضات في تاريخ تركيا الحديث حققت الليرة التركية ارتفاعا بنحو 2 في المئة أمام الدولار في أوائل التعاملات الاسيوية.

وقال خبراء اقتصاديون ان أردوغان (53 عاما) أكثر الساسة شعبية في تركيا يستطيع الان مواصلة سياسات السوق الحر واستئناف محادثات العضوية مع الاتحاد الاوروبي رغم التململ المتزايد في تركيا من مماطلة الاتحاد في قبول انضمام تركيا.

وقال المحلل سيمون كويجانو ايفانز "هذا هو السيناريو الامثل للاسواق ... السؤال الان كيف سيكون رد فعل المؤسسة (العلمانية) وهذا شيء ستكون الاسواق قلقة بشأنه."

ويعتبر الجيش نفسه الضامن الاول للدولة العلمانية في تركيا وأطاح بأربع حكومات في الاعوام الخمسين الماضية أحدثها حكومة ذات توجه اسلامي سابقة لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 1997.

وقال سميح ايديز وهو كاتب تركي بارز لا أعتقد أن (الجيش) راض لكنه لن ينشر الدبابات. سيبحث عن وسائل ليجعل وجوده محسوسا واضعا في الاعتبار أنها حكومة تتمتع بتفويض قوي."

لكن الحكومة الجديدة لن تلبث أن تواجه تحديات جديدة.اذ يتعين عليها أن تجد مرشحا للرئاسة يحظى بموافقة جميع الاطراف والتحرك بحذر لتحافظ على ابتعاد الجيش وتسرع من وتيرة الاصلاحات الضرورية للانضمام للاتحاد الاوروبي أو المخاطرة بمواجهة ردة اقتصادية وأن تقرر ما اذا كانت سترسل الجيش الى شمال العراق لسحق المتمردين الاكراد المتمركزين هناك.

وتقاتل قوات الامن التركية متمردي حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 في صراع راح ضحيته أكثر من 30 ألف شخص. وتصاعدت الاشتباكات العنيفة على مدى العام الماضي.وتثير احتمالات اقدام تركيا على هذه الخطوة قلق الولايات المتحدة بشكل متزايد

ما هي خطة واشنطن لإسقاط حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات

أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في بيان رسمي، تأكيد التزامه للشعب التركي بالقضاء على المسلحين الأكراد الموجودين في شمال العراق، وذلك من أجل استئصال هؤلاء المسلحين وحماية الأمن التركي من خطر التمرد والإرهاب والانفصال.

• دوافع تصريحات أردوغان:

أتت تصريحات أردوغان مباشرة بعد أن وقع حادث انفجار في العاصمة التركية أنقرة، أدى إلى مقتل ستة أشخاص وجرح آخرين، وتبين للسلطات التركية بأن منفذ الانفجار كان كردياً.

وبرغم تصريحات حزب العمال الكردستاني الذي نفى تورطه في حادث التفجير، فإن السلطات التركية والرأي العام التركي، مازال أكثر إصراراً على ضرورة استخدام قوة الجيش التركي في القضاء على الحركات الكردية التركية الموجودة في شمال العراق، خاصة وأنه إذا لم يكن منفذ الانفجار منتمياً إلى حزب العمال الكردستاني، فإنه بالتأكيد ينتمي إلى الفصائل الكردية التركية الأخرى التي تعمل من أجل نفس الأهداف التي يعمل من أجلها حزب العمال الكردستاني.

• تداعيات الموقف التركي الجديد:

يرى الخبراء بأن موقف رجب طيب أردوغان المتشدد الجديد يضيف الكثير إلى رصيد حزب العدالة والتنمية في معركة الرئاسة التركية القادمة، وذلك لأنه يقضي على الاتهام الموجه له بواسطة الأطراف العلمانية الأخرى والجيش التركي بأنه غير جاد بتنفيذ العمليات العسكرية التي تهدف إلى الاستئصال النهائي للخطر الذي يمثله وجود ميليشيا حزب العمال الكردستاني المتمركزة حالياً في شمال العراق.

الخاسر الأكبر من موقف أردوغان سوف يكون هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظلت خلال الفترة السابقة تطبق استراتيجية مزدوجة تقوم على:

- دعم الحركات الكردية.

- دعم المعارضة التركية.

وذلك على النحو الذي يصعد الخطر الأمني الكردي بالنسبة لتركيا، وفي الوقت نفسه ظلت تحذر القيادة التركية من مغبة القيام بعملية عسكرية في شمال العراق، وذلك بسبب الهزيمة التي سوف يتعرض لها الجيش التركي في شمال العراق، وذلك لأن القوات التركية سوف تتورط في (نموذج الحرب اللامتماثلة) وتنهزم مثلما انهزمت القوات الإسرائيلية على يد مقاتلي حزب الله بجنوب لبنان في حرب الصيف الماضي.

وتهدف الاستراتيجية الأمريكية المزدوجة هذه إلى الآتي:

- إسقاط حزب العدالة والتنمية في انتخابات البرلمان والانتخابات الرئاسية، وفوز الأطراف العلمانية التركية الموالية لأمريكا وإسرائيل، بحيث يتسنى لهذه الأطراف لاحقاً ضرب وتصفية حزب العدالة والتنمية، بنفس الطريقة التي تم بها ضرب وتصفية حزب الرفاه الإسلامي وزعيمه نجم الدين أربكان.

- الحفاظ على الروابط القوية مع الأكراد، والعمل على توظيفهم واستغلال جهودهم في خدمة المزيد من المخططات الأمريكية- الإسرائيلية في المنطقة وفي داخل العراق.

إذا قامت السلطات التركية بتنفيذ حملتها العسكرية ضد شمال العراق ولو جزئياً، فإنها سوف تؤدي إلى إلحاق الضرر الفاجع بإدارة بوش، ولذلك لأن العملية العسكرية التركية سوف تترتب عليها التداعيات الآتية:

- القضاء على نفوذ أقوى حلفاء أمريكا في العراق.

- القضاء على مصداقية أمريكا في الأوساط الكردية.

- القضاء على المشروعات الأمريكية- الإسرائيلية التي تهدف إلى استخدام الحركات الكردية ضد سوريا وإيران.

- استغلال الحركات الكردية الإسلامية واليسارية لهذا الموقف والقيام بتنفيذ العمليات المسلحة ضد الوجود الأمريكي في العراق.

- إحداث المزيد من التقارب بين الفئات الكردية وحركات المقاومة السنية التي تنفذ عملياتها ضد الوجود الأمريكي في مناطق وسط العراق المٍجاورة لإقليم كردستان العراقي.

وعموماً  فقد  أصبح مصير الملف الكردي على المدى القريب رهين بنتائج صراع الإرادات الدائر حالياً بين إرادة السياسة الخارجية الأمريكية، وإرادة السياسية الداخلية التركية، فإذا استطاعت السياسية الخارجية الأمريكية أن تفرض أجندتها على السياسية الداخلية التركية لحكومة أردوغان، فإن النتيجة سوف تكون في صالح الحركات الكردية والوجود الأمريكي والمعارضة التركية العلمانية، وبالمقابل يكون الخاسر الوحيد هو حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان، وإذا استطاعت السياسية الداخلية التركية أن تفرض إرادتها على السياسية الخارجية الأمريكية فإن النتيجة سوف تكون سيطرة حزب العدالة والتنمية على مقاليد الأمور في تركيا والقضاء بشكل كبير على نفوذ المؤسسة العسكرية والتيارات العلمانية، مع ملاحظة أن هاتين النتيجتين بالنسبة للمدى القصير، أما على المدى الطويل فإن الخاسر هو الحركات الكردية والتي سوف تواجه وضعاً صعباً إذا فاز العلمانيون بالانتخابات التركية، وذلك لأنهم  الأكثر تشدداً في القضاء على الحركات الكردية.

سيناريو الصراع التركي بين العلمانيين والإسلاميين

تزايدت موجة التحليلات والدراسات الغربية الأمريكية والغربية، حول الانتخابات الرئاسية التركية الجارية حالياً، وقد أجمعت كل التحليلات داخل وخارج تركيا، بأن هذه الانتخابات الرئاسية، تمثل نقطة تحول هامة سوف تترتب عليها انعطافة حاسمة في الوزن الإقليمي والدولي الذي ظلت تلعبه تركيا في السياسة العالمية والإقليمية.

الوزن الجيوبولتيكي لتركيا

الدول مثل الأشخاص، لها وزن وكاريزما، وعادة ما تتم معايرة حضور الدولة إقليمياً ودولياً على أساس اعتبارات ما يعرف بالقوام الاستراتيجي الذي يقوم على عناصر قوى الدولة: الاقتصادية، العسكرية، الاجتماعية، الطبيعية، التكنولوجية، والسياسية. وعند تطبيق هذه المعايرة على تركيا فهي تتميز بالعناصر الأربعة الآتية.

- قوة اجتماعية: وذلك لأن عدد سكانها يبلغ حوالي 75 مليون نسمة.

- قوة عسكرية: وذلك لأن الجيش التركي يعتبر من الجيوش الكبرى القوية في المنطقة من حيث العدد والعناصر.

- قوة سياسية: وذلك بسبب ارتباط تركيا بالتحالفات العالمية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلنطي.

- قوة طبيعية: وذلك لأن موقع تركيا يتميز بحساسيته الفائقة إزاء منطقة القفقاس شمال وجنوب أوروبا، ومنطقة شرق المتوسط (العراق وسوريا) جنوباً، وإيران في الجنوب الغربي، وبلدان آسيا الوسطى.

إشكالية الأمن السياسي التركي

ترتبط السياسة الداخلية بالأمن السياسي الداخلي، وترتبط السياسة الخارجية بالأمن السياسي الخارجي، ومن الصعب الفصل بين الأمن السياسي الداخلي والخارجي وذلك لارتباط الاثنين بما يعرف بتوازن الدور والمكانة.. فالسياسة الخارجية تمثل سلوك الدولة في علاقاتها مع الكيانات السياسية الأخرى الموجودة في النظام الدولية.

وبتطبيق هذا الأمر على تركيا نلاحظ الآتي:

- اكتسبت تركيا مكانتها القوية في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن، بتقديم المزيد من التسهيلات لأمريكا والغرب خلال فترة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.

- انضمت تركيا بشكل مبكر لحلف شمال الأطلطني (الناتو).

- ظلت تركيا تقوم بدور القاعدة العسكرية والاستخبارية الأمنية المتقدمة لأمريكا وحلفائها.

- دعمت تركيا ترابطها مع أمريكا والغرب عن طريق ترابطها مع إسرائيل.

- استخدمت ووظفت النخب التركية مفهوم العلمانية، كمبرر لتجاوز نسق القيم الشعبي التركي القائم على العقيدة الإسلامية السنية.

السير في طريق العلمانية من جانب الدولة التركية، ونمو الإسلام السني السياسي، أوصل تركيا إلى نقطة حرجة أدخلت تركيا في نفق إشكالية الأمن السياسي، والذي بدأت مواجهاته تتضح وتبرز أكثر فأكثر، فحزب العدالة مسنوداً بأغلبية الشعب التركي الذي ينتمي إلى الإسلام السني.. أصبح يقف في مواجهة المؤسسة العسكرية التركية، حامية العلمانية مسنودة بالنصوص الدستورية، وبالأقليات التي فقدت رصيدها في الشارع التركي خلال الفترة السابقة.

توازن الدور والمكانة

مكانة تركيا كقاعدة أمريكية متقدمة، أعطتها السند القوي لكي تحاول القيام بدور في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، وظلت الحكومات التركية تستخدم الاعتبارات المتعلقة بالسياسة الخارجية في علاقاتها، ضمن الأطر الجهوية الآتية:

- العلاقات التركية- الأوروبية: تعزيز الروابط الثنائية ودعم الأمن الأوروبي.

- الاتحاد الأوروبي: السعي من أجل الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

- العلاقات التركية- الشرق أوسطية: دعم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والتعاون اللامحدود مع إسرائيل.

- العلاقات التركية- الأمريكية: التعاون الاستراتيجي اللامحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية.

- العلاقات التركية- القفقاسية: وتحاول تركيا العمل في منطقة القفقاس كقوة إقليمية موازنة لروسيا.

- علاقات تركيا- بلدان آسيا الوسطى: وتعتبرها تركيا منطقة نفوذ تركي، وحالياً تحاول تركيا إدماج بلدان هذه المنطقة ضمن دائرة النفوذ التركي الاقتصادي، الاجتماعي، والسياسي.

العملية السياسية ونقاط القوة والضعف

يقوم النظام السياسي التركي على أساس مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية، التشريعية، والقضائية والتعددية الحزبية الليبرالية، وفقاً لنظام دستوري ينص على أن القوات المسلحة التركية تمثل حامي العلمانية كمبدأ أساسي دستوري للدولة التركية، الأمر الذي أعطى المؤسسة العسكرية حق ممارسة الفيتو، عن طريق التلويح باستخدام القوة أو استخدامها الفعلي في حالة عدم التزام الحكومة بالتوجهات العلمانية.

ومن أبرز السوابق الدالة على ذلك في الماضي، القرار الدستوري الذي أبطل شرعية حزب الرفاه ونشاط زعيمه نجم الدين أربكان، وبرغم ذلك فقد قام أتباع أربكان، عبد الله غول، ورجب طيب أردوغان بتأسيس حزب العدالة والتنمية (AKP)، والذي استطاع السيطرة على السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية تحت يد هذا الحزب، وفقط تبقت لهذا الحزب السيطرة على رئاسة الجمهورية، لكي يكمل سيطرته على السلطة القضائية والقوات المسلحة.

بسبب توجهات حزب العدالة والتنمية المرتبطة بقاعدة الإسلام السني التركي، وما هو أهم مواقفه إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي والوجود الأمريكي في العراق، والعلاقات المنفتحة مع الدول العربية وبلدان آسيا الوسطى، أصبحت الإدارة الأمريكية، وإسرائيل وحلفاؤهما الغربيين ينظرون إلى سيطرة حزب العدالة والتنمية على مقاليد الأمور في تركيا باعتبارها نقطة البداية المؤدية لقيام تركيا بإدارة ظهرها لأمريكا وإسرائيل والغرب.. وبسبب التأييد الذي يتمتع به حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه داخل تركيا، فقد بدأت المؤسسة العسكرية تلميحاتها باستخدام فيتو العلمانية ضد النظام القادم، وفي الوقت نفسه مارست أمريكا والاتحاد الأوروبي وبلدان غرب أوروبا لعبة مزدوجة إزاء تركيا، فهم من يدعمون الخيار الديمقراطي في تركيا، ومن جهة أخرى يريدون تدخل الجيش من أجل القضاء على إرادة الأغلبية، على النحو الذي يترتب عليه إغلاق ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي من جهة، ووضعها من الجهة الأخرى تحت السيطرة الأمريكية الكاملة، القائمة على عسكرة الدولة والمجتمع التركي، تحت ذرائع حماية العلمانية، والقضاء على الخطر الكردي.

العلاقات مع سوريا وإدارة الفرص والمخاطر:

ترتبط تركيا بعلاقات عميقة مع سوريا وذلك وفقاً للمفاصل الآتية:

- اقتصادياً: تتدفق حركة السلع والخدمات بانتظام بين تركيا وسوريا، كذلك تعتبر سوريا ممر ترانزيت لحركة السلع التركية إلى الأردن ولبنان والسعودية وبلدان الخليج العربية.. كذلك تقوم سوريا بإمداد السوق التركي بالكثير من السلع والخدمات.

- اجتماعياً: ترتبط الجماعات الاثنية والطائفية السورية بتركيا، وذلك على أساس ظاهرة الامتداد الاثني- الطائفي العابرة للحدود التركية- السورية.

- سياسياً: ظلت العلاقات السورية- التركية تخضع للكثير من التقلبات خاصة في مرحلة الحرب الباردة، وكانت الحكومات التركية أكثر تورطاً في القيام بدور الوكيل (أو البروكسي) الذي يمارس الضغوط نيابة عن أمريكا وإسرائيل والغرب ضد سوريا، وأبرز الملفات التي ظلت الحكومات السابقة تستخدمها: ملف المياه وملف الأكراد.

بعد وصول وسيطرة حزب العدالة والتنمية إلى البرلمان ومجلس الوزراء التركي، أصبحت التوجهات التركية إزاء سوريا أكثر انفتاحاً، إضافة إلى أن المواقف التركية إزاء قضايا الشرق الأوسط أصبحت أكثر اعتدالاً، وحالياً، فإن سيناريوهات إدارة الفرص والمخاطر من جانب تركيا إزاء سوريا:

• سيناريو سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة: سوف يترتب عليه إتاحة المزيد من الفرص إزاء تركيا للاستفادة من توسيع هامش علاقاتها مع سوريا خاصة وأن استقرار العلاقات التركية- السورية يفتح المنطقة الجغرافية العربية بالكامل أمام تدفقات حركة السلع والخدمات التركية إلى الأسواق العربية، إضافة إلى معدلات تدفقات رأس المال غير المباشرة مثل الأموال والسندات الاستثمارية العربية التي سوف تزداد في الأسواق التركية، التي تعاني حالياً من ضعف الاستثمارات الأوروبية والأمريكية غير المباشرة.

• سيناريو الصراع التركي- التركي: وهو سيناريو (الوسط) وسوف يترتب على هذا السيناريو احتدام الخلافات بين المؤسسة العسكرية وحلفائها من جهة، وحزب العدالة والتنمية والأغلبية الشعبية المؤيدة له، وداخل تركيا سوف يترتب على هذا السيناريو تزايد العداء لأمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي باعتبارهم المسؤولين عن دعم تدخل المؤسسة العسكرية التركية في التطورات السياسية، وبالنسبة للعلاقات مع سوريا، فسوف لن تجد أولوية في اهتمامات الأطراف التركية بسبب انشغالها بالصراع الداخلي.

• سيناريو إقصاء حزب العدالة والتنمية: وهو السيناريو (الأسوأ)، وذلك لأنه يحرم الأغلبية التركية من ممارسة حقها في الحكم، ويسمح لقوى الأقلية السياسية التركية بالصعود إلى سدة الحكم بدعم المؤسسة العسكرية وأمريكا وإسرائيل، وسوف يترتب على ذلك المزيد من اعتماد النظام السياسي التركي على أمريكا وإسرائيل.. وبالمقابل سوف يكون هذا النظام أكثر عداء لسوريا وبلدان المنطقة العربية الأخرى، إضافة إلى أن هذا النظام الجديد سوف ينخرط بشكل مباشر وداعم للأجندة الأمريكية الإسرائيلية ضد إيران، إضافة إلى الاحتمالات الكبيرة بأن يتورط الجيش التركي بالمشاركة في تحالف القوات الأجنبية الموجودة حالياً داخل العراق.

وعموماً، الحرب الباردة بدأت داخل تركيا بين قوى الأغلبية بزعامة حزب العدالة والتنمية، وقوى الأقلية بزعامة المؤسسة العسكرية والأحزاب الصغيرة.

أبرز المحطات المتوقعة في الصراع التركي- التركي سوف تتمثل في المحكمة الدستورية، والانتخابات البرلمانية المبكرة المتوقع إنشاؤها.. وبكل الحسابات فإن المعطيات تشير إلى أنه ليس من مصلحة أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما داخل تركيا (الجيش والأحزاب الصغيرة) الانخراط في مواجهة مع الرأي العام الشعبي التركي، والذي أصبح أكثر اقتناعاً بضرورة عودة تركيا إلى بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية، وعدم المضي قدماً في مشروع الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي لن يجلب لتركيا سوى المماطلة في المفاوضات والمزيد من التورط في معاداة جيرانها.

حزب العدالة التركي يواجه اتهامات إسلامية وعلمانية متناقضة

يواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هجمات من قبل خصومه في مختلف التيارات اليمينية واليسارية والإسلامية والعلمانية.

فالمعارضة العلمانية تتهمه بأنه حزب ديني يسعى إلى العودة بالبلاد قرونا إلى الوراء بتطبيق الشريعة الإسلامية في هذا البلد العلماني الذي ألغى (الخلافة) قبل 84 عاما.

أما زعماء الحركة الإسلامية فيتهمون رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه بالانشقاق عن التيار الإسلامي والردّة عن مبادئه وأهدافه والارتماء في أحضان أميركا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

وقد كشف أحد مسؤولي الحزب في تصريح خاص للجزيرة نت عن موقف العدالة والتنمية من الاتهامات الأخيرة الصادرة عن "الزعيم الروحي" للحركة الإسلامية التركية نجم الدين أربكان.

وقال البروفيسور نجاد برنجي مستشار وزير التربية ومرشح حزب العدالة والتنمية عن ولاية إسطنبول في الانتخابات القادمة المقررة في 22 أغسطس/ آب القادم، إن الهجمات التي يشنها حزب السعادة على العدالة والتنمية لا تعدو أن تكون خدمة مجانية لحزبه.

وأشار إلى أن من شأن هذه الاتهامات أن تبعد عن الحزب تهمة الرجعية وتوظيف الدين في خدمة السياسة مما يتنافى والمبادئ العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية التركية. وذكر برنجي بأن حزب العدالة حزب علماني وتصدر وسط اليمين ويمثل غالبية الشعب التركي التي صوتت له سنة 2002 ليشكل حكومته الحالية.

مشكلة الحجاب

وبشأن اتهام أربكان بأن الحزب لم يقم بأي إجراء في فترة حكمه السابقة لحل مشكلة ارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية والتعليمية، قال برنجي إن حزبه يعتبر أن الحجاب "حق طبيعي وقانوني لكل مواطنة تركية وإن هذه المسألة هي قضية تهم الشعب التركي عموما وليس من المعقول حصرها في برنامج سياسي لحزب ما.

وأضاف "من غير المعقول أن يعد حزب ما بحل مشكلة ليس في يده حلها، فما دامت رئاسة الجمهورية ليست في يد العدالة والتنمية فمن الصعب رفع الحظر عن الحجاب.

وأشار إلى اضطرار بنات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان للسفر إلى الخارج لمواصلة دراستهن الجامعية بالحجاب وإلى أن بنت وزير الخارجية عبد الله غل تواجه الآن قضية رفعتها مؤسسة التعليم العالي لأنها دخلت قبل أيام الجامعة بحجابها.

ووجه المستشار انتقاداته إلى بقية الأحزاب المعارضة "التي تقدم وعودا كاذبة لا تستطيع تحقيقها مثل حزب الشباب الذي وعد بتخفيض سعر المازوت (الديزل) إلى ليرة واحدة (0.78 دولار)، وهو أمر غير ممكن حسب المعطيات الاقتصادية الراهنة اللهم إلا إذا اكتشفت حقول نفط داخل التراب التركي".

وحول اتهام أربكان لحكومة أردوغان بأنها أغرقت البلاد في الديون التي تجاوزت 400 مليار دولار وأن تركيا ستكون عاجزة عن تسديد فوائد تلك الديون ناهيك عن أصولها، قال برنجي إن هذا الرقم صحيح لكن معظمه "يعتبر ديون أشخاص وشركات خاصة وهذا أمر لا يعني الحكومة أصلا، أما ما يهم الحكومة فهو ديون خزينة الدولة، وقد نجحت الحكومة في تخفيض ديون الدولة إلى 8.5 مليارات دولار، وهذا وحده يعتبر أكبر نجاح حققته حكومتنا في الفترة السابقة".

وفيما يخص وثائق ادعى أربكان أنها في حوزته وتثبت تورط واشنطن في انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 الذي أطاح بحكومة أربكان ثم في انشقاق الجناح الشاب في الحركة الإسلامية سنة 2001 قال المسوؤل الحزبي "إن كانت توجد وثائق تثبت ذلك فإنها دليل إدانة لحزب الفضيلة الذي عجز عن استيعاب الجناح الشاب الذي اضطر للانفصال عنه ثم نجح في تشكيل حكومة أغلبية".

وأشار إلى أنه إذا كان للولايات المتحدة يد في الانقلاب الأبيض عام 1997 فإن قيادة حزب الرفاه هي المسؤولة عن ذلك وليس حزب العدالة والتنمية الذي لم يكن موجودا حينها.

التعامل مع إسرائيل

أما بشأن اتهام التيار الإسلامي للعدالة والتنمية بالتعامل مع إسرائيل وخدمة مصالحها في تركيا على حساب المصلحة الوطنية فأفاد برنجي بأن الاتفاقية العسكرية بين أنقرة وتل أبيب تم توقيعها في فترة حكومة نجم الدين أربكان، ولا يمكن للحكومة أن تلغي ببساطة اتفاقية دولية وقعتها حكومة قبلها.

وكان أربكان قد وجه اتهاماته لحزب العدالة والتنمية واصفا إياه بـ"الحزب المنشق العميل الذي يتحرك بأوامر من واشنطن وتل أبيب".

وجاءت هذه الاتهامات في كلمة ألقاها أربكان مساء الأحد في قناة فلاش التلفزيونية الخاصة بمناسبة الحملة الانتخابية التي يخوضها حزب السعادة ذو التوجهات الإسلامية.

وحذر أربكان الناخبين الأتراك من إعطاء أصواتهم في الانتخابات التي ستجري في 22 أغسطس/ آب القادم لحزب العدالة والتنمية قائلاً "إن من يصوت لهذا الحزب سيكون قد قطع تذكرة دخول إلى جهنم".

تركيا حددت ملامح تاريخها الجديد

توجه 42,532 مليون ناخب  من اصل 74 مليون نسمة الى 158700 مركز انتخابي ليدلوا بأصواتهم في احد أهم انتخابات التشريعية وهو الخامس عشر منذ إعلان النظام الديمقراطي البرلماني  التعددي عام 1950. هذه الانتخابات المهمة  في حياة الجمهورية التركية ومجمل منطقة الشرق الأوسط الجديد  تأخذ أهميتها المصيرية من موضوع أساسي ومبدئي أسست عليه الجمهورية التركية الا وهو مبدأ العلمانية أي فصل الدين عن شؤون الدولة.

 المتتبع للساحة السياسية التركية يجد ان هذه الانتخابات المبكرة لم تأت بطلب شعبي بل بقرار سياسي اثر إخفاق البرلمان والأحزاب السياسية في الاتفاق على مرشح لرئيس الجمهورية خلفا لاحمد نجدة سيزار الذي يعتبر رئيسا للجمهورية منتخبا من خارج تشكيلة أعضاء البرلمان. وكانت جهود حزب العدالة والتنمية تصب في تقديم مرشحهم وزير الخارجية الحالي عبد الله غول لهذا المنصب. وقد تعثر هذا المسعى للحزب مما دعاه الى إعلان الانتخابات المبكرة. الهدف الأساسي للحزب هو الحصول على اكبر عدد من المقاعد البرلمانية يؤهله إجراء إصلاحات قانونية ودستورية وربما الأخذ بمبدأ الاستفتاء الشعبي عند اختيار رئيس جمهورية للبلاد بدلا من البرلمان.

شارك في هذه الانتخابات 14 حزبا سياسيا وقائمة للمستقلين يتنافسون على 550 مقعدا في البرلمان الوطني التركي وتم ترشيح 7393 مرشحا بينهم 699 مرشحا مستقلا ستون منهم من الأكراد. ولا يزال شرط الحصول على 10% من أصوات الناخبين كشرط أساسي للدخول الأحزاب الى البرلمان ولذا نرى ان العديد من السياسيين السابقين والأحزاب السياسية الصغيرة والأكراد انتظموا تحت تجمع المستقلين لتفادي هذا الحاجز وعدم الحصول على نسبة ال 10%. الجدير بالذكر ان قسيمة الانتخابات كانت طويلة جدا ووصلت الى 88 سنتمترا.

دور المؤسسة العسكرية مهم جدا في دولة مثل تركيا والجدير بالذكر ان هذه المؤسسة القوية يربو عدد منتسبيها الملايين وهي جاهزة للقتال وخوض الحرب عددا وعدة بتجهيزات وأسلحة ذي مصدر أميركي وأوروبي بالدرجة الأولى.  فتركيا كانت ولا تزال عضوا في حلف الناتو وكان لها دور مهم وحيوي إبان فترة الحرب الباردة وتقلص هذا الدور مع انهيار جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ان هذه المؤسسة التي تتدخل في شؤون الساسة بين الحين والآخر بتهديد المؤسسة السياسية او التلويح برفع رايات الحرب لغزو كردستان العراق" هذا الغزو الذي يكرره العسكر بين الحين والاخر ومنذ عام 1980" او قبرص للمرة الثانية او التدخل في شؤون ايران وسوريا وارمينيا ودول أخرى وحتى خوض مغامرات الانقلابات العسكرية كررتها على الأقل لحد الآن 4 مرات منذ عام 1960 كان آخر تلك الانقلابات في أيلول من عام 1980 ناهيك عن الضغوطات التي تمارسها بين الحين والآخر من خلال مجلس الأمن القومي التركي وكل ذلك تحت ذريعة حماية الجمهورية ومبدأ العلمانية. لذا نرى ان لطبول الحرب آذانا صاغية بين الملايين من الناخبين وقد استفاد حزب الحركة القومية من هذا التوجه في المعسكر الكردي لرفع وزيادة تمثيلها في البرلمان التركي.

حيث يعتمد الحزب الشدة والعنف أساسا في التربية الحزبية واستفاد من تعاظم عمليات حزب العمال الكردستاني فدفع بالعسكر الى مغامرات عديدة في جبال كردستان كلف الجانبين العديد من القتلى والجرحى وحسب الإحصائيات الرسمية وصل عدد الضحايا من شهداء الجيش التركي الى آلاف وتمثل أضعاف عدد قتلى وجرحى مقاتلي حزب العمال الكردستاني ناهيك عن أضرار أخرى في تدمير القرى والديار وتخريب الاقتصاد الوطني وهدر الثروة القومية الوطنية. حيث نرى اليوم ان احد اهم مصادر الثروة الوطنية التركية في قطاع السياحة قد وصل الى مستويات أدنى مما كانت عليها قبل بدء تلك الحركات العسكرية. من المؤسف ان تكون هذه النتائج المأسوية بين أبناء كلا الشعبين احد أهم مواضيع الدعاية الانتخابية لمعظم الأحزاب المشاركة في الانتخابات.

النتائج الأولية حسب اللجنة العليا للانتخابات ، عدد الأصوات وتوزيع المقاعد البرلمانية على الأحزاب (بعد تعداد 97,8% من الاصوات):

اسم الحزب % انتخابات عام 2007 توزيع المقاعد البرلمانية

حزب العدالة والتنمية 46,7 341

حزب الشعب الجمهوري 20,8 113

حزب الحركة القومية 14,3 70

الحزب الديمقراطي 5,4 0

الحزب الفتي  3,0 0

المستقلون من حزب المجتمع الديمقراطي 3.7 23

المستقلون 1,4 3

هناك أحزاب سياسية أخرى صغيرة شاركت في الانتخابات كـ : الحزب الشيوعي التركي، حزب السعادة، حزب الكادحين، حزب تركيا الساطعة، الحزب الليبرالي الديمقراطي، حزب تركيا المستقلة، حزب الشعب النامي، حزب الحرية والديمقراطية و حزب العمال.

اولى ضحايا هذه الانتخابات كان زعيم الحزب الديمقراطي السيد محمد آغار حيث قدم استقالته اثر النتائج السيئة التي حصل عليها حزبه رغم انه وكمدير شرطة امن سابق ادى خدمته في شرق الأناضول "التسمية الرسمية لمنطقة كردستان" وتعلم الكردية التي كان يستخدمها في حملته الانتخابية وكما ذكر بنفسه وقد قام بطرح فكرة وطنية مفادها "النزول من الجبال وخدمة الوطن معا" لفتح الحوار مع المقاتلين الاكراد وكان قد تعرض لانتقادات حادة من معظم الأحزاب السياسية. رغم ان زعيم الحزب بقي عرضة للانتقادات والاتهامات حول دوره في الجريمة المنظمة والفساد وامور اخرى اجبره على الاستقالة والعودة مرة اخرى لقيادة الحزب.

ان اللوحة السياسية الجديدة تؤكد التوجه الى المركز مع بقاء الاحتمالات مفتوحة لحكومة الحزب الواحد أي بقاء الحزب الحاكم اليوم ورئيس وزراء السيد رجب طيب اردوغان بعد ان حصل على الأكثرية المطلقة من النواب في البرلمان التركي ما يؤهله لقيادة البلاد وإجراء جميع التغيرات والاصلاحات تنفيذا لوعوده الانتخابية بينما سيعاني صعوبات في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية حيث يحتاج الى 367 نائبا في البرلمان. الجدير بالاشارة ان زيادة اصوات الحزب تشمل كافة المناطق الانتخابية على ساحة الخارطة الجغرافية التركية وبالاخص في مناطق تواجد الاكراد حيث الانتماء الى الدين الاسلامي الحنيف ياخذ بعدا كبيرا في المجتمع الكردي في شرق وجنوب شرق البلاد هنا حصل الحزب على 55,1 % من الاصوات.

سوف يتحول الحزبان الاخران أي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية والمستقلون جبهة وكتلة معارضة داخل البرلمان .ان دور حزب الشعب الجمهوري في تقوية وإنعاش حزب الحركة القومية معروف في الأوساط السياسية التركية. ان وصول العديد من المستقلين اكثر من 23 نائبا مستقلا والعديد منهم من الأكراد من المؤمنين بالحل السلمي لقضية الشعب الكردي رغم ان اول تعليق لزعيم الحزب السيد ”احمد قان" الذي دخل الانتخابات من قائمة المستقلين يدل على انه سيتعامل مع الحكومة في ترجيح الحلول السلمية وتقديم الحوار في ما يخص حل المسألة الكردية في البلاد. نرى كذلك وجود 3 من المستقلين الاخرين قد افلحوا في الدخول الى البرلمان.  قد يؤدي كل ذلك الى هبوب عواصف لا يحتمل عقباه ويشل الحياة السياسية النيابية.

 لا تزال الازمة السياسية التركية مستمرة والى انتخابات قادمة.

هل يا ترى سوف نرى في المستقبل نظاما ديمقراطيا وجمهورية جديدة في الأفق وتسمى الولايات المتحدة التركية؟

هل يتم حقن الدماء بين الأخوة المتقاتلين؟ ام تنتصر الحركات القومية وتتشتت تركيا وتذهب ريحها؟

وهل تبقى راية العلمانية الممزوجة والمتكاملة مع قيم الدين الإسلامي السمح نموذجا جديدا في الشرق الأوسط الجديد والكبير؟

تركيا والعلمانية

الإسلاميون في المواجهة

واجه التيار العلماني في تركيا تحديات داخلية منذ بداياته على يد مؤسسه مصطفى كمال، وفي كل مرة كان العلمانيون يظهرون تصميما على تكريس هذا التيار سياسيا وقانونيا واجتماعيا باستخدام كل السبل بما في ذلك القوة وأشكال القمع المختلفة، وظهر مثل هذا التصميم بشكل واضح في المرات القليلة التي وصل فيها الإسلاميون أو من يحسبون عليهم إلى الحكم في البلاد.

القمع بالقوة

تنوع أساليب المواجهة

استيعاب القوى العلمانية

القمع بالقوة

تعود قصة الرفض الداخلي في تركيا للإجراءات الكمالية لعلمنة الدولة إلى بدايات هذه الإجراءات بعد تأسيس الجمهورية عام 1923 حيث واجهت سياسة الكماليين معارضة قوية تزعمها علماء الدين وشيوخ الطرق الصوفية، وتعد حركة 1925 التي قادها الشيخ سعيد بيران النقشبندي من أبرز ما واجهه مصطفى كمال، وقد قام الزعيم التركي بسحق الحركة بعنف، واعتمد سياسة فرض تياره بالقوة واستمر الأمر هكذا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي السنوات التي تلت تلك الحرب تنامت المعارضة في تركيا نتيجة لتبلور الأفكار الديمقراطية وقيام نظام تعدد الأحزاب، وكان التيار الإسلامي واحدا من قوى المعارضة وتمثل بمجموعة من المنظمات والجمعيات الإسلامية التي ظهرت بين سنتي 1946 و1948 منها جمعية الإسلام وجمعية التطهير.

وقد طالبت هذه التنظيمات حزب الشعب الجمهوري الحاكم الذي سبق أن أسسه مصطفى كمال بالتخلي عن سياسته العلمانية والتخفيف من تدخله في شؤون الناس ومعتقداتهم الدينية، كما طالبت بإلغاء القوانين العلمانية "والعمل على تربية النشء الجديد تربية إسلامية".

ولم يكن رد فعل العلمانيين حادا وقويا، بل إن تيارا ظهر في حزب الشعب الجمهوري العلماني الحاكم نفسه تزعمه حمد الله وتيكلي أوغلو يطالب بتوقف الدولة عن منع الناس من التعبير عن معتقداتهم الدينية، وفي هذه المرحلة كان رد فعل السلطة أنها قامت بالتخفيف من إجراءاتها العلمانية في ما يمثل سابقة في إطار الصراع بين التيارين.

وسط تلك الأجواء أسس جلال بايار الحزب الديمقراطي كحزب معارض سنة 1946 وتفوق في انتخابات 1954 و1957 وتهيأ لهذا الحزب حكم تركيا خلال الفترة 1950-1960 بحكومة رأسها آنذاك عدنان مندريس الذي قام بإجراءات تصالحيه مع المظاهر الإسلامية رغم أنه لم يكن إسلاميا بالأساس.

رحب مندريس بدور علماء الدين في تربية الجيل الجديد بروح الإخلاص للوطن والشريعة على حد وصفه، وألقى خطابا في إنطاكية سنة 1952 أكد فيه أن سياسة الحزب الجديدة تجاه التسامح مع التيار الديني الإسلامي لا تتعارض مع الكمالية، لكن عددا من المراقبين عدوا الخطاب بمثابة إشارة البدء بمهاجمة العلمانية.

ويبدو أن هذه الأجواء هيأت الفرصة لأعداء العلمانية فشهدت تركيا بالفعل حملة واسعة ضد القوى العلمانية حتى إن هناك من اتهم مصطفى كمال بالتخلي عن الإسلام.. كما أن سياسة الحزب الديمقراطي تلك أفسحت المجال لتنامي تنظيمات إسلامية كان لها نشاطاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية منها التيجانية والنورسية والسليمانية، وقد تعززت جراء ذلك مواقع علماء الدين في الحياة الاجتماعية والتركية المعاصرة.

هذه التطورات أقنعت القوى العلمانية بأن هناك تهديدات جادة تواجهها المبادئ الأتاتوركية، وقد تعاظمت التهديدات وظهر من يعد المسؤولين العلمانيين الأتراك كفارا يجب محاربتهم، وعندما شعر الجيش الذي يصف نفسه بأنه حامي المبادئ الأتاتوركية بخطورة تلك الاتجاهات وتساهل الحزب الديمقراطي الحاكم تجاهها أقدم على القيام بانقلاب عسكري في 27 مايو/ أيار 1960 بقيادة الجنرال جمال كور سيل، وقد تشكلت لجنة الوحدة الوطنية التي أكدت أن حكومة الحزب الديمقراطي قد انتهكت الحقوق الطبيعية للأمة التركية وعطلت إصلاحات مصطفى كمال أتاتورك وعرضت المبادئ الكمالية للخطر وأنه لا بد من إنقاذ البلاد.

وقدم قادة الحزب الديمقراطي في يوليو/ تموز 1960 إلى المحاكمة بتهمة محاولة النيل من الاستقلال الوطني وإقامة النظام الدكتاتوري ومحاولة إلغاء الدستور وبعد ستة أشهر، أصدرت المحكمة عقوبة الإعدام على 15 شخصا من أعضاء الحزب الديمقراطي في مقدمتهم جلال بايار وعدنان مندريس.

تنوع أساليب المواجهة

بعد النهاية الدامية لحكومة مندريس جرى حل الأحزاب ودعا قادة الانقلاب الشعب للاعتماد على تقاليد الجيش التركي الراسخة باعتباره حامي أسس الديمقراطية التي وضعها أتاتورك. وقد حصن الجيش دوره من خلال إقامة مؤسسة جديدة نص عليها دستور 1961 وهي مجلس الأمن القومي ،الذي أصبح يضم قادة القوات المسلحة والوزراء الأساسيين في الحكومة، ولم تقتصر نشاطاته على الأمور العسكرية بل تعدتها إلى الأمور الاقتصادية والتربوية وحتى النقل والمواصلات.

عاد التهديد الإسلامي للعلمانية من جديد حينما حصل حزب السلامة الذي يقوده نجم الدين أربكان على نحو 12% من الأصوات في انتخابات العام 1973، لم يكن ذلك الحزب يخفي توجهاته الإسلامية المباشرة، ولا أنه وريث لحزب النظام الوطني الذي جرى حله بقرار من المحكمة الدستورية بعد انقلاب العام 1971 بسبب "نشاطاته المناوئة للأفكار العلمانية السائدة في تركيا وسعيه لإقامة حكومة إسلامية"، وهكذا بدأت الأوساط العلمانية تستشعر تنامي خطر المناوئين لها من التيارات الإسلامية لاسيما إن كانت هذه التيارات تجهر برغبتها بإقامة دولة دينية في تركيا وبعث التوحد مع الدول الإسلامية، كما كان يعبر عنه في أفكار حزب السلامة الوطنية الذي كان له مفهومه السلفي في فكرة الخلافة والخليفة.

ومن الواضح أن عدم مشاركة حزب السلامة الوطنية في الحكومة أبعده عن هجمات مناوئيه، لكنه تعرض للحل بعد الانقلاب العسكري عام 1980 إلى جانب الأحزاب الأخرى ليعود من جديد عام 1983 تحت اسم حزب الرفاه الذي رفع شعار النظام العادل، ويقصد به إقامة الشريعة الإسلامية ولكن بأسلوب الحوار والإقناع.

وبعد تشكيل حزب الرفاه كثفت الحركة الإسلامية من نشاطها في كافة المدن التركية، لذلك اضطرت القوى العلمانية أن تكتل نفسها في تنظيم جديد في 20 مايو/ أيار 1983 باسم حزب الوطن ألأم بزعامة الاقتصادي الليبرالي توركوت اوزال (توفي في 17 أبريل/ نيسان 1993) الذي شكل الحكومة بعد فوز حزبه بالأغلبية في انتخابات 1983.

اعتمد أوزال أسلوبا جديدا في مواجهة التيارات الإسلامية المتصاعدة التي يمثلها حزب الرفاه تختلف عن أساليب القمع والحل الذي لم يعد مناسبا في ضوء التطورات الدولية ورغبة تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد أفسح أوزال المجال للتيارات الإسلامية بالانتشار في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام حزب الرفاه، لكن هذا الأخير واصل صعوده وفاز بعد نحو عشر سنوات في الانتخابات البلدية سنة 1994 ثم في الانتخابات النيابية سنة 1995 ليتولى نجم الدين أربكان رئاسة الحكومة عام 1996 بعد الائتلاف مع حزب الطرق القويم.

كانت هذه الحكومة هي أقوى مؤشر تشهده تركيا منذ بدء عهدها الجمهوري على قوة الطرف الآخر المناوئ للعلمانية التي استقرت كواقع دستوري وسياسي في البلاد، وفي الوقت نفسه عبر فوز الرفاه عن ضعف الأحزاب والقوى العلمانية وانهيار أيديولوجيا اليسار الديمقراطي، وعلى حد وصف علي بولاج المفكر الإسلامي التركي فإن "القوى العلمانية والنخب الجمهورية التي احتكرت المجتمع السياسي التركي في ظروف ما قبل السبعينيات من القرن الماضي كانت عاملا أساسيا في دفع الشعب لتأييد الحركات الإسلامية وفي مقدمتها الرفاه".

بالطبع لم يكن كل ذلك مما يمكن أن يرضي القوى العلمانية وفي مقدمتها الجيش، وقد جاءت الفرصة لهذه القوى عندما ألقى رئيس بلدية سينجان (إحدى ضواحي أنقرة) المنتمي إلى حزب الرفاه كلمة في احتفال نظم يوم 31 يناير/ كانون الثاني 1996 بعنوان (من أجل القدس)، ودعا فيها إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وكذلك عندما أقدم رئيس الحكومة أربكان على التحذير من مغبة معاداة الإسلام وتنديده في تصريح نشرته صحيفة صباح 27 شباط 1997 بما أسماه "فاشية العلمنة في تركيا".

حركت هذه التحديات المباشرة من قبل حكم يصف نفسه صراحة بأنه إسلامي الجيش ليواجه حكومة الرفاه حتى إن احد قادة الجيش قال "إن المعركة ضد الإسلاميين مسألة حياة أو موت"، وهكذا وفي الأول من مارس/ آذار 1997 خاطب رئيس الجمهورية سليمان ديميريل اربكان في رسالة رسمية جاء فيها "تسود قناعة عامة أنكم انحرفتم عن طريق الجمهورية العلمانية والديمقراطية، وإنني أشاطر أصحاب هذه القناعة رأيهم". وأضاف ديميريل "إذا تمسكتم كحكومة بموقفكم الحالي، فان النظام سيكون في خطر".

جاءت رسالة ديميريل إلى أربكان بعد أن كان الأول قد تسلم رسالة من الجنرال إسماعيل حقي قره داغي رئيس أركان الجيش، وبعد بضعة أيام من تسلم أربكان إنذارا مباشرا من الجيش تضمن (20 نقطة) انصبت جميعها على كبح ما سمي آنذاك بـ" التطلعات الأصولية الإسلامية" ومن هذه النقاط: فرض رقابة شديدة على المؤسسات الدينية وفرض القيود على الدعم المالي الخارجي للرفاه وإقالة أكثر من 160 ضابطا بتهمة تبني توجهات إسلامية وغلق التكايا والزوايا والالتزام الكامل بالمادة     (174) من الدستور التي تؤكد المبادئ الأساسية للجمهورية التركية، وفي مقدمتها النزعة العلمانية وعدم التفكير بالسماح بارتداء الحجاب.

وبعد نحو عام واحد على توليه الحكومة أجبر الجيش أربكان على الاستقالة في 18 يونيو/ حزيران 1997، وجرى حل حزب الرفاه لتنتهي أبرز تجربة حكم معادية للعلمانية في تركيا بتدخل واضح ومؤثر من الجيش ولكن من غير انقلاب عسكري.

استيعاب القوى العلمانية

في سبتمبر/ أيلول 1998 أدين رئيس بلدية إسطنبول رجب طيب اردوغان وسجن مدة عشرة أشهر بسبب خطاب كان قد ألقاه قبل ذلك بأقل من عام قال فيه "إن المساجد هي ثكناتنا، والمآذن حرابنا، والقباب خوذاتنا، والمؤمنون جنودنا"، كان ذلك الإجراء جزءا من حملة مشددة شنتها القوى العلمانية وفي مقدمتها الجيش ضد حزب الفضيلة الذي كان ينتمي إليه والذي تشكل بدلا عن حزب الرفاه بزعامة جديدة، وبعد خروجه من السجن أسس أردوغان في أغسطس/ آب 2001 حزب العدالة والتنمية / الذي قدر له أن يفتتح مرحلة جديدة من العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين.

تمكن العدالة والتنمية من الفوز في انتخابات العام 2002 بأغلبية كبيرة وشكل الحكومة التي لم تقدم نفسها على أنها حكومة إسلامية وإن كان ابرز قيادات الحزب هم من الإسلاميين الذين عملوا بمعية أربكان، لكن تجربة الأخير على ما يبدو ظلت شاخصة أمام القادة الجدد لتركيا، حيث تبين أن ثمة قواعد جديدة للعبة بدأت تظهر للعيان ومن أبرزها نجاح جماعة أردوغان في تجاوز أخطاء أربكان خاصة في مجال الاصطدام مع العلمانيين وكذلك السعي لتقديم صورة جديدة للإسلام وهي صورة الإسلام المعتدل الذي يرى أن لتركيا جناحين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. كما حرص أردوغان وحزبه على تقديم العلمانية على أنها غير معادية للإسلام وكل ما في الأمر أن هناك ثلاثة احتياجات مهمة للشعب التركي تتمثل بالحرية والعدالة ولقمة العيش، ويبدو أن هذا هو سر تقبل العلمانيين لحكومة العدالة والتنمية.

ورغم أن أردوغان وحزبه لا يخفيان أن لديهما برنامجا إسلاميا للتعديل الجذري لقيم وتوجهات المجتمع التركي، فهما يعلنان باستمرار أن العلمانية المعتدلة لا تحارب الدين وتقبلها القوات المسلحة والشعب معا، كما أن أردوغان لا يزال يتمسك بعقلانية الاتجاه الإسلامي المعتدل الذي يتبني الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية.

وحتى الآن يبدو أن حكومة حزب العدالة والتنمية قادرة على مواجهة ضغوط الجيش وربما يستمر ذلك إذا ما أثبتت للجيش والعلمانيين أنها لا تسعى لتعديل دستور البلاد وطابعه العلماني، ومما يساعدها في ذلك امتلاكها برنامجا واضحا لإصلاح النظام الضريبي ومواجهة التضخم ومقاومة الفساد المالي وملاحقة الثروات غير المشروعة ومحاربة البيروقراطية والعمل على وقف تدهور الأوضاع المعيشية للطبقات الفقيرة.

ولأن القوى العلمانية في تركيا تعاني من الضعف والتشرذم ومع قدرة القوى الإسلامية وحزب العدالة والتنمية على استيعاب مشكلات تركيا ومعرفة احتياجات الناس فيها ومطامحهم خاصة فيما يتعلق بقيم العدالة والحرية ولقمة العيش، والسعي لمواجهة المفهوم المتشدد للعلمانية بأنها عدو الدين وكذلك منع استضعاف المتدينين وإيذائهم، والأهم من ذلك تأكيد أردوغان أنه يعمل من أجل استعادة هيبة تركيا، في مثل هذه الظروف فإن القوى الإسلامية ستستطيع ليس البقاء في السلطة لمراحل أخرى في تركيا وإنما كسب ممثلي الاتجاهات العلمانية القومية التركية كذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31 تموز/2007 -16/رجب/1428