إنهيار الانظمة العربية وسقوط العروش

بداية النهاية وثورة عراقيي المهجر

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

موقف السنن التاريخية من عملية التغيير:

     بعيدا عن تفسيرات التاريخانية لحركة التاريخ، فإن التغيير يعد من السنن الالهية والتاريخية الثابتة، والموقف التاريخي من الحدث يقوم على عدم إمكانية تكرار الحدث التاريخي نتيجة لتبدلات ظروف الزمان والمكان،  ولهذا فالتغيير واقع لايمكن الفرار منه، وتتخذ العقيدة الاسلامية موقفا تفاعليا مع التغيير يرتكز على الفعل: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد/11. فالتغيير منوط برغبة الانسان في التغيير والخروج من حالة السكون الى حالة الفعل،  والتغيير عملية تراكمية تتجذر عند أسس ايجابية، واخرى سلبية، ورغبة الانسان في الفعل تخضع لعنصرين اساسيين:

1-الخضوع لدائرة الاهواء وتقديم المصالح الشخصية والانية على مصلحة العقل الجمعي، مما يؤدي الى ظهور الانظمة الدكتاتورية الجائرة، أو الطغيان الناتج عن الرغبات المستعرة في حماية العروش وكل المصالح والقوى المتعلقة بها.

2- رغبة الانسان في التغيير نتيجة لتقديم المصلحة العامة على الذاتي والشخصي.

     لاشك ان المشرع عندما طرح قضية التغيير سعى الى التغيير الايجابي المؤسس لعملية التطور، بإعتبار ان الحياة تسير نحو غائية، أستنادا الى ان الفكر الاسلامي ليس فكرا عدميا، والبعد القيمي له يكرس حركة الانسان وفق الخط الرسالي، فالشخصية الرسالية تتخذ موقفا ايجابيا من التغير، وتعمل على تفعيل عناصر التغيير من اجل الخدمة العامة. غير ان الامر يجري على غير هذه الاسس متجاهلا السنن الالهية والتاريخية، بل متناسيا الاتجاه العقلي في التعامل مع الحياة. ففي الوقت الذي تطرح فيه مدرسة أهل البيت تفسيرها باعتبار الاسلام منهجا حضاريا يرتقي بالعقل البشري ليسمو به عاليا باتجاه الاقتراب من الشكل العصموي مقدما الانسان كعنصر فاعل ومؤثر في حركة التاريخ، نجد في الجانب الاخر من المعادلة مدرسة تكفيرية لم تتنكر فقط لقيم اهل البيت النبوي بل سعت جاهدة في تقتيلهم وشيعتهم عبر حركة التاريخ، ولعل اكثر اشكال هذه المدرسة التكفيرية وضوحا في المرحلة الحالية هي الحركة الوهابية الارهابية والتي هي بحق تمثل خوارج العصر الحديث. ولما كان التغيير وفق السنن الالهية والتاريخية عملية تراكمية تخضع لعوامل عديدة يقع الزمن في مقدمتها، فأن نظرة في موقف السنن من من عملية التغيير سيكشف ان التغيير عملية حتمية بل انها حتمية تاريخية، فبقا حالة الفساد واستمرارها الى مالانهاية ليست من السنن التاريخية ولا الالهية، كما ان طبيعة التشريع تقتضي التغيير، فكل شريعة جائت لتنقض الشريعة التي قبلها وفقا لمقتضيات المرحلة الزمنية وتنوع احتياجات الجنس البشريخلال عملية التطور، مع الحفاظ على الوحدة الاساسية في التشريع وهي توحيد الله. فالموقف التاريخي من عملية التغيير يعد موقفا ايجابيا ينحو منحا مستقبليا في تحقيق غائية الحياة. وهو من جانب آخر يعكس الشكل الحضاري للتشريع الالهي الذي ختم بالشريعة الاسلامية.

إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها:

     منذ البدء اتخذت العقيدة الاسلامية موقفا واضحا ودقيقا من الحكم، بأعتبار " ان الحكم إلا لله" يوسف/40. وأنا هنا لا ابحث في الحاكمية، ولا اؤيد نظرية الجبر التي لا اؤمن بها كما لا اومن بنظرية التفويض بل اتبع ما جاء به امامنا الصادق عليه السلام (لاجبر ولا تفويض لكنه أمر بين أمرين) إن الحكم لله بإعتبار: "قل  اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" آل عمران/26. والحكم لله بإعتبار يوم الدين، حيث لاحاكم إلا الله عزوجل ولاملك إلا هو تعالى شأنه.  فقد شاء الله أن يصبح ابن سعود واولاده ملوكا وجبابرة ليحاج بهم على الناس من ناحية الظلم الذي مثلوه، والجبروت والطغيان في الثروة والاحكام التعسفية وكثرة الفساد، ثم ليكبتهم بعد ذلك ولينكسهم على رؤسهم ليكونوا عبرة للظالمين وللجهلة. فالعبرة ان لكل شيء نهاية، وليست العبرة بطول فترة الحكم، أو بكم الثروات التي تجمع ظلما وقهرا، وحيث ان الفكر الاسلامي يؤمن بحتمية النهاية، فنجد ان كل السنن الالهية والتاريخية تؤيد اقتراب نهاية جبروت آل سعود، وقرب فناء حكمهم الذي لايختلف كثيرا عن حكم آل فرعون، بل انه الوجه المعاصر لحكم الفراعنة والجبابرة الذين ذكرهم الحق في محكم كتابة، لاتختلف العقيدة الوهابية في تكفيرها وطعنها على بقية المذاهب والاديان عن العقيدة الصهيونية الرافضة لكل من يخالفها، والحركتان الوهابية والصهيونية ليستا ببعيدتين عن بعضهما الاخر، فقد تقارب تاريخ ظهورهما من جانب واعتمادهما على الفكر الدموي في انجاح اهدافهما.

 وتميزت الوهابية بادعائها الاسلام والاسلام منها براء. وهذه العقيد هي نتاج مدرسة الخلافة التي طعنت في اهل البيت عليهم السلام، واعتبرت الخلافة ملكا يحق لاي انسان ان يناله وما ذاك إلا لابعاد الامامة عن الحكم، ومن هنا فقد ايد الملوك اتجاهات مدرسة الخلافة وتفسيراتهم للشريعة الاسلامية. وهذا لا ينفي ظهور ملوك تبنوا فكر أهل البيت عليهم السلام، ولكن حركة التاريخ تكشف ان ظهور ملوك من الشيعة كان نوعا من رد الفعل على الطغيان اللامتناهي لملوك مدرسة الخلافة، ومن هنا ايضا وصف المؤرخون حكام بني امية وبني العباس بالملوك، فهم لم يكونوا خلفاء، والخلافة بمفهوما الالهي منهم براء.

وفي المراحل الاستعمارية وجدات بريطانيا ( العظمى وقتها) انه من المفيد ايجاد زعامات ملكية في كل الاراضي التي احتلتها ليكونوا من جملة الموظفين الذين توكل اليهم ادارة بعض الرقع الجغرافية باشراف بريطاني مباشر، فجيء بابن سعود ليكون احد خدام وموظفي حكومة صاحبة الجلالة. لاشك إن الملك الدنيوي حالة طارئة بمعنى انه حالة محكومة بالزوال والفناء، وقد يمتد لفترة زمنية يحسبها الانسان طويلة من خلال المعايير البشرية والذاتية، غير ان حتمية السنن الالهية كما الحتمية التاريخية تقضي بزوال الملك، وبالتالي ظهور منهج سياسي آخر للحكم، وقد يكون ملكا ايضا، لكن السنن قضت بان يكون لكل شيء نهاية وما من خلود في الحياة الدنيا، غير ان النفس البشرية، الاهواء، الطمع، التكبر وتبني قيما منحطة والابتعاد عن الخط الرسالي كل ذلك سيؤدي الى الطغيان والجبروت وتفشي الظلم، ومن البديهي لايمكن القول بان الحظ المجرد هومن جاء بآل ابي سفيان وآل مروان ثم ببني العباس كما جاء قبلهم بآل فرعون وبقية الطواغيت للحكم، فالمسأله لاعلاقة لها بالحظ، بل لها علاقة بفعل الانسان نفسه، وابتعاده عن طريق الحق الرسالي، فالسلوك الاجتماعي والعبادي الخاطيء من مؤشرات ظهور الجبابرة والطواغيت، من هنا قال تعالى: : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد/11.  فالتغيير الالهي منوط بالتغيير الانساني، وهذا اقصى العدالة فمع ان القدرة الالهية موجودة على الدوام وقادرة على التغيير، لكن الحق سبحانة اراد للانسان ان يكون فاعلا في حركة التاريخ وعملية التغيير واستمراريتها. وفي هذه المرحلة من التاريخ وتوافقا مع السنن الالهية ظهرت انتفاضة المغتربين والمهاجرين لتضع الاسس الاولية لعملية التغيير، ولكشف مفاسد النظام السعودي المتبني لعقيدة التكفير والقتل الوهابية.

 فالمجتمع الدولي يجب ان يدرك انه ليس المهم فقط القضاء على الفكر والوهابي الارهابي ولكن القضاء على الانظمة التي تبنت هذه العقيدة المنحطة وجعلتها اهم اسس استمراريتها في الحكم. فالولايات المتحدة التي جائت بابن لادن لتضرب به النظام السوفياتي في مرحلة من مراحل التاريخ اكتشفت خطئها الجسيم في الاعتماد على فكر اجرامي فقررت التخلص منه والقضاء عليه، وعلى بريطانيا الدولة ان تدرك هي الاخرى خطئها في ايجاد النظام السعودي الوهابي قبل اكثرمن قرن، فقد تحول هذه السرطان الوهابي الى مرضا فتاكا ضرب الجسد الذي اوجده وتنكر لولي نعمته.

العالم وعقيدة الوهابية الاجرامية:

     لاتخفي حركة التاريخ حجم العقائد الفاسدة التي ظهرت هنا وهناك، والكثير من هذه العقائد التي تتبنى قيما منحطة قد وجدت لها من يكفلها ويقوم بشؤونها، بل ويتبناها كفكر يدعم نظرياته السياسية، ويعمل على اخضاع العقل الجمعي لصالح الفئة الحاكمة، وقدتم استغلال الحركة الوهابية لاخضاع العقل البدوي بتقديم عقيدة تبنت الشكل الاسلامي، والخطاب الاسلامي لكنها كانت ابعد ماتكون عن العقيدة الاسلامية الرسالية التي جاء بها الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله. وممازاد في الطيم بلة ان الحركة الوهابية تبنت موقفا (إدعته شرعيا) وهو يجافي الشريعة السمحاء، بل لايدرك من الشريعة الا ما يدركة الجاهل منها.

 ومن هنا كان فقهاء الوهابية ابعد مايكون عن منهج الفقاهة الرصين، فتراهم يتشددون في غير موقع التشدد كالتقصير في الملابس( وما هو بسنة) وإطلاق اللحى بشكل مقرف ومقزز تجفاه العين قبل، ويتساهلون في الدماء والقتل وهتك الاعراض، وإذا كنا نحن الشيعة نحاكمهم بكراهيتهم لأهل بيت النبوة عليهم السلام وتقديمهم للمفضول على الفاضل، ومخالفتهم الصريحة للشرع الاسلامي، فان العقل الجمعي يحاكمهم لأنتهاكهم حرمة الدم الانساني ولآباحتهم القتل بعقيدة التكفير لمن خالفهم.

نهضة عراقيي المهجر:

     كما هو دائما وعلى مسار حركة التاريخ كان عراقيو المهجر على موعد مع الثورة، هي ليست مجرد ثورة عابرة، او انتفاضة عفوية حماسية آنية، بل هي ثورة ابناء العراق، هي إنتفاضة احفاد ثورة الامام الحسين عليه السلام، فعراقيي المهجر حملوا الجرح العراقي في صدورهم منذ ان خطوا في طريق الهجرة كما المهاجرين الاوائل، لقد صنع ابناء الامامة ثورتهم المباركة فوقفوا بوجه الطاغوت السعودي الوهابي ليقولوا للعالم اجمع هذا صوت العراق الحقيقي في اهم مراكز الهجرة في العالم، هذه الانتفاضة العراقية الشيعية الاسلامية جائت لتهز الضمير العالمي، ولتكون البداية في طريق تعرية النظام السعودي الوهابي الارهابي، وكل الانظمة المماثلة التي جعلت الارهاب عقيدتها في التعامل مع الانسانية بعد ان افتى فقهاء السلاطين بتكفير الشيعة وقتل الاطفال وهتك اعراض النساء. لقد انتفض العراق هنا في المهجر ليذكر العالم اننا لانزال نملك قلوبا تنبض بقيم الحرية والانسانية، لقد وقف العراق ليقول ان الاسلام حضارة وبناء فكري وانساني، وان ابن جبرين وابن عثيمين وقبلهما استاذهما البليد ابن عبد الوهاب لايمثلون القيم الحضارية للاسلام، لقد وقفنا لنذكر الدنيا، ان البناء الحضاري والفكري لابناء العراق لقادر ان يبيد الارهاب الوهابي السعودي. ونحن اردنا انتكون هذه الانتفاضة رسالة الى الحكومة الطاغوتية في مصر الكنانة، هي رسالة الى مبارك كما هي رسالة الى قزم الاردن، والى الفيل المترهل في قاعدة قطر الامريكية. هذه رسالة واضحة ومباشرة من العراق المغترب تنادي بقرب نهاية الانظمة الطاغوتية و(إن غدا لناظره قريب). 

المملكة المتحدة- لندن

20/تموز/2007

يوم انتفاضة عراق المهجر

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 27 تموز/2007 -12/رجب/1428