
شبكة النبأ: قد يذهب الكثير من
المهتمين بالشأن اللغوي الى تصنيف كلمة(مهنة) على انها اقرب ما تكون
الى عنوان الذلة والمهانة، فضلا عن كونها تنسب لاولئك الذين يجيدون
الحرف بكافة انواعها كالخياطة اوالحياكة او اي مهنة اخرى، وهي تكاد ان
تعبر عن الواقع العربي او الثقافة العربية القديمة خير تعبير، كونها
ترجح الرجل للسيف والقتال وما عداها لا يشكل الا علامة ضئيلة لا تستحق
سوى الذم، ولسنا هنا بصدد الخوض في المضمار اللغوية، بقدر ما يتعلق
الامر بتلك المهنة التي اصبحت تشكل وصمعة عار في جبين كل من ينتمي
اليها واخص بالذكر ذلك العنصر النسائي، الا وهي مهنة التمريض تلك
المهنة التي بدأت كل المؤشرات الحديثة والتقرير الدولية الصادرة عن
منظمات الصحة العالمية والمنظمات الانسانية الاخرى، تؤكد على وجود
مشكلة او خلل في هذا المفصل الحيوي، هذا مما يؤثر بشكل سلبي على مستوى
سير الخدمات وديمومتها، حيث يرجح البعض اسباب التخلف الى هجرة هذه
الملاكات الى دول اخرى بسب قلة الاجور او الظروف الامنية غيرالمستقرة،
فضلا عن وجود عوائق اجتماعية ذات نزعة متخلفة من خلال النظر الى مهنة
التمريض والمهن المقاربة لها بنظرة دونية او غير مهمة، هذا مما يستدعي
منا الى وضع اناس غير جديرين بالعمل في هذه المهن، وهذا الوضع جاء
نتيجة وضع اجتماعي معين يتحاشى ان تباشر النساء العمل بجانب عالم
الرجال من الاطباء والمرضى.
ومن اجل ذلك كان لمراسل(شبكة النبأ المعلوماتية) في محافظة كربلاء
هذه الوقفة للاطلاع عن مكامن الخلل في هذه الظاهرة التي اصبحت تشكل
علامة استفهام في بناء وديمومة الواقع الصحي من خلال وجود العادات
الاجتماعية البالية والتي تعتبر التمريض عنوان مخل بالشرف:
اصرار على مزوالة المهنة
تقول السيدة هناء، ممرضة منذ 20 عاما، انها زاولت هذه المهنة منذ
الثمانينات من القرن الماضي وانها وجدت صعوبة ومعارضة قوية من قبل
الاهل والاقرباء ولكن اصرارها على العمل لاثبات وجودها وشخصيتها ارغم
الجميع على الموافقة بعد طول معارضة ونزاع وخلاف، مشيرة الى زواجها بعد
فترة من عملها في سلك التمريض من موظف يعمل في المستشفى الذي تعمل فيها
واستمرارها في العمل لمدة عشر سنوات مع زوجها دون عوائق او مشاكل تذكر.
عملي حفظ كرامتي
وتضيف الممرضة هناء، ان وفاة زوجها بشكل مفاجىء اثقل كاهلها واضاف
هما كبيرا ومسؤولية عظيمة عليها كونها ام لأربعة اطفال بحاجة الى
الغذاء والدواء والدراسة منوهة الى انها استطاعت ان تثبت في وجه الريح
العاصفة التي هبت عليها من قبل الاهل والاقارب والجيران الذين طالبوها
بترك العمل والزواج من شخص غريب على اولادها بحجة المحافظة على كيان
العائلة وشرفها لكونها تعمل ممرضة، حيث تمكنت من خلال عملي ان اوفر
جميع الاحتياجات الضرورية لأسرتي وان اوصلهم الى مراحل دراسية متقدمة،
حيث اعترف الاهل اخيرا بصحة قراري واختياري للمهنة الشريفة.
البعض يعدها مهنة هامشية
وتعبر الممرضة أنعام 32 عاما، عن اسفها وانتقادها للعادات البالية
والمتخلفة المتغلغلة في ذهن البعض كونهم يعدون الممرضة اقل شأنا من
غيرها ولا يتقدمون للزواج منها خوفا من انتقاد البعض من الجهلاء لهم،
مؤكدة ان اختيارها لهذه المهنة كان بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي
كانت تعاني منها اسرتها نظرا لفقدانها اخويها في الحرب العراقية
الايرانية التي اندلعت بداية الثمانينات من القرن الماضي، وكونها الشخص
الاكبر في الاسرة مما اضطرها للعمل لتوفير قوت عيالها.
العمل فوت عليها فرصة الزواج
وتشير انعام الى انها استطاعت خلال الفترة الماضية وبعد زواج اخوتها
من تكوين ثروة مالية لا باس بها تضمنت شراء منزل خاص بها وامها العجوز،
فضلا عن امتلاكها لسيارة خاصة وان امورها تسير بشكل جيد رغم انتقاد
اقاربها وجيرانها لها بسبب المهنة التي تزوالها، مشددة على اهمية
احترام خصوصية المرأة واختيارتها المهنية وقرارتها وعدم الوقوف بوجهها
طالما انها تعمل وفق القانون والشرع.
انانية الرجل هي السبب
ويشاطر الممرض ثابت محمد زميلته في المهنة رايها مؤكدا ان المجتمع
لا يرحم المرأة واحيانا يقف مانعا في وجه اختياراتها وارادتها، متسائلا
عن السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك، هل هو حقا سبب اخلاقي وديني ام ان
الامر يتعلق بحرية المرأة وتصميم الرجل الشرقي لاستبعادها؟
ويجيب ثابت على سؤاله مؤكدا ان السبب هو انانية الرجل واحتكاره
لحرية المرأة، حيث ان العنل لا يعد خرقا او نزوقا وانه شرف وتحقيق ذات
الرجل او المرأة والاحترام من قبل الاخرين.
العمل انتشلها من الضياع
ويروي حسين كريم وهو صاحب محل بقالة، قصة جارته التي فقدت زوجها
وولديها في حادث ارهابي مشيرا الى محاصرتها من قبل اهلها واهل زوجها
وعدم السماح لها بالخروج بحجة صغر سنها وان في خروجها عيب وخرق
للمعايير والقيم الاجتماعية الامر الذي اضطرها للخروج والعمل حيث واجهت
صعوبة في الحصول على فرصة عمل في البداية لكنها استطاعت العمل في احدى
المستشفيات بعد دخولها دورة تمريضية خاصة مما حقق لها الاستقرار المادي
والنفسي بعيد عن سلطة الاخرين وتحكمهم بها ماديا ومعنويا، مبينا ان عمل
الانسان سواء اكان رجل ام امرأة يحقق له الراحة النفسية والاستقرار
المادي ويملآ وقت فراغه حيث يستطيع ان يكون شخصا نافعا ومنتجا في
المجتمع.
المستشفيات تشكو قلة الممرضات
ويشير مصدر في دائرة صحة محافظة كربلاء الى ان مهنة التمريض كانت
وما زالت مهنة سامية تحمل معاني انسانية قبل ان تكون مهنة لكسب لقمة
العيش، مبينا اهميتها الكبيرة من خلال رعاية المريض نفسيا وجسديا
واجتماعيا وتساعده على العودة لحياته الطبيعية ليكون عضوا نافعا لاسرته
والمجتمع، وان مزاولة مهنة التمريض بشكل علمي وفني صحيح يحتاج الى
دراسات ومقومات فنيه واستعداد نفسي وروحي لدى المرأة والرجل على السواء
للعمل في مجالاتها المتنوعة.
ويؤكد ذلك المسؤول حاجة المؤسسات الصحية الى العناصر التمريضية
منوهاً الى فتح ابواب التقديم امام النساء للعمل من خلال التقديم
لإعداديات التمريض والقبالة والتوليد ولأعمار تنحصر بين15ـ 40 سنة
خصوصا لشريحة النساء، حيث يتم منحهن مخصصات شهرية مقدرها 50 الف دينار
خلال مدة الدراسة ويكون التعيين الزاميا من قبل الوزارة ومؤسساتها
الصحية بغية سد النقص الحاصل في الكوادر التمريضية النسوية وتوفير فرص
عمل مناسبة للنساء والعاطلات خصوصا. |