معاناة العراقيين بين فقدان الخدمات وهجير الصيف

 شبكة النبأ: رغم ان العنف والارهاب هو اشد ما يفتك بالعراقيين الا ان المعاناة تتنوع بحسب المناطق والطوائف والفئات العمرية لتصب في مجرى موحد عنوانه نقص الخدمات الحاد وتزايد الامراض النفسية والجسدية والتضخم وزيادة الاسعار بشكل لا يكاد يتوقف.

وينام الطفل العراقي سرمد قيس على سطح منزله في بغداد متطلعا بشدة للافلات من الحر الخانق بداخله. وتقول أسرته انه ليس لديها كهرباء منذ 20 يوما. وأجهزة تكييف الهواء عديمة النفع لا يمكن تشغيلها.

ولا يبالي سرمد بضبط المنبه للاستيقاظ من أجل الذهاب الى المدرسة فاصوات قذائف المورتر بعد الفجر كافية في العادة للتكفل بهذه المهمة.

وقال سرمد البالغ من العمر تسعة اعوام متحدثا خارج منزله الواقع في حي الكرادة وسط بغداد والذي يوجد به شأنه شأن معظم البيوت العراقية سطح يوصل اليه درج داخلي "عدم وجود الكهرباء والماء يضايقني حقا. بحسب رويترز.

وتابع، لايمكنني الاستحمام ولا مشاهدة افلام الرسوم المتحركة ولا يمكنني النوم بسبب الحر والبعوض. واستيقظ معظم الايام صباحا على صوت الانفجارات وقذائف المورتر.

ويقول كثير من العراقيين ان معظم الخدمات في أسوأ مستوياتها منذ عقود. وتسببت أكثر من اربع سنوات من الحرب في اصابة البنية التحتية بالشلل بينما ادى العنف المستمر بلا هوادة في إعاقة جهود اعادة البناء.

ومما يزيد الامر سوءا درجات حرارة الصيف التي يمكن ان تظل فوق 40 درجة مئوية حتى أثناء الليل.

ويقول بعض السكان انهم يحصلون على الكهرباء في بغداد ومناطق اخرى نحو ساعتين في اليوم بينما تنقطع امدادات المياه لايام في العادة. ويصطف سائقو السيارات احيانا لنصف يوم من اجل تزويد سياراتهم بالوقود.

وقال مصطفى الزبيدي سائق سيارة اجرة انه امضى تسع ساعات وسيارته تسير بضعة مئات من الامتار في صف يتحرك ببطء في حر بغداد القائظ للحصول على الوقود.

وحقيقة أن العراق لديه ثالث اكبر احتياطات نفطية في العالم تزيد من شعوره بالاحباط.

وقال قبل ان يقترب من محطة الوقود، لا أدري هل أضحك ام أبكي عندما ارى وضع الوقود في بلد يجلس على بحر من النفط.

وقالت أسرة قيس انه ليس لديها أدنى فكرة عن سبب انقطاع الكهرباء عنها لمدة 20 يوما. وقال مسؤول من وزارة الكهرباء ان الانقطاع سببه حاجة كابلات (اسلاك) في الحي الى الاصلاح. لكن النوم على سطح المنزل امر لا يخلو من المخاطر.

ولم يتسن الوصول الى مسؤولين عراقيين لاعطاء تفاصيل بشأن توليد الكهرباء وامدادات المياه.

لكن مؤسسة بروكينجز ومقرها واشنطن التي تجمع معلومات عن العراق قالت ان متوسط الامداد اليومي بالكهرباء في مايو ايار كان 5.6 ساعات مقارنة بحوالي 16 الى 24 ساعة قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

وفي جلسة بالبرلمان حاول وزيرا النفط والكهرباء شرح المشكلات التي تكمن خلف النقص الحالي في الخدمات الاساسية.

وقال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني لنواب البرلمان ان اعمال التخريب التي يقوم بها متمردون والاشخاص الذين يحدثون ثقوبا في انابيب الوقود لسرقة منتجات النفط المكرر سبب رئيسي في نقص الوقود.

وقال الوزير انه في خط انابيب واحد بين بغداد وبيجي تم العثور على 1488 ثقبا في اشارة الى خط انابيب رئيسي يتجه من مصفاة في مدينة بيجي على بعد 180 كيلومترا جنوبي العاصمة وقال انه لا يعمل حاليا كخط انابيب بل اصبح اشبه بالمنخل.

وقال وزير الكهرباء كريم وحيد ان التخريب المنتظم هو السبب الذي يلقى عليه باللوم في هذه الازمة في وزارته الى جانب الاجراءات البيروقراطية المطولة لتوفير التمويل لمشروعات صيانة جديدة.

حلقة مفرغة

وقال مسؤولون في بلدية بغداد ان الماء لا يمكن تنقيته وضخه بدون الطاقة. وتقول وزارة الكهرباء ان جزءا من المشكلة هو نقص الوقود لتشغيل محطات الطاقة بينما تقول وزارة النفط ان نقص الكهرباء يرفع يشدة الطلب على الوقود من اجل المولدات الصغيرة في المنازل.

وتقول لمياء حسن وهي ام لثلاثة أطفال ان أسرتها تعد الايام لحلول شهري اكتوبر تشرين الاول ونوفمبر تشرين الثاني حينما يبرد الطقس.

وقالت لمياء " لا يمكن لاحد تحمل الحر. أطفالي لا يفهمون لماذا لا يمكنهم مشاهدة التلفزيون او النوم ليلا.

"لسنا جشعين..تخلينا عن امل الحياة مثل سائر العالم منذ وقت طويل... كل ما ننشده هو رفاهة الحصول على المياه والنوم جيدا بالليل."

الجثث المتحللة تفسد طعم السمك النهري!!!

وفي سياق متصل أدت جثث العراقيين المتحللة التي كثيرا ما تنتشل من مياه دجلة الى تراجع الشهية عن تناول السمك المسقوف وهي طريقة عراقية لإعداد السمك تلقى شعبية كبيرة. ويأتي ذلك بعد أنباء عن تحذير من رجال دين من أكل الاسماك التي تتغذى من الجثث المتحللة.

وقال حسين أحمد وهو صياد عمره 62 عاما بعدما جهز شباكه على مرأى من مجمع المنطقة الخضراء الحصينة على ضفاف نهر دجلة،لقد نشروا شائعات عن الاسماك.. بانها تأكل جثث الغرقى.. ولكن هذه مجرد شائعات.

وتظهر عشرات الجثث في كل أسبوع لضحايا أعمال العنف بين  الشيعة والسنة التي تدفع العراق صوب حرب أهلية شاملة.

وكثير من هذه الجثث تلقى في دجلة الذي يمر في قلب المدينة وكانت ضفتاه في يوم من الايام تعج بالمطاعم التي تقدم السمك المسقوف الذي يحب الناس أكله مساء الجمعة.

وأغلقت معظم مطاعم السمك الواقعة على النهر قبل فترة طويلة حيث أنها تجتذب الهجمات التي صارت جزءا من الحياة في بغداد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وما زال بالإمكان رؤية صيادي السمك الذين اعتمدوا على دجلة منذ أجيال وهم ينصبون شباكهم تحت جسور المدينة وبجانب ضفة النهر عند الحشائش النهرية.

ولكن هذه النقاط الطبيعية التي اعتادت عندها الاسماك على التغذية صارت أيضا مراكز تعلق بها الجثث الطافية.

وقال ياسر قريشي (36 عاما) في منفذ لبيع السمك في حي الكرادة بوسط بغداد،الناس بدأوا التخلي عن السمك بسبب الجثث.. تجارة السمك تغيرت تماما.

وفي الآونة الاخيرة أوردت وسائل اعلام عراقية فتوى تحرم على العراقيين أكل السمك من نهر دجلة. ولكن تحري أصل هذه الفتوى لم يكن بالشيء الهين.

فرجال الدين الشيعة البارزين في مدينة النجف نفوا أي علم لهم بهذه الفتوى. ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مسؤولين من المكتب الحكومي الذي يمثل الائمة السنة البارزين الذين يديرون المساجد السنية بالعراق.

وتحول الكثير من أهالي بغداد الى سمك الشبوط الذي يعيش في المياه الضحلة. وكان معروضا في السوق في خزان للعرض. وتزن كل سمك كيلوجراما واحدا. وعلى مقربة من ذلك هناك رجل يشوي عددا منها على نار. واستزرع هذا السمك في بركة بها مياه عذبة بعيدا عن مياه دجلة.

وقال سيف الدين وهو أحد الزبائن المحليين،هذه الفتوى الجديدة التي تحظر سمك النهر بسبب احتوائه على جثث تؤثر بحق على السوق والآن أكلنا لتونا سمكا جرت تربيته في البركة.

ولم تكن الجثث المتحللة الشيء الوحيد الذي أثر على صيد الاسماك منذ الحرب.

فقال قريشي، بدأ الناس وخاصة في بغداد الصيد باستخدام الكهرباء والتفجيرات.. لذلك لم يعودوا يحبون السمك من النهر. اصبحوا يفضلون سمك الاحواض والبحيرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26 تموز/2007 -11/رجب/1428