كرم الله الإنسان وجعله في أحسن تقويم وسخر له كل الموجودات بدلالة
الآية الكريمة (70) من سورة الإسراء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في
البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
وجعل من الزواج مودة ورحمة بين أبناء البشر ووسيلة للتكاثر واستمرار
النوع البشري وتواصل الحياة على وفق الآية 21 من سورة الروم (ومن آياته
أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن
في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ).
واهتم فقهاء الشريعة الإسلامية بهذا الأمر ويسروا له الوسائل
والسبل التي يتم فيها سواء من مستلزمات الزواج أو شروطه الشكلية التي
ينعقد بها والرسول الكريم (ص) قد ميز الزوجة التي ترضى بالمهر القليل
على وفق الحديث الشريف (( خيرهن اقلهن مهراً )) كما اعتبر الإسلام
كفاءة الرجل دينه بغض النظر عن أمواله وحسبه ونسبه.
لذلك نجد إن هذه الشريعة السمحاء قد يسرت الزواج وسهلت أمر انعقاده
وإتمامه، وبما إنها دستور المجتمع العراقي الذي يشكل فيه المسلمون
الغالبية الكبرى، فكان من الأجدر بالقانون العراقي أن يراعي هذا
التيسير في الزواج عند تصديه لعقد الزواج وكيفية إتمامه.
وقبل بيان هذه الشروط في القانون نجد إن الإسلام لم يحدد شكل معين
لإتمام عقد الزواج وإنما بمجرد الإيجاب والقبول يتم العقد ويحل النكاح
على رأي بعض المذاهب والبعض الآخر يستوجب توفر شاهدي عدل ليس إلا. أما
في القانون العراقي وفي نص المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية العراقي
النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل قد ذكر بعض الشروط التي تعيق مهمة
تسجيل عقد الزواج بل تعدى الأمر إلى معاقبة الزوج عند عدم مراعاته بعض
الأمور التي ذكرها القانون ومن هذه الشروط التي تعرقل عملية تسجيل عقد
الزواج ما يلي :-
1. توفر التقرير الطبي الذي يؤيد سلامة الزوجين الأمراض السارية
المشار إليه في الفقرة (2) من المادة 10 وفي هذه الحال نجد إن الصعوبات
التي يواجهها الزوجين كبيرة جداً، إذ أن بعض المراكز الصحية تقع في
أماكن خطرة وبعضها غير متوفر على المادة التي يتم بموجبها الفحص وقد
استغل بعض ضعاف النفوس حاجة المواطن وبدأ يساوم على الابتزاز بمقابل
إصدار أوراق مزورة وعند النظر في هذه الفقرة فإننا نتساءل هل يبطل عقد
الزواج لو تم بدون الفحص وخارج المحكمة ؟ الجواب سيكون بالنفي ، وان
عقد الزواج صحيح ويرتب آثاره الشرعية والقانونية. إذن لماذا نضع مثل
هكذا نص يعيق عملية إتمام عقد الزواج إذا كان الزواج لا يتأثر حينما لا
تتم مراعاته.
2. ما ورد في الفقرة (5) من المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية
النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل التي تنص على ما يلي (يعاقب بالحبس
مدة لا تقل عن ستة اشهر ، ولا تزيد على سنة ، أو بغرامة لا تقل عن
ثلاثمائة دينار ولا تزيد على آلف دينار ، كل رجل عقد زواجه خارج
المحكمة ، وتكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد
على خمس سنوات ، إذا عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجية). ففي
نص هذه الفقرة نجد إن المشرع العراقي قد جعل من الزوج الذي يتزوج خارج
المحكمة محل للاتهام ويخضع للمسائلة القانونية ويكون مجرماً إذا أدين
بارتكاب هذه المخالفة. لكن هل يبطل هذا النص عقد الزواج الذي تم خارج
المحكمة ؟ الجواب لا يؤثر ولا يبطل العقد ويكون العقد صحيح ويرتب أثاره
الشرعية وإنما يخلق حالة من الإطالة والتعقيد تجاه المواطن وانشغال
القضاء في أمور لا تشكل خطراً على المجتمع وبعيدة عن ساحة القضاء وان
عقوبة الغرامة لا تكفي لثمن الأوراق التي تستهلك لتدوين الأقوال وكتابة
المخاطبات، بالإضافة إلى أن أسباب وضع هذه الفقرة في حينه كانت لدوافع
سياسية يسعى من خلالها واضع النص إلى جعل المواطن محل اتهام ومتابعة
ومراقبة وذلك تعبيراً عن فلسفة النظام القائم آنذاك.
لذلك ومما تقدم ومن خلال الممارسة اليومية والتعامل المباشر مع
المواطن في حالات إتمام عقد الزواج أرى أن يتم التدخل التشريعي وان تم
المعالجة بإحدى الطريقتين التاليتين :-
أ. إما إلغاء هذه النصوص والاكتفاء بحضور الزوجين وإتمام العقد بعد
التأكد من الإيجاب والقبول فقط.
ب. العمل على تشريع قانون للمأذون الشرعي الذي سبق وان أشرت إليه
في مقالات سابقة.
وفي هذه الحالة سنوفر الجهد والوقت للمواطن مثلما نوفره للمحاكم
وإننا لم نبتعد عن غاية المشرع الإسلامي في تسهيل الزواج وتيسير سبله
خصوصاً وان العراق يمر في مرحلة مهمة وانعطافة خطيرة تدعونا جميعاً
للتفكير في كيفية التخفيف عن عبء المواطن وبهذه المناسبة ادعوا مجلس
النواب إلى المبادرة بمعالجة هذه الإشكال في قانون الأحوال الشخصية
النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل.
[email protected] |