
شبكة النبأ: عندما
نقول هذا حيوان.. وهذا نبات.. وهذا جماد.. فاننا وفق النمطية في
التفكير نرى وبتلقائية بان الحيوان عنصر حركي، والنبات جزئي الحركة اما
الجماد فانه لاحركة فيه بينما هو في حقيقته مفعم بالحركة وهو النموذج
الحقيقي لحركة الكون ونبض وجوده وديناميكيته المستمرة مع الزمن
اللانهائي طبقا للحسابات الانسانية.
هذه النمطية في حقيقتها انما نستمدها من تفكيرنا الذي لايعيد النظر
في الاشياء في كل حين فاننا نرى ان الكون برمته جامدا وليس فيه إلا تلك
الحركة المتكررة، فيما تكون كثير بما لايحصى من قبل الانسان، من
التغيرات في الافلاك والشموس وولادة ملايين الملايين من الاقمار
والكواكب وظهور نظم جديدة إضافة الى اننا كمجموعة شمسية نسير سابحين في
الفضاء الفسيح مع كل المجرات باتجاه معين لاندري اهو شمالا ام جنوبا او
غربا او شرقا لكننا باتجاه مستقر علمه عند الله سبحانه وتعالى.
فليس اذن هناك اشياء محددة للتنوع وليس هناك جمود في كل الاشياء
وانما نستعمل هذه الدوال الكلامية او المسميات من اجل التفريق وليس
المطلق.
فعندما يلقي المرء نظرة متاملة الى ما حوله من الطبيعة والكون
المادي اللانهائي والى محيطه القريب والبعيد ويلتفت الى نواحي السماء
وآفاقها وعوالمها العجيبة من نجوم واجرام ومجرات تدهش العقول وتاخذ
بالالباب تتبدى له من بعيد بوضوح تام ذلك هي اكبر الحقائق الموضوعية
الكبرى التي تطبع جميع العوالم والاكوان من غير استثناء، وهي ذلك
التنوع الكبير والمدهش ميّز عوالم المادة من غير العوالم اللامادية لا
يعلم سرها غير بديع السماوات والارض سبحانه وتعالى.
هذا التنوع الشامل المستوعب لجميع الاشياء ينطوي ايضا على تنوع في
الوظائف والتراكيب والاشكال، والتنوع انما هو ظاهرة كونية شملت ادق
دقائق العالم الطبيعي وهو بالتالي من ابداع عالم الغيب والشهادة الذي
خلقه واحسن خلقه.
هذا التنوع المادي ينقل الفكر الى تنوع آخر التنوع في ميول البشر
واعتقاداتهم وآرائهم ونزعاتهم، عدى التنوع في هيئاتهم واشكالهم
واعراقهم ولغاتهم واذواقهم وانماط العيش وطرز البناء والزي وغير ذلك من
التنوعات الهائلة.
وحيال ذلك فاننا نكون مخطئين لو اعتقدنا بان الافكار التي توصلنا
اليها افكار نهائية لايجادل بها المجادلون، كبنى فكرية قد استحقت ان
تكون جامدة عندما وضعت في اناء القداسة.
القرآن الكريم كلنا نعرف بانه مقدس وانه كلام الله الذي ليس فوقه
كلام، لكنه وبطبيعته ومن خلال الفاعلية النبوية الشريفة ان كلام الله
اخذ نبض الحياة في الحركة والتفاعل أي ان القداسة لم تمنع من الحركة
وتعد جميع التفاسير المتنوعة في التاويل انما هو جدال وايضا تنوع
الرؤيا وقد نحتاج الى تفاسير مضافة للقرآن بعد مرور 250 سنة من الآن
وذلك لأن القرآن يسير ولا يتغيّر وتسير التفاسير خلفه ويضاف اليها حسب
الازمان.
فهل ترقى الافكار الانسانية الى مستوى ما ينزل من السماء وتوضع في
اناء قداسي جامد لايجادل فيه؟.
قطعا ان امرا مثل هذا غير ممكن في حياة تتسم بالحركة والتبدّل
والتنوّع ونشوء ظروف وتطور اشياء وفاعليات جديدة في كل حين.
وعلى سبيل المثال هل يمكن الركون الى الحسية عندما يقال ان الحقيقة
والوهم يفصلهما اصبعين أي بين السمع والبصر فهل البصر هو المطلق الذي
يقول الحقيقة التي لا غبار عليها؟.
لنفرض بانك تشاهد نجمة معينة وهذه النجمة تبعد عن الارض مائتي سنة
ضوئية وهذه النجمة تعرضت للانهيار قبل مائة سنة واختفت عن الوجود ولا
زلت انت تشاهدها وسوف تظل تشاهدها لمدى مائة سنة اخرى!، اذن فان هذه
المشاهدة الخادعة كانت على عهد جدك او قبله ويمكنه ان يؤكد بان النجمة
موجودة كونه رآها ولا يزال يراها حينئذ رؤية العين التي لا يرقى لها
الشك ثم قد يخدع احفادك ايضا الى ان تختفي رسالتها القديمة التي ظلت
ترسل صفحاتها المتاخرة على الطريق الطويل، وهي مجرد رسالة يتداولها
البريد النائي عبر الاكوان.
وعلى هذا المثال وغيره يمكن المجادلة، فكل شئ يجب ان ننظر اليه على
انه في مشرحة التنقيب والتطوير.
فالجمود عكس الحياة كانت الافكار البلشفية مثلا قد اتخذت القداسة في
الجانب الاقتصادي وقد يسميها البعض بالصرامة تخفيفا للالفاظ لكن عدم
مجادلتها بالشكل الجوهري ادت الى النكسات الاقتصادية المتلاحقة واودت
في نهاية الامر الى انهيار الدولة الشيوعية بالكامل كنظام عالمي استنزف
الكثير من الدماء والمآسي.
افكار هتلر وقداسة الدم الآري اضحت فيما بعد وصمة عار يتداولها
التاريخ بقرف واشمئزاز.
قداسة الشخصيات المعبودة التي تسلطت على الرقاب بالظلم والدكتاتورية
والاستبداد.. لتتحول فيما بعد الى ذكريات سوداء في مزابل التاريخ.
قداسة النظريات الادبية وجمود النقد العربي مثلا ظل يغذينا بخبز
الشعير ومربط الجمال وبيوت الشعر والغزو والهضاب المتربة والمتاهات
الصحراوية، ولم يفسح للتجديد ان ياخذ روح العصر.
الرؤيات السياسية والخطاب المستند الى القداسة مثل حزب يتخذ اسما
دينيا عندما تجادل معه قد يقول لك انك ترد على الرسول!!!، أي انه
لاينفتح على حقيقة الحياة وانما يتخذ الاسم كإناء مقدس لعمله الحزبي
وهو بالتالي يحافظ على نوع من الجمود الذي لا يخدم الحياة الواقعية.
ان التاريخ الوجود الانساني هو تاريخ التنوع في الاعتقادات والمذاهب
والآراء وكذلك التعدد الشامل في مظاهر الحياة المادية لجميع الاكوان
وهو ما يتماشى مع اهداف الخلق والوجود وهو سنة الله سبحانه وتعالى.
فليس دون كتاب الله من عمل او فكر او رؤية او خيال يخلو من الخطا
فكتاب الله هو الكتاب الذي يستمد كماله من الكمال الاعظم وما عمل
الانسان إلا وبه الهنّات والنقص وعدم الكمال مهما بدى في نظر الآخرين
وذلك بكون الناظر الى العمل مبتلي بذات الوهن في التلقي والتفاعل
والعاطفة والميول فليس هناك توحد في ميول الناس واذواقهم وافكارهم الى
غير ذلك.
** فلا تعبد الافكار ولكن استفد منها باعتبارها افكار جاءت اليوم
لمعالجة ظروف معينة شانها شان الادوية المتنوعة التي تتبدل بتبدل
الامراض او تحديث المختبرات الدوائية.
** لا تعبد الاشخاص فانهم مهما بلغوا من العلم فهم قاصرون فيه ولذا
فانك ترى العلماء الاجلاء يذيلون فتاواهم بـ الله أعلم.
** لاتعبد افكارك العبادة القطعية فانك عقل واحد والناس هم العقل
المتعدد الكبير.
** تحاشى النمط فان النمط مصب غاية جريانه الى الجمود.
...............................................................
المصادر/
1- احمد البغدادي
2- مجلة النبأ العدد 55 |